لندن تتصدر العالم... تقرير عالمي يكشف أفضل 20 مدينة لعام 2026    تحذير: الأطفال أمام الشاشات... تغيّرات خطيرة تطرأ على الدماغ والسلوك    حزب الله ينعى الطبطبائي    "أكسيوس": واشنطن وكييف تقتربان من اتفاق على خطة السلام لأوكرانيا    مراد العقبي «الشروق»...الترجي قادر على التدارك والبلايلي لا يُعوّض    بطولة افريقيا للتنس للشبان دون 12 سنة بالمغرب: ميدالية ذهبية واخرى برونزية لتونس    الليلة..الطقس بارد..    النجم يحيى الفخراني ل«الشروق».. أنا سعيد بعودتي لتونس بلد الفن والثقافة    لاقى استحسان الجمهور ... نجاح لافت لمهرجان «فاكهة التنين»    جامعة تونس المنار الأولى وطنيا وفي المرتبة 201-250 ضمن أفضل الجامعات في العالم    بإمكان تونس التسريع في تحقيق الانتقال الإيكولوجي بالمراهنة على الطاقات المتجددة (رئيسة المفوضية الأوروبية)    صادم: تراجع انتشار الحشرات في العالم يُهدّد الانسان    التباين الكبير في درجات الحرارة بولاية سليانة يجعل من الضروري دعم طرق التكيف مع التغييرات المناخية (خبير بيئي)    المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر يفتح باب الترشح للمشاركة في الدورة الثانية من الصالون الوطنى للفنون التشكيلية    محرز الغنوشي يُبشّر بعودة الغيث النافع منتصف هذا الأسبوع    تونس تشارك في بطولة العالم للكيك بوكسينغ بابوظبي بستة عناصر    تونس تشارك في فعاليات المنتدى الصيني الإفريقي للابتكار في التعاون والتنمية    يهم مستعملي الطرقات السيّارة..#خبر_عاجل    وزير الخارجيّة يشارك في أشغال القمّة السابعة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي بلواندا يومي 24 و25 نوفمبر 2025    وضعية الأراضي الدولية و مسالك تعصير الانتاج الفلاحي...ابرز محاور مداخلات النواب    عاجل/ إسقاط هذا الفصل من الميزانية: ظافر الصغيري يكشف..    جمهور غفير يُتابع مسرحية "الملك لير" وتكريم للفنان الكبير يحيى الفخراني    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    شراكة جديدة بين الطرُقات السيارة والبريد بش يسهّلوها على التوانسة...كيفاش؟    مسرحية "(ال)حُلم... كوميديا سوداء" لجليلة بكار والفاضل الجعايبي: عمارة تتداعى ووطن يعاد ترميمه    غيث نافع: شوف قدّاش كانت كمّيات الأمطار في مختلف الجهات التونسية    تونس تشارك في المؤتمر الدولي للسياحة العلاجية بتركيا تحت شعار " الدبلوماسية الصحية والابتكار"    قرمبالية تحتضن الدورة الأولى لمهرجان فاكهة "التنين" بالحديقة العمومية    "حاجات جامدة بتحصللي من أقرب الناس"... شيرين تكشف حقيقة اعتزالها الغناء    عاجل: وفاة الممثل نور الدين بن عياد    مدنين: تظاهرة "نسانا على الركح" تحتفي بالمراة الحرفية في دورة عنوانها "حين تروى الحرف"    جامعة عملة التربية تدعو الى التفعيل المالي للترقية بالملفات وبالاختيار لسنة 2024    صادم: الجزائر تُحذّر من ''مخدّر للأعصاب'' يستخدم لاغتصاب الفتيات    فاروق بوعسكر:هيئة الانتخابات جاهزة وقادرة على تنظيم الانتخابات البلدية في ظرف 3 اشهر    عدد ساعات العمل في تونس: 2080 ساعة سنويّا لهؤلاء و2496 ساعة لهذه الفئة    تواصل انخفاض درجات الحرارة الاحد    وقتاش بش يتحسّن الطقس؟    