إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    سيدي بوزيد: تواصل عمليات التحسيس حول التوقي من داء الكلب    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 28 أفريل إلى 3 ماي 2025)    مع محمود"... الصحراء الغربية ، الخلاف التاريخي بين المغرب و الجزائر "    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل/ سقوط صاروخ أطلق من اليمن قرب المطار الرئيسي في إسرائيل..    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    الاطاحة بتلميذين بصدد سرقة الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية..!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    جيش الإحتلال يقر بسقوط صاروخ أطلق من اليمن في محيط مطار بن غوريون في تل أبيب    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    باكستان تغلق موانئها أمام السفن الهندية    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    برشلونة يقلب الطاولة على بلد الوليد ويبتعد بصدارة "الليغا"    الدوري الفرنسي.. باريس سان جيرمان يتلقى خسارته الثانية تواليًا    مؤشر إيجابي بخصوص مخزون السدود    صفاقس : المسرح البلدي يحتضن حفل الصالون العائلي للكتاب تحت شعار "بيتنا يقرأ"    غدا: حرارة في مستويات صيفية    بداية من 6 ماي: انقطاع مياه الشرب بهذه المناطق بالعاصمة    الأطباء الشبان يُهدّدون بالإضراب لمدة 5 أيّام    الرابطة الأولى: الاتحاد المنستيري يتعادل مع البقلاوة واتحاد بن قردان ينتصر    نادي ساقية الزيت يتأهل لنهائي الكأس على حساب النجم    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: المنتخب التونسي يضيف ثلاث ميداليات في منافسات الاواسط والوسطيات    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    منوبة: 400 تلميذ وتلميذة يشاركون في الدور النهائي للبطولة الاقليمية لألعاب الرياضيات والمنطق    طقس الليلة: الحرارة تصل الى 27 درجة    العاصمة: بعد تنفيذه لبراكاج وسلبه أموال وأمتعة مواطن...منحرف خطيرة في قبضة الامن    قرابة 144 ألف تلميذ يجتازون انطلاقا من يوم الإثنين المقبل امتحانات "البكالوريا التجريبية"    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    فتح بحث إثر تعرّض منزل منصف المرزوقي بالقنطاوي إلى السرقة    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    عاجل/ الجيش الاسرائيلي يعلن إنتشاره في جنوب سوريا    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : هل صحيح أن بورقيبة إستلهم من الملك فيصل "فكرة خذ وطالب وسياسة المراحل"
نشر في الصريح يوم 15 - 12 - 2018

من التصريحات التي قيلت في الآونة الأخير و مرت في مختلف وسائل الإعلام مرور الكرام من دون أن تحدث ضجة كان يجب أن تحدثها لخطورتها ومن التصريحات التي لم ينتبه إليها المؤرخون وكل من يدعي انتسابه للحركة الدستورية ويعتبر نفسه سليل الفكر البورقيبي الذي عاد الحديث عنه بقوة بعد الثورة ، ما قاله الرئيس الباجي قائد السبسي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان أناء زيارته إلى تونس " بأن الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود هو من ألهم الرئيس بورقيبة إتباع سياسة خذ وطالب وهو من نصحه بتوخي استراتيجية المراحل مع المستعمر الفرنسي وذكره بأنه مقبل على الاستقلال وهذا ما يجعله في حاجة إلى اتباع سياسة ذكية بدل استعمال القوة لإخراج فرنسا الاستعمارية من الأراضي التونسية ."
هذا التصريح الذي مر في غفلة من الجميع قد جعل رئيس الدولة يقع في خطأين اتصاليين الأول حينما تطرق إلى موضوع السياسة الخارجية للرئيس بورقيبة وتحدث عن المنهجية التي اتبعها مع المستعمر الفرنسي للحصول على استقلال البلاد حيث ما كان عليه أن يبدأ حديثه مع العاهل محمد بن سلمان بتلك الطريقة وقد كان في غنى عن ربط استراتيجية الرئيس بورقيبة بالملك فيصل وهو خطأ مكلف للذاكرة الوطنية ومحرج للحقيقة التاريخية ومزعج لصورة الرئيس بورقيبة الذي تحولت تجربة حكمه اليوم إلى مادة يستلهم منها مناصروه وأتباعه حلولا للكثير من المشاكل المعاصرة بعد أن حولوا تجربته إلى نظرية وفكر أطلق عليها إسم " البورقيبية " يقع التباهي بها اليوم لعقلانيتها وجدواها العملية.
