عاجل/ قضية التآمر على أمن الدولة تطورات جديدة..    المنظمة التونسية لارشاد المستهلك تؤكد ضرورة احترام الالتزامات القانونية لمسدي خدمات العمرة    هذا رد النجم الساحلي على إستقالة زبير بية..#خبر_عاجل    الطقس هذه الليلة..    النادي الإفريقي يحقق فوزه الأول في البطولة العربية للكرة الطائرة للسيدات بثلاثية نظيفة على فتيات العيون الكويتي    دراسة علمية صادمة : العمل لساعات طويلة يؤثر على دماغك وعلى صحتك النفسية    صدور مجلة "جيو" الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    مدنين: الدورة الثانية لملتقى الثقافات بجربة تبحث في مجال التنوع الثقافي كمصدر للتجديد والابداع    تونس باش تولّي تنتج أمّهات الدواجن    رجل أعمال يغتصب قاصرا ويتسبب في حملها!    صادم: 25% من التوانسة بش يمرضوا بالسكّري    لتحسين النوم.. هذه الفترة اللازمة لتناول المغنيزيوم    للتوانسة: الأفوكادو والمنڨا صاروا في نابل!    "غزة في عيون تونس" مبادرة فنية تشكيلية لتفعيل دور الفن كوسيلة للمقاومة    عاجل/ البريد التونسي يُكذّب هذه الشائعة المُنتشرة على مواقع التواصل    السبيخة: صياد يصيب طفلا بطلق ناري على وجه الخطأ    للتوانسة: شوفوا وين وصل مشروع الباسبور وبطاقة التعريف البيومترية؟    بطولة العالم للتايكوندو: إنسحاب فراس القطوسي وعائشة الزغبي من المسابقة    عاجل/ حالة إحتقان بهذه الجهة بعد حادث مرور قاتل    قبلي: حجز واتلاف كمية من الاعلاف الحيوانية وتنظيف خزانات ومحطات تحلية المياه    درة ميلاد: قطاع النقل الجوي فوّت على السياحة فرصا كبرى وخاصة في الجنوب التونسي    عاجل في تونس: تخصيص ألف مسكن لمنظومة ''الكراء المملّك'' في 2026    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    عاجل : النادي الإفريقي يعلن عن تعليق فوري لعضوية محمد الشافعي بسبب بهذه التجاوزات    بالفيديو: مروى العقربي تُعلن ارتباطها رسميّا    خطير: نصف الأرصفة في العاصمة "مُحتلّة"!!    نابل: توقعات أولية بإنتاج القوارص في حدود 270 ألف طن ودعوة لاتخاذ إجراءات لتيسير عملية ترويج المنتوج    أحدهم كان في طريقه للجزائر.. القبض على اثنين من عصابة متحف اللوفر    سليانة: تلقيح أكثر من 50 ألف رأس من الأبقار ضد الحمى القلاعية والجلد العقدي    المعهد العالي للبيوتكنولوجيا بباجة أول مؤسسة تعليم عالي في تونس تتحصل على الاشهاد الاول وطنيا في نظام ادارة البيئية    عاجل/ الإطاحة بمروّع النساء في جبل الجلود    كأس الكاف: قائمة الفرق المتأهلة إلى دور المجموعات    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    شوفوا أحوال الطقس : تقلبات جوية بداية من ليلة الخميس    رسالة من صاحبة "أكبر شفاه في العالم"    زواج إليسا ووائل كفوري: إشاعة أم حقيقة؟    البطولة العربية للأندية النسائية لكرة اليد: 4 أندية تونسية في الموعد    فيروس ''ألفا'' ينتشر في تونس: أعراض تشبه ل''القريب'' وماتنفعش معاه المضادات الحيوية!    