بعد اتلاف كميات كبيرة من الطماطم وأخرى من البطاطا وثالثة من الحليب لوفرة الانتاج ولعدم قدرة المسالك الحكومية على استيعابها في تصرف غير مقبول من دولة تشكو عجزا كبيرا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء لشعبها مما يضطر الحكومة في كل مرة إلى توريد الكميات الناقصة لتزويد السوق الداخلية تفاديا لتعريض المواطن إلى أزمة في الغذاء وما ينجر عن ذلك من صرف كميات كبيرة من العملة الصعبة ما احوج الخزينة العامة إليها لتجاوز أزمتها المالية الخانقة والحال أننا لم نكن في حاجة إلى هذا التوريد لو توفر حسن التصرف الحكومي ومع ذلك فإن وزارة الفلاحة ومن روائها الدولة بكل هياكلها لم تفعل شيئا ومرت كل هذه الأزمات من دون اجراءات جدية لضمان أن لا تتكرر مثل هذه المظاهر. وقد خلنا أن ما اعتبر فشلا في إدارة الملف الفلاحي قد توقف مع اتلاف الحليب والطماطم والبطاطا وأن وزارة الفلاحة قد استوعبت الدرس واستفادت من المشاكل السابقة واستعدت لما يمكن أن يحدث مستقبلا من مشاكل في هذا القطاع غير أن المفاجأة التي وقفنا عليها في المدة الأخيرة هي أن سوء التصرف في وزارة الفلاحة قد تواصل وأن السلوك السلبي في التعاطي مع المشاكل قد استمر ومعه حصل الانطباع من أن وزارة الفلاحة غير قادرة على تسيير ملفاتها الحارقة وفشلت في رسم خيارات تحمي فلاحتنا وذلك بعد أن قام زارعو الحبوب من الفلاحين بإتلاف حوالي 800 ألف قنطار من الحبوب ورميها على قارعة الطريق وعلى جنبات مراكز تجميع وتخزين الحبوب نظرا لضعف طاقة هذه المراكز على استيعاب الكمية الكبيرة من الصابة لهذه السنة التي بلغت أرقاما قياسية ناهزت 24 مليون قنطار وهو رقم لم تبلغه البلاد إلا مرة واحدة بعد الاستقلال ومحصول هذه السنة هو المرة الثانية التي تعرف فيها البلاد فائضا في الانتاج ما سبب مشاكل كبيرة لمراكز التجميع ومأزقا لوزارة الفلاحة التي فشلت إلى حد الآن في تطويق أزمة اتلاف الحبوب . فكيف تحولت هذه الصابة الاستثنائية من نعمة وبشرى خير إلى نقمة وإحراج للحكومة ؟ ومن يتحمل المسؤولية فيما يحصل من اتلاف لكميات كبيرة من الحبوب في الطرقات ؟ ولماذا تتكرر مثل هذه الاخلالات في الملف الفلاحي والحال أنه كان من المفروض أن تحضا الفلاحة بأكبر قدر من الاهتمام الحكومي لقدرة هذا القطاع على النهوض بالبلاد وتوفير موارد هامة للخزينة العامة للدولة تغنيها عن هدر أموال طائلة في توريد المواد الغذائية مع الاستجابة للمطلب الكبير للشعب بتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي ؟ ما يهمنا في هذا الموضوع هو معرفة هل سيكون لوفرة الانتاج من صابة الحبوب لهذا العام التي تعد استثنائية حسب كل الاخصائيين وكمياتها قياسية مقارنة بالسنوات الماضية الانعكاس الايجابي على الانتاج الغذائي وجودته بالنسبة إلى المواطن التونسي ؟ وهل سيكون لها انعكاس آخر على جودة الانتاج الحيواني بما سيتوفر له من مادة الاعلاف التي كنا نستوردها من الخارج ؟ وهل ستساهم هذه الوفرة في الانتاج في تحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة الحبوب لهذه السنة ما يغنينا عن التوريد وما يسمح للحكومة من الاحتفاظ بكميات من العملة الصعبة كنا ننفقها لتوفير النقص الحاصل ؟ نعتقد أن هذه الاسئلة هي الهواجس الحقيقية التي تحتاج إلى إجابة إلى جانب هاجس ضياع كميات كبيرة من الصابة الحالية جراء عدم القدرة على تجميعها وتخزينها . ما يمكن قوله هو أن مشكل عدم قدرة المخازن المتوفرة حاليا على استيعاب كل الكمية المنتجة وما ينجر عنه من اتلاف كميات كبيرة من القمح على قارعة الطريق سببه سوء تصرف متواصل من قبل وزارة الفلاحة وتراخ كبير من الحكومة على الاعتناء بقطاع الفلاحة ذلك أن التنبيه والإشعار قد وصل إلى وزارة الفلاحة منذ شهر أفريل المنقضي على أن صابة الحبوب لهذه السنة سوف تكون قياسية وتحتاج إلى أخذ اجراءات استثنائية وتتطلب وضع