اعتقد التونسيون حين اطلعوا على المؤشرات التي نشرتها وزارة السياحة في الأسبوع الفارط حول مداخيل القطاع في سنة 2018 والتي بلغت 3,9 مليار دينار وقدوم عدد قياسي من السياح وصل الى ما يزيد عن 8 ملايين زائر ان القطاع انتعش وان مخزون البلاد من العملة الصعبة سينمو وان الدينار بذلك سيتجاوز ولو ببطء حالة الانكماش التي هو عليها الان. الا انه ما كل ما يعتقده التونسيون صحيح وما كل الارقام «المنتفخة» ليست من قبيل «هر يحكي انتفاخا صولة الاسد» فسياحتنا مازالت دون مرحلة النمو الكامل ومازالت قدراتها على ان تكون رافعة مهمة للنمو ضعيفة جدا لان وبحساب تلك الأرقام، يعادل إنفاق السائح الواحد في تونس مبلغ 140 أورو أي 480 دينارا تونسيا فقط أي ان السائح يشكل عبئا على اقتصادنا المتهالك خاصة انه يستهلك المنتجات المدعمة وتوفر له كميات هامة من المياه في وقت بدات فيه علامات الخطر تشتعل امام مخزوننا من هذه الثروة والتي ان استفحلت لن نجد لا ما ناكل ولا ما نشرب. كما ان ذلك العدد المهم من السياح والذي قارب على تعداد سكان تونس ينطبق عليهم مثلنا الشعبي «الكثرة وقلة البركة» لان الثمانية ملايين سائح لم يودعوا في خزائن تونس مبالغ تحسن مدخراتها من العملة الصعبة ولا هي حققت للفنادق ارباحا تسمح لها بتطوير منشآتها ولن يستفيد لا الدينار ولا المسؤول عن الدينار وهو البنك المركزي ولا الاقتصاد برمته لسبب بسيط جدا يتمثل في ان معدّل إنفاق السياح لم يكن في المستوى المطلوب مقارنة بما ينفقه السياح بدول أخرى على غرار المغرب او تركيا وان تراجع قيمة الدينار مقارنة بالاورو والدينار لم يحفز السياح على الانفاق ولئن يفسر الخبراء ضعف انفاق السائح في تونس بانه لا يزورها الا الفقراء وان على القائمين على شؤون السياحة في بلادنا ان يسعوا الى استقطاب السياح الذين ينفقون أموالا كبيرة فان هذا الراي مردود على اصحابه لانه لا البنية التحتية من فنادق واماكن ترفيه او عقد اجتماعات للسياحة الاقتصادية تسمح بذلك ولا المنتوج السياحي التونسي يشجع على ان نستقطب الاثرياء الذين اما يبحثون عن مناطق سياحية تستجيب لتطلعاتهم من حيث الاستجمام والراحة او توفر لهم حدا معقولا لمزوالة اعمالهم ومؤتمراتهم كما ان الوزارة فشلت في استقطاب اسواق جديدة من اسيا او حتى من جيراننا .. أولم ترج اخبار عن طرد بعض الفنادق التونسية للسياح الجزائريين في الصائفة الماضية حين حل بها الاوروبيون رغم ان اشقاءنا اكثر انفاقا منهم. تلك الارقام لا يمكن ان تشكل مبعث تفاؤل حول تحسن القطاع السياحي بل تؤكد ان مردوديته في تراجع وان تاثيراته ستكون سلبية على الاقتصاد الوطني لان السياحة تساهم ب7% من الناتج الجملي الخام و60% من الميزان التجاري كما توفر 350 ألف موطن شغل وان تواصل ضعف المردودية سيتسبب في هزة قد تمس القطاع ستكون لها تداعيات خطيرة اقتصادية واجتماعية. رهانات تسويقية خاسرة من اسباب تراجع السياحة في تونس هو عدم تطورها من حيث المنتوج الذي يقدم الى السائح اذ منذ ان عولت تونس على هذا القطاع كرافد اساسي من روافد الاقتصاد لم نتخل في سياسة التسويق على عنصري البحر والشمس وهما عنصران نجحا في استقطاب عدد كبير من السياح في السنوات الماضية الا انهما فقدا بريقيهما من كثرة استنزافهما لان السائح والمؤسسات العالمية التي تستقدمه الى بلادنا لم يجدا فيهما ما يغري بقضاء العطل .. يحدث هذا رغم ان السياحة التونسية لها منتجات يمكن ان تساهم في استقدام سياح كثر اذا تم تسويقها على نطاق جيد فتونس فيها السياحة البيئية بحكم كثرة غاباتها وجبالها وفيها السياحة الاثرية والسياحة الاقتصادية بحكم موقعها الممتاز مما يجعلها قريبة من مناطق الحراك الاقتصادي الكبير بما يسهل تنظيم المؤتمرات والمنتديات كما يمكن تسويق السياحة الاستشفائية بمياه البحر او بمياه العيون المنتشرة على كامل البلاد وكان بالامكان التخطيط للسياحة الثقافية ببرمجة مهرجانات تهم قطاعا واسعا من السياح والاستئناس بتجربة مهرجان الجاز بطبرقة الذي اصبح له جمهوره من مختلف انحاء العالم اضافة الى منتجات اخرى قادرة على تسويق السياحة التونسية دون التعويل على البحر والشمس اللذين تتمتع بهما دول عديدة مثل المغرب ومصر وتركي واسبانيا وغير هذه الدول كثير. «سحب» الأموال من جيب السائح رغم ما تعانيه مردودية السياحة التونسية من تراجع الا ان قاعدة الاقلاع متوفرة باعتراف كل المنظمات السياحية العالمية لاحتواء البلاد على موروث طبيعي وثقافي كبيرين وبنية تحتية للنزل والترفيه فقط تحتاج الى توفير مناخ ملائم لتنشيط العملية السياحية. وهذا يمر حتما عبر مراجعة عديد النقائص التي اشار اليها كل العاملين في القطاع والمتمثلة اساسا في تراجع جودة الخدمات وضعف التنويع في المنتجات إلى جانب التعثرات في سياسة الاستثمار وفي اختيارات التهيئة للمحطات السياحيّة اضافة الى غياب شبه تام للحوكمة الرشيدة وللتعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاصاضافة الى تقادم الهياكل السياحيّة العموميّة والخاصّة مما جعلها غير مطابقة لتطوّر القطاع وافتقاد العاملين على الرقي بالقطاع الى رؤية استراتيجيّة واضحة تغنينا عن الرقفص فرحا لقدوم جحافل من السياح افضلهم سينفق 100 اورو او اقل فالاعتناء بالنخزوم الحضاري التونسي وتثمينه وحسن تقديمه للسائح سيدفع الاثرياء الى زيارتنا كما ان تطوير السياحة الاستشفائية والمعالجة بمياه البحر لن يدفع الى القدوم الى تونس الا الاثرياء اضافة الى ضرورة التفكير في طريقة ل»سحب» الاموال من جيب السائح بتوفير ما يريد من ماركات عالمية خاصة ان قانون «الفرانشيز» في تونس يشكل قاعدة لاستقطاب افضل الماركات للانتصاب ببلادنا اما ان بقينا نستقبل السائح بجمل او «دربوكة» ونروج له الشمس والبحر وننسى السياحة الايكولوجية فلم يزورنا الا من سيشاركنا في منتجاتنا المدعومة ويزيد في متاعب صندوق الدعم.