المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    هذه الدولة الافريقية تستبدل الفرنسية بالعربية كلغة رسمية    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    بنزرت: النيابة العمومية تستأنف قرار الافراج عن المتّهمين في قضية مصنع الفولاذ    فيديو : المجر سترفع في منح طلبة تونس من 200 إلى 250 منحة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    التونسيون يستهلكون 30 ألف طن من هذا المنتوج شهريا..    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    مليار دينار من المبادلات سنويا ...تونس تدعم علاقاتها التجارية مع كندا    رئيس الجمهورية يلتقي وزير الشؤون الخارجية والتجارة المجري    الرابطة الأولى: تعيينات مواجهات الجولة الثانية إيابا لمرحلة تفادي النزول    عاجل : تأجيل قضية رضا شرف الدين    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    بنزرت: طلبة كلية العلوم ينفّذون وقفة مساندة للشعب الفلسطيني    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    بعد النجاح الذي حققه في مطماطة: 3 دورات أخرى منتظرة لمهرجان الموسيقى الإلكترونية Fenix Sound سنة 2024    عاجل/ تعزيزات أمنية في حي النور بصفاقس بعد استيلاء مهاجرين أفارقة على أحد المباني..    وزير الخارجية الأميركي يصل للسعودية اليوم    نشرة متابعة: أمطار رعدية وغزيرة يوم الثلاثاء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    17 قتيلا و295 مصابا في ال 24 ساعة الماضية    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    كاتب فلسطيني أسير يفوز بجائزة 'بوكر'    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هادي دانيال يكتب لكم: الفوضى عبْر العالَم عنوان السياسة الخارجيّة الأمريكيّة الأبرز
نشر في الصريح يوم 15 - 10 - 2019

لَم تُغَيِّر الولاياتُ المتّحدةُ طبيعَتَها الإمبرياليّة المُنْدَفِعَة أبَداً إلى الهَيْمَنَةِ والنَّهْبِ والاحتِكار ، لكنّ الذي تَغَيَّرَ هُوَ الأسلوب الذي يَبْدُو للبَعْضِ أكثَرَ مُرُونَةٍ بينما هُوَ في نتائجِهِ وَتَداعياتِها أكثَرَ تَوَحُّشاً.
بَعْدَ انهيار الاتّحاد السّوفياتي وما كانَ يُسَمّى المعسكَر الاشتِراكي ، أعلنَت الولايات المتّحدة الأمريكيّة نَفْسَها شرطيَّ العالَم والقَطْبَ الأوْحَد للسّياسة الدّوليّة ، وفَرَضَتْ على مَدى عَقْدَيْن مَصالحَها الاقتصاديّة عبْر العالم بِقُوّةِ المارينز، مُجَمِّدَةً القانون والشرعيّة الدّوليَّين في ثلّاجَةِ الأمم المُتّحِدَة. وواكَبَ ذلكَ تسويقُ ثَقافَةٍ اقتِصاديّة وسياسيّة وحُقُوقيّة جديدة تَحْتَ عنوان "العَوْلَمَة" تستَهْدِفُ في الأساس تَفكيكَ الدّولةِ الوَطنيّة وإلغاء كُلّ ما يمتّ بِصِلَةٍ للسيادَةِ الوطنيّة سياسيّاً و جغراسياسيّاً وديموغرافيّاً واقتصاديّاً وماليّاً وثقافيّاً وتربويّاً وإعلاميّاً، وبالتالي مَحْو القضايا العادلة ذات البعْد الوطني تتصدّرها القضيّة الفلسطينيّة مِن أجندة السياسة الدوليّة الآن وَغداً.
ولئن كانت أفغانستان والعِراق أبْرَزَ ضَحايا الغَطْرَسَةِ الأمريكيّة وسياسة القطْب الواحِد اللتين احْتَلَّتهما تحت شِعارات تحرير شَعبيهما مِن قبْضَةِ الديكتاتوريّة فإنّها زَرَعَتْ الدّاءَ (التنظيمين الإرهابيين :القاعدة وطالبان) في الأولى ووصَفَت لها الاحتلال العسكري الأمريكي "دواءً؟" للقضاء المزعوم على داء الإرهاب ، وفي الثانية فبركَت الأكاذيب لاتهام العراق بامتلاك أسلحة دَمار شامل ثُمَّ اعترَفت بأنّها كانت تكذب ، بَعد خراب البصرَة ، والوصول إلى هَدَفِها : تدمير الدولة الوطنيّة ومؤسساتها وخاصّة المؤسسة العسكريّة العراقيّة. لكنّ الثّمَنَ الذي دَفَعَتْهُ واشنطن جرّاءَ احتلالها هذين البلدين كان باهِظاً ، فَلَجأت لاحِقاً وتحتَ العنوان الرئيس "العَولَمة" وما يتفرّع عنْه مِن تصدير الديمقراطيّة وصيانة حُقوق الإنسان والأقليّات العرْقيّة مِن الانتهاك (يُستَثْنى دائماً مِن ذلك حُلفاؤها كالكيان الصهيوني والكيانات الخليجيّة) ، إلى تدمير الدولة الوطنيّة في المَناطِقِ المُسْتَهْدَفَة ، وخاصّةً المنطِقة العَربيّة ، مُستَلْهِمَةً مِن تُراث الأخيرة الشِّعْري (أليسَ الشِّعْر ديوان العَرَب؟) شِعاراً صَدْرُهُ المُعْلَن "الشّعْبُ يُريدُ إسقاطَ النِّظام" وَعَجْزُهُ المُدْغَم "في الفوضى الخَلّاقةِ أمريكيّاً". وكانَ ولا يزال أبرَز أدوات تنفيذ هذا المشروع الأمريكي في المنطقة أولئكَ الذين خاضوا وَيخوضونَ حُروبَها : الإسلام السياسي، واليسار الانتهازي أو المُرتَدّ إلى ليبراليّة مُتَوَحِّشة. لكنّ الهَدَفَ المُزْدَوِجَ والثابت مِن المشروع الأمريكي بسيناريوهاته المتعددة و الذي لَم تُخْفِهِ الولاياتُ المتّحدة الأمريكيّة بإداراتِها المُتتالية مِن جورج بوش إلى دونالد ترامب هو : حِماية نَمَط الحياة اليوميّة للمُواطِن الأمريكي بثروات العرب الطبيعيّة وعائداتها الماليّة ، وحماية الأمن الاستراتيجي للكيان الصهيوني.
