وقعت بين يدي رسالة التعزية التي وجهها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عندما بلغه وفاة المناضل الكبير حسين التريكي، وهي رسالة مؤثرة جدا وها آنذا اليوم أحرص على نشرها لأهميتها التاريخية وهي التي صدرت عن أبرز رجالات الجزائر الدبلوماسيين، وإذا كان الحراك الأخير حول الأحداث بالجزائر قد دفعت الرئيس بوتفليقة للاستقالة، فإن ذلك لا يغيب عنا أن شخصية الرئيس بوتفليقة كانت رمزا فاعلا للدبلوماسية الجزائرية خلال ثلاثة عقود وكان المؤمل منذ إصابته بالمرض، التخلي عن السلطة السياسية، احتراما لدوره المتألق عربيا ودوليا، والتي جعلت من الجزائر، القوة المؤثرة في حركية الاستقلالات السياسية في العديد من دول العالم الثالث.* * * وبادي الأمر لنلقي بعض الأضواء على شخصية هذا المناضل الكبير حسين التريكي المغيب تماما لدى القيادات السياسية التونسية والرأي العام مع أسفنا العميق للدور الذي أداه في نصرة القضية الجزائريةبأمريكا اللاتينية والقضية الفلسطينية، فقد كان بادئ الأمر من مؤسسي مكتب المغرب العربي بالقاهرة صحبة المناضل الحكيم الحبيب ثامر والمناضلين المغاربة والجزائريين يومئذ. وبعد ذلك دعي من طرف جامعة الدول العربية ليمثلها في أمريكا اللاتينية، وكان لسانها المجلجل عندما باشر تمثيلها هناك ونشر كتابا عن كفاح الجزائر باللغة الإسبانية والذي شكّل مرجعا ثابتا في هذه القضية، وقد نقله إلى العربية، ثم خص القضية الفلسطينية بكتاب مرجعي هو الآخر باللغة العربية، والذي نشره بعد الثورة التونسية، وساهمت إيران في نشر هذا الكتاب والتعريف به ودعوة المؤلف لطهران لتكريمه. ولن أنسى كيف أن المرحوم زارني بالمؤسسة وقدم لنا شهادتين عن مسيرته النضالية وقمنا بنشرهما لدينا في المجلة التاريخية المغاربية عدد 150. وفي هذا الإطار، أذكر هنا كيف أن المرحوم حسين التريكي كان يزورني وفي أحد زياراته أبلغني بأنه يؤمل إذا ما كان قدره أن يدفن حذو صديقيه الحميمين الحكيم الحبيب ثامر ويوسف الرويسي، وحال علمي بخبر الوفاة، وجهت على استعجال رسالة إلى د. المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية السابق وأحطته علما بهاته الوصية. وهذا خلافا لحرمه الأرجنتينية التي كانت تصر على دفنه في مقبرة العائلة بالمنستير. وهذا أحب أن أنوه بموقف الدكتور المنصف المرزوقي، الذي أصدر قرارا رئاسيا بدفنه حذو الحكيم الحبيب ثامر ويوسف الرويسي. وتم ذلك في موكب خاشع ومهيب، حضره عديد الشخصيات الوطنية والسياسية. وتواصلا مع حواري مع المرحوم أحاطتي علما بأن لديه رصيدا كاملا لأرشيفات مسيرته النضالية طوال حياته وأنه نتيجة لضائقة مالية حلت به وهو في الأرجنتين، دفع دفعا لبيع هذا الرصيد إلى دارة الملك عبد العزيز بالرياض مقابل مبلغ مالي زهيد جدا تمثل في عشرين ألف دولار ، وأنه لدى تسليمه رصيده الأرشيفي هذا، اشترط على الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز د. فهد السماري، تمكين تونس من نسخة كاملة لهذا الرصيد الأرشيفي الشخصي ! وعندما نظمنا المؤتمر المغاربي الخليجي الثاني في الرياض، دعي المرحوم حسين التريكي وشدد على د. فهد السماري الوفاء بالعهد القاطع بتسليم نسخة من هذا الأرشيف إلى تونس ووافق يومئذ د. السماري على تحقيق هذا الوعد، ولكن لم يتحقق ذلك إلى أن قامت الثورة التونسية عندما زارني المرحوم حسين التريكي وعبّر لي عن خيبة أمله بعدم تحقيق هذا التعهد. ونظرا للثقة التي منحني إياها كتب وصية أمضاها في البلدية وعينني الشخص الذي سيباشر مسؤولية الحصول على النسخة الكاملة من جملة الوثائق لمدها لتونس منذئذ. وقمت بمفاتحة د. فهد السماري حول هذا الملف وتحولت إلى الرياض للاطلاع على هذا الأرشيف وأدركت أهمية هذا الرصيد الأرشيفي بالنسبة لتونسوالجزائر والقضايا العربية عموما. وعلى ضوء ذلك وجهنا عشرات الرسائل في هذا الغرض طوال الثمانية سنوات