توالت الثورات في تونس على مر الزمن، وكانت جلها مراحل تاريخية، دونت في سجل ذهبي، وجب التباهي به، والذود على محتواه، والتعريف برؤاه، للأجيال الصاعدة حتى تنتج على منواله، وتستفيد من اخطائه، وتتبنى طموحاته، لتعمل على ادخالها حيز التنفيذ، متصدية لكل من يريد التطاول على زعمائها، او الحط من قيمة كفاحهم، ارضاء لهواجس شخصية، واحقاد دفينة، فيؤدي كل ذلك الى التلاعب بمصير البلاد، او الى تصرفات غير مدروسة، تشوبها الدسائس، فتضعف اللحمة القومية، و تيسر تدخل الاجنبي في تقرير مصير الامة، وارجاعها من عصر النور الى عصر الظلمات، كما كانت فترة المخلوع وأتباعه، ومن البديهي ان من يهين تاريخ تونس لا يستحق قيادتها،خاصة من الذين كانوا في سدة الحكم، ولم يكونوا في المستوى المطلوب، أي قدوة في التضحية في سبيل الغير، وغير مساهمين، بكل شفافية، في بناء ديمقراطية، اصبحت عليلة اليوم، تبحث على الدواء الذي يشفي من البطالة المجحفة، و من العدد الغير منطقي من الاحزاب والجمعيات التي ازدادت كالفقاقيع بعد الثورة، ومن الفقر الذي عم ارجاء البلاد شرقا وغربا، في كل المدن والقرى والارياف، ومن الحرمان الذي يتماشى في عروق الشباب فيدفع بهم الى مغامرة الرحيل ولو ادى بهم الى الموت، ومن وضع حد لهؤلاء الساسة الجدد التي غابت في اذهانهم مصلحة تونس، وتغلغلت في مبادئهم "انصر اخاك ظالما او مظلوما"، وكذلك "الاقربون اولى بالمعروف"، واصبحت نتيجة ذلك، بلاد في مهب الرياح، تقودها احزاب ولى زمنها وانتهى، واكبر دليل على ذلك، عدم مشاركة الناخب في الانتخابية البلدية الاخيرة،اذ لم يقنعه تصرف الهياكل والمؤسسات التي وقع تركيزها بعد الثورة، لأنها لم تؤد بكل شفافية المهمة التي بعثت من اجلها، وللمحكمة الادارية البحث والتدقيق في تصرفها الذي اصبح عبئا على الدولة،وأثقل كاهن الخزينة، وهي في حاجة ماسة لدفع الجرايات، وفد تبخر ادخارها في التعويض العشوائي، مما دفعها الىالبحث عن التمويل الخارجي ومآسيه، للبلد المقترض، الذي يدفع احيانا قسط من سيادته كرهينة لسوق المال والاعمال، وبلادنا في باب المديونية حدث ولا حرج، اذ هي في مأزق، والاجيال الصاعدةبدون تصور واضح للمستقبل، و لا أمل في العيش الكريم يذكر، ولو كانت له سلة من الشهائد العلمية. تلك هي نتيجة الثورة الحقيقية التي يشعر بها المواطن، وقد اختلطت على مسيريها النابل والحابل، نتيجة ازدواجية اللغة، وسوء معرفة الواقع، وانعدام الثقافة السياسية واصولها، وعلامة الخطر تكمن في فقدان الامن، وغلاء المعيشة، والمطلبية الاجتماعية المجحفة، و هذيان السياسيين الجدد، و مختلف ابواقهم في كل وسائل الاعلام، وخاصة "فايس بوك" حيث تجند طاقات، مغرية بالمال، لبث الحقد والكراهية، والدعايات المغرضة، تعمل بدون رقيب للتمجيد او الهدم، وتلك هي الحرية حسب تقييمهم الشخصي، فلنتركهم واسيادهم، لان البلاد، في وضعها الغير مرضي، تحتاج الى المزيد من اللحمة، والتآزر والاخاء، ولنترك دواعي بروز الثورة على حدة، لأنها لا تخضع الى المقارنة مع اي ثورات اخرى، مهما كان مصدرها، والمهم ان ثورتنا