يتردد في بعض الصحف أن الملف الاقتصادي من الملفات التي يراهن عليه، وهو الملف المصيري لمن يقدر له الحكم في تونس مستقبلا، لان الملف السياسي ادى بالبلاد الى ما لا يحمد عقباه،و الذين تعاطوه لم تكن لهم الدراية الكافية، ولا التكوين الضروري، ولا النظرية الثاقبة، وقد اتى جلهم من الخارج، حيث كانت اغلبيتهم تنعم ببحبوحة العيش،لتمتعها بالجنسيتين ومزاياهما، وكان من المفروض، لمن وصل الى سدة الحكم منهم،ان يتخلى عن الجنسية الغير التونسية، ويصرح بممتلكاته، حتى يسترجع ثقة الناخب،ويخفف من وطأة الشكوك في سيرته، والريبة في مصداقيته، لقد اطاح الشعب بحكم الدكتاتور وازلامه، وكانوا من الذين اعطوا انطلاقة الاستيلاء على املاك الدولة، والتفريط فيها للغير، ويجب الرجوع الى البحث والتدقيق الى كيفية تحويلها الى القطاع الخاص وباي مقابل،ولن ننسى انه بعثت خصيصا،في زمن المخلوع،كتابة دولةللاعتناء بهذا الموضوع، وتحت رقابة القصر مباشرة، لذلك وجب استنطاقمن كان مسؤولا عن تسييرها، وعن السياسة التي اتبعت آنذاك، للتفويض في مكاسب الشعب، بدون الرجوع للمناقصة او التحكم للسوق. وتذهب بعض الاقلام المأجورة حاليا الى محاولة الزج بكل الذين يحاولون دق جرس الخطر للحالة الكارثية التي وصلت عليها البلاد، ونعتوهم بان هؤلاء لهمنظرة سوداء و تشاؤمية للمسار المتبع،الذيمن شيمه ازدواجية اللغة، وبث البلبلة، وتحريك السواعد المفتولة،وخلق الزعامات الفرضية المفبركة، والسيطرة على اهل البر والاحسان، وادماجهم في خط لا علاقة لهم به في شؤونهم اليومية، ولا بمستقبل ابنائهم،يتخيل المتطفلون على السياسة الداء،لكن همهم الوحيد،الظهور على الشاشة، ولو كان ذلك بمردود باهض الثمن،والواقع المرير هو اهمالهم لواجباتهم، وتغافلهم عن نكران ذاتهم، وبحثهم عن التتويج بالمنصب مهما كانت الاحتمالات، وهم اشهر من نار على علم في هذا الاتجاه. ان البلاد مريضة وفي ازمة، ورئيس الدولة بنفسه شاهد على ذلك،وهو المقصود من وراء الاشاعات المغرضة،لأنه على حق، يريد بسير البلاد الى الافضل، وهو يحاول جاهدا بحنكته السياسية المعهودة، وتجربته الحكومية الواسعة،ان يجلب التمويل ويعيد الثقة للمستثمر التونسي والخارجي،وهو على يقين من أن الاقتصاد على حافة الانهيار، ولا يمكن للخبراء الاقتصاديين التهرب من المسؤولية، ولا إخفاء الحقيقة أو تجاهلها، ووحدات التصنيف بالمرصاد،أكٌدت في مجموعها هذا الوضع الهشٌ، ونبهت الى عواقبه، مخفضة أولا الرقم القياسي للدولة،ثم تلاها الرقم القياسي لجميع البنوك،والمسؤولون الجدد، بقلة وعي، يؤكدون اليوم ما وقع طرحه بالأمس، أن الوضع الاقتصادي ليزال حرجا للغاية،وانه في حالة انكماش،لا أحد يخالفهم في ذلك. كل الخبراء مهما اختلفت عقائدهم الفكرية، أجمعوا على أن البلاد لا تزال في وضعية عنق الزجاجة، وأعلنوا أنه اذا لم تتخذ الاجراءات العاجلة الكفيلة بإرجاع الثقة في النفوس،لازداد التدهورعمقا،ودقت من جديد نواقيس الافلاس لأن الرؤيا لم تتضح بعد، من الذين قبلنا عن مضض سلوكهم، وتوسمنا فيهم الخير،وتصورنا أن الحلول تأتيعلى أيديهم،ولو