يذكّرني انتظار التوانسة للرئيس الجديد، بالمسلسلات الدينية المصرية التي لعبت بعقولنا خلال السبعينيات والثمانينيات... حين كان رشوان توفيق يقف أمام خيمته في صحراء قاحلة، وهو بلباس ناصع البياض، ماسكا بعصا أطول منه، وهو يهتف بالقوافل المارة من بعيد: ابشروا يا قوم!.. ابشروا! لقد حان زمن النبوة!.. الشعب الكريم عندنا أشبه برشوان توفيق، مع فارق أنه ينتظر نبيّه، في المقهى!.. وأي نبيّ!.. وأي مهديّ منتظر!.. إنه إما قيس، الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا!.. أو نبيل، الذي سيطعم الجوعى، ويداوي الأكمه والأبرص، ويحافظ عل السيستام! غيرأن زمن الأنبياء قد ولّى.. أما من بقي دائما، فذلك الشعب الكسول المتواكل... فهو يعرف جيدا أن الرئيس الجديد لن يفعل من أجله شيئا.. ولا شيء.. فصلاحياته لا تكاد تتجاوز عتبة مكتبه.. لكن الشعب المتواكل جدا، مع ذلك، يطمع في أن هذا النبي الذي سيسكن قرطاج، سيضرب بعصاه السحرية، فتنشق الأرض أنهارا من اللبن والعسل، وسيكرع منها الشعب حتى يخرج اللبن من أذنيه، واللبن من دبره!.. لا نبيّ، ولا لبن، ولا عسل.. لا قيس، ولا نبيل، ولا زمّارة.. القضية الحقيقية أننا في خيبة كبيرة.. لم يعد للعلم والتعليم مكانة بيننا. ولا للعمل قيمة.. ولا للإنتاج وجود.. ولا للجدية والمهنية تقدير ولا احترام.. أيام الإضراب عندنا فاقت أيام العمل.. الاعتصام عندنا ثقافة، وقطع الطرقات بطولة.. والهروب من مكتب الإدارة شطارة.. والغياب عن العمل حق مضمون.. والتفصي من المسؤولية فهلوة.. والإفلات من العقاب قاعدة عامة!.. وبما أنه شعب مڤربع، وزاد تڤربع، فإن الإنتاج الوحيد المتبقي هو اقتناء بطاقة شحن بدينار، وتمضية الليل في المكالمات عديمة الفائدة... دون أن ننسى الأعمال الليلية الأخرى، المنتجة لمزيد المواليد.. في بلد ناءت حافلاته المائلة، وقطاراته البائدة، بما حملت !.. عندما نعود جميعا لننكب على واجباتنا، ووننهض بها بمنتهى الأمانة والمسؤولية.. عندما يفيض الإنتاج بين أيدينا، وتتراكم الثروة بعرقنا وجهدنا، عندها فقط، سيكون ذلك القصر ومن يسكنه آخر همنا، وأقل أولوياتنا.. سيكون نشاطه مجرد خبر صامت، في آخر النشرة!..