صحة التوانسة في خطر: حجز عُلب طماطم ''منفوخة''    برنامج "The Voice" يعود من جديد.. ومفاجأة في تشكيلة لجنة التحكيم    خبراء يحذرون: هذه الأطعمة يجب ألّا تُحفظ في باب الثلاجة    مفاعل نووي في السماء.. روسيا تطلق صاروخا لا يُقهَر    الكاميرون: قتلى في احتجاج قبيل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة    هيئة أسطول الصمود تكشف عن مصير تبرّعات التونسيين.. #خبر_عاجل    تحطم طائرتين تابعتين للبحرية الأمريكية وسقوطهما في بحر الصين    ابتداء من اليوم: الصيدليات الخاصة توقف العمل بصيغة "الطرف الدافع" للأمراض العادية    هجمات بمسيّرات تستهدف العاصمة الروسية.. وإغلاق مطارين    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مقابلات الدفعتين الأخيرتين للجولة الحادية عشرة    سلسلة فيفا لدعم كرة القدم النسائية - المنتخب التونسي يحقق فوزا عريضا على نظيره الليبي 16-صفر    ترامب يغادر ماليزيا إلى اليابان بعد مراسم وداع مميزة في مطار كوالالمبور    حجز أكثر من 7.6 طن من المواد الغذائية الفاسدة وغير الصالحة للإستهلاك..    دعوة لتوجيه الدعم الى زيت الزيتون    نهار الأحد: سخانة خفيفة والنهار يتقلّب آخر العشية    رئيس الدولة يستقبل التوأم الفائزتين في تحدي القراءة العربي بيسان وبيلسان..    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم : الوطنية المفقودة
نشر في الصريح يوم 08 - 06 - 2019

ما أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 ، حتى استأنفت الشعوب المُستعمَرة كفاحها من أجل الحريّة والإستقلال ، بعد ركود نسبيّ فرضته الحرب ودواعيها. استأنفت الشعوب نضالها شرقا وغربا ، في إفريقيا وآسيا ، وفي كلّ أرض بها شعب مستعمَر مظلوم ، منتهزة الظرف والمستحدثات ، التي منها انبعاث منظمة الأمم المتحدة عام خمسة وأربعين وتسع مائة وألف ، على رفاة عصبة الأمم ، منتهزة أيضا الحرب الباردة بين الشرق والغرب بزعامة العملاقين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميريكية ، مستغلة مساندة منظمات حيادية مثل منظمة عدم الإنحياز (باندونغ 1955) التي كانت تنادي بالوقوف في الوسط ، بين المتصارعين سرّا وهما الشرق والغرب ، أو قل اليسار واليمين ، وبكلمة أوضح الشيوعية والرّأسمالية. اغتنمت الشعوب المُستعبَدَة أيضا إعلان وثيقة حقوق الإنسان في ديسمبر/كانون أول سنة ثمان وأربعين وتسع مائة وألف ، فسرى في عروق الجماهير المستضعفة دم جديد ، سوف لا يفتر حتى بلوغ الغاية وتحقيق المبتغى والحصول على المطلوب. فما أن دخلت عشرية الخمسينات من القرن العشرين ، حتى هبت ريح تحمل بشائر النصر المبين ، فتتالى استقلال البلدان ، بلد تلو آخر ، فتحرّرت شعوبها من غلّ الاستعمار " المباشر" البغيض. فمن الهند الصينية – الفيتنام – وأخواتها شرقا إلى الكونغو غربا ، بالثورات المسلحة وبالتفاوض والحوار ، من الهند إلى إفريقيا السمراء ، وشمال إفريقيا الذي توّج تحرّره بثورة الجزائر المجيدة وإعلان استقلالها عام 1962 ، حققت الأقطار وشعوبها ما طمحت إليه وكافحت من أجله بوطنية حقة وبإخلاص وتفانٍ لتدخل عهدا جديدا ، بآمال جمّة وطموحات كبرى وعزم شديد.
