كنت أعتقد جازما أن كمية الأمل والطموح والتفاؤل ستزداد قوة واندفاعا واتساعا بعد ثورة 14 جانفي خصوصا في أوساط الشباب. وكنت أعتقد كذلك أن المعنويات والأدبيات لدى الشباب سترتفع وبالتالي ستصبح نظرتهم الى المستقبل نظرة متفائلة وسيهيمن عليهم الإحساس بأنهم أصبحوا أقوى عزيمة وأكثر ثقة بالنفس. ولكن للأسف الشديد رأينا بعض الظواهر التي تثبت أن شبابنا مازال لم يتخذ الى الآن وبعد انتصار ثورته المباركة من الأمل سلاحا يواجه به الواقع القائم. وسأذكر من تلك الظواهر على سبيل المثال ظاهرة «الحرقان الى بلاد الطليان» فهي مازالت على قدم وساق.. ومازالت تدغدغ مشاعر شبابنا ومازالت تملأ رؤوسهم ومازالت تغريهم بالمقامرة والمغامرة ولا فرق في هذه النقطة بالذات بين الأمس واليوم. إن المرء وهو يتابع أخبار محاولات «الحرقان» والمآسي التي تنتج عنها يشعر بالأسى والحزن ويأسف كل الأسف وقد يفقد النطق تماما أمامها. وقفة تاريخية الوقفة الرائعة التي عبر عنها الشعب التونسي بكل مكوناته وفئاته وعلى جميع مستوياته مع الأشقاء في ليبيا الذين يواجهون اعصارا إجراميا وإرهابيا مرعبا وقفة ليست غريبة عن الشعب التونسي تجاه الشعب الليبي. إن التاريخ الأخوي المشترك بين القطرين حافل بمثل هذه الوقفة التي تكررت على مرّ الأجيال وفي كل المناسبات. وعندما كنا نقول ونكرر دائما ودون ملل أن الشعب التونسي والشعب الليبي ما هما في الواقع إلا شعب واحد يعيش في قطرين متجاورين لم نكن نغالي أو نبالغ أو نقدم صورة شعرية رومنطقية. لقد كنا نصف الواقع وننقل الحقيقة. إن ما يواجهه الشعب الليبي ليس بالأمر السهل.. بل هو فوق طاقة الاحتمال والقدرة البشرية وقد استنكر العالم كلّه هذا العدوان الذي لا يمكن وصفه إلا بالمجزرة الرهيبة وبحمام من الدم. وإن الملاحظ لا يستطيع أن يصدق كيف يسمح حاكم ليبيا بأن يتعامل مع شعبه وكأنه يتعامل مع غزاة أشرار غزوا بلده وهجموا عليه. ولكن هذا الاستغراب سرعان ما يزول عندما نسمع هذا الحاكم يقول على رؤوس الملأ: «أنا لست بحاكم.. وليست لديّ صلاحيات».. إن الاستغراب يزول تماما وتحلّ محله قناعة أكيدة ترتقي الى مستوى اليقين مفادها أن صاحبنا لم يعد يعرف ما يقول. إن وقفة الشعب التونسي وقفة أكثر من رائعة وتنبئ عن المعدن الطيّب لهذا الشعب الأصيل الذي لم تفسده كل محاولات الإفساد ولسوف يسجلها التاريخ ويذكرها بكثير من التقدير والاعجاب. هواء (لا يهزه) الريح!! يحدث كثيرا أن أسمع في هذه الاذاعة أو تلك.. أو في هذه القناة أو تلك ما يجعلني أشك في سلامة مداركي العقلية فأروح أتساءل: هل ما أسمعه هو بالفعل كلام منطقي.. ومعقول.. ومرتب.. يقوله عقلاء أم أن المشكلة فيّ أنا الذي تجاوزتني الأحداث ولم أعد أملك القدرة العقلية على فهم هذا الذي يقال وعلى هضم هذه الأفكار إن كانت هي كذلك بالفعل؟ إنني كثيرا ما ألوذ بعبارة «هزان ونفضان» فهي قد تفسر بعض ما أسمع ولكنني سرعان ما أطردها من أمامي وأعود الى الشك في قدراتي العقلية الذاتية. إن نفسي تقول الى نفسي: إنك أنت الذي لم تعد قادرا على فهم ما تذيعه تلك الاذاعات والقنوات فلا تلم سواك ولا تطلب منهم أن يكونوا مثلك. ولكن المشكلة أن ما يقال على الهواء ليس بالهواء.. إنه يؤثر في النفوس ويتحول الى تصرفات وسلوكيات. الكلام للأسف الشديد ليس هواء (يهزه) الريح!! لقد كنا نقول «كلام الليل مدهون بالزبدة» ولكن هذا الكلام الذي تذيعه بعض الاذاعات والتلفزات في الليل يتحول في اليوم الموالي إلى عنف وخشونة وأفعال أقل ما يقال فيها أنها ضارة وخطيرة.. و«الله يهد