البطولة الإنقليزية: خسارة ليفربول امام نوتنغهام فورست بثلاثية نظيفة    رابطة الأبطال الإفريقية - نهضة بركان يتفوق على "باور ديناموس" الزامبي (3-0)    "رويترز": الولايات المتحدة تستعد لشن عمليات سرية في فنزويلا للإطاحة بحكومة مادورو    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم و النقل التلفزي    عقب خلافها مع ترامب.. مارغوري غرين تعتزم الترشح للرئاسة الأمريكية    استشهاد 24 فلسطينيا في ضربات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    القبض على المتّهم وتحقيق لكشف الأسباب .. يحرق سيّارات ويحاول احراق بيت بساكنيه!    ذبحه وقطع عضوه الذكري.. خليجي يرتكب جريمة مروعة في مصر    عاجل/ الرابطة المحترفة الثانية (الدفعة الاولى) النتائج والترتيب..    خبير يُحذّر من تخفيض أسعار زيت الزيتون في تونس    شكوني خنساء مجاهد اللي قتلوها بالزاوية في ليبيا بالرصاص؟    أبرد بلاصة في تونس اليوم السبت... الرصد الجوي يكشف    في بالك في كوجينتك عندك : سر طبيعي يرفع المزاج ويقوّي الصحة    لأول مرة في تونس: إجراء 3 عمليات دقيقة بالليزر الثوليوم..    الوكالة الوطنية للدواء ومواد الصحة تنظم سلسلة من الجلسات التوعوية عبر الانترنات لدعم جهود مكافحة المضادات الحيوية    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    العاصمة: الاحتفاظ بصاحب دراجة"'تاكسي" بعد طعنه عون أمن داخل مركز    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم : الوطنية المفقودة
نشر في الصريح يوم 08 - 06 - 2019

ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 ، حتى استأنفت الشعوب المُستعمَرة كفاحها من أجل الحريّة والإستقلال ، بعد ركود نسبيّ فرضته الحرب ودواعيها. استأنفت الشعوب نضالها شرقا وغربا ، في إفريقيا وآسيا ، وفي كلّ أرض بها شعب مستعمَر مظلوم ، منتهزة الظرف والمستحدثات ، التي منها انبعاث منظمة الأمم المتحدة عام خمسة وأربعين وتسع مائة وألف ، على رفاة عصبة الأمم ، منتهزة أيضا الحرب الباردة بين الشرق والغرب بزعامة العملاقين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميريكية ، مستغلة مساندة منظمات حيادية مثل منظمة عدم الإنحياز (باندونغ 1955) التي كانت تنادي بالوقوف في الوسط ، بين المتصارعين سرّا وهما الشرق والغرب ، أو قل اليسار واليمين ، وبكلمة أوضح الشيوعية والرّأسمالية. اغتنمت الشعوب المُستعبَدَة أيضا إعلان وثيقة حقوق الإنسان في ديسمبر/كانون أول سنة ثمان وأربعين وتسع مائة وألف ، فسرى في عروق الجماهير المستضعفة دم جديد ، سوف لا يفتر حتى بلوغ الغاية وتحقيق المبتغى والحصول على المطلوب. فما أن دخلت عشرية الخمسينات من القرن العشرين ، حتى هبت ريح تحمل بشائر النصر المبين ، فتتالى استقلال البلدان ، بلد تلو آخر ، فتحرّرت شعوبها من غلّ الاستعمار " المباشر" البغيض. فمن الهند الصينية – الفيتنام – وأخواتها شرقا إلى الكونغو غربا ، بالثورات المسلحة وبالتفاوض والحوار ، من الهند إلى إفريقيا السمراء ، وشمال إفريقيا الذي توّج تحرّره بثورة الجزائر المجيدة وإعلان استقلالها عام 1962 ، حققت الأقطار وشعوبها ما طمحت إليه وكافحت من أجله بوطنية حقة وبإخلاص وتفانٍ لتدخل عهدا جديدا ، بآمال جمّة وطموحات كبرى وعزم شديد.
