وانا في موكب الفرق كنت في حالة ذهول ...لفني الحزن ...وبلعت لساني ...وتعطلت لغة الكلام ... اذهلني الموقف ...ورحت انظر الى ما حولي من وجوه واشخاص ... كل هؤلاء الذين اراهم يجلسون في صمت الا قليلا عرفوه بصورة من الصور ...وكلهم يذكرونه بخير ...ويقدرون دوره العظيم في صنع فترة هامة ...وزاهية ...ومثمرة من تاريخ تونس ... كلهم فيهم شيء من الوفاء والاعتراف بالجميل ..وما اندر الوفاء ....وما اقل الاعتراف بالجميل في هذا الزمن الرديء واليوم ونحن في موكب الفرق وكانه بيننا ...وكانه معنا ...وكانه لم يغادر ...وكانه مازال هنا ... قال احدهم : انني اكاد اراه ... وقال قائل : ان روحه ترفرف فوق رؤوسنا ... ونطق شيخ طاعن في السن سقطت عصاه من بين يديه : رحمه الله فلقد كان من ذوي الرحمة والمرحمة وترحم عليه الجميع ...واذا بالمكان الفسيح يتسع اكثر ...ويصبح اجمل ... وانقى ...وابهى واستمر انا في المكان وكانني طائر احلق قليلا لاعود الى مقعدي واجلس في صمت رهيب ... احاول ان اتكلم ...احاول ان امزق الصمت ...احاول ان انسى الموت ...ولكن دون جدوى ... شعوري بان الحياة تافهة ...والوجود عبث يضغط على قلبي ... وكان قلبي تمزقه الخناجر.. قبل قليل كان الرئيس الراحل زين العبدين بن علي هنا ...كان يعمل ...ويجتهد ...ويسابق الزمن ...وكان يحرص على تحقيق اكثر ما يمكن من الانجازات في اقل وقت ممكن ... كان ...وكان ...وكنا ...وكانت تونس تنمو ...وتتغير ...وتتطور ...وتتزين ...وتعلو ...وتسمو ... ولكن شاءت الاقدار ...او شاء الغرباء ...او شاء العملاء ...او شاء من شاء ممن نعرفهم ولا نعرفهم ما نحن لا نشاء ...ولكن ذلك موضوع معقد ...ومتشعب ...وفيه ما فيه من الخبايا والخفايا ربما لم يحن موعد الكشف عنها ...والتاريخ دائما لا يقول كلمته الا في وقت متاخر ...فلننتظر ...وسنعلم ما لم نكن نعلم ...