يبدو وأن قدر بلادنا أن تعاني المأساة تلو المأساة، فما إن تهدأ عاصفة لتبدأ أخرى و سفينة البلاد تائهة بين الأمواج المتلاطمة و العواصف المدمرّة و قد يمكن بمرور الزمن اصلاح بعض المعضلات كأن نعيد عجلة الانتاج إلى الدوران و قد يمكن أيضا الضغط على سلبيات الاقتصاد بآليات معيّنة و قد نجد الحلول للكثير من المسائل العالقة في وطننا من المديونية إلى تعديل الميزان التجاري مرورا بالتضخم المالي و انحدار الدينار و لكن إذا كان العطب يصيب قطاع تعليم الأجيال - التي ستكون المصباح الذي يضيء مستقبل وطننا - فإنّ عامل الزمن يصبح ذي أهميّة قصوى و لا يمكن في أي حال تعطيل سير التعليم و غلق المدارس لأي مدّة كانت و مهما كانت الأسباب و المسببات لأنّ الزمن لا ينتظر أحدا في هذا المجال الخطير. و كلّ يوم يهدر يترجم آليا بنشر الجهل و الجريمة و الانحراف و الارهاب. باعتبار حساسية قطاع التعليم و تأثيره على مستقبل الأمم. وعلى هذا الأساس، و رغم ترددي في البداية لتناول مثل هذا الموضوع الشائك على أمل ايجاد مخرج له إلاّ أن سياسة لي الأذرع التي ينتهجها طرفي " النزاع " على حساب مستقبل الوطن و مستقبل الأجيال يفرض على كلّ مواطن عاقل التدخل بالكلمة الحسنة و النّصيحة و الاقتراح و الرّأي، لأنّ المتأمل في وضع القطاع التربوي عموما يرى كيف يتكبدّ الوطن سنويا انقطاع حوالي 100 ألف تلميذ و هجرة نفس العدد و سنويا من الأدمغة إلى البلدان الأخرى فضلا عن وجود حوالي 300 ألف عاطلا عن العمل من بين حاملي الشهادات العليا و منهم 10 بالمئة لهم شهادة دكتوراه في مجالات مختلفة و بالتالي رغم هذا الوضع المتأزم نزيده أزمة على أزمة. و في هذا الصدد نقول و أن التعليم بصفة عامة يمر بوضع حرج جدا فمن غير المنطقي و المعقول أنّ تبقى مدارسنا مغلقة لمدّ تجاوزت الأسبوع باسم الاضراب في القطاع، و الاضراب في التعليم يعدّ من أكبر المصائب في بلادنا منذ الاستقلال و نرى تباعا و أنّ كل الأطراف مسؤولة عن هذا الوضع فالاتحاد الذي ضحى من أجله حشاد و القائل " أحبّك يا شعب" فأين هذا الشعار اليوم من نقابة التعليم؟ و أيضا مسؤولية الحكومة التي عليها ايجاد حلّ لهذه المهزلة و لا نقول المشكلة باعتبار هروب الحكومة سابقا من معضلة التعيينات لمديري المدارس من تحت جلباب شعب حزب النظام السابق لتقع اليوم تحت جلباب النقابات ؟ و رئيس الجمهورية هو أيضا مسؤول على تفاقم هذا الملف و تهديده لمستقبل البلاد؟ و أيضا مجلس النّواب يتحمّل قسطا من المسؤولية فكيف هو ممثل للشعب و يترك الشعب يعاني مثل هذه الأزمة بمفرده؟ و أيضا مسؤولية الأحزاب و بالرغم من كثرتها لا نسمع لها اليوم ضجيجا و لا حتّى همسا كالذي نسمعه منها في الحملات الانتخابية؟ إضافة إلى المجتمع المدني و ما أكثر عدد جمعياته و لكن للأسف لم نسمع له صوتا يذكر؟؟؟ نعتقد جازمين وأنّه لابدّ من الحزم في ايجاد حلّ لهذا المأزق الذي تردّى فيه القطاع التربوي بحكم تداعياته في المستقبل و على الجميع و بدون استثناء، لذلك نقول أن التعليم هو رسالة و شرف و أمانة قبل أن يكون " أعطيني وزيدني في الشهرية و إلاّ...." نعم من حق المربي عموما أن يطلب تحسين وضعه المادّي لكن لا يعني ذلك غلق المؤسسات التربوية و ترك التلاميذ في مهب الريح عبر آلية الاضراب - و إن كان حقا يكفله الدستور و القانون - و بالتالي أدعو كلّ الأحبة من المربين أن يبحثوا على وسائل أخرى إلاّ الإضراب لأنّ ذلك يعني انفراط لحبات عقد التعليم و تفضيل الجهل على العلم و تكوين خزان مستقبلي للانحراف و المخدرات و السرقة و الارهاب في صفوف الأجيال القادمة. و هذا قد يتطلب استثمارات مستقبلية ليست لها الأولوية و ذلك لبناء المزيد من السجون. و من جانب آخر على السلط التحرك – حكومة و رئاسة و مجلس نواب - سريعا لتطويق هذه المهزلة قبل فوات الأوان لأنّ في النهاية الطبقة الفقيرة هي الخاسرة طولا و عرضا في أزمة لا ناقة و لا بعير لها فيها باعتبار و أن من له المال سيهرب ويقصد المدارس الخاصة لتعليم أبنائه و هذا ما يجري اليوم، على حساب المدرسة العمومية و الطبقة المعدومة و هذه مسألة خطيرة أيضا باعتبار العدالة الاجتماعية و الحق في التعليم المجاني لكل مواطن تونسي... لنقول في النهاية على الدّولة بكل أجهزتها أن تكون واعية كل الوعي بهذا المأزق الخطير و اتخاذ كل الإجراءات لجعل حدّ لهذه المهزلة قبل فوات الأوان و أمامها كلّ الخيارات . و أيضا للنقابة و عبر كلّ الأساتذة الشرفاء و العقلاء – و نعتبر كلّهم شرفاء و عقلاء – نقول و أنّ كلّ المشاكل الحالية قد تعرف لها حلاّ في الأيام القليلة القادمة أمّا غلق المدارس لا يمكن تعويضه لا بالمال و لا بغيره و هي في رأيي جريمة في حق البلاد و العباد تتحمل تباعتها كلّ الأطراف بما فيها الأولياء و الخيار بين أيدي من هم في السلطة الآن ...فهل ننتظر انفراجا...آمل ذلك؟؟