مواكبة للقمة العربية التي تعقد تونس يوم 31 مارس الجاري، نظم مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية ندوة حوارية بعد ظهر يوم السبت 23 مارس الجاري احتضنها نزل المشتل بالعاصمة تناولت مختلف التحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بالمنطقة العربية في علاقة بالرهانات المطروحة على قمة تونس أثثها كل من المفكر والدكتور هشام جعيط والدكتور عبد اللطيف الحناشي والأستاذ هاني مبارك والأستاذ أحمد هرقام . في هذه الندرة تم التطرق إلى المناخ العربي العام الذي تأتي فيه هذه القمة المتسم بالخلافات العميقة التي تشق الصف العربي وباتساع دائرة الصراعات بين الدول العربية وصل إلى حد الاقتتال والحرب الأهلية وهي صراعات مدمرة تهز الأمن والسلم العربيين وترتب لواقع أسوء من الواقع الذي كان عليه العرب سنة 1945 بل يراه البعض أسوء وضع يعرفه العرب خلال العقود الأخيرة وقد أفرزت حالة الإقتتال وعدم التفاهم فضاء عربيا ممزقا سهل تعرضه للتدخلات الأجنبية زادته عملية التزييف الممنهج للوعي العربي الذي تغير لدى قادته وغير من مفهوم الخطر الذي يهدد المنطقة العربية ومفهوم الأمن القومي ومفهوم التحديات التي تهدد استقرار المنطقة وشعوبها فما يحصل اليوم هو تشكل وعي عربي جديد يقوم على فكرة أن الأخطار التي تحدق بالمنطقة العربية لا تتأتى من الخارج والعدو الخارجي وإنما التهديدات مصدرها دول الجوار والخطر الداخلي في إشارة إلى أن إسرائيل والعدو الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي لم يعد اليوم في الوعي العربي هو المهدد للأمن العربي وإنما الخطر الحقيقي في هذا الوعي المزيف مأتاه دولة إيران وتركيا والإسلام السياسي . تنعقد القمة العربية بعد أيام قليلة في ظل غياب رؤية عربية مشتركة حول مفهوم الأمن القومي العربي وحول المفهوم الموحد للدفاع عن المصالح المشتركة ويأتي هذا اللقاء العربي في ظل انهيار كامل للكثير من البديهيات العربية والتي كانت إلى وقت قريب مسلمات في وعي ووجدان وتفكير العرب مثل مفهوم التكامل العربي والتضامن العربي المشترك والمصير العربي الواحد .. تأتي هذه القمة و الكثير من الأوليات العربية مبعثرة ودون اتفاق حول تقييم الوضع العربي وحول تحديد مصدر التهديد الذي تواجهه الأمة العربية وفي ظل الرفض الخليجي لفكرة الربيع العربي وعدم استعداد دوله إقامة أنظمة حكم ديمقراطية تقوم على الحرية وعلى مبدأ التداول السلمي على السلطة والقبول بالتناوب على الحكم والقبول بمبدأ المعارضة في الحكم . إن الوعي العربي اليوم هو منكسر والنظرة التاريخية للوحدة لم تعد موجودة في الوعي العربي ما سمح للأجنبي من أن يتدخل ويفرض أجندته ويتحكم في المصير والمستقبل وهذا يعني أن تغييرا جذريا قد حصل في أوضاع الشرق الأوسط غير من كل القناعات السابقة ومن كل المسلمات التي بني عليها مفهوم الأمن القومي المشترك لنجد أنفسنا اليوم أمام حالة غير مسبوقة للعالم العربي ووضعا للأمن القومي يسمح بحصول تقارب عربي مع العدو التاريخي للمنطقة الكيان الصهيوني ويجعل من دولة الاحتلال الإسرائيلي أقرب من بعض دول الجوار وهذا التغير الذي حصل قد أنهى فكرة المشروع الإمبريالي الصهيوني العالمي الذي يهدد المنطقة في أمنها وسلامتها وقضى على أولية القضية