مجموعة الخطوط التونسية: تراجع طفيف في العجز ليناهز 220،8 مليون دينار خلال سنة 2022    كاس امم افريقيا 2025: السنيغال يتعادل مع الكونغو الديمقراطية 1-1    الليلة: الحرارة في انخفاض مع أمطار غزيرة بهذه الجهات    سفيان الداهش للتونسيين: تُشاهدون ''صاحبك راجل 2" في رمضان    المستشفى الجامعي شارل نيكول يحقق أول عمليات ناجحة بالفيمتو ليزك بتونس!    نجاح جراحة عالية الدقة لأول مرة وطنيًا بالمستشفى الجامعي بقابس    حامة الجريد: انطلاق مهرجان رجال الحامة في دورته الثانية    متابعة مدى تقدم رقمنة مختلف العمليات الإدارية والمينائية المؤمنة بالشباك الموحد بميناء رادس محور جلسة عمل    محرز الغنوشي: طقس ممطر أثناء مباراة تونس ونيجيريا...هذا فال خير    مدرب الكاميرون: "دربي إفريقي قوي بين الكاميرون وكوت ديفوار سيحسم على جزئيات"    وزارة النقل: شحن الدفعة الأولى من صفقة اقتناء 461 حافلة من الصين قريبا    عاجل/ حجز يخوت ودرجات نارية فاخرة: تفاصيل تفكيك وفاق دولي لترويج المخدرات يقوده تونسي..    عاجل/ مسجون على ذمة قضية مالية: هذه الشخصية تقوم باجراءات الصلح..    كأس أمم إفريقيا 2025: السودان وغينيا الاستوائية في اختبار حاسم لإنعاش آمال التأهل    مداهمة مصنع عشوائي بهذه الجهة وحجز مواد غذائية وتجميلية مقلدة..#خبر_عاجل    الكاف: ورشات فنية ومعارض وعروض موسيقية وندوات علمية في اليوم الثاني من مهرجان صليحة    مصادر دبلوماسية: اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية غدا بعد اعتراف إسرائيل بأرض الصومال    عاجل/ بعد اعتراف الكيان بأرض الصومال: حماس تصدر هذا البيان وتفجرها..    جريمة مروعة: وسط غموض كبير.. يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر..#خبر_عاجل    إيقافات جديدة في فضيحة مراهنات كرة القدم    اللجنة الوطنية الأولمبية التونسية: محرز بوصيان يواصل رئاسة اللجنة    وليد الركراكي: التعادل أمام مالي "محبط"    الرياض تحتضن الدورة 12 للجنة المشتركة التونسية السعودية    رئيس الجمعية التونسية لمرض الابطن: لا علاج دوائي للمرض والحمية الغذائية ضرورة مدى الحياة    عاجل/ تنبيه: انقطاع التيار الكهربائي غدا بهذه المناطق..    مستخدمو التواصل الاجتماعي مجبرون على كشف أسمائهم الحقيقية    كميات الأمطار المسجّلة خلال ال24 ساعة الماضية    حصيلة لأهمّ الأحداث الوطنية للثلاثي الثالث من سنة 2025    المسرح الوطني التونسي ضيف شرف الدورة 18 من المهرجان الوطني للمسرح المحترف بالجزائر    عروض مسرحية وغنائية وندوات ومسابقات في الدورة العاشرة لمهرجان زيت الزيتون بتبرسق    سيدي بوزيد: تحرير 17 تنبيها كتابيا وحجز كميات من المواد الغذائية    أبرز الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 20 ديسمبر إلى26 ديسمبر 2025)    السكك الحديدية تنتدب 575 عونا    مواعيد امتحانات باكالوريا 2026    التشكيلة المحتملة للمنتخب التونسي في مواجهة نيجيريا    عاجل/ تعطّل أكثر من ألف رحلة جوية بسبب عاصفة ثلجية..    