ومن أحوال الإنسان التي شرعت لها الصلاة -وهجرها الناس جهلا بها- هي صلاة التوبة، فهذا من المواضع التي لم تشتهر كشهرة غيرها، فصارت من السنن المهجورة مع ثبوتها كما ورد عن أبي بكر الصِّديق -رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال:«ما من رجلٍ يذنب ذنباً، ثمَّ يقوم فيتطهر، ثمَّ يصلِّي - وفي رواية: ركعتين - ثمَّ يستغفر الله؛ إلا غفر الله له» ثم قرأ: «والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم» رواه الترمذي، وغيره، وصحَّحه الألباني. قال الطيبي: يجب أن يحمل قوله تعالى: «ذكروا الله» على الصلاة، كما في قوله تعالي: {فاسعوا إلي ذكر الله} ليطابق لفظ الحديث: وهو قوله: «ثم يصلي ثم يستغفر الله». وقد توافرت الأدلة أن من ثمرات الصلاة عموما مغفرة الذنوب، ودل هذا الحديث بخصوصه على مشروعية صلاة خاصة عند التوبة من الذنب، وتسمى صلاة الاستغفار، وصلاة التوبة -كما يسميها الفقهاء- وهي مستحبة باتفاق المذاهب الأربعة. قال في كشاف القناع: وتسن صلاة التوبة إذا أذنب ذنبا، يتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله تعالى. وأما عن كيفيتها ونيتها فكما قال الجاوي من فقهاء الشافعية: ومنه صلاة التوبة وهي ركعتان قبل التوبة، ينوي بهما سنة التوبة، وتصحان بعدها، والتوبة واجبة على الفور ولو من صغيرة وتأخيرها ذنب تجب التوبة منه ولا يعد تأخير التوبة بإتيان الركعتين لأجلها؛ لأنهما من وسائلها. أ.ه. فاتضح لنا مما سبق أن صلاة التوبة مستحبة، يتوسل بها إلى قبول التوبة، وغفران الذنوب، وهي من السنن التي يحتاجها المسلم دائما؛ لطبيعته البشرية المقتضية لحصول الخطأ، ووقوع الذنوب، فإذا حصل منه ذلك هرع إلى الصلاة، فالصلاة «خير موضوع» -صححه الألباني-، وخير وسيلة للوصول إلى المغفرة، وينبغي أن يعلم أن صلاة التوبة ركعتان لا اختصاص لها بقراءة ولا بهيئة معينة، بل هي كسائر الصلاة، غير أنه ينوي بها التوبة من ذنب بعينه، صغيرا كان أو كبيرا، ويفعلها فور حصول الذنب منه، ثم يستغفر ويحقق التوبة بشروطها المعروفة من الندم والإقلاع، والعزم على عدم العودة، والتبري من المظالم، وهكذا