استقلت تلك البلدان ، أو ظنت أنها استقلت ، وشرعت تبني في الحقيقة والواقع ما كان بالأمس أحلاما ، فكانت المفاجأة. نعم خرج الاستعمار وسلّم مقاليد البلدان لأبنائها ، نعم ، وزالت الإمبراطوريات لكن في الحقيقة والواقع ، لم تخضع الدول الاستعمِاريّة لتيارات الاستقلال ، فما الاعتراف به لمن كان تحت وطأتها ، لم يكن إلا لأنها اكتشفت أن ثمن بقائها وممارسة السياسات السابقة أصبح باهضا ، وإبداله بتصرّف وأسلوب آخرين ، سيكون أبخس ثمنا ، وأخف حملا ، ولربّما أكثر مردودا ونفعا. هكذا جاء ميلاد الاستعمار الجديد ، وهكذا غرقت البلدان المستقلة في مشاكلها – خاصة منها الإقتصادية التي تجعلها دائما تابعة محكوما فيها – وهكذا دخلت في دوامة يحتاج شرحها وعرضها إلى دراسات وتحاليل لا إلى مقال أو مقالات ، لكن يكفي ، في هذه العجالة ، إلقاء نظرة خاطفة على كلّ البلدان التي كانت ترزح تحت الإستعمار واستقلت ، بين سني الخمسينات والثمانينات ، لنلاحظ أن ليس بينها من حقّق ما كانت تطالب به الجماهير. فتقدمها محدود ، واقتصادها راكد ورهينة الخارج ، والتصنيع منعدم إلا لدى الكبريات منها ، والفلاحة في تراجع كي لا نقول مهملة ، والتنمية يغلب الكلام عنها ويقل الإنجاز، فكانت النتيجة ، لدى أغلبها ، زوال الثقة بين الحاكم والمحكوم ، وانتشار اليأس بنتائجه الهدامة ، فساد التيقن بأن الاستقلال صوريّ وأن المصير لا يزال بأيد غريبة ، ظاهرة ومخفية. بقيت إذن ، وتبقى ، تلك الدول تدور في حلقة مفرغة ، تتراكم فيها المشاكل والديون ، فاصبحت رهينة الآخر ومصيرها تحت رحمته. مستقلة مُسْتَعْمَرَة.
الغريب في كلّ هذا هو أنه خلال كلّ هذه العقود ، أي من نهاية الحرب إلى اليوم ، تقلصت الوطنية فاندثرت ، نعني الوطنية الحقة ، ذلك الحب الشديد الذي يكنه المرء لوطنه ، فيعمل لصالحه وصالح الجميع بتفان وإخلاص ، مضحّيا بالغالي والرّخيص ، بسعادته وسعادة ذويه ، بروحه وحياته عندما يقتضي الأمر، حبّا ودفاعا عن الوطن. الأغرب من هذا هو أن الوطنية قد زالت ، لا في البلدان التي كانت مستعمرة فاستقلت ، بل زالت أيضا من كثير أو معظم البلدان حتى المتقدّمة منها ، وأصبحت كلمة وطني ووطنية تعادل – بلا مبالغة – كلمة مجرم وإجرام. تأكيدا لذلك ألغت بعض الدول الخدمة العسكرية ، التي كانت فرضا وواجبا ، وأدخلت تغييرات على تركيبة القوات المسلحة فيها ، فأصبحت أكثر قربا من قوات مرتزقة من قربها لأي شكل من أشكال القوات الوطنية. إن المتبصّر في كلّ هذه الأمور يخرج لا محالة باستنتاجات كثيرة منها انعدام الاستقلال ، فراغ الأسماء والعبارات من مسمّياتها ، فرض التبعيّة المباشرة وغير المباشرة ، بالطرق والوسائل المرئية أو " المعميّة " أي الخفية ، عدم العمل بالمبادئ السامية ، رغم ترديد وتكرار أسماء بعضها للتمويه أو التضليل ، انحلال أو انحطاط أو تفكك أو زوال كل ثقافة باستثناء ثقافة المادة ، التي سادت وهيمنت. هل هذا من نتائج العولمة ؟ إذا كان الأمر كذلك فلأيّة غاية ؟ والغاية لفائدة من ؟
أسئلة كثيرة يجب ويصعب الجواب عنها لأنه " عند جهينة الخبر اليقين." لذا وتبعا لهذا وغيره ، لم يبق للشعوب التي تريد حقّا تغيير حالها وأوضاعها إلى ما هو أحسن وأفيد ، إلا أن تغيّر ما بنفسها ، ما بباطنها ، فتسترجع ما أهمل من مبادئ ومُثل فتتحلّى بها ، وتتوحّد على كلمة سواء ، لأن يد الله مع الجماعة ، وتحدّد الغاية أو الغايات ، وتنبذ المنتهزين والمنتهزات ، وتنسى المادة ولو لحين ، فالمادة يأتي بها العمل ، فتشرع في العمل من غير اتكال إلا على الله وعلى النفس ، لأنه ما حكّ جلدك مثل ظفرك ، أو كما يقول المثل الشعبي: "المتغطي بمتاع الناس عريان "، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لأخراك كأنك تموت غدا : وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
مدريد 22-5-2019


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.