انها حكمة قديمة في شكل مثل متداول، كثيرا ما سمعتها وانا صغير، فأدركت معناها لما أصبحت كبيرا، وقدرت انها تصلح لكثرة الاحزاب السياسية التي انتشرت عندنا بعد الثورة وبعدما تحول الترخيص لها والتأشيرة الى مجرد إعداد كراس شروط ومعاينتها من طرف عدل منفذ ليشهد بمطابقتها لمرسوم الأحزاب السياسية وترسل لرئاسة الحكومة التي تحفظها وتأذن بنشر بيان موجز فيها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية لقد تجاوز عدد الاحزاب المشكلة عندنا بتونس بتلك الطريقة منذ الثورة اكثر من200 حزب سياسي على الورق، لم يبق منها الا القليل ممن شاركت فعلا في الحياة السياسة وباتت لها كتل برلمانية متغيرة العدد والتوجه، ينتقل النواب منها حسب الحاجة والعلة، وهو ما بات يسمى بالسياحة البرلمانية. تذكرت ذلك ونحن على اعتاب انتخابات تشريعية تقررت ليوم 6 اكتوبر 2019 وصادف ان كانت بعد انتخابات رئاسية تسببت في زلزال لم تقم منه الساحة السياسة وسوف يكون له تأثيره بالضرورة على تلك الانتخابات التي نعول عليها كثيرا، لان أساس الحكم عندنا برلماني معدل أخذناه أساسا على النظام الفرنسي الذي ابتدعه الجنرال ديجول في ظروف استثنائه وتأذت منه فرنسا في زمن التعايش وبتنا نتأذى منه نحن كل يوم في تونس. كتبت مرارا ونددت بطريقة الانتخاب التي اخترناها باقتراح من الهيئة العليا لحماية الثورة والتي تفننت في وضع الفخاخ فيها ولم تدرك بان تلك الحلية انقلبت علينا، يقينا لم يكن نظام الحكم الذي فضلناه مناسبا لنا لأنه يرتكز على راسين للسلطة التنفيذية ويكون فيه رئيس الجمهورية منتخبا انتخابا مباشرا، ولكن سلطاته تكون محدودة، مقابل سلطات رئيس الحكومة المزكى من طرف الاغلبية في مجلس نواب الشعب والمفترض انه اساس الحكم والسلطة. لم نستخلص الدرس من فرنسا التي أزعجتها تلك الطريقة لما اختلفت الاغلبية البرلمانية وبات وقتها رئيس الجمهورية يجتهد في تعطيل اعمل الحكومة. لذلك ما زلت ضد ذلك النظام وتمنيت ان تكون السلطة عندنا اوضح لنحاسب عليها الحكومة المسؤولة امام نواب الشعب، وكما هو معمول به في اغلب البلدان الديمقراطية. انهم لا يقرأون ما يكتب وكأنهم انفردوا بالعلم والحكمة، ولكنهم باتوا اليوم حائرين، وسيرون ذلك في الانتخابات القادمة لما تخرج لهم فسيفساء يتعذر معها وجود أي اغلبية ولو بالتوافق او التحالف او بالحيلة. واكتب ذلك مرة أخرى وأجري على الله رب العالمين، لأني لم أحتمل الاستقالة بعدما فضلت الاستقلالية عن التيارات والأحزاب السياسية التي انتهى دورها عالميا وبات عندنا دكاكين لتجارة التفصيل المنتشرة في الانهج الازقة. وقبل ان اختم هذا الكلام انصح من بقي يؤمن بالأحزاب السياسية ان يقلبها الى طرق صوفية علهم يجدوا في المريدين من يعوض المنخرطين الذين باتوا يغيرون ولاءهم مثلما تغير الملابس الداخلية