الآن و قد طوت تونس كل مراحل الانتخابات البرلمانية و الرئاسية و عرفنا " كوعنا من بوعنا " كما كان البجبوج رحمه الله يقول، وبعد أن هدأت حمّى الانتخابات و عواصف اللهث وراء المغانم و الكراسي، هات نفرك رمانّة الملفات التي في انتظار الرئيس الجديد السيد قيس سعيد سواء الوطنية منها أو الاقليمية و التى أتى على البعض منها في وعوده الانتخابية أو من خلال مناظرته التلفزية مع السيد نبيل القروي،و من هذا المنطلق و بعيدا عن المزايدات و القيل و القال و السباب و الشتم الذي عرفته مرحلة الانتخابات بشقيها التشريعي و الرئاسي ، حرّي بنا الآن دراسة الملفات الحارقة التي ستحوّل إلى مكتب رئاسة الجمهورية. جبهتنا الداخلية مرتبطة بمدى الاستجابة لبعض الأولويات : وطنيا، لا يخفى على أحد ما تعيشه البلاد اجتماعيا و اقتصاديا من وضع كارثي لعلّ أبرز تجلياته : 1/ المعاناة اليومية للمواطن التونسي جرّاء غلاء الأسعار و تدني مقدرته الشرائية في وجود محتكرين و مهربين يسيطرون على السوق و مسالك التوزيع و اللعب بلقمة المواطن. 2/المديونية المتفاقمة و انخرام جل التوازنات المالية و الاقتصادية و لعلّ أهم مظاهرها المديونية العالية في هذه العشرية الأخيرة و التوريد العشوائي حتى للمنتوجات الفلاحية الأساسية التي نقدر على انتجاها محليا– في غياب استراتيجية وخارطة واضحة المعالم للإنتاج الفلاحي - و هذا يمس لا فقط من أمننا الغذائي بل و أيضا من ميزاننا التجاري و ميزان الدفوعات حيث تنخر عملية التوريد لبعض المتوجات الفلاحية الضرورية على غرار الحبوبكل مدخراتنا من العملة الصعبة على قلّتها. فضلا عن القضاء على بعض القطاعات الحيوية و الاستراتيجية لعلّ أهمّها القطاع الفلاحي. 3/توقف عجلة انتاج الفسفاط بجهة قفصة رغم أهميّة ما يمثله تصديرنا لهذه المادّة من تعديل لميزاننا التجاري و التوازنات المالية عموما و تعطيل عجلة الانتاج للفسفاط يمثّل كارثة بأتم معنى الكلمة لوطن لا يملك الكثير من الموارد سوى سواعد أبنائه. 4/البحث عن حلول عملية لا كلاما و وعودا جوفاء لمعضلة بطالة الشباب حتّى نبعث فيهم الأمل و الثقة في أنفسهم و في مستقبل بلادهم و ذلك بالبحث و بكل جدية عن الاستثمارات الخارجية و الابتعاد عن المحسوبية و الأكتاف و المعارف في التوظيف حتى لا يشعر هذا الشباب بالغبن و يكون لقمة سهلة في مسارات خطيرة سواء عبر "الحرقة " و ما يعنيه ذلك من مخاطر أو عبر الارتماء ف أحضان الارهاب و المخدرات و كل الموبيقات الأخرى. 5/ايقاف هذا السيل الجارف من الجريمة التي استفحلت بربوعنا في غياب الردع و تطبيق القانون بكل صرامة إضافة إلى غول الارهاب المتربص بنا في كل لحظة سواء على مستوى حدودنا في المرتفعات و الجبال أو تلك الخلايا النائمة و الذئاب المنفردة و الكلاب المسعورة التي تعيش بيننا والتي لا تتوانى لحظة في تطبيق تعليمات المجرمين الذين لا يريدون لوطننا العزيز استقرارا و لعلّ آخر ضحاياه المواطن الفرنسي و العسكري بجهة بنزرت حيث توفي الأول على عين المكان. فهل بهكذا اجرام و ارهاب سنقع المستثمرين الأجانب لبعث المشاريع ببلادنا لخلق مواطن الشغل 6/معرفة الحقيقة و كل الحقيقة و اسقاط الاقنعة حول من يقف وراء ما حصل ببلادنا من اغتيالات سياسية و في مقدمة ذلك تصفية الشهيدين شكري بلعيد و