وزارة الصناعة تدعو هؤلاء إلى إيداع دراسة إزالة التلوث قبل موفى 2025    عاجل: 70 ملم أمطار غزيرة ممكنة في هذه المناطق    العاصمة: إيداع شاب السجن بعد طعنه عون أمن ومواطناً داخل مركز أمني    خلال لقائه برئيس Afreximbank... سعيّد يؤكد استعداد تونس لتعزيز التعاون المالي الإفريقي    تونس: خبزة قاطو عادية ل6 أشخاص ب 45 دينار!    ميزانية الدولة 2026: الزيادة في نفقات مهمة التشغيل والتكوين المهني ب 5 بالمائة    نابل: انطلاق موسم الزراعات الكبرى وسط تشكيات من انعدام توفر البذور) فيديو)    عاجل : فيديوهات ''توم توم ساهور'' و''باليرينا كابتشينو'' تهدد صحة صغاركم    الشتاء جاء: تعلّم كيفاش تسعف شخص تعرّض للإختنق بسبب وسائل التدفئة    بعد نشر صواريخ يابانية.. الصين تتوعد بسحق أي تدخل أجنبي في تايوان    "حظر الأسلحة الكيميائية" تجدد عضوية الجزائر في مجلسها التنفيذي ممثلة لإفريقيا    الترجي الرياضي: المساكني يباشر التمارين.. وموعد جديد لرحلة أنغولا    الملعب التونسي: جمال الدين ليمام يخضع لتدخل جراحي ناجح    إرشاد المستهلك تقترح زيت الزيتون بين6 و 9 و10 دينارات للمستهلك التونسي    صدمة في إسطنبول: عائلة ألمانية تموت فجأة في فندق!..شنيا الحكاية؟    شنوا حكاية الظاهرة الغريبة اللى قربت للأرض ؟    دكتور للتونسيين: هاو كيفاش تعرف روحك مريض بالوسواس القهري    حذاري: 4 مأكولات تخفي سموم كان عاودت سخنتها في ''الميكرووند''    يتزعمها مصنف خطير معروف بكنية " dabadoo" : تفكيك امبراطورية ترويج المخدرات في سيدي حسين    للتوانسة : شنية الشروط الى لازم تتوفر فيك بش تجيب كرهبة مالخارج ؟    النادي الإفريقي: اليوم وصول الوفد الف..لس..طي..ني    جبل الجلود : حملة أمنية تطيح بعدة عناصر اجرامية خطيرة    Titre    تعليمات رئاسية عاجلة: تطبيق القانون فورًا لرفع الفضلات بالشارع    نبوءة مثيرة للجدل تعود للواجهة!.. هل اقترب "اليوم الأخير للعالم"؟    منخفض جوي جديد مع بداية ديسمبر... حضّر روحك للبرد والمطر    طقس اليوم: أمطار غزيرة والحرارة في انخفاض    بطولة المنامة (2) للتنس للتحدي - عزيز واقع يخرج من الدور السادس عشر على يد الالماني ماكسيليان هومبيرغ    مباريات نار اليوم في دوري أبطال أوروبا..شوف شكون ضد شكون!    وثيقة وقعها بوتين: سنجعل 95 % من سكان أوكرانيا روسًا    عاجل: تونس في كاس العرب ...هذه القنوات المجانية للنقل التلفزي    انسحاب صادم.. أشهر حكمة مغربية تعلن اعتزالها وتكشف السبب    عاجل: هذه آخر مُستجدات وفاة المحامية أسماء مباركي    عامر بحبة: منخفضات باردة وأمطار غزيرة في الطريق إلى تونس خلال الأيام القادمة    لسعد بن عثمان " لمين النهدي والمنجي العوني ودليلة المفتاحي استخسروا على نور الدين بن عياد مجرد تعزية"    البنك الأفريقي للتنمية يُموّل مشروع تعصير شبكة مياه الشرب وتقويتها في تونس الكبرى بقيمة 111.5 مليون أورو    شهداء بنيران الاحتلال في غزة والنازحون يصارعون البرد والسيول    عاجل: انتخاب ممثلة ال'تونيسار' حليمة ابراهيم خواجة نائبا لرئيس جمعية النقل الجوي الفرنكوفوني    قفصة: يوم جهوي تحسيسي حول الأمراض الحيوانية المنقولة عن طريق الحشرات    أشغال تهيئة في مسرح أوذنة الأثري    من دمشق والقاهرة إلى أيام قرطاج المسرحية.. المهرجانات المسرحية العربية.. رحلة نصف قرن من الإبداع    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    عدد زوّار تونس يزيدة ب10،3٪ إلى حدود 20 نوفمبر    سامي الطرابلسي: استمرار قيادتي للمنتخب مرتبطة بتحقيق هذه الأهداف..