حجز 5 أطنان من البطاطا بهذه الجهة ،وتحرير 10 محاضر اقتصادية..    تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقا بشأن وقف فوري لإطلاق النار    تنفيذا لقرار قضائي.. إخلاء القصر السياحي بمدنين    رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن عودة الناشط علاء عبد الفتاح    ألمانيا.. الأمن يطلق النار على مريض بالمستشفى هددهم بمقص    فرنسا.. تفكيك شبكة متخصصة في سرقة الأسلحة والسيارات الفارهة عبر الحدود مع سويسرا    المجلس الجهوي لهيئة الصيادلة بتونس ينظم الدورة 13 للايام الصيدلانية يومي 16 و17 جانفي 2026 بتونس    استراحة الويكاند    صفاقس: الدورة الأولى لمعرض الصناعات التقليدية القرقنية تثمّن الحرف التقليدية ودورها في حفظ الذاكرة الجماعية للجزيرة    نشرة متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..#خبر_عاجل    نصيحة المحامي منير بن صالحة لكلّ تونسية تفكّر في الطلاق    الأحوال الجوية: وضع ولايات تونس الكبرى ونابل وزغوان وسوسة تحت اليقظة البرتقالية    وزارة التربية تنظّم يوما مفتوحا احتفاء بالخط العربي    موضة ألوان 2026 مناسبة لكل الفصول..اعرفي أبرز 5 تريندات    4 أعراض ما تتجاهلهمش! الي تتطلب استشارة طبية فورية    إنطلاق أشغال المسلك السياحي الحصن الجنوي بطبرقة    بداية من شهر جانفي 2026.. اعتماد منظومة E-FOPPRODEX    تونس: مواطنة أوروبية تختار الإسلام رسميًا!    أفضل دعاء يقال اخر يوم جمعة لسنة 2025    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية    البحث عن الذات والإيمان.. اللغة بوابة الحقيقة    روسيا تبدأ أولى التجارب للقاح مضادّ للسّرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال يكتب لكم: الفوضى عبْر العالَم عنوان السياسة الخارجيّة الأمريكيّة الأبرز
نشر في الصريح يوم 15 - 10 - 2019

لَم تُغَيِّر الولاياتُ المتّحدةُ طبيعَتَها الإمبرياليّة المُنْدَفِعَة أبَداً إلى الهَيْمَنَةِ والنَّهْبِ والاحتِكار ، لكنّ الذي تَغَيَّرَ هُوَ الأسلوب الذي يَبْدُو للبَعْضِ أكثَرَ مُرُونَةٍ بينما هُوَ في نتائجِهِ وَتَداعياتِها أكثَرَ تَوَحُّشاً.
بَعْدَ انهيار الاتّحاد السّوفياتي وما كانَ يُسَمّى المعسكَر الاشتِراكي ، أعلنَت الولايات المتّحدة الأمريكيّة نَفْسَها شرطيَّ العالَم والقَطْبَ الأوْحَد للسّياسة الدّوليّة ، وفَرَضَتْ على مَدى عَقْدَيْن مَصالحَها الاقتصاديّة عبْر العالم بِقُوّةِ المارينز، مُجَمِّدَةً القانون والشرعيّة الدّوليَّين في ثلّاجَةِ الأمم المُتّحِدَة. وواكَبَ ذلكَ تسويقُ ثَقافَةٍ اقتِصاديّة وسياسيّة وحُقُوقيّة جديدة تَحْتَ عنوان "العَوْلَمَة" تستَهْدِفُ في الأساس تَفكيكَ الدّولةِ الوَطنيّة وإلغاء كُلّ ما يمتّ بِصِلَةٍ للسيادَةِ الوطنيّة سياسيّاً و جغراسياسيّاً وديموغرافيّاً واقتصاديّاً وماليّاً وثقافيّاً وتربويّاً وإعلاميّاً، وبالتالي مَحْو القضايا العادلة ذات البعْد الوطني تتصدّرها القضيّة الفلسطينيّة مِن أجندة السياسة الدوليّة الآن وَغداً.