استقلت تلك البلدان ، أو ظنت أنها استقلت ، وشرعت تبني في الحقيقة والواقع ما كان بالأمس أحلاما ، فكانت المفاجأة. نعم خرج الاستعمار وسلّم مقاليد البلدان لأبنائها ، نعم ، وزالت الإمبراطوريات لكن في الحقيقة والواقع ، لم تخضع الدول الاستعمِاريّة لتيارات الاستقلال ، فما الاعتراف به لمن كان تحت وطأتها ، لم يكن إلا لأنها اكتشفت أن ثمن بقائها وممارسة السياسات السابقة أصبح باهضا ، وإبداله بتصرّف وأسلوب آخرين ، سيكون أبخس ثمنا ، وأخف حملا ، ولربّما أكثر مردودا ونفعا. هكذا جاء ميلاد الاستعمار الجديد ، وهكذا غرقت البلدان المستقلة في مشاكلها – خاصة منها الإقتصادية التي تجعلها دائما تابعة محكوما فيها – وهكذا دخلت في دوامة يحتاج شرحها وعرضها إلى دراسات وتحاليل لا إلى مقال أو مقالات ، لكن يكفي ، في هذه العجالة ، إلقاء نظرة خاطفة على كلّ البلدان التي كانت ترزح تحت الإستعمار واستقلت ، بين سني الخمسينات والثمانينات ، لنلاحظ أن ليس بينها من حقّق ما كانت تطالب به الجماهير. فتقدمها محدود ، واقتصادها راكد ورهينة الخارج ، والتصنيع منعدم إلا لدى الكبريات منها ، والفلاحة في تراجع كي لا نقول مهملة ، والتنمية يغلب الكلام عنها ويقل الإنجاز، فكانت النتيجة ، لدى أغلبها ، زوال الثقة بين الحاكم والمحكوم ، وانتشار اليأس بنتائجه الهدامة ، فساد التيقن بأن الاستقلال صوريّ وأن المصير لا يزال بأيد غريبة ، ظاهرة ومخفية. بقيت إذن ، وتبقى ، تلك الدول تدور في حلقة مفرغة ، تتراكم فيها المشاكل والديون ، فاصبحت رهينة الآخر ومصيرها تحت رحمته. مستقلة مُسْتَعْمَرَة.
الغريب في كلّ هذا هو أنه خلال كلّ هذه العقود ، أي من نهاية الحرب إلى اليوم ، تقلصت الوطنية فاندثرت ، نعني الوطنية الحقة ، ذلك الحب الشديد الذي يكنه المرء لوطنه ، فيعمل لصالحه وصالح الجميع بتفان وإخلاص ، مضحّيا بالغالي والرّخيص ، بسعادته وسعادة ذويه ، بروحه وحياته عندما يقتضي الأمر، حبّا ودفاعا عن الوطن. الأغرب من هذا هو أن الوطنية قد زالت ، لا في البلدان التي كانت مستعمرة فاستقلت ، بل زالت أيضا من كثير أو معظم البلدان حتى المتقدّمة منها ، وأصبحت كلمة وطني ووطنية تعادل – بلا مبالغة – كلمة مجرم وإجرام. تأكيدا لذلك ألغت بعض الدول الخدمة العسكرية ، التي كانت فرضا وواجبا ، وأدخلت تغييرات على تركيبة القوات المسلحة فيها ، فأصبحت أكثر قربا من قوات مرتزقة من قربها لأي شكل من أشكال القوات الوطنية. إن المتبصّر في كلّ هذه الأمور يخرج لا محالة باستنتاجات كثيرة منها انعدام الاستقلال ، فراغ الأسماء والعبارات من مسمّياتها ، فرض التبعيّة المباشرة وغير المباشرة ، بالطرق والوسائل المرئية أو " المعميّة " أي الخفية ، عدم العمل بالمبادئ السامية ، رغم ترديد وتكرار أسماء بعضها للتمويه أو التضليل ، انحلال أو انحطاط أو تفكك أو زوال كل ثقافة باستثناء ثقافة المادة ، التي سادت وهيمنت. هل هذا من نتائج العولمة ؟ إذا كان الأمر كذلك فلأيّة غاية ؟ والغاية لفائدة من ؟
أسئلة كثيرة يجب ويصعب الجواب عنها لأنه " عند جهينة الخبر اليقين." لذا وتبعا لهذا وغيره ، لم يبق للشعوب التي تريد حقّا تغيير حالها وأوضاعها إلى ما هو أحسن وأفيد ، إلا أن تغيّر ما بنفسها ، ما بباطنها ، فتسترجع ما أهمل من مبادئ ومُثل فتتحلّى بها ، وتتوحّد على كلمة سواء ، لأن يد الله مع الجماعة ، وتحدّد الغاية أو الغايات ، وتنبذ المنتهزين والمنتهزات ، وتنسى المادة ولو لحين ، فالمادة يأتي بها العمل ، فتشرع في العمل من غير اتكال إلا على الله وعلى النفس ، لأنه ما حكّ جلدك مثل ظفرك ، أو كما يقول المثل الشعبي: "المتغطي بمتاع الناس عريان "، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لأخراك كأنك تموت غدا : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
مدريد 22-5-2019


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.