بداية علينا أن نوضح تجنبا لأي خلط أن ما نتحدث عنه هو نوع من القشريات المفترسة التي زحفت على السواحل التونسية في السنوات الأخيرة وهو ما يعرف بالسلطعون في بعض المناطق بعقرب البحر أما سبب تسميته بداعش البحر فهي مسألة سنعود اليها. هذا النوع من القشريات لم يكن معروفا كونه متواجد في مياهنا التونسية ولا حتى في البحر الأبيض المتوسط لكن بداية من سنة 2014 بدأ البحارة يلحظون تواجده في شباكهم خاصة في سواحل قابس ثم صفاقس ليصل بعد ذلك الى سواحل أخرى ولو بأقل كثافة . نعود لسبب التسمية بداعش البحر وهي أن هذا السلطعون يتكاثر بشكل غريب ومبالغ فيه ففي سنة 2014 كان تواجده ملاحظ لكنه قليل نوعا ما لكن مع دخول 2015 زاد العدد بكثرة مهولة وغير طبيعية ليصبح الأمر أشبه بالزحف في سنة 2016 ثم 2017. هذا الكائن معروف عنه كونه مفترس ولا يترك شيئا لا أسماكا ولا أنواع أخرى من القشريات بما فيها "القمبري" الذي يمثل صيده كنزا ثمينا للبحارة نظرا لغلاء شعره كما أنه يتغذي على الحبار أي "القرنيط" ويفترسه. اضافة الى هذا فان هذا السلطعون وعند وقوعه في شباك الصيادين بأعداد كبيرة يمزقها اربا ويجعلها غير صالحة للاستخدام أي أنه كما يقال لا يترك لا أخضر ولا يابس الا ويأتي عليه افتراسا وتمزيقا. الغريب في الأمر أن كيفية تواجده ووصوله الى المياه التونسية وأيضا مياه البحر الأبيض المتوسط مجهولة الى الآن فوفق خبراء فان هذا الكائن يتواجد عادة في المحيطين الهادئ والهندي والبحر الأحمر لذلك فسر بعضهم وصوله وانتقاله الى المتوسط عند فتح قناة السويس لكن هذا التفسير لا يصمد أمام الواقع ففتح هذه القناة كان منذ قرن تقريبا فلماذا يصل يظهر في المتوسط الآن بما في ذلك في المياه البحرية التونسية؟ تفسير آخر ذهب كونه جاء من قبل سفن الصيد التي باتت تدخل مياهنا خلسة أو تقترب منها لكن علميا لم يتم اثبات أي تفسير واضح والأغرب من ذلك أن وزارة الفلاحة والصيد البحري لم تكلف نفسها البحث في هذا الملف بل انها لم تتحرك للتعامل مع هذا الكائن الا سنة 2017 وبعد استفحال أمره. بالنسبة للبحارة فانهم يئسوا من ايجاد حل للتعامل مع هذا الكائن المخرب لذلك أطلقوا عليه تسمية داعش البحر وهي تسمية تعكس مقدار الخراب الذي ألحقه بهم. لكن رغم هذا فان عددا منهم سعى لإيجاد الحل بطريقته الخاصة من خلال استغلال تكاثر هذه الكائنات بصيدها وترويجها في الأسواق الداخلية لكنها لم تلق الرواج المطلوب فكانت أسعارها منخفضة جدا وتتراوح بين 4 و 5 دنانير عند البيع لا أكثر . لكن بعد تكاثر التشكيات من قبل البحارة تدخلت المندوبيات الجهوية للصيد البحري في قابسوصفاقس وعملت على تشجيع البحارة لصيد هذا الكائن بكثرة ووفرت لهم مجالا لبيعه وهو ما أحدث نقلة نوعية في التعامل معه حيث تم اكتشاف كونه مطلوب بكثرة في عديد الأسواق الخارجية في آسيا والخليج وخاصة تركيا بل انه يباع هناك بأسعار مرتفعة جدا لكن حتى هذا لم يمثل حلا للصيادين حيث أن أسعار الشراء بقيت منخفضة . لكن رغم ذلك فان بلادنا تمكنت خلال العام الماضي من تصدير حوالي 2500 طنا من السلطعون الأزرق وفر ما لا يقل عن 5 مليون دينار . هذا المجال التجاري التصديري الذي فتح لا يجب أن يغطي حقيقة وهي أن عدم دراسة هذا الكائن وكيفية تكاثره والتحكم فيها سيؤدي الى اختلال التوازن البيئي بكل من خليجي قابسوصفاقس وهي رسالة ملحة لوزارة الفلاحة حتى تولي هذا الملف ما يستحقه من اهتمام قبل فوات الأوان. محمد عبد المؤمن