خلف موقف المكتب التنفيذي لحركة النهضة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التمهيدية الداخلية لاختيار القوائم الأولية ردود فعل غاضبة صدرت من بعض القيادات وعن الكثير من أبناء الحركة القاعديين التي تفاجؤوا من تصرفات المكتب التنفيذي الذي لم يلتزم بنتائج الانتخابات وقام بتغيير القوائم والتصرف فيها بإضافة أسماء لم تكن مرشحة منذ البدء وبالتخلي عن أخرى حظيت بموافقة الناخبين النهضويين . ما يمكن ملاحظته في النتائج الأولية التي أفرزت القائمات التي تم تغييرها من قبل المكتب التنفيذي لحركة النهضة هو أن الخيارات التي ارتأتها الجهات واختارتها القواعد من أبناء النهضة كانت في اتجاه التخلي عن الكثير من الأسماء البارزة في الحركة والعديد من رموز النضال التي ميزت الحركة وكانت علامة على مرحلة من أشد المراحل التي مرت بها الحركة وصفت بسنين الجمر فهذه القيادات التاريخية لم تحظ في الانتخابات القاعدية في الجهات بالرضى والقبول وتم اقصاء الكثير منها لقناعة حصلت بأنها لم تقدر أن تخدم جهاتها وفشلت في الدفاع عن مشاكلها فالقواعد باختيارها وجوها جديدة أرادت أن تبعث برسالة إلى القيادة مفادها أن المرحلة الحالية تحتاج أفرادا آخرين وأن الرموز التاريخية لا أحد ينكر دورها الكبير في تثبيت الحركة وضمان صمودها وبقائها في أوقات صعبة ولكنها اليوم عليها أن تترك مكانها لغيرها بعد أن منحت فرصتين كبيرتين الأولى مرحلة التأسيسي والثانية تجربة البرلمان والمهمة التشريعية و خلال هذه المدة التي قاربت عن العشر سنوات فإن الحصيلة في علاقة بماذا تحقق للجهات ؟ وماذا قدم من تصدر المشهد السياسي من مكاسب لجهاتهم لم تكن مرضية بل إن انتقادات كثيرة قد وجهتها القواعد النهضوية لأداء قياداتهم من أجل ذلك جاءت النتائج الأولوية لانتخابات الجهات معبرة عن هذا الشعور وهذا الموقف من تجربة العشر سنوات بعد الثورة. وقد كان من المنتظر أن تحظى النتائج الأولية التي أفصحت عنها الانتخابات التي أجريت في الجهات والتي شهد لها الكثير من المتتبعين والملاحظين بأنها كانت نزيهة وشفافة وبأنها نموذجا للأحزاب الديمقراطية التي تعود إلى قواعدها في المسائل المصيرية بالاحترام والقبول طالما جاءت تعبر عن إرادة ومواقف القواعد والمنتمين إلى الحركة إلا أن المفاجأة غير السارة والتي خلفت جدلا كبيرا داخل الحركة وخارجها وردود فعل غاضبة هي أن المكتب التنفيذي لما وصلته النتائج الأولية لم يلتزم بها وقام بإدخال تعديلات على القوائم وعلى الأسماء الفائزة والمرشحة لأن تكون ضمن القوائم الانتخابية في الانتخابات التشريعية المقبلة في حركة أغضبت الكثير من أفراد حركة النهضة الذين رأوا في تدخل المكتب التنفيذي و قيامه بتغيير القوائم الأولية خرق للديمقراطية داخل الحركة وإضرار بالجو العام المبني على احترام إرادة القواعد داخلها . إن المهم فيما حدث داخل حركة النهضة من احتجاجات بسبب عدم التزام المكتب التنفيذي لتوجهات وخيارات القواعد في الجهات هو أن نفهم التداعيات التي من الممكن أن تنجر عن تجاوز القيادة لقرارات القواعد من انقسامات وتململ وعدم القبول بما قررته القيادة التي على ما يبدو لها رؤيتها للأشياء ولها تصورها لكيفية إدارة الأمور والتي من المؤكد أنها مختلفة عن نظرة القواعد والقيادات في الجهات والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف بررت القيادة تصرف المكتب التنفيذي ؟ وما هو التفسير المقنع للقرار الذي اتخذ بتغيير القوائم والأسماء التي أفرزتها انتخابات ديمقراطية داخلية ؟ في الحقيقة لقد استمعت إلى التبريرات التي قدمتها بعض القيادات لما يحصل اليوم داخل النهضة وحاولت أن أفهم كيف يفكر العقل القيادي في هذه الحركة في هذه الظرفية الانتخابية فلم أجد ما يفسر الانقلاب على الديمقراطية الداخلية ولا ما يفسر تغيير القوائم الفائزة بأخرى لم تشارك في الفرز التمهيدي باستثناء موقف علي العريض الذي كتب على صفحته الفايسبوكية رسالة إلى مناضلي الحزب دعاهم فيها إلى وحدة الصف وتجاوز هذا الاشكال الظرفي وقدم بعض التبريرات لتفسير ما قام به المكتب التنفيذي للحركة من تصرف لم يقبل من طرف القواعد وقدم جملة من المعايير قال إن المكتب التنفيذي للحركة قد اعتمد عليها لتعديل القوائم بما يتلاءم مع مصلحة الحركة ومصلحة الأفراد المرشحة من هذه المعايير مراعاة الثقل السكاني والوزن الانتخابي للنهضة في المحليات ومعيار مواصفات النائب ودوره في البرلمان المقبل وفي الحزب وطنيا وجهويا ومعيار ضمان نسبة من الاستمرارية في علاقة بنقل التجربة ومراكمتها لتسهيل عمل الكتلة الجديدة وخاصة في البداية ومعيار ضمان نسبة من التجديد لتحقيق التوازن بين الوجوه القديمة والوجوه الجديدة ومن له خبرة ومن ليس له خبرة ومعيار سياسة الانفتاح من خلال الاعتماد على وجوه من خارج الحركة لدعم المزيد من القبول بالحركة وصورتها بغاية توسيع قاعدتها الانتخابية. كانت هذه هي المبررات التي قدمها القيادي علي العريض لتبرير التصرف الفردي الذي قام به المكتب التنفيذي للحركة بتغيير القوائم الانتخابية الأولية والتي اعتبرت في نظر الكثير من القيادات التاريخية من ضمن صلاحياته وفقا للنظام الداخلي. غير أن السؤال الكبير المحير إذا كان المكتب التنفيذي للحركة يمتلك صلاحيات واسعة في التصرف في القوائم المنتخبة وله كامل الحرية في رفض اسماء منتخبة وإضافة أخرى لم تكن موجودة منذ بداية الانتخابات وإنما وقع إضافتها من دون انتخاب فما فائدة إجراء الانتخابات إذن ؟ وما قيمة إرادة الناخب القاعدي طالما وأن صوته لا يسمع و إرادته لا تحترم ؟ وما قيمة الديمقراطية التي يتربى عليها الأفراد في أحزابهم إذا كانت قابلة للمراجعة والتعديل والتصرف فيها من طرف القيادة ؟ في الحقيقة فإن هذه الممارسات تذكرني بما كان يجري مع النظام السابق حينما كان الشعب ينتخب من يريد وكان النظام يضع من الأسماء ما يريد ويرضى .. إنها الممارسات عينها تعاد ولكن بأسلوب مختلف وتحت عنوان الديمقراطية بدل عنوان الاستبداد ؟ !