والخطأ الاتصالي الثاني هو أن تصريح رئيس الجمهورية قد نسف ما كنا نعتقده عن الرئيس بورقيبة من كونه شخصية عبقرية وشخصية تتمتع بدهاء سياسي كبير وبكونه زعيم يتمنع بفكر وعقل ثاقب وينفي ما كان يعتقد من كون مقولة خذ وطالب وفكرة المرحلية هي من صنيع الرئيس بورقيبة لنكتشف اليوم أن الحقيقة خلاف ذلك وأن سياسة بورقيبة مع فرنسا الاستعمارية هي أفكار كان قد نصحه بها الملك السعودي فيصل في إشارة إلى قصورنا وبقائنا دوما تابعين لغيرنا في كل شيء حتى في أفكارنا وتصوراتنا.
فهل فعلا أن الملك فيصل هو من أشار على الزعيم بورقيبة وهو لا على وشك الدخول في مفاوضات مع فرنسا حول استقلال البلاد أن يتوخى سياسة المراحل وأن يعتمد فكرة خذ وطالب ؟ وهل يصح هذا القول من وجهة النظر التاريخية وما تثبته الأحداث و ما هو مدون في تاريخ الأفكار ؟
في ظل الصمت الرهيب للمؤرخين وكل المشتغلين بتاريخ الحركة الوطنية الذين وجدناهم في السابق متحمسين لمن ناقش وثيقة الاستقلال وحقيقته وألفناهم متصدين لمن يطالب بكتابة جديدة لتاريخ الحركة الوطنية بطريقة تقربه إلى حقيقة ما حصل وإعادة كتابة تاريخ تونس المعاصر الذي غيبت منه الكثير من الأحداث المهمة والشخصيات المؤثرة فاليوم نجدهم لا يحركون ساكنا أمام ما صدر عن رئيس الجمهورية من كلام قد يعد إساءة للرئيس بورقيبة وفيه مغالطة لتاريخ البلاد فإنه من الضروري التوقف قليلا عند هذا الموضوع والحفر في قضية السياسة الخارجية التي عرف بها الزعيم بورقيبة والغوص في فكره حتى نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في تصريحات الباجي قائد السبسي.
لذلك رأينا من المفيد أن نعود إلى كتاب " البورقيبية والسياسة الخارجية لتونس المستقلة " للكاتب الألماني " فيرنر روف " وهو مؤلف مهم يلقي الضوء على جوانب مهمة من تاريخ تونس المعاصر ويكشف الكثير من الحقائق عن شخصية الزعيم بورقيبة وهو كذلك كتاب كان في الأصل رسالة دكتوراه أعدها المؤلف عن البورقيبية استغرقت منه خمس سنوات من البحث والإطلاع قضاها في تونس من سنة 1962 الى سنة 1967 متجولا في المكتبة الوطنية التي وجد فيها كل ما نشرته الصحف التونسية و التقى خلالها العديد من الرموز الوطنية على غرار المنجي سليم ومحمد المصمودي ومحمد الصياح الذي لعب دورا كبيرا في تسهيل عمله وقد حول الكاتب رسالة الدكتوراه إلى كتاب بقي بلغته الأم ولم ير النور بالحرف العربي إلا بعد الثورة وتحديدا في سنة 2013 بعد ترجمته من قبل الدكتور الصحبي ثابت بسبب اعتراض بعض القادة السياسيين عن ترجمته إلى اللغة العربية إلا بعد حذف الفقرات التي ينتقد فيها الكاتب الرئيس بورقيبة.
