اللهم أحم الجزائر من الهزات و العواصف و اهد شعبها إلى طريق الرشد و الوعي و أبلغها شاطئ الأمان في عالم متقلب لا يرحم و إقليم مغاربي هش و على ضفاف بحيرة المتوسط الرابطة بين شمال إفريقيا و الإتحاد الأوروبي اليوم و نحن نشاهد على القنوات جماهير الشباب و الكهول تنزل الى شوارع الجزائر و ووهران و قسنطينة و سطيف رافضة منطق الجمود و الغموض و حالة استمرار الوصاية الأحادية تحت شعار العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة و لفت نظري مؤشر رمزي عميق يتمثل في مشاركة المجاهدة الجزائرية الرمز الخالد لثورة جيش التحرير الجزائري في هذه المظاهرات وهي جميلة بوحيرد التي عرفناها منذ طفولتنا و سمعنا ببطولاتها و نقلت لنا السينما المصرية بعض ملحمة تعذيبها و صمودها حين مثلت ماجدة دورها فرسخت قصة جميلة بوحيرد في ذاكرتنا رمزا للمقاومة و رفض الاستعمار و فرض أقدار الحرية لشعب المليون شهيد. نعم جميلة شاركت فيما تعتقده اليوم عام 2019 تحريرا ثانيا للشعب من أجل تحقيق حريته بعد أن ساهمت في تحقيق استقلاله. عادت بي الذاكرة إلى سنوات 95 و 96 في الدوحة و كنت أنا نفسي لاجئا فيها بفضل مروءة الشيخ حمد بن خليفة أل ثاني حفظه الله الذي استجرت به فأجارني بعد أن حصلت على اللجوء السياسي من فرنسا و أسعدتني الصدف و علاقاتي الطيبة بالإخوة القطريين أن ألتقي عديد المرات بالمناضل الجزائري الكبير و صانع الدبلوماسية الجزائرية و أحد أنجع مؤسسي التضامن الأفرو-أسيوي و حركة عدم الإنحاز عبد العزيز بوتفليقة هو ذاته الذي تتظاهر اليوم ضد عهدته الرئاسية الخامسة رفيقة كفاحه وجهاده جميلة بوحيرد ! تذكرت الأحاديث التي دارت بيننا حين كان بعيدا عن الشأن السياسي يعمل مستشارا لأمير دولة الإمارات الشيخ زايد رحمة الله عليه و يعيش في أبوظبي يتابع من بعيد تطور أحداث العشرية السوداء في وطنه بمرارة و عمق تفكير. كان يتردد على الدوحة بدعوات أخوية من أصدقائه القطريين وهم لا شك يذكرون ما كان يدور بيننا و بينه من حديث مشحون بالتاريخ و استشراف المستقبل و كانت تجمعنا سهرات طويلة في بيت الشيخ على بن جاسم صديقه يحضرها شقيقاه الشيخ حمد بن جاسم رئيس غرفة التجارة و الصناعة و الشيخ خليفة بن جاسم الذي تسلم رئاسة الغرفة من بعده كما اجتمعنا حول غداء سمك الهامور و الصافي و الكنعد في بيت السفير محمد أل خليفة و قد تحمل أمانة سفير لدولة قطر في الجزائر و تعرف عن كثب على وزير الخارجية المقتدر النشيط عبد العزيز بوتفليقة و كان يحضر معنا دبلوماسي عماني يجمع بين الأدب و الإعلام والسياسة هو الصديق علي المعشني المقيم أنذاك في الدوحة. أحاديث تبدأ عادة من تحليل ضاف و رصين يقدمه لنا بوتفليقة عن الحالة الجزائرية بعد تفاقم الإرهاب و تشعب الصراع بين ما بقي من جبهة الإنقاذ الإسلامي و فرعها المسلح و بين ما بقي من جبهة التحرير الوطني وفرعها العسكري فيؤكد لنا بوتفليقة أنه يؤمن بأن حلا سلميا مدنيا وطنيا ما يزال ممكنا بل هو الحل الوحيد إذا ما اقتنع الجزائريون بأن نفق القتال المسلح بات مسدودا و إذا ما استطاع كل فصيل من الفصيلين المتقاتلين أن يعتبر الخصم مواطنا جزائريا له حقوق و عليه واجبات فيتغير نوع العلاقة بينهما من عداء دموي الى نقاش أخوي و بدأ بوتفليقة منذ ذلك الزمن يهيأ في ذهنه الحل الذي يتضمن العفو التشريعي المشروط و القاء السلاح وإعلان الهدنة التي تتحول الى وفاق و طي صفحة الماضي و كنت أنا ألح عليه في قبول بعض المناشدات التي تصله من رفاق دولة الإستقلال ليتولى هو مهمة الوفاق و السلم المدني وهو كما يذكر الإخوة يرفض قطعيا أن يعود للعمل السياسي بعد الذي جرى ثم أقول له أنا مبتسما :"قال بعض الحكماء إن الرجل السياسي لا يموت إلا بموت حقيقي أما إذا كتب الله له الحياة فهو كالبركان يظنه الأخرون منطفأ ميتا لكنه هادئ إلى حين ثم ينفجر حمما و يبعث من جديد" فلا يجيبني إلا بحركة رأسه الرافضة و بحيرة ترتسم في عينيه الخضراوين ثم أواصل ضاحكا:" نتصور أنك يوما ما ستمسك بخيوط السلطة فأرجوك إبدأ بحل قضية الصحراء و البوليزاريو لأن المغرب العربي معطل بسبب هذا الخلاف بين الجزائر و المغرب فيجيبني " إن ملف الصحراء ملف الهواري بومدين رحمه الله وهو سيجد حلا بين الأشقاء و الجيران إذا ما وصل للحكم رجل يتحرر من وطأة الجنرالات ! وأعطاني بوتفليقة رقم هاتف والدته لكي أتصل به إذا ما عاد للجزائر ثم حدث ما أصر بوتفليقة على رفضه بعد سنوات قليلة و لم تحل قضية الصحراء و بالطبع لم أتصل به في الهاتف لأن الوضع غير الوضع و لله في خلقه شؤون !