حوالي ممثلي 70 دولة من مختلف بقاع العالم لم تتخلف عن الموعد و المناسبة، لا " ترامب "و لا " بوتين " فضلا عن رؤساء الاتحاد الأوروبي و طبعا قادة العالم العربي، حضروا بفرنسا للاحتفاء بمئوية الحرب الكونية الأولى التي دامت ما يزيد عن 4 سنوات من الاقتتال (1914 / 1918) و الخراب و خلّفت حوالي 18 مليون قتيلا بين عسكري و مدني. و يتامى وثكالى و دمارا شاملا طال تقريبا جهات كل العالم. و في هذا السياق الاحتفالي أسأل ما الهدف من الاحتفال بذكرى حرب مدمّرة هل هو من أجل استخلاص العبرة وبناء جسور السلم و السلام بين الدّول أم من أجل استعراض العضلات مجددا أمام العالم ليقول كلّ من هؤلاء من القادة المحتفلين نحن مازلنا هنا على الساحة و لكن بأكثر شراسة و أعنف عتاد و أقوى الجيوش تمرسا و تكوينا ؟ فلو عدنا قليلا إلى الوراء إلى أسباب هذه الحرب لوجدنا و أنّ السبب المباشر هو حادثة فردية تمثلت في اغتيال ولي عهد النمسا " فرانز فرديناند " و زوجته من طرف أحد الطلبة الصربيين و ذلك في 28 جوان 1914 عندما كان في زيارة إلى " سراييفو " و لكن أيضا توجد أسباب غير مباشرة لهذه الحرب منها العلاقات الدولية المتوترة في مطلع القرن العشرين بسبب أزمة البلقان و أيضا للصراع القائم بين فرنسا و ألمانيا حول الحدود بينهما فضلا عن نمو النزعة القومية داخل أوروبا و تطلع بعض الأقليات إلى الاستقلال و لكن أهم هذه الأسباب حسب اعتقادي هو التنافس الاقتصادي و التجاري المحموم بين الدول الامبريالية لاقتسام النفوذ عبر العالم و السيطرة على الأسواق لتصريف فائض الانتاج الصناعي و المالي آنذاك و التزود بالمواد الأوّلية ممّا أدّى إلى تحالفات سياسية و عسكرية أدّت فيما أدت إلى سباق تسلح بين الدول المتنافسة و هو ما أدّى أيضا إلى رفع نفقاتها العسكرية كنتيجة لذلك السباق. و بالعودة لما طرحناه من أسئلة ضمن المقدمة هل انتفت الأسباب التّي تسببت في هذه الحرب العالمية الأولى؟ في اعتقادي بعض هذه الأسباب مازالت قائمة و خاصة منها التنافس الاقتصادي و التجاري و بسط النفوذ على بعض الدول المتخلفة سياسيا و الضعيفة عسكريا - رغم ما تزخر به من مقدّرات - لجعلها مصدرا للمواد الأولية و أيضا سوقا كبيرا لتسويق منتوجاتها فضلا عن جعلها مرتهنة لدى هذه الدول الكبرى سواء عسكريا أو كسوق لاستهلاك منتوجاتها بمختلف أنواعها الصناعية و العسكرية و التكنولوجية و حتّى اللوجستية و بالتّالي و كأنّ الاحتفاء بهذه المناسبة يكرّس هذا التوجه للدول الكبرى على حساب مستقبل الدول الأضعف و خاصة العربية منها التي وجدت نفسها أمام حدود اصطناعية رسمتها لها هذه الدول الكبرى لتبقى ضعيفة و غير قادرة على التحليق بل نضيف و حتّى بعض الدول التي اعتمدت على قدرات أبنائها لتضمن الحدّ الأدنى من الاعتماد على نفسها تصدّت لها هذه الدول العظمى – أمريكا و بريطانياوفرنسا - باستعمال الآلة الحربية لتقسم ظهرها و تعيق مشروعها تحت يافطة حقوق الانسان و الديمقراطية واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا و ما طال العراق وسوريا و ليبيا من حروب و خراب يؤكد نيّة الدول العظمى على الابقاء على كل الدول العربية – رغم ما حباها الله به من قدرات تحت و فوق الأرض – خاضعة لها و لا حقّ لها في تطوير قدراتها و هي نفس الدول التي تتزعم اليوم الاحتفاء بهذه المئوية؟ و من هذا المنطلق نقول و أنّ الحرب الأولى هي الحدث- الكارثة الذي لم نستوعبه بعد، ولم نتجاوزه كعرب، ولم نتأقلم معه عبر بناء دولٍ وهويات وأنظمة ناجحة. بل هي ما فتح الباب، منذ أوائل القرن العشرين، على العديد من سرديات الهوية والحركات الايديولوجيات التي حاولت أن تطرح إجابة على هذا التحدّي. و خلصت إلى أنّ المشكلة مرجعها الفشل الديمقراطي لأنظمتنا السياسية، أو موجة الاستبداد التّي عمّت في تلك الفترة، أو بالتالي غرقنا في موجة البكائيات على ماض تليد إلى درجة تخلّفنا على ايجاد مكان يليق بنا بين الأمم في غياب شبه كلّي ل»المقاربة المادية» والتفسير التاريخي للسياق القائم لذلك لا يمكن لحجّة الإستبداد، وحدها، أن تشكّل تفسيراً، ولا هي، في ذاتها، تشرح شيئاً كثيراً عن تاريخنا ووضعنا الحالي ومشاكلنا. لنختم بالهمس إلى كلّ القادة العرب وإن الوسيلة الوحيدة لأيّ بلد عربي، في ظلّ عصر تسوده الهيمنة بقصد ضمان وجدوده في قطار العولمة أن يبني كيانا وطنيا مستقرّا يحظى على قدر من السيادة و الاستقلال و ذلك باستعمال خطّة تضمن الاكتفاء الاقتصادي في اطار استقرار داخلي يضمن لكل مكونات المجتمع حقوقه و يدفعه على القيام بواجباته و ذلك في اطار موقف سياسي وطني تجاه هذه الدول المهيمنة و أيضا قدرة على حماية هذا المشروع الوطني و طبعا في اطار فهم مستنير لخارطة القوى و الحلفاء في العالم من حولنا بعيدا عن جرف المسألة السياسية في بلادنا إلى نقاشات حول قضايا ثقافوية و حتّى مؤسسية و ديمقراطية و حقوقية لأنّ ذلك في نظري المتواضع إلهاء عن المشاكل و التحديات الحقيقية التي تهدد عالمنا العربي في زمن التكتلات و الصراعات على منطقتنا العربية و بالتالي عليها أن نفعل كتلة قويّة و لو على مستوى المغربي العربي الكبير و أعتقد وأنّ خطوة ملك المغرب في اتجاه الجزائر لطي صفحة الماضي حول الصحراء الغربية هي خطوة في الاتجاه الصحيح ليكون هذا المغرب العربي الكبير له وزنه و كلمته في زمن التكتلات أمّا خيار الدولة القطرية وتحت أي مسمّى، وطني أو غيره فهو يعني أنّك تعزل نفسك في رقعة جغرافية مُهدّدة بالاختراق و يقع نظامها تحت كلّ أشكال الوصاية الدولية، ولا تقدر على كفاية نفسها، أو حتى على انتاج ثقافة وتلفزيون لمواطنيها له من الحرّية ولو مساحة صغيرة بل ستخضع باستمرار لتأثيرات الخارج ونفوذه.