#خبر_عاجل    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك تدعو للتصدي لخطر الهندسة الاجتماعية الرقمية    بيونة في ذمة الله: الوداع الأخير للممثلة الجزائرية    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    تصدر الترند: مسلسل "ورد وشوكولاتة" يثير جدلا كبيرا: هل غيّر المسلسل قصة مقتل الإعلامية شيماء جمال..؟    نجمة الكوميديا الجزائرية 'بيونة' في ذمّة الله    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    تزامنا مع موجة البرد: نداء هام للمواطنيين وموزعي قوارير الغاز المنزلي..#خبر_عاجل    الممثلة التونسية عفاف بن محمود تفوز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم ''الجولة_13''    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    التوقعات الجوية لهذا اليوم..أمطار بهذه المناطق..    مخاطر الانحراف بالفتوى    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    الفتاوى الشاذة والهجوم على صحيح البخاري    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم : الوطنية المفقودة
نشر في الصريح يوم 08 - 06 - 2019

ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 ، حتى استأنفت الشعوب المُستعمَرة كفاحها من أجل الحريّة والإستقلال ، بعد ركود نسبيّ فرضته الحرب ودواعيها. استأنفت الشعوب نضالها شرقا وغربا ، في إفريقيا وآسيا ، وفي كلّ أرض بها شعب مستعمَر مظلوم ، منتهزة الظرف والمستحدثات ، التي منها انبعاث منظمة الأمم المتحدة عام خمسة وأربعين وتسع مائة وألف ، على رفاة عصبة الأمم ، منتهزة أيضا الحرب الباردة بين الشرق والغرب بزعامة العملاقين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميريكية ، مستغلة مساندة منظمات حيادية مثل منظمة عدم الإنحياز (باندونغ 1955) التي كانت تنادي بالوقوف في الوسط ، بين المتصارعين سرّا وهما الشرق والغرب ، أو قل اليسار واليمين ، وبكلمة أوضح الشيوعية والرّأسمالية. اغتنمت الشعوب المُستعبَدَة أيضا إعلان وثيقة حقوق الإنسان في ديسمبر/كانون أول سنة ثمان وأربعين وتسع مائة وألف ، فسرى في عروق الجماهير المستضعفة دم جديد ، سوف لا يفتر حتى بلوغ الغاية وتحقيق المبتغى والحصول على المطلوب. فما أن دخلت عشرية الخمسينات من القرن العشرين ، حتى هبت ريح تحمل بشائر النصر المبين ، فتتالى استقلال البلدان ، بلد تلو آخر ، فتحرّرت شعوبها من غلّ الاستعمار " المباشر" البغيض. فمن الهند الصينية – الفيتنام – وأخواتها شرقا إلى الكونغو غربا ، بالثورات المسلحة وبالتفاوض والحوار ، من الهند إلى إفريقيا السمراء ، وشمال إفريقيا الذي توّج تحرّره بثورة الجزائر المجيدة وإعلان استقلالها عام 1962 ، حققت الأقطار وشعوبها ما طمحت إليه وكافحت من أجله بوطنية حقة وبإخلاص وتفانٍ لتدخل عهدا جديدا ، بآمال جمّة وطموحات كبرى وعزم شديد.
