أكّدت رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي مؤخرا أن الدساترة موجودون في حزبها فلماذا خصتهم دون غيرها وهل انهم حطوا رحالهم فعلا في حزبها دون بقية الأحزاب وخاصة منها ذات المرجعية الدستورية؟. تونس الشروق: «الدساترة موجودون اليوم في الحزب الدستوري الحر» هذا ما زعمته رئيسة الحزب عبير موسي في مداخلة لها السبت الماضي في إذاعة «جوهرة آف آم». إشارة موسي تأتي في إطار تكالب العديد من الأحزاب على الفوز بأصوات الدساترة لعل آخرها تلك الرسالة الانتخابية المبطنة التي أرسلها لهم رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق عبر حديثه عن تدهور صحة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وتمنيه عودته وأبنائه إلى أرض الوطن بما يحفظ كرامتهم في إطار مصالحة سياسية. مرزوق ليس الوحيد الذي يولي عناية انتخابية للدساترة فحزب المبادرة يحتفظ بحقه في استقطابهم بما أنه حزب دستوري وحزب نداء تونس الذي فتح لهم أبوابه منذ تأسيسه واعتمد على نسبة وافرة منهم في نجاحه السابق يرى نفسه الأولى بالحفاظ عليهم كما إن حركة تحيا تونس تعلق عليهم آمالا عريضة رغم ما أشيع عن إغضابهم خلال المؤتمر التأسيسي الأخير... ولكن من هم الدساترة؟ انقسامات وتشتت الدساترة هم بالأساس أبناء المدرسة الدستورية البورقيبية سليلة مدرسة الثعالبي والذين انقسموا في أوائل عهد بن علي إلى قسمين، قسم أول التحق بالتجمع الدستوري الديمقراطي الذي بناه الرئيس المخلوع على أساس الحزب الاشتراكي الدستوري (البورقيبي) وقسم ثان ارتأى اعتزال النشاط الحزبي والسياسي تعاطفا مع بورقيبة أو خوفا من الشعور بالانبتات في حزب جديد يقام على أنقاض حزبه. بعد حل التجمع الدستوري الديمقراطي راودت فئة من القسم الثاني رغبة العودة إلى ممارسة السياسة تحت قبة العائلة الدستورية، وارتدت أغلبية القسم الأول الرداء الدستوري ذاته ولكن بروح حزبهم المنحل تحسبا لرفض الأغلبية في تونس لفكرة التجمع. هذا الخليط من الدساترة تفرق على العديد من الأحزاب ذات المرجعية الدستورية ومنهم من لحق بالخصم السياسي اللدود حركة النهضة ومنهم من لازم الاستقالة السياسية، ولكن أين نجدهم اليوم وهل إن عبير موسي محقة في ادعائها؟. الأولى بتجميع الدساترة الحزب الدستوري الحر هو الأولى مبدئيا بتجميع الدساترة، فمن حيث التسمية يبدو الأقرب إلى الأصل والمرجع أي الحزب الحر الدستوري الذي أسسه عبد العزيز الثعالبي سنة 1920. كما إنه يتبنى العديد من مبادئ الحزب الاشتراكي الدستوري (البورقيبي) وحزب التجمع برئاسة بن علي، وهو يواصل حاليا المنهج التجمعي ذاته في الإقصاء ومعاداة الإسلاميين والتبشير بمحاسبتهم ولعل الأهم أن قيادته آلت إلى وجه تجمعي معروف ممثل في عبير موسي. هذا الحزب يتقدم حسب نتائج سبر الآراء المختلفة، وما هذا التطور إلا دليلا على توافد الدساترة إليه بما أنه لا يقدر على استقطاب الإسلاميين ولا اليساريين ولا اليمينيين. لكن القول إن جميع الدساترة يتجمعون اليوم في الحزب الدستوري الحر ينم عن مبالغة تهدف بالأساس إلى تحقيق نقاط إضافية في الحملة الانتخابية السابقة لأوانها ذلك أن الدساترة لا يمكن أن يلتحقوا كلهم بهذا الحزب للأسباب التالية: فئتان من الدساترة