ولئن كانت أفغانستان والعِراق أبْرَزَ ضَحايا الغَطْرَسَةِ الأمريكيّة وسياسة القطْب الواحِد اللتين احْتَلَّتهما تحت شِعارات تحرير شَعبيهما مِن قبْضَةِ الديكتاتوريّة فإنّها زَرَعَتْ الدّاءَ (التنظيمين الإرهابيين :القاعدة وطالبان) في الأولى ووصَفَت لها الاحتلال العسكري الأمريكي "دواءً؟" للقضاء المزعوم على داء الإرهاب ، وفي الثانية فبركَت الأكاذيب لاتهام العراق بامتلاك أسلحة دَمار شامل ثُمَّ اعترَفت بأنّها كانت تكذب ، بَعد خراب البصرَة ، والوصول إلى هَدَفِها : تدمير الدولة الوطنيّة ومؤسساتها وخاصّة المؤسسة العسكريّة العراقيّة. لكنّ الثّمَنَ الذي دَفَعَتْهُ واشنطن جرّاءَ احتلالها هذين البلدين كان باهِظاً ، فَلَجأت لاحِقاً وتحتَ العنوان الرئيس "العَولَمة" وما يتفرّع عنْه مِن تصدير الديمقراطيّة وصيانة حُقوق الإنسان والأقليّات العرْقيّة مِن الانتهاك (يُستَثْنى دائماً مِن ذلك حُلفاؤها كالكيان الصهيوني والكيانات الخليجيّة) ، إلى تدمير الدولة الوطنيّة في المَناطِقِ المُسْتَهْدَفَة ، وخاصّةً المنطِقة العَربيّة ، مُستَلْهِمَةً مِن تُراث الأخيرة الشِّعْري (أليسَ الشِّعْر ديوان العَرَب؟) شِعاراً صَدْرُهُ المُعْلَن "الشّعْبُ يُريدُ إسقاطَ النِّظام" وَعَجْزُهُ المُدْغَم "في الفوضى الخَلّاقةِ أمريكيّاً". وكانَ ولا يزال أبرَز أدوات تنفيذ هذا المشروع الأمريكي في المنطقة أولئكَ الذين خاضوا وَيخوضونَ حُروبَها : الإسلام السياسي، واليسار الانتهازي أو المُرتَدّ إلى ليبراليّة مُتَوَحِّشة. لكنّ الهَدَفَ المُزْدَوِجَ والثابت مِن المشروع الأمريكي بسيناريوهاته المتعددة و الذي لَم تُخْفِهِ الولاياتُ المتّحدة الأمريكيّة بإداراتِها المُتتالية مِن جورج بوش إلى دونالد ترامب هو : حِماية نَمَط الحياة اليوميّة للمُواطِن الأمريكي بثروات العرب الطبيعيّة وعائداتها الماليّة ، وحماية الأمن الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
إنَّ تدميرَ الدّولة الوطنيّة بالفيروسات العرْقيّة والدينيّة الطائفيّة كانت وما فتئتْ سياسةً دَؤوبة لأمريكا وحلفائها الغربيّين وأدواتها في المنطقة ، حيث تَمَّ إغراقُ شُعُوب المنطقة (منطقة النفط والغاز والذهب والفوسفات وغيرها..)في فوضى دامية وخراب شامِل لأجْلِ " فَلَسطَنَتِها " ليس بالجانب الإيجابي للفلَسطَنَة (الصّمود والمُقاوَمة) بل بالجانب السّلبي (الاحتلال والتشرّد واللجوء عبْرَ دُوَل المنطقة وخارجها)، وليس صدْفَةً أن يكونَ ما عاناه ويعانيه السوريون واليمنيون والليبيون على أيْدي العَرَب والمسلمين أشدّ وحشيّة وفظاعةً مِنَ الذي عاناه ويعانيه الفلسطينيّون على أيْدي الصّهاينة مِن اليهود (تدمير المنازل والمؤسسات والبنى التحتيّة والموت ذبحاً بالسكاكين والخناجر وشَنقاً بالحبال والأسلاك الفولاذية ورمياً بالرصاص والصواريخ وقنابل الطائرات والمدافع ومَرَضاً بالأوبئة وجُوعاً وبَرْداً داخل حدود البلاد وَغَرَقاً في البحار قبل بلُوغِ المنافي... ) ، فوضى "الأخوَة الأعداء" مِن تعذيب وقتْل وتشريد تُزلزلُ أركانَ الدولة الوطنيّة العربيّة في مُحيط الكيان الصهيوني الذي يُقَدِّمُ نَفْسَه لِلغَرْب ويقدِّمُه الأخيرُ للعالَمِ نَموذجاً للاستقرار والازدهار والرُّقِيّ و" الديمقراطيّة " على أشلاء الشعب الفلسطيني ودولته العريقة والعتيدة في آن، والتي باتَ مُجَرَّدُ النُّطقِ باسمِها في محفَلٍ دوليٍّ إنجازاً . وباتت "إسرائيلُ" حليفاً للتركي ضدّ الكرديّ (خَطْف وتسليم القائد عبد الله أوجلان) ثمَّ حليفاً مزعوماً للكرديّ ضدَّ العربيّ في سوريا والعراق وللأمازيغي ضدّ العربي (في شمال أفريقيا)، وحليفاً للعربيّ ضدَّ الإيراني أو للسنّيّ ضدَّ الشّيعيّ في الكيانات الخليجيّة. وذلكَ مِن الثمار السّامّة لتوظيف دوائر الاستخبارات الصهيوأمريكيّة أسباب الحروب عبْر التاريخ كالصراعات الدينيّة والأوهام القوميّة لِزَجِّ الشعوب في صراعاتٍ قديمة- جديدة ونكْءِ جراحاتٍ قديمة كي تنزّ أحقاداً صدئة يجري استثمارُها بمَكْرٍ خبيث تحت شِعارات "الخلافة الإسلاميّة" و"الدولة القوميّة" القادمتين مِن كهوف الماضي الأقدَم والقديم بَعْدَ أنْ جَرى وَيَجري هَزُّ المجتمعات وتَفكيكُها كي تَصْطَرِعَ عشائريّاً وعرْقيّاً ودينيّاً وطائفيّاً .
