كل يوم تأتينا الصحافة بأنواعها بالجديد، هي أحزاب ومنظمات وجمعيات مدنية، كلها تدعي الاستقلالية والغريب في الامر الاستقلالية من ماذا ومن من؟ يا حبذا لو كانت من المال الفاسد الذي غزى بلادنا، ولم تستطع مؤسساتنا الدستورية التصدي الى جرفه، وكم كنت ممنونا لو نسجت المنظمات بأنواعها على منوال "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"الذي نشر في جريدة "لابراس" المؤرخة في 24/2/2019 انه "طبقا للفصل 41 من المرسوم عدد88 المؤرخ في 24 سبتمبر المنتدى التونسي أحيلت له الاعانة المالية:تلك هي ببساطة الخضوع الى القانون ولا شك ان هاته الاموال ستصرف حسب رقابة ينص عليهاأيضاالقانون، وتكون الجمعية اذا مصدر اشعاع،ومثالا في حسن السلوك، وذلك ما يطلبه المواطن "الشفافية في العمل من أجل الغير"، وفي مقابلهذا لو اهتممنا بمن اتبع القانون في هذا المضمار لوجدناهم قلة محدودة العدد، لكن مع ذلك لم تسلط عليهم العقوبات، لانهم من اهل الحل والعقد،يتطفلون على الشعب، ويستعملون امواله،لإغراء شرذمة، تدعي العمل من أجل تونس، وقد أفرغوا موازينها، ولا يزالوا يطالبون بالمزيد، وما كان لهم دور في تحرير البلاد، ولا بناء دولة عصرية، بل تنصبوا في خيام دعوية، وفي اطار فكر ظلامي، دفع بالأمة العربية والاسلامية الى المجهول، فانعدمت الأخلاق، واغلقت سبل الرقي والتقدم في وجهها، ودارت الرحاء على أهلها، وظهرت فقاقيع عاشت تحت غطاء الغرب،واعانتها المعنوية والمادية،ثم القي بها في تاريخ تونس، للتطاول عليه، والتلاعب بمستنداته، و حتى تسويقه الى الخارج كما ذكره البعض، كل ذلك ابان نخوة الثورة،وبالرجوع الى الوراء، كلف بوزارة الداخلية من هو ليس من أهلها، وشاءت الاقدار ان يتداولعلى حكم تونس، من الذين كانوا"انصر اخاك ظالما او مظلوما"،والمكافأة تأتي، والمسؤولية على الابواب،شريطة الالتزام، وويل للناقد، او للمتظاهر بالعداوة، فالعدالة أعدوها، مكيفة لذلك، و هي الحصن الحصين الذي انجز عن تؤدة، وحسب ما يقتضيه حزب، كانت له الغلبة الحينية، فعبث بتاريخ البلاد، وجرها الى الاحتماء بمن ليس لهم تاريخ يذكر،او تفكير ايجابي، تردده الالسن، ويعتبر به الباحث عن مأمن، من الهستيرية السياسية التي طغت على الشعب منذ الثورة، وبعثت طوالها، مشاريع تدعي الحداثية،وتظن جازمة، انها البديل المنتظر، لتحقيق توازن افتراضي، بين فسيفساء أحزاب من دورها، والتاريخ يختم عليها، الانضمام الى بعضها،لمواجهة حزب استاليني في طرق حكمه، وطرقعمل أتباعه،فاقد حتى صمام الامان لمنخرطيه، جمعهم الحقد على الدولة المدنية، وأغرتهم الأموال المتدفقة بدون رقيب، تأتي من حيث لا يدري المواطن، أهل تهدى لتدعيم الاخوان المسلمين، ومن لف لفهم، لبناء خلافة وهمية،ترددها كتب التاريخ، ولم تضع اوزارها في اي بلد على وجه البسيطة، وهي كالمهدي الذي ينتظر حط رحاله، والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه من المسؤول عن الوضع المتردي الحالي ومشتقاته؟ من البديهي ان المسؤولية يجب ان يتحملها كاملة، اهل السياسة، ان وجدوا، وفي اي مركز نفوذ كانوا، اذ انهم عبثوا بالمبادئ، و استخفوا بالإنجازات الرائعة، التي تذكرها الأجيال، من تعميم تعليم، وبناء مراكز صحة، وفتح الباب على مصراعيه امام البوادي والقرى، التي لم تكن تحلم بالنور، ولا بالماء الصالح للشراب،والتي كانت في طيات الظلام،وأخرجت الى المعرفة، بفضل تضحيات جسام بالنفس والنفيس من الآباء والاجداد، بعيدة عن الصفقات المشبوهة التي نعيشها اليوم،والمعارك على كرسي الحكم، لتناول الغنيمة والتمتع بالحصانة، للإفلات من العدالة،فالشعب ينادي ولا أحد يستجيب لصراخه، فغلاء المعيشة اصبح لا يطاق، والدينار هباءا منثورا، و على عدد الوزراء حدث ولا حرج، وعلى دين الدولة، فالسفينة في خطر، وربانها في غيبوبة، ومن يمسك حاليا بزمام الامور؟ قضت السياسة التي أتوا بها على شعب أبي، لانهم حادوا عن الطريق القويم الذي كان يأمل ان يكون اتباعها، و بكل مسؤولية لهؤلاء الشوارد،التذكير بأغنية لطفي بوشناق" انا مواطن ": "خذوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن..." ومن هذا المنطلق يمكون، تتمة للعمل السياسي الذي يمكن من اجتياز المصالح الحزبية، والفئوية الضيقة، وذلك التغلب على العاطفة، والرجوع إلى ما يحتمه الواقع، وما يمليه الضمير، من ترك الحقد والضغينة جانبا، واعتبار مصلحة البلاد ولا غير، تلك هي قراءة للتقارب بين أشقاء المنهج البورقيبي، بأفكاره النيرة، ومنجزات دولة الاستقلال، وكذلك الدورالطلائعيللحزب الاشتراكي الدستوري في معركة التحرير الوطنيبأطوارها، ومعركة البناء والتشييد التي لم تكتمل بعد، والتي من الواجب ان يكون حاضرا في قيادتها حب من حب وكره من كرهوهذا التوجه ينم عن روح نفس جديد وروح مسؤولية، يستخلصها من مارس الحكم، ومن يلتزم بنجاح الخيار الديمقراطي لبناء الجمهورية الثانية، على أسس قوامها العدل والشفافية واليد المفتوحة للغير، والعمل على انقاض البلاد من الوحل التي هي فيه ولعمري أن الدعوة "لمصالحة تاريخية" يقودها حزب تكون له الاغلبية تؤدي به حتما إلى الوفاق الوطني، والمشاركة في الإصلاح الجماعي لمن يريد الخير للبلاد، حتى تواصل نهضتها، وتواكب عصرها، وتحقق أهداف ثورتها، وتكون بحق قدوة يستفاد من تجربتها ولا يمكن ذلك الا بإعادةتكوين جبهة داخلية تحافظ على السلم الاجتماعية، و تكون كالبنيان المرصوص للتصدي للإرهاب و لكل من يريد المس بحرية البلاد وتاريخها وتقرير مصيرها. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". صدق الله العظيم