في كتابه "بورقيبة، البذرة الصالحة والزؤام، أشار "الباجي قايد السبسي" إلى حادثة بطلها الزعيم "الحبيب بورقيبة" عندما اعترضته امرأة في إحدى مناطق الشمال الغربي وحدثته عن وضعيتها الاجتماعية السيئة، فتعاطف معها الزعيم –ولأن الزعيم لا صلة له بالمال ولا يعرف قيمته بل ولا يعيره اهتماما- أدخل يده إلى جيبه وأعطاها "دينارين"، فبدا الاستياء على وجه هذه السيدة وقالت معلقة "رئيس دولة ما يعطيش ألفين.." وهو ما استفز "بورقيبة" فرد عليها بصفعة آلمته ولم ينم ليلتها وراح يسأل المحيطين به إن كان على صواب أم تراه أخطأ في رد فعله... ولم يهدأ حتى سارع "الباجي قايد السبسي" والسلط الجهوية بالبحث عن هذه المواطنة لتصحيح الموقف وترضيتها... ويتناقل بعض الثقات حادثة أخرى عاشها "مواطن" من الساحل التونسي كان يشتري "القرنيط" من البحارة، ويتنقل بدراجته يعرضه على القرى والمدن القريبة... ذات يوم شاهده "الزعيم" وهو يتجول أمام قصره الرئاسي في المنستير، وناداه ليسأله عما يفعل، وقال له "تستحقش حاجة؟" فرد المواطن بالنفي... قال له "بورقيبة": "أول مرة رئيس دولة يسأل مواطن يستحقش حاجة والمواطن يقولو لا" فأجاب "بائع القرنيط": "انت ماكش رئيس دولة... انت بونا"... وبادر الزميل "محمد بوغلاب" منذ أيام بزيارة ميدانية لمكتب المحاماة التابع للزعيم "الحبيب بورقيبة" الذي حوله النظام النوفمبري إلى مقر شعبة دستورية قبل أن تستولي عليه إحدى حفيدات "أحمد ابن أبي الضياف" لتقتلع لافتته بعد 14 جانفي، ولم تكن تدري أنها تقتلع زمنا يضج بالذكريات البورقيبية، وتسطو على تاريخ نتقاسمه جميعا، نحن أبناء بورقيبة وأحفاده... لم يكن لبورقيبة تاريخ شخصي، وإلا لما ترك مكتبه مهملا، تعبث به الأيادي... ولم يعرف قيمة "الفلوس" ومعنى الاستيلاء على المال العام وإلا لما واجه استغاثة المواطنة بدينارين... كان يرى نفسه الابن الشرعي لتونس وهو الذي تفرغ للدفاع عن حرية الوطن، يفاوض ويناضل ويرسم خارطة تونس كما يراها تتحدى ضعفها ب"المادة الشخمة" و"الوحدة القومية".. كان الزعيم يريد أن يحكم شعبا مثقفا، فأمر بممارسة المسرح والموسيقى والفنون التشكيلية في المدارس والمعاهد بالتوازي مع التعليم... اعترف "بورقيبة" بأنه لا يحكم تونس، لأنه يشعر بأبوته تجاه كل التونسيين... هو الأب وليس الحاكم، فكانت حتى "ديكتاتوريته" مبررة... ديكتاتورية الأب الذي يبيح لنفسه كل شيء عندما يتعلق الأمر بمصلحة أبنائه وإن اختلفت وجهات النظر بين الاثنين... وقد استمعنا يوم الأحد الماضي في إذاعة تونس الدولية التي يصح لها أن تفاخر بأنها "أجمل الإذاعات" إلى حوار للزعيم بورقيبة باللغة الفرنسية... تحدث بورقيبة بقلب مفتوح، قال إنه يسامح من أخطأ في حقه أو حتى خانه وإن لم يقصر في توجيه الإشارات الساخرة إلى أحمد بن صالح، وتحدث عن الوحدة العربية من منظوره هو وذكر برغبة القذافي في وحدة اندماجية بين ليبيا وتونس... وحين سئل بورقيبة هل تونس صغيرة عليه كحاكم؟ كان رده هادئا حاسما إنه يحمد الله أنه يحكم بلدا صغيرا محدود الإمكانات مثل تونس... وتمر في ذاكرتنا شهادة فتحي بلحاج يحي في "الحبس كذاب والحي يروح" فأجدننا نزداد حبا لبورقيبة حتى في ظلمه وقسوته على أبنائه... "بورقيبة" الذي يحتاج اليوم إلى رد الاعتبار له، لم يكن يشبه غيره من "السلاطين" لذلك لم تتلوث يداه بالسرقة والنهب، ولم يعث في الوطن الذي ناضل لتحريره فسادا... يحتاج "بورقيبة" اليوم لأن نعترف بأنه كان زعيما حقيقيا، مخلصا لوطنه، يندفع في بنائه والدفاع عنه، وجوزي بسنوات الوحدة وهو في منفاه في أرذل العمر... ولذلك نريد أن تكون الاحتفالات بذكرى وفاته يوم 06 أفريل احتفالات شعبية كبيرة لعلنا ننصف الرجل ونعترف بفضله وإن فات الأوان...