وواشنطُن إذَنْ كي تُغرِق شُعوب المنطقة في فوضى الحروب والفقر والجهل المُنَظَّم تصنع الإرهاب وتزرعه في البلد المُسْتَهدَف كي تتدخَّل في الشؤون الداخليّة لهذا البلد بذريعةِ أنّها ستكافح الإرهاب ، وتخلق الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في بلَدٍ آخَر كي تتدَخَّل في شؤونه الداخليّة بذريعة أنّها تمتلك الحلولَ السحريّة لتلك الأزمات ، وهي تَفعَل ذلك دائماً في سياق خدمة مصالحها وما أن تُستَنْفَد المصلحة تترك هذا البلد وذاك فريسة للإرهاب والأزمات المُتفاقمة ،وهي صانِعَةُ فِتَن وَنَهّازَة فرَص فما أن يلوحَ خلافٌ بينَ قوّتين حتى تنحاز إلى واحِدَةٍ منهما ثمّ تخذلها بتركها وحيدةً أو بالانتقال إلى خندق خصمِها إن كانت تجد لها مصلحة في ذلك ، فلا يَعرف التاريخ أنَّ واشنطن لم تخذل حليفاً على مستوى الدّوَل فما بالكُ على مستوى الأحزاب أو الميليشيات. و"إسرائيل" كانت ولا تزال الاستثناء الوحيد لأنّها في الأصْل وليدة مشروعٍ غربيّ ولأنّ الصهاينة وخاصّة آل روتشيلد يمسكون بعصَب الاقتصاد العالمي ناهيكَ عن شركاتهم التي تحتكر الصناعات العسكريّة ومؤسسات الإعلام والاتّصال والبنوك في الولايات المتحدة، وفي هذا السّياق نَقَلَ الرئيس "دونالد ترامب" السفارة الأمريكيّة إلى القدس، وَدَفَعَ المزيد مِن العواصم العربيّة إلى التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ وأعلن عن ما يُسمّى "صفقة القَرْن" في حين يفرض الأتاوات الضّخمة بمئات مليارات الدولارات على حكّام الخليج مُقابل حمايةِ عروشهم مِن أعداءٍ مَزعومين بينما في حقيقة الأمر لا يُهدّدها أحد غير واشنطن وتل أبيب.