غالية وعلينا ان نحميها من كل الذين حاولوا الركوب على حصانها، وهم غير مهيئين لقيادتها، لقلة تجربتهم، وانعدام معرفتهم للإدارة وقوانينها، فعاثوا اذا فيها كما ترتضيه املاءات احزابهم، وادخلوا عليها انصارهم، فعمت عدم الكفاءة. ان المسؤولية ملقاة على عاتق تلك القيادات الفاعلة حسب بعضهم، والتي برزت بعد الثورة، و كان غرورها بدون حدود، تعتقد ان بيدها الحل والعقد، استهلكت المدخرات، دون تطهير الادارة وزرع بذور اصلاح المجتمع الذي كان من اوليات الثورة، وبعد ثمانية سنوات، للمواطن الحق بوقفة تأمل، يتساءل فيها عن مسار ثورته، ويقيم انجازاتها، وللمؤيدين لوجهة نظر الحكومات المتعاقبة، بيان نجاحها، و وجود التعلات لإخفاقها، ووضع النقاط على الاحرف بنعت القوى المضادة لها، ان لم تكن في الواقع هي نفسها التي تشارك في الحكم والتي أدت الى تغلبالتحديات الحزبية. وللجواب على كل الاسئلة التي تطرح، والنظر للمستقبل بجدية، يمكن الخوض مثلا في" تونسنا الى أين؟" تحت محاور أربعة على غاية من الأهمية، يشمل الأول تشخيص الواقع الحالي والوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني المتردي في البلاد، ولا أحد ينكر ذلك، مهما اختلفت النظريات والايديولوجيات المعلنة او الغير معلنة، والمحور الثاني يبحث برمجة الحكومة الحاليةللتخفيف من الضغطعلى التحديات الامنية التي هي في تحسن، والاقتصادية المتردية للغاية، والاجتماعية الرهيبة في ثمن تكلفتها الفعلية، نظرا لواقع البلاد المزدرى، وثالث المحاور يتناول مدى قدرة الفريق الحكومي الحالي في احداث التغيير المطلوب من الجماهير وهو مع كل أسف لا يعطي المثل في الشفافية المرجوة وحسن التصرف المؤمل،والمحورالرابع كيف يمكن اجتياز العقبات لاكتمال الآليات التي جاء بها الدستور لبناء ديمقراطية، اصبحت اليوم عليلة،و هشة الاختراق، وذلك في كنف الحرية والمشاركة والتقييم ينعقد اجتماعلدراسة المواضيع المقترحةتحت اشراف رئيس الجمهورية، وتدعى اليه كل الحساسيات السياسية، والمنظمات القومية، والمجتمع المدني ممثلة بعضوين، ويتم خلاله، في مدة زمنية محددة،الاتفاق نهائيا حول قانون الانتخاب،واكتمال الهيئات الدستورية، ووضع خارطة طريق تظم المقترحات في المحاور المذكورة آنفا،وتعطي نتيجة "تونسنا الى أين؟" المشهد السياسي مسارا مغايراإذا كانت المقترحات تستند الى الواقع، وتؤدي الى نتائج إيجابية ملموسة، يقوم بالسهر عليها فريق محدود العدد، تنتهي مهامه في غضون الانتخابات الرئاسية والتشريعيةالمقبلة. 2ن نواقيس الخطر تهدد المحيط السياسي بأجمعه،لأنه تغلبت عليه اليوم نزاعات حزبية ضيقة، ليست كفيلة بوحدها اعادة الطمأنينة للنفوس، وليست بوسعها دفع عجلة النمو للتصدي في مرحلة أولى لتفشي البطالة وازدياد العاطلين عن العمل بجميع أصنافهم، ولا يمكن لها أيضا تلميع وجه تونس وإعادة منارته بين الأشقاء والأصدقاء، وهي على ما عليه، بعيدة كل البعد عن مسار التغيير والاصلاح التي اتت من أجله ثورة شعب، طالب بالحرية والكرامة، ونادى بحماية تونس، والذود عن استقلالها، والولاء لها لا غير.