يمكن لخطاب عبير موسي وأتباعها أن يقنع فئة واسعة من التجمعيين الذين نشؤوا على معاداة الإسلاميين وشق من اليسار والذين تضرروا من حل حزبهم لكنه لا يقنع كل الدساترة لأن فئة منهم ترفض الإقصاء ولأن بعضهم لا يجد حرجا في التقرب من حركة النهضة وسنستدل على هذا بمثالين: الأول أن المجموعة الدستورية التي التحقت بحزب المبادرة تحت فيادة الدستوري التجمعي كمال مرجان مستعدة للتحالف مع حركة النهضة، والثاني أن مؤسس الحزب الدستوري الحر قبل أن تضع عليه عبير موسي يدها وتغير تسميته وأهدافه ومبادئه هو حامد القروي الذي سعى إلى منافسة الإسلاميين مثل بقية الأطياف السياسية دون معاداتهم على أمل أن يلتقي بهم، ولهذا ثارت ثائرته عندما قلبت عبير موسي الحزب رأسا على عقب. علينا أن نفرق اليوم بين نوعين من الدساترة أولهما الدساترة الكلاسيكيين الذين نشطوا في الحزب الدستوري أو التجمع وعادوا ليبحثوا عن موطئ قدم لهم وثانيهما الدساترة الجدد المتشبعون بروح الفكر الدستوري دون أن يمارسوا النشاط الحزبي سابقا. في النوع الأول، قد يلتحق البعض منه بحزب عبير موسي لكن النوع الثاني لن يجد ما يدفعه إلى حزب اقصائي انتقامي فيولي وجهه شطر الأحزاب الدستورية الوسطية مثل نداء تونس وتحيا تونس وحركة المشروع والمبادرة الدستورية وغيرها. قوة انتخابية كان التجمع الدستوري الديمقراطي يفاخر قبل حلّه بشعبيته التي لم تكن تقل عن مليوني اشتراك، لكن الاشتراكات لم تكن مقياسا حقيقيا لحصر عدد الدساترة ذلك أن الكثير من المنخرطين كانوا يدعون انتماءهم للتجمع بحثا عن المصلحة الشخصية كالنشاط السياسي أو المناصب أو الفوز بوظيفة أو تسهيل الترقيات أو حتى إبعاد شبهة الانتماء لحزب آخر محظور… وفي غياب إحصائيات دقيقة فإن التكهنات ترى أن عدد الدساترة (باعتبار التجمعيين) يفوق المليون أي ما يقرب من ربع الكتلة الانتخابية في البلاد وهو معين ضخم يسيل لعاب العديد من الأحزاب خاصة وأن للتجمعيين ماكينات انتخابية راكمت التجارب في إدارة الحملات الانتخابية الناجحة. من «الحرّ الدستوري» إلى «الدستوري الحرّ» كان ذلك سنة 1920 عندما أسس الزعيم والمصلح عبد العزيز الثعالبي حزبا سماه الحزب الحر الدستوري لكن شقا من قيادييه بزعامة الحبيب بورقيبة انقلب على المؤسس وأسس حزبا جديدا سماه الحزب الحر الدستوري الجديد فنشط الأول حينا تحت اسم الحزب الحر الدستوري القديم وظل إشعاعه يخفت سنة بعد أخرى حتى اندثر. في المقابل قاد الدستوري الجديد المقاومة ضد الحماية واستفاد من وصول زعمائه بقيادة بورقيبة إلى الحكم وقد اضطر سنة 1984 إلى تغيير اسمه ليصبح الحزب الاشتراكي الدستوري استعدادا لتجربة التعاضد في ما عرف ب«الاشتراكية الدستورية». ولم تتغير التسمية إلا سنة 1988 عندما قرر الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي تأسيس التجمع الدستوري الديمقراطي على أنقاض الحزب الدستوري البورقيبي فظل التجمع مهيمنا على المشهدين الحزبي والسياسي في البلاد حتى تم حله بحكم قضائي سنة 2011. وقد تعددت بعد الثورة الأحزاب الدستورية قبل أن تقرر عبير موسي ومساعديها تغيير الحزب الذي أسسه حامد القروي سنة 2013 تحت اسم الحركة الدستورية إلى الحزب الدستوري الحر انطلاقا من سنة 2016.