الفلسطينية التي لم تعد القضية المركزية لدى العرب وتغييرا آخر حول الصمود الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية التي تحول مفهومها إلى قوة سلبية من خلال الاعتماد على آلية الرفض وقول " لا " بعد أن تراجع التأييد والنصرة العربية لأصحاب الأرض وأصحاب القضية وهو الأسلوب الوحيد المتاح اليوم للفلسطينيين أمام تخلي العرب عن قضية فلسطين. كل هذه المتغيرات وكل هذا الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا العربية يرمي بثقله على أعمال قمة تونس المرتقية والتي يضع على عاتقها الكثير من المحللين السياسيين والمفكرين تحقيق بعض التقدم لقضايا العرب ورسم ملامح مستقبل أفضل للأجيال القادمة . فما هو مطروح اليوم على قمة تونس هو إعادة الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي الذي عليه أن يبنى مفهومه على معطيات جغراسياسية تهم أمن وسلامة ومستقبل مجموعة من الدول تجمع بينها حدود مشتركة و جغرافيا واحدة وهذا يتطلب الاسراع بحل الخلافات الخليجية وإنهاء الخلاف بين السعودية وقطر وحل الأزمات التي اشعلت نار الحرب في كل من اليمن وليبيا وسوريا وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العربية كقضية مركزية وإعادة التضامن العربي مع الشعب الفلسطيني على أساس مفهوم المقاومة الحقيقي القائم على عدم التطبيع والمقاطعة الكلية لأي تعامل مهما كان نوعه مع الكيان الصهيوني والتخلي عن أسلوب التعاطف والتضامن السلبي والتطبيع الخفي والالتزام الواضح بالدفاع عن القضية الفلسطينية والأهم من ذلك إصلاح العلاقات مع دول الجوار ايران وتركية وتخفيف من حدة التوتر والخوف منهما وإيجاد نوعا من التكامل والتبادل الاقتصادي بين هذا المكون الجغرافي والسياسي . المشكل أن كل هذه الآمال والطموحات وكل هذه النظرة المتفائلة وكل هذه الانتضارات التي تلقى اليوم على عاتق قمة تونس لتحقيقها أو على الأقل لمناقشتها والخروج في أدنى الحالات بتوصيات لإزالة كل مواطن الخلاف العربي وتوصيات أخرى لإعادة ترتيب الأوليات العربية في علاقة بمفهوم الأمن القومي العربي والصراع العربي الاسرائيلي، كل هذه المشاكل تأتي في وقت والعالم العربي يعيش حالة من التمزق والخلافات غير مسبوقة وتشقه نزاعات تفرقه أكثر مما تجمعه وفي وقت الكثير من الدول العربية تعيش تداعيات الربيع العربي وفترة ما بعد الثورات العربية وخطورة مرحلة الانتقال الديمقراطي لذلك فإن السؤل المطروح اليوم هو هل تستطيع قمة تونس أن تحقق شيئا من كل هذه الانتضارات ؟ وهل بمقدور تونس وهي بهذا الوضع الذي عليه وهي تعيش انتقالا ديمقراطيا مهددا من بعض الدول الخليجية المشاركة في القمة العربية أن تلعب دورا في حلحلة الوضع العربي وفرض محاور اهتمام مركزية وفرض أفكار جديدة لإنهاء حالة الانقسام والتشرذم ؟ أم أن قمة تونس سوف تكون كغيرها من القمم العربية محطة لمزيد إبراز الخلافات والعجز العربي على الاجتماع على كلمة واحدة ورؤية واحدة وفرصة للاجتماع في أفخم النزل والتوقيع على بيان باهت لا يقدم ولا يؤخر في مصير أمة العرب بعد إهدار أموال طائلة في إعداد هذه القمة كان من الأجدى أن تذهب في مجالات أخرى تحتاجها الشعوب العربية أفضل من كل الشعارات الخاوية التي تعودنا على رفعها في كل القمم العربية.