ولكنّ هذه السياسة الأمريكيّة الخارجيّة لإشاعة الفوضى لا تقتصر على منطقتنا بل هي تشمل كوكبَ الأرض مِن فنزويلا إلى هونغ كونغ. ذلكَ أنَّ صُمودَ الدولة الوطنيّة السوريّة راكَمَ حَولَهُ ،وبُسرعة نسبيّاً، تَحالُفاتٍ إقليميّةً وَدَوليّةً جديدة ، أعادَت الاعتِبارَ للشرعيّةِ والقانون الدّوليَّين وأخْرَجَتْهُما مِن ثلّاجَةِ الأمم المُتّحدة بعددٍ غير مَسْبُوق مِن "الفيتوات" الروسيّة والصينيّة المُتَراكِمَة في وَجْهِ الولايات المتّحدة وحُلفائها لصالح الدولة الوطنيّة السوريّة خاصّة. وكان ذلكَ بمثابةِ التّجَلّي الناصِع لمشهَدٍ سياسيٍّ دَوليٍّ جديد بعدّة أقطاب ، الأمْر الذي حَدا بالولايات المُتّحدة بَعْدَ سنوات من الحرب على وفي سوريا إلى اعتِمادِ سيناريوهاتٍ جديدة تَتَوَخّى الوصولَ إلى الهدَف ذاته: تَوسيع رُقعة "الفوضى الخلّاقة" في العالَم لتُجاوِز المنطقة العربيّة إلى شرْق آسيا خاصّةً بَعْدَ أنْ وَجدَتْ نَفْسَها اقتِصادِيّاً مَلجُومَةً بالتنّين الصّيني وعسكريّاً مَلجُومة بالدّبّ الرّوسي الذي أيقَظَهُ الرئيس فلاديمير بوتين مِن سُباتِهِ المُؤقَّت.
ولا يدَّخِرُ الأمريكانَ مَجالاً إلّا واسْتَعْرَضوا فيه إرثَهم في الخروجِ على القانون منذ فترة "رُعاة البَقَر " و"صيّاديّ الجوائز" مرورا بِحَرْبِ الفيتنام في القرن الماضي وغَزْوِ فاحتِلال العِراق في العقد الأوّل مِن القرن الحالي وصولا إلى غَزْوِ سوريا جزئيّاً في العقدِ الثاني في خُروج صفيق مُتَواصِل على القانون والشرعيّة الدّوليّين، بل جَرّوا فوضاهُم وخروجَهم على القانون إلى نشاطات إنسانيّة تُعَلَّقُ عليها الآمال للتقريب بين الشّعوب التي رَفَعَت بينها السياسةُ جدرانَها ، كالرياضة تمثيلاً لا حَصْراً، فبالتوازي مع تحريض واشنطن الانفصالِيِّين على استمرار الاضطرابات العنيفة التي تشهدها شوارع هونغ كونغ في سياق شنّ حملات عدائيّة ضدّ بكّين التي تساند الحكومة الحالية في هونغ كونغ ، تسعى الدوائر الأمريكيّة بمساندة حليفاتها في الغَرْب خاصّةً إلى التشويش على فوز العاصمة الصينيّة بتنظيم الألعاب الأولمبيّة الشتويّة2022 بَعْدَ أن سَبَقَ لها تنظيم أولمبياد 2008الصّيفي...مُتّهِمَةً لا عِبيّ الصّين وروسيا بتناوُل مٌنشّطات مزعومة مُسْتَأنِفَةً حَمْلَةً سابِقة على لاعِبيّ كُرَة القدم الرّوس الذين اتُّهِموا بتناوُل مُنشّطات في المباراة الافتتاحيّة لكأس العالم2018في روسيا أمام الفريق السعودي ،وواقِع الحال أن اللاعبين الرّوس استنشقوا عَلانية مادّة النشادر المسموح بها مِن قِبَلِ الاتحاد الدولي لكرة القدَم(الفيفا) الذي رَفَضَ في الإبّان مزاعمَ وتخرُّصات وسائلِ إعلامٍ ألمانيّة وبريطانية بشأن تعاطي بعض لاعبي منتخب روسيا للمنشطات قائلا إنه لا يوجد أي دليل على تعاطي المنشطات بين لاعبي الدولة المضيفة لكأس العالَم (روسيا) و"لا يوجد دليلٌ كافٍ على انتهاك أي لاعب كرة قدم لقواعد مكافحة المنشطات".والمفارَقَة أنّ الإدارة الأمريكيّة تحاول اتّهام الآخَرين اعتباطاً بينما تغضّ النّظر عن تَوَرُّطِ لاعبيها في تناوُل المُنَشّطات على الرّغم مِن أنّ الوكالة الأمريكيّة لمكافحة المُنشِّطات اعترفَت مراراً بذلك وكان آخِر هذه الاعترافات يَتعلَّق بالسبّاح الأمريكي "كونور دواير " بَطَل الأولمبياد مرَّتين الذي تمّ إيقافه20شَهراً بدأت في 21ديسمبر المنصَرِم بسبب اكتشاف مادّة مَحظورة في عيّناته، لكنّ الأمريكان بصفاقتهِم المَعهودة يقيسون العالَم على أنفُسِهِم وَيتّهمون الآخَرين بما فيهم هُم على المستوى الأخلاقي وَالاستهتار بالقانون في المجالات كافّة وفي كُلِّ مكانٍ وَزَمان.
