عاجل : الأساتذة النواب سيتوجّهون إلى رئاسة الجمهورية    خبير في السياسات الفلاحية: الحشرة القرمزية تُهدّد القطاع الفلاحي    بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم: محاكمة هذا الممثل الفرنسي الشهير    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    طقس الثلاثاء: أمطار غزيرة بالشمال الغربي مع تساقط البرد    طقس اليوم : 'أمطار رعدية متوقعة بالشمال ومحليا الوسط والجنوب    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    احتضنتها القرية السياحية بالشفار ... «دورة أوكسيجين» تصنع الحدث    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    "معركة بالأسلحة النارية" تودي بحياة 4 ضباط أميركيين    قبلي: «نفزاوة سيتي» في المعهد العالي للدراسات التكنولوجية    المهدية: الوحدات البحرية تنتشل 9 جثث لفظها البحر...التفاصيل    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    أخبار الملعب التونسي ...استياء من التحكيم وانتقادات لاذعة للجويني    بدعم من البنك الألماني للتنمية...تجهيز كلية العلوم بقفصة بالطاقة الشمسية    وزيرة الاقتصاد: تونس منصة استراتيجية للاستثمار ولتوسيع الأعمال نحو الفضاءات المجاورة    متابعة/ الجبابلي يفجرها ويكشف سبب اخلاء عمارة بصفاقس من الأفارقة بالقوة العامة..#خبر_عاجل    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    «تراثي الرقمي في مدرستي»...تظاهرة ثقافية تربوية... تستهدف 5 مدارس ريفية    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    أخبار باختصار    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لم أحرق؟! (12)
نشر في الصريح يوم 23 - 04 - 2011

لم تتوقف الموسيقى الصاخبة.. ولم يتوقف الرقص الماجن.. ولم تتوقف الهتافات.. والصراخات.. والآهات.. ولكن الشخص الذي طلب مني أن أصفعه أكثر يتأوه أكثر كان من سواه.. لقد دخل بعد أن صفعته في حالة نشوة.. وكأنه سكر الى حد الثمالة.. وصار يهذي.. ثم وجه بصره نحوي وهو يقول: «غراتسي.. غراتسي»..
وماهي إلا لحظات حتى ركع أمامي وأخذ يحاول أن يقبل قدميّ ثم صار يتحسسني شيئا.. فشيئا.. فدفعته بقوة وغضب فسقط على الأرض شبه مغشي عليه..
ولما رأت فيفي هذا المنظر توقفت عن الرقص.. وجاءت تجري وهي تسأل: ماذا فعلت بالرجل يا مجنون.. إنه مارسيلو الفنان الرقيق والحسّاس..
ولكن فاجأنا الفنان الحساس بأن تقدّم منّا وهو في حالة هياج.. وهيستيريا..
قال لي: لا تتركني.. يجب أن تزيدني.. وسأعطيك ما تريد..
استغربت.. ولم أفهم شيئا..
واحتضنته فيفي وحاولت تهدئته وقالت لي: أوه.. مارسيلو.. يا «مارمارا» العزيز أترك روبرتو لي هذه الليلة.. أنا أحوج منك إليه..
ولم أفهم!!!
ماذا تريد مني فيفي..؟ وماذا يريد مارمارا..؟ ثم ما هذا الاسم الغريب لرجل يبدو أنه يشكو من خلل ما..
قلت لنفسي: يبدو أنني دخلت عالم المهووسين.. أو المجانين.. أو الممسوسين..
وأنا أفكر في المأزق الذي وقعت فيه رأيت شخصا يقتحم حلبة الرقص ويستولي على اهتمام كل الحرفاء وأخذ يرقص رقصات تفكرني برقصات بوسعدية..
كان هذا الرجل بجثته الضخمة ولحيته المتوحشة وشعره الطويل وحركاته البهلوانية يشبه أحد شيوخ الطرق الصوفية الذي كنت أراه بجامع سيدي أحمد المراكشي وكان هذا الشيخ لا يطلب من الناس ومن زواره إلا قصعة كسكسي بالرأس.. أو بالعصبان..