أن جلهم أتوا من الخارج وعملوا فيه، واختاروا منواله لحياتهم،وتجربتهم في ادارة المؤسسات لا في تسيير دواليب الدولة لا تخضع لنفس المقاييس،و لم يواكبوا اذا عن كثب سيرالادارة التي عمدت "التركيا" اقحامها في الصراعات السياسية بالانتدابات العشوائية،فكان الوبال المنتظر. ان بعثاتالصندوق النقد الدولي، والبنك العالمي، التي تتوارد علينا باستمرار دائما، في ثوب زيارات رسمية،تأتي للتثبت من الاصلاحات التي تتخذها الحكومة،طبقا لتعهداتها السرية التي امضت عليها،والتي هي شريطة منح أقساط القروض المتبقية،و يؤكد لناكالعادة وزير الاقتصاد والمالية دائما، أن البعثات راضية عن مسارالمنهج الاصلاحيالذي هو في الواقع مجهول، ولا أحد يعرف مرماه،و نتيجة كل هذا الاخذ والرد، وعدم مصارحة الشعب بالحقيقة، و بما يدور في الكواليس،يشعرالمواطن بأن الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي لا يزال غير مريح، فالأمن لايزال منعدما، والبؤس اكثر انتشرا، والثقة غائبة، والطاقة الشرائية متدهورة، والاستثمار متراجع، والمديونية في ازدياد، والتضخم في طريق مفتوح نحو التدهور، أما الدينار وسعره، فحدث ولا حرج على انخفاضه المتواصل، والمسؤول على تدهوره يقع اقالته في تركيا مثلا،لكن الحكومة غائبة عن المسرح. ورئيس الدولةورئيس البرلمان يعانيان من المرض، كان لهما الله في العون، لان البلاد تحتاج الى العقل الرصين، ولا الى حرب المواقع، وارضاء الاصدقاء على حساب تونس.."بل الأجدر، كما كتبه الاستاذ محمد الصياح، طاب ثراه، في "جريدة لوتان" في 4 مارس 2011،دعوة مختلف الفاعلين الى الخوض في أمّهات القضايا، وإيجاد الحلول الملائمة لمشاكل البلاد، نحن الآن جديرون بعدم السّماح للحياة السّياسية أن تسير حيث ما تجرّها الدّوافع الهدّامة. لنا الحقّ بالمطالبة باتّخاذ إجراءات بنّاءة..." للمواطن اذا الحق في معرفة واقعه ومستجداته، وان كانت بلغة الارقام، غير معهودة في معاملاته اليومية،لكن غاب الإنصات من أولي الأمر وأصبحت الرؤى حكرا عليهم، وعلى أهل السياسة الموازية، وقلة خبرتهم، ذهبت بالبلاد إلى حيث لا تتحمل،رغم انها تعج بالطاقات الكفأة، في كل الميادين و من الواجب على الحكام اليوم،ادماجهم في المسؤولية،حتى يشاركوا في نحت تصور مستقبل بلادهم عن طواعية، وهم أدرى بمشاكلها من كل الطبقة السياسية المنعدمة البرامج حاليا، والتي غايتها الفوز بالانتخابات المقبلة والحصول على المناصب الوزارية او الحصانة خوفا من المسائلة عن ما لميقدموه للشعب طيلة انتخابهم في المسؤولية، وكم كان من الأجدر تقييم الواقع، والاستفادة من التجارب التي اظهرت جدواها،ومن هذاالمنطلق لونظرنا بعجالة الى القطاع السياحي مثلا لما يحظى به من أهمية في اقتصادنا لتوقعنا فشله،رغم الجهود المبذولة للدعاية بكل الوسائل، حتى اللجوء الى التشخيص والتبريرالمعهود،ومما يلفت الانتباه أن الوزير المكلف بالسياحة في فرنسا كان في آن واحد وزير الخارجية،و في تصريح له عن السياحة أوردته صحيفة " لومند" ننقل منه تصوره وحلوله لعله يجد اهتماما في بلادنا للنسيج