لا يختلف ولا يتجادل ولا يتخاصم اثنان في ان شهر الصيام او شهر رمضان قد مثل في تاريخ الآداب العربية مجالا خصبا لإبداع المبدعين السابقين الأسلاف فقد تركوا للاحقين و للاخلاف ما يدل على سعة باعهم وطول ذراعهم وصدق وعميق ابداعهم بلا شك ولا اختلاف ولكن مع الأسف الشديد فإننا نرى أدباءنا اليوم عن اقتفاء اثرهم عاجزين وانهم غير قادرين على ملء الفراغ الذي تركه رحيلهم عنا منذ اعوام ومنذ سنين... واننا مع ذلك نحمد الله اليوم ان تراثنا الأدبي العظيم مازال موجودا بين أيدينا وفي متناول الباحثين و الناظرين في التراث النافع الثمين وهذا ما يخفف عنا ويسلينا ويعزينا وينسينا هذا المستوى الضعيف الغريب العجيب الذي اصبح عليه ادباؤنا اليوم والذي لا نظن انهم سيتجاوزونه ويتخلصون منه في المستقبل البعيد ولا القريب ...واننا سنحاول بعون الله وتوفيقه ورضاه ان نقف على بعض هذه الابداعات الأدبية التاريخية التي جادت بها قرائح اسلافنا في موضوع شهر رمضان علها تكون للقراء خير عزاء في هذا الواقع الأدبي المعيش في هذا الزمان و الموسوم بالجدب والقحط والضحالة والوهن والتعب والعياء فمن ابداعات ادبائنا السابقين في باب التهنئة بقدوم شهر الصيام ما قاله الأمير تميم بن المعتز لدين الله الفاطمي وهو يهنئ اخاه الخليفة العزيز بالله على راس قائمة المهنئين في تلكم الأيام ليهنئك ان الصوم فرض مؤكد من الله مفروض على كل مسلم وانك مفروض المحبة مثله علينا بالحق قلت لا بالتوهم فهنئته يا من به الله قابل من الخلق فيه كل نسك مقدم انظروا رحمكم الله ايها القراء الكرام وجه الشبه الجميل وهذا الجمع البديع بين الاعتراف وتاكيد واثبات فرض الصيام وبين اثبات واقرار محبة الخليفة بالصدق لا بالتوهم او بالإيهام وقوله شهر الصيام اجل شهر مقبل وبه يمحص كل ذنب مثقل وكذلك أنت ابرمن وطئ الحصى واجل أبناء النبي المرسل ثم انظروا رحمكم الله الى ذلك الجمع والى ذلك الربط وذلك الاقتران بين تأكيد أفضلية شهر الصيام بين الشهور باعتباره شهر التوبة وغفران الذنوب الثقيلة وبين اعتبار الخليفة أفضل اهل عصره في تلك الأيام الزاهرة الجميلة ومن تلكم الابداعات الأدبية لا يمكن ان ينسى قول (الشريف الرضى) وهو يهنئ بقدوم شهر الصيام (الطائع ) العباسي وقد اشتهر بالصيام والقيام تهن قدوم صومك يا إماما يصوم مدى الزمان عن الآثام اذا المرء صام عن الدنايا فكل شهوره شهر الصيام انظروا رحمكم الله الى المعنى الديني العميق الذي أشار إليه الشاعر الشريف فقد ذكر المسلمين ان اجتناب المعاصي والذنوب والآثام ليس كما يظن الكثيرون من الغافلين ليس منحصرا ولا مقتصرا فقط على رمضان شهر الصيام بل ان ترك طرق ابواب الحرام يجب ان يستمر كامل ايام وكامل شهور العام اما اذا اردنا ان نذكر شيئا من النثر في هذه المقام وهو التهنئة بشهر الصيام فما احسن ان ننظر فيما كتبه ( الصاحب بن عباد) في هذا الباب الى احد الأمراء( كتابي أطال الله بقاء الأمير غرة شهر رمضان جعل الله ايامه عزا واعوامه زهرا وأوقاته اسعادا وساعاته أعيادا واتاه في هذا الشهر الكريم مورده ومأتاه أفضل ما قسم فيه لمن تقبل أعماله فبلغه آماله فأصلح به وعلى يديه فحرس الله منائحه ومناجحه لديه وإنباء الحضرة العالية واردة بما يظاهر الله للملك من نعم تحرس الخلافة وتعود بفضلها على الكافة ومولانا الأمير بين تفضل من الله يديمه وحق من مصالح الدين والدنيا يقيمه والحمد لله رب العالمين وصلاته على النبي محمد واله أجمعين(رسائل الصاحب) انظروا رحمكم الله وهداكم بهداه الى هذه الطرز البديع الرفيع من تهاني وأماني وتعبير وكلام السابقين وقارنوا وميزوا بينها وبين تهاني أدبائنا فضلا عن عامتنا الحاليين فستجدون طبعا وفعلا ان تهانيهم لا تزيد في احسن الأحوال عن جملة (رمضانكم مبروك) يقولونها بأفواههم او يبعثونها في ارسالية هاتفية معتمدين ومتواكلين على اختراع الهاتف الجوال الذي نزع عن رسائلنا وأحاديثنا وتواصلنا اليوم كل رونق وكل ابداع وكل جمال دون ان يتعبوا في كتابتها وتحبيرها وتنميقها وتزويقها على الورق ثم يمضون الى حالهم وأعمالهم في سرعة الضوء وفي سرعة الصوت وفي سرعة البرق... ورحم الله من قال في وصف حالهم وبالحق نطق هؤلاء جيل(ارفع يديك عن الطبق حتى لا تحترق) والذي قال فيهم في وصف باللسان الدارج اللذيذ الدقيق المعبر هؤلاء جيل(كعور وأعط للاعور)