بعد التحية والاحترام لصاحب المقام سيدي يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية اكتب هذه الرسالة المفتوحة راجيا ان تجد منه قبولا وتجاوزا عما قد احتوته من فضول بالنظر للقضايا التي سأذكرها وباتت لدى العموم معروفة. اتوجه لكم بصفتكم رئاسا للحكومة التي خصها الدستور الجديد بالسلطة التنفيذية بعدما كانت لسنين محتكرة من طرف رئيس الجمهورية يباشرها بدون شكريك او رقيب وخاصة في مدة الرئيس المخلوع الذي تكبر وتجبر وجعل من حكمه وسيلة لا غاية فخسر وانتهى به الحال هاربا للعربية السعودية مخلفا وراءه الدمار والخراب وتفقير البلاد من ثرواتها المادية والمعنوية وكفاءاتها العلمية التي كانت في أشد الحاجة اليهم. لذلك اختار المجلس التاسيسي عندنا نظاما أقوم يعيد للشعب سلطته الطبيعية ليباشرها بواسطة نوابه المنتخبين بكل حرية ونزاهة وشفافية ويحكم بالعدل والانصاف بواسطة حكومة مسؤولة امام برلمان يمنحها ثقته على برنامج واضح ويسحبها منها اذا خابت حسب الأحوال التي تقتضيها احكام الديمقرطية المتعارف عليها دوليا. لقد اختار لنا الدستور الجديد نظاما برلمانيا معدلا على غرار الطريقة الفرنسية وميز رئيس الحكومة وحده بالسلطة التفيذية وترك بعض الاختصاصات لرئيس الجمهورية يباشرها بالتوافق وبذلك وقعنا في المحضور وباتت لنا سلطة مشلولة وظهر ذلك في اكثر من مرة وخاصة لما بادر رئيس الجمهورية بتكوين حزاما اضافيا للحكومة التي لم تطلبه او تحضر جلساته وجمع فيه عددا من الأحزاب والمنظمات المهنية والاجتمتعية وافضت نتائجه في المرة الاولى الى اعفاء رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي قاوم ثم اختار طائعا طلب تجديد الثقة في حكومته من مجلس الشعب فخاب وكان مدركا تلك النتجة. وجاء يوسف الشاهد باقتراح من رئيس الجمهورية ولم يكن له حزاما في حزبه ولا في مجلس نواب الشعب ولكنه تحصل على اغلبية موصوفة احتراما في الجهة التي رشحته. انه بدا بقوة واظهر إقداما وجرأة ولكن الظروف لم تكن له مواتية وتعكرت حالة الاقتصاد وتدهور الدينار وارتفعت الأسعار وباتت خزينة الدولة خاوية تعيش على القروض، لكن مراكز سبر الاراء اظهرته في رتبة متقدمة اذا ما ترشح لانتخابات 2019 لرئاسة الجمهورية وبذلك بدات المؤامرات تحاك ضده وتنصب عليه خاصة من الحزب الذي ينتمي اليه النداء فتحملها صابرا مواصلا عمله بنشاط وعزيمة حتى تجرا على مجابهة رموز الفساد وازدادت شعبيته قولا وفعلا ولكنه تباطأ أنتهت العملية بالدفعة الاولى وتعطلت الى حين والله اعلم. لم يمهلوه طويلا وتمت دعودة ما يسمى بوثيقة قرطاج ثانية وبدات تبحث عن اسباب الأزمة الاقتصادية وتفرعت الى لجنة فنية أعدت خطة متكاملة من 64 نقطة اتفقوا عليها باستثناء الاخيرة وهي تتعلق بمصير الحكومة ورئيسها وتركوها لآخر اجتماع ترأسه رئيس للجمهورية الذي قرر تعليق المبادرة بعدما تعذر عليه الوصول الى نتيجة ورمى بها لمجلس نواب الشعب ليقرر وحده مصير الحكومة. بقينا بعدها ننتظر ما يحدث حتى خرج علينا رئيس الحكومة بخطاب اعاد فيه علينا ما كنا استمعنا اليه مرات وتبنى كل النقاط ال63 المتفق عليها في الوثيقة وتناسى النقطة 64 المختلف عليها وكانت تعنيه هو شخصيا. لم يغفل في خطابه ذلك عن الخصومة التي باتت مكشوفة بينه وبين المدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي وقدرت كما قدر غيري انه بذلك خرج عن الموضوع وتحدث في امر لا يهم الحكومة، وادخل مستمعيه ومستمعاته في أمور داخلية لا تعنيهم وكان عليه توخي الطرق الاخرى التي تتعلق بالأحزاب السياسية والخلافات التي تجد فيها وما جاء بقوانينها الاساسية المودع نسخ منها برئاسة الحكومة . لقد كرهت ليلتها حالة الضعف والاحباط التي ظهر عليها ونسي انه هو رئيس الحكومة المسؤول على تونس ومطالب بان يظهر لمستمعيه الحزم والصرامة مع كل من يعرض مصلحة البلاد للخطر ويدخل الفوضى فيها خاصة اذا كانت تؤثر على الحكم داخليا وخارجيا ونحن مازلنا في حاجة للمعونة. قلت وانا اكتب هذه الرسالة المفتوحة لماذا لا اذكره ببعض الأحداث التي جرت سابقا وكان هو شاهدا عليها: انك تعرف من اختارك وزكاك وأمر نداء تونس بقبولك بالرغم من طموحات الكثيرين ومنحك مجلس النواب ثقته باغلبية مريحة، ولكن الأحوال تغيرت وبات حزبك خصما لك وهو الذي رشحك على حسابه فأصبحت الان مطلوبا بالاستقالة من رئاسة الحكومة. انها السياسة ومخاطرها بات أمرا طبيعيا فينا. ويؤلمني ذلك كثيرا ولكنها قاعدة اللعبة التي تتحملها تونس عن كره وكلنا في حالة احباط ولم يسمع احد بِنَا وخيرنا تجنب الخوض في السياسة الا لماما حتى لا نزيد الوظع تعكيرا ولكن كل المؤشرات بات في الاحمر وتونس وحدها تدفع الضريبة. كنت أتمنى لو اخترنا نظاما برلمانيا حقيقيا مثل الدول العريقة كبرطانيا العظمى وألمانيا او البلدان الإسكندنافية وحتى إيطاليا القريبة منا ولكن عشقنا بقي لفرنسا التي جربت النظام المزدوج وندمت عليه ورأيناها في فترات التعيش لما اختلفت الأغلبية كيف كانت تتصرف برأسين في المحافل الدولة . لكن والحالة على وما هي عليه فان الذي سماك تصبح له سلطة إعفائك ويبقي مجلس شعبنا دائما في التسلل. لهذه الأسباب ولغيرها فلن تخرج تونس في تقديري من ازمتها الا باصلاح النظام السياسي واعتماد الشفافية والصدق والقبول بالاخر مادام يحترم القانون وقواعد اللعبة.