في هذا الكتاب الذي اشغل فيه صاحبه عن السياسية الخارجية لبورقيبة وتناول مسألة صحة امتلاك بورقيبة لنظرية وفكر يمكن أن نطلق عليهما مصطلح البورقيبية وهل يوجد فعلا لدى الرئيس بورقيبة فكرا يرتقي إلى مستوى النظرية على غرار النظريات الفكرية أو الفلسفية المعروفة ؟ نقف على تحليل واسع لهذه القضية حيث يذهب الكاتب إلى أن البورقيبية التي كثر الكلام عنها ليست نظرية على غرار الناصرية وليست فكرا كالذي نجده عند الفلاسفة والمفكرين أو سياسة يحركها اختيار ايديولوجي وإنما البورقيبية في حقيقتها هي آلية و تخطيط وإستراتيجية اتبعها بورقيبة للتخلص من الاستعمار الفرنسي وبرنامج عمل توخاه لإنهاء الاستعمار وإنهاء الصراع الفرنسي التونسي واستعادة الشعب لأراضيه وتأسيس دولة مستقلة حيث فهم بورقيبة واقتنع بعد عودته من القاهرة التي ذهب إليها لكسب التأييد والمساندة العربية للقضية التونسية أنه لا يمكن التعويل على العرب في مسعاه التحرري وأنه من الصعب تكوين جبهة شمال إفريقية تنشط ضد فرنسا كما فهم أنه لا يمكن التعويل على التأييد الغربي للقضية التونسية وأن الحل الوحيد يكمن في الاعتماد على النفس لجعل تونس تفك ارتباطها عن المستعمر وتحقق استقلالها لذلك قام بورقيبة برسم خطة وإستراتيجية لمقاومة المستعمر وإجباره على التفاوض والجلوس على طاولة الحوار تقوم على عناصر ثلاثة الأولى فكرة خذ وطالب من خلال تقديم حزمة من المطالب لنيل ما يمكن نيله والثانية اتباع سياسة المراحل من خلال القيام بخطوة إلى الوراء من أجل كسب خطوتين إلى الأمام من باب التنازل الايجابي بغاية الانسلاخ التدريجي عن الاحتلال حتى الوصول إلى الهدف النهائي والثالثة والأهم والذي لا يذكره أحد ترك العدو دوما في وضعية صعبة وحالة نفسية غير مريحة تنتهي به في الأخير إلى التنازل والقبول بالأمر الواقع . من خلال هذه الاستراتيجية أمكن لبورقيبة أن يرغم فرنسا على الخروج من التراب التونسي دون خسارة الكثير في الأرواح.
يقول الكاتب هذه السياسة التي اقتنع بها بورقيبة في تعامله مع فرنسا بديلا عن سياسة القوة واستعمال المقاومة المسلحة قد اكتسبها من خلال دراسته للحقوق في فرنسا واحتكاكه بالاشتراكيين والأفكار التنويرية وإطلاعه على وضعية المستعمرات الفرنسية وتجارب الشعوب المستعمرة وبعد قيامه بقراءة للواقع العربي والمحلي والإقليمي ليخرج في النهاية بخطة طريق بأهداف وآليات ومراحل .
ما أردنا قوله من خلال هذه العودة السريعة والمقتضبة لهذا الكتاب المهم عن سياسة بورقية الخارجية هو القول أنه ليس صحيحا أن الملك فيصل هو من ألهم بورقيبة فكرة خذ وطالب وفكرة سياسة المراحل للوصل إلى الاستقلال وإنما الصواب على عكس ما ذهب إليه الرئيس الباجي قائد السبسي أن هذه الاستراتيجية التي توخاها الراحل بورقيبة هي من تدبيره هو وتصميمه الخاص توصل إليها بعد سنوات من ممارسته للعمل الوطني وبعد اطلاعه على تجارب الشعوب المستعمرة ومن قراءة موفقة للواقع العربي والمحلي والدولي قادته إلى قناعات جسدها في خطة للتخلص من المستعمر بأقل الاضرار رغم مسارها الطويل والشاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.