من الشخصيات الفذّة الكريمة التي لقيتها مؤخرا في «قصر السعيد» بالعاصمة أين يسكن ويستقرّ المناضل «الحسين سويبقي» وهو شعلة من النشاط المتجدد الدائم، ولقد جلست إليه وإذا هو يخلط الجد بالفكاهة والطرافة، والطيبة وسمو النفس والأخلاق ويتكلم بطلاقة لسان وفصاحة بيان وكان فوق ذلك جعبة أخبار لا تنضب ولقد حدثني فسمعت ولقد أفاض في الحديث فاستمتعت ولقد قال وما أعمق ما قال.. يقول المناضل الحسين سويبڤي البالغ من العمر 75 سنة وأصيل معتمدية تالة من ولاية القصرين، كنا صغارا وكنا نقاوم الاستعمار ولقد كنت شابا يافعا حين أتواصل مع الفلاڤة هناك في السباسب الخضر فيطلب مني أن أوصل الطعام أو أمدّ المناضلين بالأخبار ثم تدفق حبي لاستقلال تونس فشاركت في العديد من المظاهرات الهادرة وكنت لا أخاف أحدا وكنت أفلت من البوليس الفرنسي حيث حاول أن يحد من نشاطي النضالي لكن أنى له أن يفعل وقد كنت شعلة من النشاط أتحرك في كل الأوقات والمناسبات. يا ولدي والله لقد عملت على استقلال تونس شأني شأن كل المناضلين البررة ولقد كان شغلي الشاغل بل شغلنا الشاغل أن نحرّر تونس من ربق الاستعمار ولقد كانت تحيط بالشعب التونسي فلولا من الجهل والفقر وشتى المعاناة ولكن الشعب ومع هذه المعاناة واعيا بقضية وطنه وكان يتقد حماسة من أجل الاستقلال التام... كان الشعب يناضل وكان المسؤولون يؤطرون ويوجهون ويجتمعون في تناغم كبير وعظيم... وإذن فإن هناك أشياء كثيرة تستحق الرؤية على الطبيعة الآن. وهو أني أرى أن هناك من يسب وطنه الآن. ولقد كان عليه أن يضع تونس في الأحداق والأعماق وبؤبؤ العين، فتونس الحديثة المتقدمة المزدهرة لم تأت من براغ بل كانت وليدة تواصل أجيال... أجيال سابقة مهّدت و أجيال حاضرة عمّقت وعملت وأسست وهنا يحدوني الشكر الجزيل للزعيم بورقيبة الذي ناضل نضال الأبطال من أجل الاستقلال وأشكر الرئيس زين العابدين بن علي الذي بنى الدولة الحديثة ووضعها في مصاف الدول المتقدمة وجعلنا شعبا متحضرا يفخر بهذه المكاسب الحيوية فائقة الروعة وفائقة التناسق. ولأن الشيء بالشيء يذكر يضيف المناضل الكبير الحسين سويبڤي فلقد سافرت إلى فرنسا في السبعينات للعمل هناك، ذهبت إلى فرنسا سائحا فوجدت نفسي أعمل لدى السيدة «ماري كلار» زوجة مونداس فرانس وذلك لغاية أن أساهم في تحسين اقتصاد بلادي فكنت متدفقا شأني شأن الكثيرين وكانت الرغبة ملحة في تأصيل غاية تحسين جودة الحياة النبيلة. وهناك في فرنسا كنت أعمل بجد وتفان وإخلاص، ولقد تحققت الغايات بقدر حسن التفكير والتدبير وشرف المقاصد ولقد قضيت وأقضي الآن أربعة عقود في فرنسا ولكن تونس لم تغب عن ذهني لحظة ولقد كبر أبنائي وأصبحوا من ذوي المناصب المحترمة في مقاطعة «مونفران» ولم تنسنا الغربة حب تونس لحظة... إن حب تونس في أعماقنا يتعمّق ويتدفق كل لحظة إن الولاء للوطن يجب أن يكون في كل الأماكن وفي كل الأوقات وفي جميع المناسبات وهكذا فعلنا الأمر في فرنسا. وهكذا كنت ومازلت أحس في أعماقي ومع ضعف نفسي وما نالني من شيخوخة قصارى ما يطمح إليه فؤادي أن أكون سعيدا وأنا سعيد بالفعل لما تشهده تونس الخضراء من تقدم ونماء وبهاء ورخاء بفضل مسؤوليها الأصلاء. مزية جليلة لهذا الجيل أن يكون هذا الذخر الخالد من الهدوء والاستقرار في الوطن دانيا منه يلتمس فيه علاج نفسه وصفاء روحه ويمتلك به ناصية السعادة بمعناها الأسمى ذلك لأن هذا الوطن الذي تأسس بالنضال ينأى بك عن مكاره الأرض ليصل بينك وبين السماء فيه من الدين قبسة ومن الرياضة نفحة ومن العلم طرف وتراك وقد أسبلت جفنيك يتغشاك سبات عميق من الأحلام اللذيذة وهذا هو جو تونس الآن الذي يشيع فيه الدفء الوادع.