محمد الحاج البراهمي و أيضا كشف حقيقة ما يعرف بقضية الجهاز السّري و عمليات التسفير لشبابنا إلى محاضن الارهابية حتى يتطلع الشعب التونسي على كل هذه الحقائق و بالتالي تطبيق القانون ضدّ كل من موّل و نسق و خطط و نفذ لثل هذه الجرائم الخطيرة. نجاح علاقتنا مع ليبيا و الجزائر و سوريا مسائل أساسية : أمّا على المستوى الاقليمي و الدولي فرئاسة الجمهورية مطالبة اليوم بكثير من الوضوح في القضايا الاقليمية خاصة بمنطقتنا العربية و لعلّ أهمها و في مقدمتها : 1/موقف تونس الواضح مما يدور في ليبيا من حيث علاقته بكل الأطراف الليبية المتناحرة و المتقاتلة باعتبار أهمية الملف الليبي و انعكاساته على وضعنا الداخلي بحكم القرب الجغرافي و تأثير ذلك على أمننا القومي و أيضا انعكاسه الاقتصادي و حتى الاجتماعي بحكم علاقاتنا التجارية مع الطرف الليبي و امكانية الحصول على صفقات لإعادة البناء فيها بحكم ما لحقها من خراب جرّاء الحرب بين الإخوة الأعداء و هذا أيضا يساهم في استيعاب الكثير من اليد العاملة مما يمتص و يقلص نسبة البطالة لدينا التي تجاوزت ال 15 بالمئة. 2/القضية الثانية في محيطنا الاقليمي هي الجزائر و كيف ستتعامل رئاسة الجمهورية مع الشقيقة الجزائر في ظل ما تمرّ به من حراك شعبي خاصة إذا ما علمنا حجم المؤامرات التي تحاك و تستهدف الجزائر و الجزائر هي عمق تونس الاستراتيجي و بالتالي لا نستطيع أن نتحدث عن مستقبل تونس بمعزل عن الجزائر. 3/رأب الشرخ مع الشقيقة سوريا و ذلك بإعادة العلاقات الديبلوماسية ما الجمهورية العربية السورية قصد رأب الصدع العربي/العربي مع أحد أهم الدول العربية ثقلا و ثانيا لفك شفرات الكثير من الألغاز المتعلقة بقضية التسفير إلى محاضن الارهاب و معرفة العدد الحقيقي من التونسيين المتورطين في قضايا ارهابية بامتياز و عدد من قضى منهم و العدد المتبقي منهم و غيرها من المعلومات التي قد تفيد وطنناللتوقي من عمليات ارهابية محتملة. 4/القضية الفلسطينية التي يبدو و أنّها ستستعيد ألقها مع الرئيس الجديد و لكن ليس ذلك بمعزل من توضيح الرؤيا حول ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل و المجرم و الملطخة أياديه بدماء الفلسطينيين و قضم أراضيه و تضييق الخناق على الفلسطينيين.عموما، فضلا عن ملف الجواسيس الذين يرتعون في بلادنا شمالا و جنوبا؟. في الختام نقول و أنّه أمام كل هذه الملفات، سواء الوطنية أو الاقليمية في محيطنا العربي ، ستجعل رئيس الجمهورية الجديد قيس سعيد في امتحان عسير على أساس مدى قدرته على حلحلة كل هذه الملفات الشائكة ونجاعة طريقة التعاطي معها خاصة و أنّه أظهر صرامة في أوّل كلمة له بعد الاعلان عن فوزه وذلك في تطبيق القانون و علوته على الجميع هذافضلا عن توجهه العروبي على ما يبدو و التقارب العرب/العربي و ما تصريحه القوي حول القضية الفلسطينية إلاّ دليل على جديته في الاقتراب و المساهمة في حلحلة القضايا العربية و في مقدمتها القضية الفلسطيني؟ و لكن السؤال هنا هي يفلح السيد قيس سعيد، رغم جديته ظاهريا في البت في كلّ هذه الملفات أم هي حماسة اللحظة و نشوة الانتصار؟ لننتظر فالأيام القادمة كفيلة بالرّد على كلّ هذه التساؤلات و مدى عزمه على التعاطي معها و كفيلة خاصة بالكشف عن حقيقة معدن ساكن قصر قرطاج الجديد؟