كان يقول: قضيتك إن شاء الله مقضيّة.. أما الكسكسي لازم.. أعطيو باش ربي يعطيكم..
وكان الإيطالي الذي استولى على حلبة الرقص يلهث.. ويصرخ.. ثم سقط مغشيا عليه وهو ينفخ.. ويقول كلاما غريبا وغير مفهوم فيتقدم هذا ليسأله فيقول له كلاما غير مفهوم فيضحك ويفرح.. وتتقدم هذه لتسأله فيتمتم لها بكلام غير واضح فتفرح..
وهكذا.. كان الواحد تلو الواحد يسأل عن الصحة والمال والحبّ وماذا يخبئ لهم المستقبل..
وفهمت بالقوة أن هذا الشخص هو العرّاف الأشهر في باليرمو ولكنه لا يكشف عن الغيب إلا بعد أن يرقص بعنف إلى أن يسقط مغشيا عليه وعند ذلك فقط يستطيع أن يتنبأ.. ويكون في ما يشبه الغيبوبة.. ومع ذلك فهو يعرف بعد أن يستيقظ زبائنه الذين قدم لهم خدماته فيقبض من عندهم مكافآته.. وعندما ذهبت اليه فيفي وسألته قال لها كلاما جعلها تسرع الى حكّة نفّتها وتخرج منها ما استنشقته بقوة وسرعة فاستعادت عافيتها وبهجتها وقوتها وانخرطت في موجة من الضحك..
نظرت إليّ في عينيّ مليا وسألتني:
هل تعرف بماذا أنبأني باولو فانفاني؟
لا أعرف.. أجبتها..
قالت:
لقد أخبرني بأنني عثرت أخيرا على من سيخرجني من سجن الوحدة.. ومن سيعطيني المتعة.. ومن سيسافر بي الى القمر..
سألتها: ومن يكون هذا السوبر مان..؟
قالت: أنت يا صغيري.. يا بطلي.. يا روبرتو الرائع.. أخيرا نزلت إليّ من السماء..
وما إن نطقت بالجملة الأخيرة حتى عاد مارسيلو ووقف أمامنا ليقول لي: لقد وعدتك بالمزيد من الليرات.. وها أنا أفي بوعدي..
وأخرج من حقيبته حزمة من الليرات وقدمها..
أخذتها وكأنني أخطفها وأنا أسأله: طيّب ماذا تريد..؟
قال: تأخذني الى مكان نكون فيه وحدنا وتضربني بحزامك الى أن أقول لك «ستوب»..
ولكن فيفي.. تدخلت وقالت له: أرجوك يا عزيزي.. يا مارمارا الليلة هو لي.. ولن أتركه.. وفي المرة القادمة سأتركه لك وتطلب منه ما تشاء..
وغادرنا مارمارا وهو يبكي كالطفل.. ولكن فيفي لم تكترث لبكائه وعادت الى حلبة الرقص لتمارس جنونها وتركتني بمفردي أواجه النظرات الغريبة والمريبة..
جلست أفكر في هذه الورطة التي ورّطت فيها نفسي..
أعجبتني الليرات..
وأعجبتني السهرة..
ولكن الجوّ لم يعجبني..
وبدأت أشك في فيفي.. ومن تكون.. ورحت أتساءل ماذا تخفي.. ثم إن استهلاكها للمخدرات أزعجني..
كل ما كان يدور حولي في هذا المكان لا يطمئن.. وطلبت من النادل أن يأتيني بكأس شاي ساخن فضحك وسخر مني..
كأس شاي في الثالثة صباحا.. هكذا قال لي باستغراب..
ثم استدرك وقال: سآتيك بما هو أحلى من الشاي.. فجاءني بكأس قال إنه علاج للتعب من السهر والصداع..
تناولته دفعة واحدة وإذا هو حارّ جدا.. وماهي إلا برهة من زمن حتى تلاعبت بي الصور والمشاهد واختلطت الأمور عندي وصرت أنا لست أنا..
لا أدري ماذا حدث لي..
لقد نسيت رغبتي في الحرقان ومشروع الحرقان.. والغاية من مجيئي الى باليرمو..
