لا أدري لماذا كلما استمع إلى ما تقوله السيدة عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر إلا وينتابني خوف كبير من عودة الاستبداد والحكم الجبري التسلطي وينتابني شعور آخر بالقلق على مصير البلاد مع عودة هذا النوع من الخطاب السياسي المتطرف الذي تروج له و يذكرنا بسنوات صعبة خلنا أنها ولت وانقضت دون رجعة كانت فيها الديكتاتورية جاثمة على رقابنا والانفراد بالرأي هو السمة البارزة للمشهد السياسي. فهذه المرأة كلما كان لها ظهور إعلامي إلا وأحدثت ضجة و خوفا كبيرا بخطابها العنيف الصدامي الفاشي القريب من خطاب اليمين المتطرف الذي يذكرنا بما تقوله اليوم ماري لوبان اليمينية بحق المهاجرين والجاليات العربية المسلمة بفرنسا. وكلما تحدثت في وسيلة من وسائل الاعلام إلا و يطرح السؤال الكبير لماذا هي عدوانية هكذا ؟ و لماذا كل هذا الكره والحقد والعنف الذي يظهر في خطابها ؟ ألا يمكن أن تمارس السياسة من دون تخويف الناس وإرهابهم ؟ ولماذا كل هذا العداء للثورة وللمعارضة ولمنظومة الحكم الحالية التي لم تمارس ضد حزبها الاقصاء والمنع على الرغم من المآسي الفظيعة التي ارتكبها في حق جزء كبير من الشعب التونسي حيث كانت الثورة رحيمة ومتسامحة مع منظومة حكم بن علي حينما لم تفعل معهم كما فعلت ثورات أوروبا الشرقية أو كما فعل جمال عبد الناصر مع رموز منظومة حكم الملك فاروق ؟ لا أدري لماذا تريد بخطابها أن تعيدنا إلى مربع الألم والمآسي والاحتراب وكره الشعب لدولته وإلى أيام كان فيها الشعب مختنقا مكبلا بالخوف والقمع وبمصادرة الحريات والحقوق وبإرهاب ميليشيا حزب التجمع الذين سمحوا لأنفسهم بأن يفعلوا كل شيء من أجل إدامة حكم بن علي والمقربين منه . هذا فعلا انطباعي وأشعر به دوما كلما تكلمت عبير موسي وآخر هذا الإحساس المخيف كان بمناسبة ظهورها على أمواج " راديو ماد " في حوار مع سفيان بن فرحات في حصة يوم 21 ماي الجاري حيث أعادت الكلام الممجوج حول كرهها لمن تسميهم " خوانجية " وأعادت وعدها للشعب بأن أول قرار ستتخذه بعد فوزها في الانتخابات المقبلة هو إصدار قرار بحل حزبهم وتبشر الناس وتطلب منهم الاستعداد إلى المعركة والحرب القادمة بين ما تسميه منظومة الدساترة وكافة الوطنين معها بقيادة الحزب الدستوري الحر وبين ما تنعته بمنظومة ربيع الخراب التي يقودها الإخوان بالشراكة مع من تبقى من منظومة 18 أكتوبر 2005 . بهذا الخطاب الاقصائي والصدامي المخيف و الذي يذكرنا بأيام سوداء عاشها الشعب التونسي في عشريتين من أحلك ما عرفه تاريخ البلاد المعاصر تواصل عبير موسي تقديم أفكارها فتقول بأنها في صورة فوزها في الانتخابات المقبلة بالمرتبة الاولى فإنها سوف تحكم بمفردها ومع الدساترة الذين من حولها من دون أن تتحالف مع الاسلاميين ومنظومة 18 اكتوبر 2005 التي تضم أحزاب اليسار وتحديدا الحزب الشيوعي التونسي قبل ان يتحول الى حزب المسار ومكونات الجبهة الشعبية التي تضم حزب حمة الهمامي وحزب المرحوم شكري بلعيد وحزب منصف المرزوقي وحزب مصطفى بن جعفر وحزب نجيب الشابي وغيرهم فكل هؤلاء تنصب لهم عبير موسي العداء وتبشر بحرب قادمة معهم وتعد بأنها لن تتحالف وإياهم . وفي خصوص الموقف من المنظمات الوطنية كالاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجاري فإن عبير موسي لا تنكر أن الدولة البورقيبية وحتى النوفمبرية كانت تحرص على أن تكون هذه المنظمات ضمن منظومة الحكم وتاريخيا كان اتحاد الشغل مساندا للسلطة الحاكمة ومساهما في رسم السياسات الحكومية من أجل ذلك فإنها قامت بمحاولة للاتصال والتنسيق مع اتحاد الشغالين واتحاد الاعراف وقد اعتبرت أنه من الخطأ أن يكون للاتحاد العام التونسي للشغل دور سياسي في علاقة بالتصريحات المتكررة لقياداته بأن الاتحاد معني بالانتخابات القبلة حتى وإن لم يقدم مرشحا باسمه وقد كانت نتيجة هذا الاتصال كما صرحت بأن المنظمتين قد استمعتا إليها من دون أن تعربا عن نيتهما الاعتراف والقبول بحزبها واطروحاته السياسية في إشارة إلى أن اتحاد الشغالين على الأقل غير راغب في إيجاد أي تنسيق معها لتصنيف حزبها حزبا متطرفا له حنين إلى منظومة الاستبداد ثار عليه الشعب واسقط نظام حكمه واليوم يحال العودة من جديد . وحتى الشق من الدستوريين غير المنضوين داخل حزبها والمعارضين لتوجهاتها السياسية والذين يتهمونها بالاستيلاء على الإرث البورقيبي وبتوظيف صورته فإنها لا تقبل به وتتهمه بالانتهازية وبالخيانة. وعلى هذا الأساس فماذا بقى لعبير موسي بعد أن رفضت الجميع وأعلنت الحرب على الكل ؟ فإذا كانت تبشر بحرب قادمة سوف تشعلها قريبا مع منظومة الثورة والتي تسميها بمنظومة ربيع الخراب ومع منظومة 18 أكتوبر 2005 التي تضم الإسلاميين واليساريين والشيوعيين والقوميين وكل المعارضين لحكم بن علي وإذا كانت غير مقبولة من طرف اتحاد الشغل وهي تعاديه لكونه يريد أن يلعب دورا سياسيا وأن يكون فاعلا في منظومة الحكم كما فعل تاريخيا و في كل المحطات السياسية بعد الثورة وإذا كانت تعادي كل صوت دستوري لا يوافقها أفكارها ولا يقبل بنظرتها للأشياء فماذا بقى لها ؟ في الحقيقة لم يبق لعبير موسي بعد أن أقصت الجميع وبعد أن رفضت الكل وبعد أن قررت أن تحكم لوحدها وبمفردها إلا بقايا حزب التجمع المنحل ولن يبقى معها مؤمنا بأفكارها إلا من كان تجمعيا يهزه الحنين الى حكم بن علي التسلطي المعادي للديمقراطية و المنفرد بالسلطة. لن يبقى مع عبير موسي إلا كل الصبايحية و" القوادة " الذين أضروا بالشعب وكل المستفيدين من حزب التجمع ولجان التنسيق ومن منظومة الفساد والإفساد التي دمرت الدولة وأدت الى قيام الثورة لن يبقى معها إلا كل من كان مستفيدا ومتمعشا من النظام القديم . فهل تحتاج تونس اليوم الى مثل هذا الخطاب الذي يرفض التعايش ؟ هل نحن في حاجة الى حزب لا يقبل إلا بمن يشبهه من أبناء التجمع ؟ هل مازلنا في حاجة إلي فكر لم يفهم بعد أن تونس تسع الجميع وأنها بكل اختلافاتها قادرة على احتضان المختلفين. يبدو أن السيدة عبير ما زلات تعيش في الزمن القديم وتحيى على الأفكار البالية التي تعيدنا إلى الوراء وتذكرنا بزمن لم يعد صالحا اليوم لنا. سؤال محير هل فعلا تعبر عبير موسي عن فكر الحزب الدستوري كما ظهر تاريخيا ؟ وهل فعلا يمثل حزبها هذا الإرث من الممارسة السياسية التي ترجع إلى ما يقارب 100 سنة منذ الثعالبي حتى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة لأن حقبة بن علي قد قطعت الصلة بكل ما هو فكر بورقيبي ؟ وهل فعلا تمثل عبير موسي الفكر الدستوري أم أنها تمثل الصورة السيئة لحزب التجمع والنسخة الرديئة له ؟