كل سنة بل كل شهر بل كل يوم يمر مما كتب الله لنا ومما بقي من هذا العمر ازداد يقينا مستندا الى الحجة والبرهان والدليل ان ابناء هذا الجيل لا يرتقون ولا يساوون شيئا يذكر من حيث عمق الاحساس وقوة العاطفة ومستوى الابداع مقارنة بتلك الأجيال الماضية المتعاقبة من ذلك الماضي الرائق الجميل ومما دفعنى الى قول هذا الكلام هو عجز او غفلة من يعتبرون ومن يسمون انفسهم مبدعين من ابناء هذا الجيل في التعبير الجميل الذي كان يصدر من الاجيال الماضية في توديع شهر الصيام من رفيع ومن بديع انواع القول ومن جميل الوان الكلام ...فمن من ابناء هذا الجيل سمعناه يودع شهر الصيام بكلام يشبه او يفوق ما قاله هذه الشاعر القديم في توديع ذلك الشهر العظيم ذي الرفعة وذي المقام وهو يبكي فراقه ويعبر عما انتابه بذك من الأحزان ومن الوحشة ومن عميق الالام؟ اي شهر قد تولى يا عباد الله عنا حق ان نبكي عليه بدماء لو عقلنا كيف لا بكي لشهر مر بالغفلة عنا ثم لا نعلم انا قد قبلنا ام طردنا ليت شعري من هو المحروم والمطرود منا ومن المقبول ممن صام منا فيهنا كان هذا الشهر نورا بيننا يزهر حسنا فاجعل اللهم عقبا لا نورا ويمنا ولنستمع لمبدع اخر وهو يودع رمضان بقول يهز القلوب ويقرع الأذان( شهر رمضان اين هو شهر رمضان؟ الم يكن منذ لحظات بين ايدينا ؟ الم يكن ملء اسماعنا وملء ابصارنا؟ الم يكن حديث منابرنا وزينة منائرنا وبضاعة اسواقنا ومادة موائدنا وسمر انديتنا وحياة ماجدنا فاين هو الان؟؟؟ اما عن الشبلي وهو احد اقطاب التصوف الصادق النافع ومن المبدعين القدامى في مجال الكلام المعبرالعميق المتين فقد قال في توديع شهر الصيام كلاما تنفطر به القلوب وتقشعر منه الجلود يزين الناس يوم العيد للعيد وقد لبست ثياب الزرق والسود اعددت نوحا وتعديدا وباكية ضدا من الراح والريحان والعود واصبح الناس وقد سروا بعيدهم ورحت فيك الى نوح وتعديد اصبحت في ترح والناس في فرح شتان بيني وبين الناس في العيد واذا كان هذا المتصوف القديم رحمه الله وتقبله بعفوه ورضاه قد قال شتان بين حاله وبين حال غيره من الناس في العيد وربما كان منهم في عصره وعهده من كان مثله او قريبا منه في تلك المشاعر الرقيقة العميقة الصافية وفي تلك العبارات الرفيعة الراقية فماذا كان سيقول اليوم لو بعث من قبره ليرى المسلمين او اغلبهم على الأقل في غفلة عن مزايا وجزاء وبركة شهر الصيام بل منهم بل اكثرهم يعتبرونه حملا ثقيلا وسدا غلظا وحاجزا صلبا يقف في طريق حرصهم الدائم ولهفتهم اللامحدودة في التمتع باطيب والذ واوفر الطعام ؟ لا شك انه سيزيد على نوحه وبكائه ندب خده ولطم جلده وانه سيطلب سريعا العودة والرجوع الى قبره ورمسه وهو يصرخ ويقول هل هذه هي غاية الصيام التي من اجلها كتبه الله وفرضه على الأنام وجعله من اركان ومن شروط الاسلام؟ ام ان هذا الجيل الجديد من المسلمين لم يعد يعرف من حقوق ومن فرائض الصيام الا الحرمان من شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر الى غروب الشمس؟ ثم يتحسرون ويقولون اين راحت وكيف ذهبت ولماذا اندثرت قوتنا وحضارتنا وهيبتنا التي تميز بها المسلمون عن غيرهم من الأمم البارحة وبالأمس؟ اما عن ابي ذاكر صاحب هذا المقال فهو يختصر الجواب بالنصح والقول(راجعوا ايها المسلمون تاريخ وسيرة واقوال عظمائكم واقطابكم وعباقرتكم من امثال ابي الحسن البصري و ابن العربي وابي الحسن الشاذلي ومحرز ابن خلف والشبلي وستفهمون معنى قوله تعالى مخاطبا اهل الفهم والعقل (انه لقول فصل وما هو بالهزل) وقوله تعالى لمن لم تنههم ولم تردعهم عبادتهم كصلاتهم وصيامهم وحجهم عن الفسق والنفاق وشتى انواع الفساد( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد...)فهل نهانا وهل سينهانا صومنا وسائر عباداتنا عن الفساد وكل انواع الشرور والمعاصي والآثام ؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان يجيب عنه كل مسلم اذا اراد ان يعلم ان الله قد تقبل منه الصيام والقيام يا امة الاسلام و إلا فكل عبادته كما يقول الأدباء قد ذهبت سدى وهو نفس المعنى الذي يعبر عنه عامة التونسيين بقولهم للمنافقين وللمفسدين واللئام ( خسارة عبادتكم كلها مشات حرام) ويا الله ما حسن وما اجمل وما اروع هذا النوع من الكلام الذي غاب عنا وافتقدناه في هذا الجيل وفي اخر هذه الأعوام...