تواترت حصيلة سبر الآراء التي تجريها مؤسسات استطلاع الرأي في تونس بانتظام منذ أشهر لمعرفة نوايا تصويت الناخبين في المحطات الانتخابية المقبلة والتي باتت على الأبواب والتي كشفت عن تغير في المشهد الحزبي بتراجع حركة النهضة وحركة نداء تونس الحزبان الكبيران في ترتيب الأحزاب و اللذان يتصدران المشهد السياسي بدابة من سنة 2014 على الأقل في مقابل صعود أحزاب أخرى على غرار حزب البديل التونسي وحزب قلب تونس والحزب اللدستوري الحر وهي أحزاب كانت إلى وقت قريب غير معروفة ولا وزن انتخابي لها غير أنها في عمليات سبر الآراء الأخيرة باتت تحتل مراتب متقدمة و تتقدم على أحزاب أخرى أكثر شعبية وأكثر نضالية كالجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي وحزب حراك تونس الإرادة وقد كانت حركة النهضة تحتج في كل مرة على هذه التقييمات الجديدة التي تجعلها تتراجع عن ترتيبها السابق وتتهم هذه المؤسسات بالتلاعب وبتوجيه الرأي العام خدمة لمصالح جهات معروفة وهي التي كانت دوما إما الحزب الأول أو الثاني وبفارق أصوات معقول ومقبول. وقد كان رد هذه المؤسسات المتخصصة في عمليات سبر الآراء تجاه كل الاتهامات الموجهة إليها بأن اتجاهات الرأي متحركة وهي غير ثابتة وبأن الاحزاب التقليدية تشهد في الآونة الأخيرة تراجعا و تخلي الكثير من المؤيدين لها عنها وتحويل وجهتهم نحو أحزاب أخرى يرون فيها أكثر مصداقية في تلبية مطالبهم . كان هذا هو التجاذب الحاصل اليوم بين مكاتب استطلاع الرأي والكثير من الأحزاب السياسية والجدل الحاد بين الكثير من العارفين بخفايا مكاتب سبر الآراء ورؤساء هذه المؤسسات المتهمين باصطفافهم وراء استراتجيات سياسية خطيرة لفرض خيارات انتخابية غير حقيقية غير أن الذي حصل في الانتخابات البلدية الجزئية التي أجريت بمنطقة باردو قد كشف عن حقائق تفرض أن ننتبه إليها ووجهت كل الأضواء نحو مكاتب استطلاع الرأي المتحكمة في المشهد السياسي ليعاد فتح ملف حقيقة ما تقوم به شركات سبر الآراء ومصداقية النتائج التي تفصح عنها مؤسسات استطلاع الرأي . ما حصل في الانتخابات البلدية الجزئية التي أجريت مؤخرا في جهة باردو بعد حل مجلسها البلدي قد أعطى التقدم لحركة النهضة بحصولها على المرتبة الأولى و بزيادة مقعد إضافي لها عن الانتخابات السابقة حيث فازت الحركة بتسعة مقاعد بدل ثمانية من جملة ثلاثين مقعدا هو مجموع مقاعد المجلس البلدي وهذه النتيجة كانت صدمة ومفاجأة غير مرتقبة للكثير من المتتبعين للشأن العام بعد أن كشفت كل نتائج سبر الآراء التي أجريت حول نوايا تصويت التونسيين أن النهضة تتراجع وتتقهقر في الترتيب الحزبي فجاءت هذه الانتخابات الأخيرة مسفهة هذه التوقعات ومكذبة مؤسسات سبر الآراء الأمر الذي فرض طرح العديد من الأسئلة في علاقة بحقيقة عمل هذه المؤسسات وحقيقة أدائها المهني ومدى علمية المنهجية التي تعتمد عليها وحقيقة الدور التي تقوم من حيث النزاهة والمصداقية ومن حيث دورها في صناعة رأي عام كاذب وبرمجة استراتيجية للتلاعب بالعقول وتوجيه الناس نحو خيارات انتخابية غير جدية وغير حقيقية وفرض مشهد حزبي مزيف وخادع خاصة بعد الفضيحة التي كشفت عن فصولها جريدة الصباح بخصوص النتائج التي ظهرت في استطلاع الرأي الذي قامت قامت به مؤسسة " امرود كونسلتينغ " لحساب جريدة الصباح في إطار اتفاق إطاري مسبق معها وهي معطيات صادمة وخطيرة تبرز التلاعب الذي تقوم به مثل هذه المؤسسات وعملية التوجيه التي تقوم به في صناعة رأي عام مزيف و تشويه المشهد السياسي من خلال تقديم أرقام ومعطيات مغلوطة عن الأحزاب وهذا فعلا ما حصل مع حركة النهضة التي قامت مؤسسة " امرود " بتغيير نتائجها الحقيقية لتتحصل على نسبة 7% بدل 25% من نوايا التصويت. كل هذا يطرح السؤال الكبير هل نحن أمام مؤسسات حرفية ومتخصصة حقيقة في استطلاع الرأي ؟ أم أننا أمام مكاتب تعمل على صناعة رأي عام بالوكالة وتلعب دور تقديم خدمات لجهات سياسية محددة من خلال النتائج التي تفصح عنها والتي تبنى وتقوم على منهجية خبيثة في اختيار الأسئلة وفي طريقة طرحها على العينة المستجوبة المختارة ؟ ما يمكن قوله بخصوص الدور الخطير الذي باتت تلعبه مؤسسات سبر الآراء والنقد الموجه للقائمين عليها بخصوص المنهجية التي يتبعونها في عملية ممنجهة لمغالطة الشعب بعد صناعة رأي عام مزيف هو أن نتائج الانتخابات البلدية الجزئية الأخيرة قد كذبت توقعات هذه المؤسسات وجعلت الناس تشك في عملها ومما يزيد من صدق هذا الموقف ما تسببت فيه مؤسسة " سيغما كومساي " من ضرر جسيم لصاحب جمعية خليل تونس نبيل القروي الذي وضعته نتائج سبر الآراء في مرتبة مقدمة على أحزاب الحكم وجعلت مؤسسته الاعلامية نتيجة نسبة المشاهدة العالية التي حققتها في مقدمة القنوات التلفزية حيث تمت إحالة الأخوين نبيل القروي على القطب القضائي المالي وانطلاق التتبعات العدلية بخصوصهما بناء على شكاية كان قد تقدمت بها منظمة " أنا يقظ " استنادا على معطيات قدمتها مؤسسة سيغما كونساي بخصوص سوق الإشهار في تونس والتي اعتبرت أن قناة "نسمة تي في " تستحوذ على نصيب الأسد من الإشهار وتم تكييف ذلك على أنه تهرب ضريبي من قبل الأخوين القروي وبقطع النظر عن موقفنا مما يقوم به نبيل القروي من خلط بين العمل الجمعياتي والعمل السياسي ومن توظيف لفعل الخير في الترشح للانتخابات ومدى قانونية هذا السلوك فإن الذي يهمنا في موضوعنا هو القول إن نتائج سبر الآراء حينما تكون غير واقعية وفيها الكثير من التلاعب في تقديم المعطيات المغلوطة فإن تداعياتها قد تكون وخيمة ومؤثرة في توجيه الرأي العام وصناعته و خطيرة في الاضرار بالأشخاص والأحزاب السياسية سلبا أو إيجابا.