استقلت تلك البلدان ، أو ظنت أنها استقلت ، وشرعت تبني في الحقيقة والواقع ما كان بالأمس أحلاما ، فكانت المفاجأة. نعم خرج الاستعمار وسلّم مقاليد البلدان لأبنائها ، نعم ، وزالت الإمبراطوريات لكن في الحقيقة والواقع ، لم تخضع الدول الاستعمِاريّة لتيارات الاستقلال ، فما الاعتراف به لمن كان تحت وطأتها ، لم يكن إلا لأنها اكتشفت أن ثمن بقائها وممارسة السياسات السابقة أصبح باهضا ، وإبداله بتصرّف وأسلوب آخرين ، سيكون أبخس ثمنا ، وأخف حملا ، ولربّما أكثر مردودا ونفعا. هكذا جاء ميلاد الاستعمار الجديد ، وهكذا غرقت البلدان المستقلة في مشاكلها – خاصة منها الإقتصادية التي تجعلها دائما تابعة محكوما فيها – وهكذا دخلت في دوامة يحتاج شرحها وعرضها إلى دراسات وتحاليل لا إلى مقال أو مقالات ، لكن يكفي ، في هذه العجالة ، إلقاء نظرة خاطفة على كلّ البلدان التي كانت ترزح تحت الإستعمار واستقلت ، بين سني الخمسينات والثمانينات ، لنلاحظ أن ليس بينها من حقّق ما كانت تطالب به الجماهير. فتقدمها محدود ، واقتصادها راكد ورهينة الخارج ، والتصنيع منعدم إلا لدى الكبريات منها ، والفلاحة في تراجع كي لا نقول مهملة ، والتنمية يغلب الكلام عنها ويقل الإنجاز، فكانت النتيجة ، لدى أغلبها ، زوال الثقة بين الحاكم والمحكوم ، وانتشار اليأس بنتائجه الهدامة ، فساد التيقن بأن الاستقلال صوريّ وأن المصير لا يزال بأيد غريبة ، ظاهرة ومخفية. بقيت إذن ، وتبقى ، تلك الدول تدور في حلقة مفرغة ، تتراكم فيها المشاكل والديون ، فاصبحت رهينة الآخر ومصيرها تحت رحمته. مستقلة مُسْتَعْمَرَة.
الغريب في كلّ هذا هو أنه خلال كلّ هذه العقود ، أي من نهاية الحرب إلى اليوم ، تقلصت الوطنية فاندثرت ، نعني الوطنية الحقة ، ذلك الحب الشديد الذي يكنه المرء لوطنه ، فيعمل لصالحه وصالح الجميع بتفان وإخلاص ، مضحّيا بالغالي والرّخيص ، بسعادته وسعادة ذويه ، بروحه وحياته عندما يقتضي الأمر، حبّا ودفاعا عن الوطن. الأغرب من هذا هو أن الوطنية قد زالت ، لا في البلدان التي كانت مستعمرة فاستقلت ، بل زالت أيضا من كثير أو معظم البلدان حتى المتقدّمة منها ، وأصبحت كلمة وطني ووطنية تعادل – بلا مبالغة – كلمة مجرم وإجرام. تأكيدا لذلك ألغت بعض الدول الخدمة العسكرية ، التي كانت فرضا وواجبا ، وأدخلت تغييرات على تركيبة القوات المسلحة فيها ، فأصبحت أكثر قربا من قوات مرتزقة من قربها لأي شكل من أشكال القوات الوطنية. إن المتبصّر في كلّ هذه الأمور يخرج لا محالة باستنتاجات كثيرة منها انعدام الاستقلال ، فراغ الأسماء والعبارات من مسمّياتها ، فرض التبعيّة المباشرة وغير المباشرة ، بالطرق والوسائل المرئية أو " المعميّة " أي الخفية ، عدم العمل بالمبادئ السامية ، رغم ترديد وتكرار أسماء بعضها للتمويه أو التضليل ، انحلال أو انحطاط أو تفكك أو زوال كل ثقافة باستثناء ثقافة المادة ، التي سادت وهيمنت. هل هذا من نتائج العولمة ؟ إذا كان الأمر كذلك فلأيّة غاية ؟ والغاية لفائدة من ؟
أسئلة كثيرة يجب ويصعب الجواب عنها لأنه " عند جهينة الخبر اليقين." لذا وتبعا لهذا وغيره ، لم يبق للشعوب التي تريد حقّا تغيير حالها وأوضاعها إلى ما هو أحسن وأفيد ، إلا أن تغيّر ما بنفسها ، ما بباطنها ، فتسترجع ما أهمل من مبادئ ومُثل فتتحلّى بها ، وتتوحّد على كلمة سواء ، لأن يد الله مع الجماعة ، وتحدّد الغاية أو الغايات ، وتنبذ المنتهزين والمنتهزات ، وتنسى المادة ولو لحين ، فالمادة يأتي بها العمل ، فتشرع في العمل من غير اتكال إلا على الله وعلى النفس ، لأنه ما حكّ جلدك مثل ظفرك ، أو كما يقول المثل الشعبي: "المتغطي بمتاع الناس عريان "، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لأخراك كأنك تموت غدا : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
مدريد 22-5-2019


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.