نسيت كل شيء.. وترسّخ الاعتقاد بداخلي أنني روبرتو مارتيني بالفعل فتقدمت من حلبة الرقص وخطفت الميكروفون وتوجهت الى الجميع بقولي:
استمعوا جيّدا..
وانتبهوا جيّدا..
إن روبرتو مارتيني يكلّمكم.. ويسهر معكم.. ويطلب من كل واحد منكم أن يفتح زجاجة شمبانيا ويشربها لوحده على نخب انتصارات وبطولات روبرتو مارتيني ثم بعد ذلك نرقص جميعا رقصة النصر.. وسأعلمكم كيف ترقصونها..
ولكن!
شباب يحبّ «يهجّ»!!!
يبدو لي أن أكبر فشل سجله المجتمع المدني اليوم بكل أطيافه وألوانه و«اجتهاداته» هو هذا الاحباط الكبير الذي استولى على أولادنا وحوّلههم الى شبه يائسين..
إن «الحرقان» لم يتوقف بعد الثورة بل زاد بشكل مخيف ومريع وملفت للنظر وأصبح عدد الذين يحرقون الى ايطاليا بالآلاف.. ومنهم من ابتلعهم البحر.. ومنهم من استطاعوا الوصول الى الأراضي الايطالية ولكنهم يعانون الآن ما يعانون..
أما الانتحار بالنار فإنه متواصل بصورة تدعو الى الانزعاج والتساؤل والأسى والأسف..
شبان صغار يصبّون على أجسادهم البنزين فيحترقون.. ومنهم من يموت.. ومنهم من يبقى يعاني من حروق بليغة..
وقد قرأت أمس عن شاب في مقتبل العمر حاول اجتياز الحدود الجزائرية ولما طارده من طارده رمى بنفسه في وادي مجردة..
وأظن أن كل الأحزاب والجمعيات التي صارت ما شاء الله في تونس بالعشرات لم تنجح في تأطير شبابنا وفي زرع الأمل داخلهم..
لقد فشلت فشلا ذريعا في تحصينهم ضدّ الاحباط ولم تفتح في وجوههم آفاق الأمل ولم ترفع من معنوياتهم وأدبياتهم وتبني بداخلهم الثقة في النفس..
إنني أعتقد اعتقادا جازما أن أحزابنا وجمعياتنا فشلت فشلا ذريعا في إقامة جسور التواصل والاتصال والحوار مع الشباب فهم في واد.. والشباب في واد آخر.. والمسافة بينهما مسافة ضوئية..
وأتحدى أي حزب من هذه الأحزاب أن يجمع مائة ألف شاب في اجتماع ما.. بل أذهب أكثر من ذلك فأقول إنها لا تستطيع أن تجمع حولها ربع ذلك الرقم.. إنها أحزاب من دون قواعد..
إن الشباب الذي ثار وتمرّد وانتفض وصنع ثورة 14 جانفي فعل ذلك دون قيادة توحده او تقوده.. وهو مازال كذلك حتى بعد الثورة.. ويبدو لي أنه الى الآن مازال يبحث عن مخرج من أزمته التي مازالت قائمة والتي ربما تفاقمت أكثر.. وكبرت أكثر.. وربما «خمجت» أكثر.. بدليل أن «الحرقان» متواصل.. والانتحار متواصل.. والإحباط متواصل..
والمشكل أن هناك مشاكل أخرى ثانوية وربما فيها ماهو فرعي طغت على المشكل الأصلي.. مشكل الشباب الذي مثّل جوهر الثورة..
لقد طغت أصوات.. وشعارات.. وخطب.. ومطالب.. واعتصامات.. على قضية من أكبر وأخطر القضايا وهي قضية الشباب الذي أصبح يعيش بلا طموح.. وبلا هدف.. وبلا أمل.. وبلا رغبة لا في الدراسة.. ولا في الاجتهاد.. ولم تعد تسكنه إلا رغبة واحدة وهي «الهجّان» من البلاد..
وبلاد شبابها بهذه الحالة النفسية وعلى هذه الصورة البائسة وبهذا الأسلوب من التفكير بلاد تعاني من خلل كبير في نسيجها الحضاري العام ما في ذلك شكّ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.