كنت أشاهد برنامجا على قناة فرانس 24 واستعد لكتابة مقال أتحدث فيه عن قرار الشركة التونسية للكهرباء والغاز القاضي بقطع التيار الكهربائي من دون سابق إعلام بعد غرة شهر افريل المقبل على كل مواطن لا يسدد فاتورة الكهرباء إذ بشقيقي يهاتفني ويطلب مني أن أشاهد القناة الوطنية واحد لأن عبير موسي ستنزل ضيفة على برنامج حواري . لا أدري كيف ولماذا أذعنت لكلامه وغيرت القناة لأجد نفسي أمام برنامج كله موجات سلبية والحوار الذي يدور فيه هو حوار في اتجاه واحد عبير موسي كعادتها تصرخ وتتكلم ومحاورها ومقدم البرنامج عاجزان عن محاورتها أو ايقافها لأخذ الكلمة . بعد الاستماع إلى خطاب عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر خرجت بقناعة بأن الثورة التونسية قد اخطأت حينما لم تحاسب كل من كان خدما وعسسا للنظام السابق وقناعة أخرى بأن من سموا انفسهم ثوارا وقادوا مرحلة الانتقال الديمقراطي قد ضيعوا على البلاد فرصة تاريخية لن تعاد للتخلص إلى الابد من النفوس المريضة والأشخاص الذين عاني منهم الشعب في مرحلة مظلمة من تاريخ البلاد وقناعة ثالثة بأن الثورة التونسية قد اخطأت حينما كانت رحيمة مع رموز النظام السابق ومع كل خدمه من الذين لمعوا صورته وأداموا حكمه وساعدوه على حكم البلاد بالحديد والنار وممارسة الاستبداد بالتخويف وبالترهيب والإرهاب ولم تحاسبهم المحاسبة العادلة على كل ما فعلوه من إجرام بحق هذا الشعب وهذه البلاد . حينما تستمع إلى عبير موسي وهي تتكلم بكل ذلك العنف وذلك الكره والحقد وحينما تركز مع خطابها الذي تكرره في كل مرة وتعيده دون ملل ولا كلل وحينما تقف على كم الكره الذي يظهر في كلامها تجاه كل الاحزاب السياسية التي جاءت بعد الثورة وحينما تستمع إليها وهي تتحدث عن النهضويين واليساريين والدستوريين من غير حزبها حينها تقول دون تردد لقد اخطأت الثورة حينما تركت مثل عبير موسي دون محاسبة وهي التي كانت في النظام السابق تؤله رأس النظام وتمجده وتبارك كل أفعاله التي وصفت بالجمر في مرحلة سميت بسنين الجمر كانت سنوات سوداء على الشعب التونسي وقاسية جدا على المعارضين . حينما تستمع الى عبير موسي تنتابك حالة من الذعر والانقباض والخوف من عودة شبح الاستبداد والحكم الدكتاتوري والخوف من عودة سياسة النظام القديم التي ثار عليها الشعب وتخلصت منها البلاد فهذه المرأة محكومة بعقدة كره الجميع وعدم القبول بالأخر المختلف معها فهي تصر على احتكار الصفة الدستورية في حزبها فقط وتنفيها عن كل الشخصيات الأخرى التي تنتمي إلى العائلة الدستورية الموسعة ولا ينتمي الى حزبها هذه المرأة تكره اليساريين وتكره رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة لأنها فتحت ملف الانتهاكات التي حصلت في زمن الرئيس بورقيبة وفترة حكم بن علي وتكره الاسلاميين وتصفهم بالظلاميين وتقول أن هذا الكره هو عقيدة بورقيبية وهي اليوم تحيي هذا الارث والحال أن الزعيم بورقيبة لما غادر نحو القاهرة في زمن الاستعمار التقي بحسن بالنبا مؤسس حركة الإخوان المسلمين وسكن في بيته. وجاء في مذكرات الرشيد إدريس عن نشاط مكتب المغرب العربي بالقاهرة أن مقر الشبان المسلمين التابع للإخوان قد احتضن اجتماعات الحزب الحر الدستوري التونسي والحركات المغاربية الوطنية . ولما اعدم جمال عبد الناصر سيد قطب أبرز مفكري الإخوان تدخل بورقيبة لإلغاء حكم الاعدام وأقام موكبا في أربعينيته وطلب من الصحف التونسية أن تشن حربا بسبب هذا الإعدام ولما احتدى الخلاف مع عبد الناصر منح بورقيبة الجنسية التونسية لعدد من قيادات الإخوان المصرية الملاحقين أمنيا. المشكل في هذه المرأة أنها مشروع زعيم مستبد وحزبها بهذه القناعات هو حزب يذكرنا بالأحزاب اليمينية المتطرفة أو بالأحزاب الفاشية والنازية وأن افكارها مخيفة تحاول من خلالها استعادة النظام السابق بكل تفاصيله والحال أن كل ما نعيشه اليوم من مصائب ومصاعب هي من مخلفات سياسات بن علي ومن نتائج برامجه وما قام به خلال 23 سنة من الاستبداد وسرقة أموال الشعب. هذه المرأة لم تفهم أن الشعب التونسي قد ثار على حزبها التجمع الدستوري الديمقراطي وانهى حكم من كانت تؤلهه وهي امرأة تعيش على ذكريات وأحلام الماضي ولم تستوعب ما حصل وتتباهي بانتمائها إلى نظام ظالم مستبد عدو الشعب . نعود ونقول إن الثورة خانت نفسها او خانها أبناؤها حينما لم يواصلوا في تحقيق أهدافها ولم يحافظوا على قيمها وتساهلوا مع رموز النظام السابق الذين رحمتهم الثورة فلم يعتبروا ولم يتوبوا بل هم اليوم يعملون على استعادة صورة الماضي بكل جراحاته وآلامه ومظالمه. بعد سماع حديث عبير موسي نعود فنقول إن الاجراء الثوري الوحيد الذي قامت به الثورة واليوم نحمد الله أنه تحقق هو حل التجمع الدستوري الديمقراطي و قد اخطأت الثورة حينما لم تواصل في تطهير البلاد من العسس وخدم النظام السابق فلو واصلت الثورة في تحقيق اهدافها لما وجدنا اليوم مثل عبير موسي بهذا الخطاب العنيف المخيف الفاشي وهي تسخر من الثورة وتهين الثوار وتعلي صوتها على الاحزاب السياسية المناضلة. اليوم عبير موسي تتكلم بكل حرية بفضل الثورة التي سمحت لها بمثل هذه الحرية في الوقت الذي منع منها المناضلون والمعارضون لما كانت في السلطة والحكم في زمن بن علي . واليوم عبير موسي تروج لخطاب الكراهية والحقد والتحدي لأن من قام بالثورة تساهل مع رموز النظام القديم وكان اصلاحيا ولم يكن ثوريا. اليوم عبير موسي امرأة تحتاج أن تعالج حتى تشفى من امراضها الكثيرة وحتى تصلح من حالها وتتخلى عن خطاب الكره والإقصاء والحقد وإذا كان هناك من نصيحة يمكن أن نقدمها الى هذه المرأة التي لا تزال في زمن " الله أحد الله أحد بن علي ما كيفوا حد " هو أن تشكر الثورة على أنها تركتها دون محاسبة وتشكر المناضلين و كل من قاد مرحلة الانتقال الديمقراطي لأنه كان رحيما بأمثالها ولم يحاسبوهم كما حاسب جمال عبد الناصر وكل من قاد ثورة عبر التاريخ كل من خدم الاستبداد وساعد الديكتاتورية وانتصر للظلم ..