ولكن هَل الفوضى الخلّاقة أمريكيّاً الخنّاقة إنسانيّاً باتت قَدَرنا مثلها مثل كُلّ ما دأبَتْ إرادة الإدارات الأمريكيّة على فَرْضهِ عَبْرَ العالَم كأمْرٍ واقِع؟. بالطّبْع لا . فَتمثيلاً لا حَصْراً للإرادة الأمريكيّة المُتَغَطرسَة ذكرياتٌ مع الإرادة السوريّة يتمنّى البنتاغون لو يمسحها مِن تاريخ المارينز ، كما أنّ استسلامَ واشنطن إزاء إسقاط الطائرة الأمريكيّة في المجال الجويّ الإيراني مثال أقرَب على بُطلان عُلْويّة إرادة واشنطن. فالنّار الأمريكيّة ليس بِمَقْدُورِها إضرام كُلّ هذه الحَرائق في منطقتنا لَو أنَّ وَعْيَ الشُّعُوب والمُجتَمَعاتِ المُسْتهدَفَة تَخَفَّفَ مِن هذا القَشّ اليابِس الذي ينوءُ بِهِ ويئنّ تَحْتَه كي لا نَقولُ يُحْتضَر. ولا يَخفى على عاقِل أَنَّ انتِظامَ البَشَريّة في دُوَلٍ وَطَنيّة تضْمَنُ حُقُوقَ مُواطِنِيها كأفراد في الحياة والغذاء والماء والدواء والكساء والسكن والتعليم والعَمَل والفنون والآداب والرياضة ، وتَضمَن حقّهم في حريّة التعبير والتفكير والتنظُّم وفي حُريّة الضمير وتطوير مجالات ثقافة الحياة والعلوم التّقنيّة التي تقيهم من تداعيات الكوارث الطبيعيّة وحقّهم في التوزيع العادل للثروة الوطنيّة والاستثمار الناجع في الثروة البشريّة وحقّهم في جيش قويّ يُسَوّر ترابهم وأمن (مَرِن مع الدّاخِلِ الوَطَنيّ ، صارم صَلْد مع الخارج الأجنبيّ) يحمي ممتلكاتهم الفرديّة والجمعيّة، ناهيك عن حقّهم في بُنى تحتية سليمة وحديثة وبيئة نظيفة ..، وبالتالي فإنَّ دُوَلاً وطنيّة كهذه تَصُوغُ الوَعيَ الفَرْدي والجّمْعي في آفاق تقدّميّة إنسانيّة لن يجد الفسادُ له فيها مَرْتَعاً ولا العدوّ الخارجيّ إليها ثغرةً ، فهذا الانتظام الوطني المَدَنيّ سيلجمُ العَولَمَةَ الأمريكيّة ويُقَلِّمُ مَخالِبَها في الأقلّ.
إنَّنا باستعادةَ الوعي بِضرورةِ التّمَسُّكِ بالقانون والشرعيّة الدّوليّين اللذين يكفلان للشعوب حقوقها على مستوى العالم وبالدّولة الوطنيّة المدنيّة الحديثة التي تكفل للأفراد حقوقهم وترتكز إلى بناء المؤسّسات وسيادة القانون العادل وثقافة المُواطَنَة نستعيد درْع البشريّة في مُواجَهَةِ العَولَمَةِ الأمريكيّة التي تَقوم على الهَيْمَنَة وقانون الغاب وإشاعة الفوضى وخرافة صراع الحضارات ونهاية العالَم ، هذا الدرع الذي يساعدنا على أن نَضَع البشريّةَ مُجَدَّداً على سكّةِ السلام الشامِل، وعلى تجنيد الطّاقات الإنسانيّة عبْر الأجيال لإنقاذِ كَوكبِنا المُهْمَل مِن الكوارث المُحْدِقة بِهِ وبأجيال البشريّة المُتَعاقبة ، تلك الكوارث التي تَسَبَّبَتْ بها مَصانع أدوات القتْل الماديّ والرمزيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.