الأخيرة. واستلمنا رسالة من الخارجية السعودية تؤكد لنا فيها على إتمام إنجاز هذا الوعد. وقد أحلنا كل هذا الملف إلى د. الهادي جلاب، مدير الأرشيف الوطني التونسي للمتابعة مع د. فهد السماري، الذي رفض إطلاقا إنجاز ما تعهدت به الدارة وهو المسؤول الوحيد على تعطيل تحقيق هذا الوعد القاطع من طرفه، وهو أمر لا يمكن قبوله ويؤمل من المسؤولين السعوديين الذين تعاونا معهم طوال أكثر من نصف قرن أن يبادروا بتحقيق هذا الوعد. وقد أجرينا مع عدد من رجالات المملكة ومع مثقفيها ومؤرخيها للعمل على إنجاز ما تم الوعد به، ولن نعدم الأمل لتحقيق ذلك ما دام يوجد رجال أفاضل ومحل ثقة وعلم وأخلاق واحترام لإنجاز الوعد الأخلاقي الذي صدر عن وزارة الخارجية السعودية. * * * وها نحن ننشر رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ونلحقها بوثيقة مكملة حول التوصية التي منحها لنا المرحوم حسين التريكي في هذا الباب. * * * الوثيقة الأولى : رسالة الرئيس بوتفليقة إلى عائلة حسين التريكي * * * بسم الله الرحمان الرحيم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الرئيس إلى أسرة الفقيد حسين التريكي الجمهورية التونسية علمت ببالغ التأثر، نبأ انتقال المناضل الكبير حسين التريكي إلى جوار ربه، أغدق الله عليه سحائب الرضوان وطيب ثراه وأكرم مثواه. وبهذه المناسبة الأليمة، لا يسعني إلا أن أعرب إلى كافة أفراد أسرة الفقيد الكريمة، عن أحر التعازي وأصدق مشاعر التعاطف والمواساة، راجيا من الله عز وجل أن يشمل فقيدنا بمغفرته وعتقه، ويبوئه مكانا عاليا في فسيح جنانه مع الصديقين الأبرار والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. لقد كان المغفور له من المناضلين المغاربيين الأبرار ومن الوطنيين المخلصين الأحرار الذين طبعوا تاريخ حركة التحرير الوطني التونسية، كما كان من أبرز رجالات الفكر والمعرفة لما كان يتميز به من براعة سياسية، وقريحة أدبية وفكرية، لقد ظل متواضعا في مسلكه، وخطيبا مفوها وكاتبا متميزا، كما كان على الدوام في طليعة المناضلين الذين دعموا وساندوا الثورة التحريرية الجزائرية ومن المرافعين الأشاوس عن القضية الفلسطينية والقضايا العادلة في الوطن العربي. ولا أظنني أوفي حقه بذكر أعماله الجليلة، ومناقبه وخصاله الحميدة في تعزيتي هذه، فلا أملك أمام هذا المصاب الجلل سوى أن أسأل الله الذي أعزه بكم وأسعدكم به، أن يكرم مآبه ويجزل ثوابه عدد حسناته، وكفاء أعماله، ويتغمده برحمته ورضوانه، كما أسأله تعالى أن يعوضكم في المرحوم خيرا كثيرا، وأن ينزل في قلوبكم صبرا جميلا، وأن يضاعف لكم الأجر العظيم، ويجنبكم كل مكروه. إنه سميع مجيب. "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون". عبد العزيز بوتفليقة حرر بالجزائر في يوم 24 جمادى الثاني 1433 ه الموافق 16 مايو 2012 م.* * * الوثيقة الثانية : توصية الفقيد حسين التريكي لد. عبد الجليل التميمي "توكيل مفوّض الحمد لله، يعطي الأستاذ حسين بن محمد التريكي، المولود في 26/11/1915 بالمنستير، تونسي الجنسية، صاحب جواز السفر Z408759 وبطاقة التعريف الوطنية عدد 4190238 يقطن حاليا بالأرجنتين، بموجب هذا إلى الدكتور عبد الجليل التميمي، صاحب مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، (صاحب بطاقة تعريف وطنية رقم 00173807 الصادرة في 04 أكتوبر 1995 بزغوان)، والذي قبل ذلك توكيلا مفوضا للقيام مقامي وفي حقي بكل ما يتعلق بحقوقي المادية والأدبية المترتبة أو التي ستترتب عن بيع مكتبتي الخاصة إلى دارة الملك عبد العزيز بالرياض، وخاصة الحصول على نسخة من كل محتوياتها حسبما نص عليه عقد البيع، وبهذه الصفة يكون للدكتور التميمي حق الخطاب والمتابعة والقبض والصرف على أن يقدم نتيجة أعماله. وحرر بتاريخه في حالة جواز ومعرفة. الدكتور عبد الجليل التميمي الأستاذ حسين التريكي المدينة الجديدة في : 22 ماي 2006"