بورقيبة عاش سيدا، ومات سيدا، وهيهات ان تؤخذ ترهات من ليس لهم تاريخ، ومن ليس لهم ارث يذكر، و عديمي الاخلاق والكرامة يبحثون دائما على التضليل، ويتباهون بان لهم دور في المجتمع، و يدعون معرفة التاريخ، وهم في الواقع بيادق في ايادي اعداء تونس، يمتثلون لأوامرهم، ويتشدقون بما اعطي لهم من دور طلائعي،لأداء المهمة التي كلفوا بها، واستثمروها لأهلهم وذويهم، لانهم أنكروا من انعم عليهم معنويا وماديا،يريدون الحكم على بورقيبة طاب ثراه، لكنهم خسروا رهانهم، فالشعب مجده، واعترف بمزاياه عليه، لأنه ضحى في سبيله، وعرف المنافي والسجون من اجله، وكون اجيالا لبث الفكر النير، ومواكبة العصر ،والتأقلم بتطوراته، وعمل طول حياته على حماية تونس، ورفع رايتها عالية فوق كل الاعتبارات الشخصية،والحسابات السياسية الضيقة، ولم يكتسب المال كغيره من الزعماء، ولم يخلف ارثا لذويه واليوم و بلادنا تحتاج الى من يخرجها من المأزق الذي اوقعوها فيه، وكل النوايا الصادقة من واجبها العمل على ادراج الحلول، ووضعها تحت المهجر، للمناقشة وابداء الرأي، لان الاحزاب في مجملها اصبحت عاجزة عن التفكير المجدي، وضاعت قواها عبثا في الركض وراء المسؤولية، وما تدره من امتيازات، وانشغلت بالتناحر، و البحث عن تدوين الغلبة، بعرض عضلاتها، مستعملة في ذلك،أطر بعثت لإتمام بناء الجمهورية الثانية، المتممة للجمهورية الاولى، من حيث حرية الصحافة، وتدعيم حقوق الانسان، وجعل المشاركة في القرار اكثر فاكثر منهجا، و كذلك الشفافية في التصرف في اموال الشعب مسلكا، والبحث عن تركيز المخططات الانمائية في جميع الجهات سبيلا، والحث خاصة على التسامح و الفضيلة مذهبا،تلك القيم التي مثلها بورقيبة في حياته، واعترف له بها اهل المعرفةوالمبادئ السامية، وسانده فيها اهل البر والتقوى،كما تنكر له ايضا من في قلوبهم مرض،و منالذين يريدون طمس تاريخه، ومن خاملي الحقد الدفين في اهلهم، لأنه لم تبلغهم الدعوى، اذا اصطفوا وراء المستعمر، بحثا عن الغنيمة، او هاجروا البلاد للارتماء في احضان المال الفاسد، و اللوبيات الخبيثة،التي باشرت تونس، واستولت على رصيدها،فما المقصود اذا من محاكمة بورقيبة في هذا لوقت بالذات؟ هل البحث عن تشتيت الامة؟ والعمل على بث بذور الحرب الاهلية؟وهذه اذا طريقة اخرى، لبث البلبلة في النفوس، والكراهية في الاجيال،أليس هذا كله ضياع للوقت يعود على الوطن بالمضرة؟أهل هذه الطرق توفر للدولة اسباب الدوام والمناعة؟ أهل يمكن من جعل افراد الامة يتعايشون في تعاون وسلم بعيدا عن الشقاق والتناحر؟أهل هي وسيلة تمكن منبعث حياة جديدةعصريةلإخراج تونس من الذل والهوان، ودفعها في طريق العزة والكرمةوالازدهارٍ؟ أهل هذا جزاء من اخرج البلاد من الظلمات الى النور،وحاول جاهداملائمة القيم الدينية والاخلاقية لمقتضيات العصر؟ ولنذكر لعل الذكرى تنفع المؤمنين بفلسفة بورقيبة لعديمي الضمير،وناكري النعمة التي هم يتمتعون بها،نتيجة كفاحه لعلهم يهتدون. يقول بورقية في 21 جويلية 1964 بالمهدية " لقد آمنت طول حياتي بان الروح اقوى من المادة،وبان الغلبة في النهابةللحق،وبان الانسان مدعو من أعماق روحهالى تغليب الآجل على العاجل، ونصرة الخير على الشر، والاقتداء بالقيم الروحية التي بها شرفه ونجاته"ويوضح في 7 جوان 1974 بتونس "اننا فضلنا طريق الصيانة والاعتدال، فنعمد الى التوعية والاقناع باستمرار، حرصا منا على القضاء على عناصر الشر شيئا فشيئا" وأختم درره بنظرته الثاقبة للمجتمع، حيث يقول "ان المجتمع التونسي اردناهمجتمعا وسطا، لا افراط فيه ولا تفريط، ينزع الى العدالة الاجتماعية، بالتالي هي انجع، ويجتهد بكل طاقاته ان يبني الازدهار والرخاء للجميع، متخذا اساسا ما جاء به الاسلام من قيم روحية، تظهر في اخلاقه السمحة، ومبادئه النيرة، وتوحي اليسر، وتجنب الغلو في مجتمع القوام والعدل، الذي تحلم به مذاهب اجنبية، لسنا في حاجة اليها، وليست متجاوبة مع ذهنية شعبنا ودينه الحنيف..." تلك هي البورقيبية الاصيلة، تتعدى الزمن، وترسم المستقبل، و تجمع شمل الشعب، لتكوين امة متلاحمة العناصر.و طرح مواضيع من جديد أخذت مسارها في التاريخ، ووقع الخوض فيها من الخاص والعام، هياثارة تبعث المرارة والاحقاد،و تنجر عنها لا قدر الله ضعف الدولة، او الرجوع الى مقولة ابن ابي ضياف على معاصريه "انهم لا يفقهون شيئا" وكان من الاولى والاجدر بالذين يدعون الانتماء الى بورقيبةان يوقفوا هذا التيارالخطير في مقاربته للتاريخ، لكن التزموا الصمت الرهيب، وهم ينظرون من عليائهم كيف تقاد الامة الى التفككٍ، بلا عقلانية،وقد واكب جلهم تاريخ بورقيبة، وكانوا من المقربين اليه، ومن المبجلين عنده، ولمست ذلك من رئيس الجمهورية قائد السبسي، حين كان لي شرف لقائه، والحديث معه، وهو يجوب مكتب بورقيبة، ويبين لي مراحل لم اكن أعرفها جيدا، رغم مواكبتي عشرات السنين ذلك العبقري الفذ المرحوم، محمد الصياح، طاب ثراه،الذي شاطرته افراحه واتراحه، وهو اقرب الناس الى بورقيبة، وفي كتاباته وفي سيرته وفي نظرته للتاريخ مرجعيقر به اهل العلم والمعرفة، ولم يكن يتوقع يوما ان يزج ببورقيبة في سجن في مسقط راسهأو يقاضى على الملاء ثانية بعد 9 افريل 1938من الذين ترعرعوا في الدولة العصرية التي بناها بالنفس والنفيس ولنذكر هؤلاء بقوله تعالى "فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض" صدق الله العظيم