خطة عمل لضمان نجاح موسم الحبوب ولضمان عدم الاتلاف غير أن الوزارة إزاء هذا التنبيه اكتفت بالتنويه بوفرة الانتاج وتجاهلت المخاطر ولم تأخذ أي اجراء من شأنه أن يحفظ الصابة ولم تفكر في برمجة خاصة للاستفادة من هذه الوفرة في علاقة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح خاصة وأننا نضطر كل سنة إلى توريد 20% من حاجياتنا من القمح الصلب و 80 % من القمح اللين علما وأن البلاد تحتاج سنويا إلى حوالي 30 مليون قنطار لتسديد الحاجيات المحلية وأنها تضطر كل سنة إلى استيراد حوالي نصف الحاجيات من السوق الخارجية نتيجة قلة الانتاج المرتبط بعدة عوامل يطول شرحها منها تقلص المساحة المخصصة للزراعة وتراجعها من سنة إلى أخرى يقول البعض أن وراءها املاءات خارجية واتفاقيات استعمارية لجعل البلاد مرتبطة دوما بالأجنبي ومنعها من تحقيق استقلالها الغذائي ومنها اتلاف حوالي نصف المحصول سنويا قبل جمعه وتخزينه حيث أوضحت المعطيات أن كمية الإنتاج من الحبوب خلال الموسم الفلاحي 2014 – 2015 قد بلغت 7.576.000 قنطارا لم يتم تجميع إلا 4.827.000 قنطارا منها فقط أي أن هناك فارقا بين الإنتاج والتجميع يقدر ب 57% بما يعني أن حوالي نصف الانتاج يهدر ولا تستفيد منه البلاد لنكون أمام حتمية التوريد لتوفير قوتنا وأمننا الغذائي . من الأرقام الأخرى التي تقدم لنا صورة على وضعنا الغذائي وعلى قيمة الاستفادة من صابة القمح لهذه السنة أن حوالي 80 % من إنتاج مادة الخبز الغذاء الأساسي للشعب يتم توريده من الخارج بما يعني أن الدولة تخصص ميزانية معتبرة لتوفير المادة الأولية لصناعة الخبز فهل ستأخذ وزارة الفلاحة كل هذه الارقام للتعامل مع صابة القمح لهذه السنة ؟ وهل فكرت في السبل الكفيلة لجعل وفرة الانتاج لها انعكاسات ايجابية على وضعنا الغذائي وعلى التخفيف من اكراهاتنا الغذائية وصعوباتنا المالية؟ وفي موضوع الاعلاف التي يحتاجها مربو الأبقار والأغنام والمواشي والتي يتم توريدها سنويا من الخارج وبالعملة الصعبة والتي تجعل أمننا الغذائي مرتهن للخارج ، هل فكرت الدولة في وضع استراتيجية للاستفادة من صابة القمح لهذه السنة لتوفير ما نحتاجه من أعلاف ما يغنينا عن اللجوء إلى الاجنبي لتوفير ما نحتاجه من علف في الانتاج الحيواني ؟ وهل فكرت الوزارة في سياسة لجعل ما تحقق من وفرة في صابة الحبوب يعود بالنفع والفائدة على المواطن في علاقة بتحسين جودة الغذاء من خلال توفير المواد الضرورية لصناعة العجين ومشتقاته وجودة اللحوم والألبان بتوفير جودة الاعلاف ؟ وهل فكرت في كيفية ادامة هذه الصابة في الزمن ما يسمح بنفك ارتباطنا مع الأجنبي في مجال الأمن الغذائي ؟ يبدو أن كل هذه الأسئلة تغيب اليوم عن نظر أصحاب القرار وغير واردة في اهتماماتهم ولا تلقى ما تستحق من التفكير ليتواصل الحال على ما هو عليه من دون استفادة بما تحقق هذا العام من انتاج وفير من المفروض أن يعود بالخير والفائدة على الشعب ويخفف من عبء المديونية على الدولة ويقلص من نفقات التوريد المثقلة لكاهل الميزانية، ويبدو كذلك أن وراء هذا التراخي الحكومي وهذا الصمت من طرف المسؤولين بخصوص كارثة الاتلاف التي تحصل في صابة الحبوب جهات نافذة ولوبيات متحكمة في القطاع من مصلحتها أن يبقى الحال على ما هو عليه لمواصلة تحقيق ارباحهم من وراء صفقات يبرمونها في مجال توريد الحبوب والأعلاف وفي موضوع إبقاء النقص الحاصل متواصلا في ما تحتاجه البلاد من حبوب وإتلاف الصابة قبل وصولها إلى مراكز التجميع سواء بعمليات حرق الحقول ورمي الصابة في الطريق بتعلة عدم قدرة مراكز التجميع على استيعابها. إنها دولة المافيات ودولة العصابات المتحكمة في مفاصل الاقتصاد وما أزمة اتلاف الحبوب إلا صورة من صور كثيرة لسوء التسيير و التصرف وصورة من صور العبث الذي نجنيه من وراء تحكم هذه الشبكات في الاقتصاد التونسي .. فهل كان سفير الاتحاد الأوربي على حق ؟؟؟