تلقيت بشديد الاسى والحسرة خبر وفاة المربي الفاضل والاعلامي القدير الاستاذ عبد الحميد القسنطيني رحمه الله واسكنه فراديس جنانه، عرفته في مقرين مقر سكناه وسكناي في ستينات القرن الماضي وكان آنذاك في اوج العطاء التربوي والثقافي والاجتماعي والكشفي والحزبي الدستوري يضاف الى ذلك إشرافه على أعرق مجلات الاطفال في تونس وفي كل العالم العربي اعني بذلك مجلة (عرفان) وما أدراك… ومن منا في مرحلة التعليم الابتدائي من لم يشترك اويقتني هذه المجلة الرائدة ومن منا معاشر الآباء والامهات من لم يحرص على ان يزود ابناءه وبناته بمجلة(عرفان) حرصا منا على ان يتزودوا بما يحتويه كل عدد جديد منها على زاد معرفي متنوع يتناسب مع مستويات الاطفال في تلك المرحلة المبكرة من اعمارهم... كان المربي الفاضل عبد الحميد القسنطيني رحمه الله من اولئك الصفوة من الزيتونيين العصاميين الذين جمعوا الى تكوينهم الشرعي واللغوي الشامل والعميق تكوينا عصريا بيداغوجيا يتناسب مع حاجيات المتعلمين ولم يكتف عبد الحميد القسنطيني بالتعليم والتلقين بل اضاف اليه هذا النشاط الثقافي والتربوي الموجه للاطفال والمتمثل في إصدار مجلة (عرفان) التي اقنع الاستاذ عبد الحميد القسنطيني بإصدارها المسؤولين في الحزب والدولة فاذنوا له بخوض هذه المغامرة، ونجح فيها ايما نجاح شكلا ومضمونا واتاحوا له الفرصة ليكشف عن ابداعه فاذا ب(عرفان) تتلقفها الأيدي ويوصي بها المربون في كل المدارس الابتدائية في كامل تراب الجمهورية، بل ويتجاوز الطلب عليها حدود البلاد الى خارجها في البلاد المغاربية والعربية وما ذلك الا لتنوّع مادتها وخفتها واعطائها الصورة والرسم وغيرهما نصيبهما في مادة مجلة (عرفان) المتنوعة الجامعة بين الاصالة بما تعنيه من تمسك بمبادئء وقيم الدين والتعلق بالوطن وبكل مايتصل به والمعاصرة في مواكبة لكل جديد مفيد اضافة الى ذلك وهو في حد ذاته شيء عظيم فان الاستاذ عبد الحميد القسنطيني رحمه الله كانت له انشطة عديدة أخرى مارسها بشغف وهمةعالية فكان عضوا لسنوات طويلة ودورات عديدة للشعبة الدستورية في مقرين وكان عضوا في عديد الهيئات المحلية كجمعية المحافظة على القران الكريم ومنظمة التربية والاسرة والكشافة التونسية وفي كل هذه المواقع والمسؤوليات التي تحملها كان مثالا للإخلاص والتجرد والتواضع والخلق الرضي والتدين الصادق الخالص الذي لاتشوبه اية شائبة من رياء وهو تدين موروث فوالده الحاج عبد السلام رحمه الله كان جارا للمسجد الكبير بمقرين الذي باشر فيه خطة الاذان وكان الوالد الشيخ الحبيب المستاوي رحمه الله الامام الخطيب والاب الروحي لكل ابناء مقرين الذين يحفظون له ولمن كانوا معه من تلك الصفوة والنخبة من ابناء مقرين ومنهم الفقيد العزيز عبد الحميد القسنطيني ما أنجزوه لمنطقة مقرين مما لايزال شاهدا على صدق تدينهم وإخلاصهم في اعمالهم وتعلقهم الشديد بوطنهم تونس العزيزة فلا تعارض لديهم بين رسوخ ايمانهم وحبهم لوطنهم وهي خصوصية اغلب الزيتونيين والذين يرجع إليهم الفضل بعد الله في بقاء بلادنا الى عهد قريب في منائ مما نراه ونشاهده من تشرذم.. لقد ربطت بيني وبين اخي العزيز فقيد مقرين وصفاقس (وهو من ابنائها البررة) وتونس علاقات أخوة وتعاون لم تزدها الايام إلا متانة لانها كانت خالصة لوجه الله... تعاونا كل من موقعه في خدمة مقرين بكل الوسائل المتاحة وانجزنا بفضل الله الكثير(مساجد وكتاتيب عصرية واملاءات قرانية وانشطة تربوية وثقافية متنوعة ومساعدات اجتماعية للعائلات المعوزة) وساعدتنا على ذلك الهياكل الحزبية والبلدية والسلطات المحلية والجهوية والمركزية فلقد رائ فيها جميعهم التجرد والاخلاص، وكان منطلقها وهدفها حب الخير للغير وإسدائه فلم يتاخروا عن دعمها ومساندتها... كانت صفوة من أبناء مقرين التفت حول الشيخ الوالد رحمه الله اغلبهم انتقلوا الى دار البقاء راضين مرضيين ولم تبق منهم الاقلة قليلة لم تبدل ولم تغير قيد انملة في رغبة صادقة مصحوبة بعمل خالص لم يبتغوا من ورائه جزاء ولاشكورا محتسبين ذلك عند من لايضيع أجر المحسنين… رحم الله الاستاذ المربي الفاضل عبد الحميد القسنطيني رحمة واسعة وأسكنه فراديس جنانه…