لكم تضحكني في كثير من الأحيان دعوات منظمة الدفاع عن المستهلك واعتبرها من النوع الذي قال فيه السابقون الذين كثيرا ما تكلموا ونصحوا الناس علنا وجهرا (كلامك يا هذا في النافخات زمرا) او يصدق فيها ايضا تلك الحكمة الرائعة القديمة الصادقة المسموعة(ان فلانا ينفخ في قربة مقطوعة) فالتونسيون لا يصغون في اغلب الاحيان لنصائح هذه المنظمة لا من بعيد ولا من قريب فلا من ممتثل ولا من مجيب فكم من مرة نصحت المنظمة بعدم الاقبال على اضحية العيد ولكنها ترى ونرى معها الناس يقبلون ويتنافسون عليها بلهفة كبيرة وباقبال شديد؟ وكم من مرة نصحت هذه المنظمة بالاعراض عن عصيدة الزقوقو او الصنوبر الحلبي ولكن لا تجد لها من يسميع لا من يجيب ولا من يطيع ولا من يلبي؟ اقول هذا الكلام واذكر به في هذه المرة ايضا وانا اسمع هذه المنظمة تدعو التونسيين الى شيء جديد عجيب غريب وهو مقاطعة المغازات الكبرى التي تعودوا عليها والفوها والفتهم منذ سنين ليست بالقليلة واصبحوا لهم معها حكايات وقصص عرضة طويلة فمن منا لا يسمع الناس يقولون كل صباح وكل مساء انهم ذاهبون الى المساحة التجارية الفلانية للتجول والتسلية او للشراء والاقتناء؟ لقلد اصبحنا نرى التونسيين منذ سنوات يقبلون على هذه المساحات التجارية بصفة مكثفة خاصة في ايام العطل وايام الراحات ويملؤون منها منها الصناديق والساشيات والأقفاف و(الشاريوات) اما عن اقبالهم عليها اذا قبضوا الجرايات و الشهريات فتحدث عنه وقل فيه ما شئت من الكلمات ومن العبارات فانهم يقبلون في هذا الموعد وينقضون ويهجمون ويزحفون على هذه المغازات وعلى هذه المساحات الكبرى ولا يتركون فيها من السلع لا بضاعة صغيرة ولا بضاعة كبرى وترى الناس مزدحمين على الكاسات يدفعون عشرات ومات والوف الدينارات ولو رآهم مؤرخنا ابن خلدون رحمه الله صاحب كتاب ديوان المبتدا والخبر لشبههم وشيه زحفهم كما شبه زحف بني هلال بالجراد المنتشر فهل بعد هذه الحقيقة الواضحة الناطقة الصادقة تطمع وترجو منظمة المستهلك ان يستمع وينفذ ويستجيب التونسيون الى دعوة هذه المقاطعة؟ وهل تتصور هذه المنظمة ان الدكاكين الصغرى التجارية المحدودة في الميزانية المعروفة لدى التونسيين باسم العطرية التي تناقص عددها بصفة كبيرة بعد انتشار المساحات والفضاءات التجارية الكبرى ان تقوم مقام هذه المساحات وتلبي رغبات المتبضعين الذين تعودوا على اختيار وتنقية ما شاؤوا منها بكل راحة وفي كل الأوقات ؟ وهل يشك العقلاء في ان هذه العطريات القليلة المتبقية في بعض مناطق البلاد ستندثر قريبا اذا عم العمران وكثرت العمارات السكنية التي اصبحت تتكاثر وتتناسل بسرعة لم تخطر على بال؟ ولقد سمعنا باداننا ان اصحاب هذه العطريات القليلة التي بقي اغلبها منتصبة في الأحياء الصغيرة الشعبية وخاصة قرب المدارس والمعاهد الثانوية يقولون بلوعة وحرقة قوية انه لولا تلاميذ هذه المعاهد وهذه المدارس لاغلقوا دكاكينهم ولاصبحت اشبه شيء بالقبر وبالرسم الدارس الذي قال فيه امرؤ القيس رحمه الله في ذلك الزمان البعيد الأول(وهل عند رسم دارس من معول)؟ فليت منظمة المستهلك اعانها الله في معرفة الواقع وفهم كنهه ومحتواه تستفيق وتنصح نصائح واقعية يمكن للتونسيين تطبيقها بكرة وعشيا حتى لا يضيع كلامها ونصحها ويذهبا سدى وحتى لا يشيح ريقها على طول الخط وعلى طول المدى او لم تسمع بقول ونصيحة ذلك الحكيم القديم رحمه الله ونور بانواره رمسه ووسع بقدرته قبره (ان العاقل اللبيب هو الذي لا يتكلم كلاما يرد عليه ولا يسمع منه ويحشم وجهه)