على منواله، والاقتداء به، والتمعن في معانيه،ولسؤل على نقاط الضعف في السياحة الفرنسيةكان رد الوزير آنذاك"حتى نكون على يقين علينا أن نبدأ بما هي نقاط الضعف لنتماشى مع الواقع، فرنسا تعتبر حاليا المقصد السياحي الأول في العالم يأمها 83 مليون زائرا وهذا الرقم يمثل 7٪ من الناتج المحلي الاجمالي، ويوفر2 ملايين موطن شغل،وهذه نتيجة هامة لكن بالرغم من أننا في المرتبة الأولى من حيث عدد الزوار، فلا نحتلها من حيث الايرادات. بل نحن في المرتبة الثالثة... لأن السياحة الفرنسية تشكو نقصا في مجالات خمس سأقدم اقتراحات لتفاديها." ويعدد المجالات كالآتي" يجب علينا أن نهتم أكثر بميدان الجودة، وتنويع العرض، وكذلك بتحسين استقبال السياح في مختلف المجالات كالنقل والتأشيرة وغيرها ...وكذلك تطوير الرقمية التي أصبحت تشكل القلب النابض للأنشطة السياحية ""أما التدابير التي ستتخذ لإنجاز ذلك يبينها كما يلي " ستعهد للجهات مهمة النهوض بالسياحة، وستتولى تنسيق الاجراءات مع البلديات أو الدوائر المعنية، وقد حددنا خمس أقطاب مميزة يمكن المراهنة عليها وهي : فن جودة الطعام والنبيذ، الجبل والرياضة ، السياحة البيئية، الحرف والترف، السياحة في المناطق الحضرية"ولما سؤل عن التدابير التي يمكن اتخاذها أجاب " في ما يخص الأنترنت سنعمل على تطوير خدمة "الوايفاي" في الأماكن السياحية، مثل المتاحف والمطارات ومحطات القطار والتطبيقات الضرورية للسياح..."وسوف نبعث بكالوريا فنية في اختصاص "ضيافة- ادرة مطاعم-صناعة سياحة".."سنبعث مجلس لتنمية السياحة يشارك فيه ممثلون عن القطاع العام والقطاع الخاص من أجل وضع "خطة للسياحة" لعام 2020" وفي سؤال عن اهتمامه بالسياح الصينيين يقول الوزير " ننظر للأرقام ونقوم بعملية حسابية تقريبية بسيطة: ...يتوقع زيادة مليار نسمة سيسافرون بحلول عام ليصل العدد الاجمالي الى مليارين سياح بحلول عام 2030، ولنفترض أن فرنسا سيضاعف عدد زوارها وبالتالي سيرتفع فائض ميزان الخدمات من 12 مليار الى 24 مليار. وهذا ينجر عنه انخفاض العجز التجاري ب20٪ وهو شيء جيد، وهذه بالتأكيد أسرع طريقة لتخفيض العجز وخلق فرص العمل.." أين نحن من هذه البرمجة التي ذكرناها على سبيل المثال،والتي تدل عن مسؤولية وخبرة في تصور المستقبل، وما يمنعنا من اتخاذ اجراءات مماثلة، في كل الميادين بعد درسها والوقوف على نقائصها،لكنه مع الاسف الشديدطغىالاهتمام بالسياسةالغير شريفة، حتى انها اصبحتالمقود، فهاهي جلسات مجلس نواب الشعب تعقد وتعقدوتعقدبدون الاتفاق على محكمة دستورية،لأن النائب يمتثل لتعليمات حزبه، ولا لمصلحة شعبه، هكذا ارادوه في قانون الانتخاب الذي وجب تطويره، و ما ضعف المشاركة الاخيرة في الانتخابات لبلدية باردوا(نسبة مشاركة ب 11.66 بالمائة) الا دليل واضح،وانذار قوي يبعث به الناخب، وعدم المشاركة في التصويت، اكبر خطر على بناء الديمقراطية،فهل منرجوع الى الجادة، والاعتناء بالإصلاح والتغيير لمواجهة ما وصلت اليه بلادنا من خطر على استقلال قرارها، وتفكك وحدتها، ودخول الاجنبي بكل قواه في شؤونها فهل من مجيب؟