إنَّ تدميرَ الدّولة الوطنيّة بالفيروسات العرْقيّة والدينيّة الطائفيّة كانت وما فتئتْ سياسةً دَؤوبة لأمريكا وحلفائها الغربيّين وأدواتها في المنطقة ، حيث تَمَّ إغراقُ شُعُوب المنطقة (منطقة النفط والغاز والذهب والفوسفات وغيرها..)في فوضى دامية وخراب شامِل لأجْلِ " فَلَسطَنَتِها " ليس بالجانب الإيجابي للفلَسطَنَة (الصّمود والمُقاوَمة) بل بالجانب السّلبي (الاحتلال والتشرّد واللجوء عبْرَ دُوَل المنطقة وخارجها)، وليس صدْفَةً أن يكونَ ما عاناه ويعانيه السوريون واليمنيون والليبيون على أيْدي العَرَب والمسلمين أشدّ وحشيّة وفظاعةً مِنَ الذي عاناه ويعانيه الفلسطينيّون على أيْدي الصّهاينة مِن اليهود (تدمير المنازل والمؤسسات والبنى التحتيّة والموت ذبحاً بالسكاكين والخناجر وشَنقاً بالحبال والأسلاك الفولاذية ورمياً بالرصاص والصواريخ وقنابل الطائرات والمدافع ومَرَضاً بالأوبئة وجُوعاً وبَرْداً داخل حدود البلاد وَغَرَقاً في البحار قبل بلُوغِ المنافي... ) ، فوضى "الأخوَة الأعداء" مِن تعذيب وقتْل وتشريد تُزلزلُ أركانَ الدولة الوطنيّة العربيّة في مُحيط الكيان الصهيوني الذي يُقَدِّمُ نَفْسَه لِلغَرْب ويقدِّمُه الأخيرُ للعالَمِ نَموذجاً للاستقرار والازدهار والرُّقِيّ و" الديمقراطيّة " على أشلاء الشعب الفلسطيني ودولته العريقة والعتيدة في آن، والتي باتَ مُجَرَّدُ النُّطقِ باسمِها في محفَلٍ دوليٍّ إنجازاً . وباتت "إسرائيلُ" حليفاً للتركي ضدّ الكرديّ (خَطْف وتسليم القائد عبد الله أوجلان) ثمَّ حليفاً مزعوماً للكرديّ ضدَّ العربيّ في سوريا والعراق وللأمازيغي ضدّ العربي (في شمال أفريقيا)، وحليفاً للعربيّ ضدَّ الإيراني أو للسنّيّ ضدَّ الشّيعيّ في الكيانات الخليجيّة. وذلكَ مِن الثمار السّامّة لتوظيف دوائر الاستخبارات الصهيوأمريكيّة أسباب الحروب عبْر التاريخ كالصراعات الدينيّة والأوهام القوميّة لِزَجِّ الشعوب في صراعاتٍ قديمة- جديدة ونكْءِ جراحاتٍ قديمة كي تنزّ أحقاداً صدئة يجري استثمارُها بمَكْرٍ خبيث تحت شِعارات "الخلافة الإسلاميّة" و"الدولة القوميّة" القادمتين مِن كهوف الماضي الأقدَم والقديم بَعْدَ أنْ جَرى وَيَجري هَزُّ المجتمعات وتَفكيكُها كي تَصْطَرِعَ عشائريّاً وعرْقيّاً ودينيّاً وطائفيّاً .
وواشنطُن إذَنْ كي تُغرِق شُعوب المنطقة في فوضى الحروب والفقر والجهل المُنَظَّم تصنع الإرهاب وتزرعه في البلد المُسْتَهدَف كي تتدخَّل في الشؤون الداخليّة لهذا البلد بذريعةِ أنّها ستكافح الإرهاب ، وتخلق الأزمات الاقتصاديّة والاجتماعيّة في بلَدٍ آخَر كي تتدَخَّل في شؤونه الداخليّة بذريعة أنّها تمتلك الحلولَ السحريّة لتلك الأزمات ، وهي تَفعَل ذلك دائماً في سياق خدمة مصالحها وما أن تُستَنْفَد المصلحة تترك هذا البلد وذاك فريسة للإرهاب والأزمات المُتفاقمة ،وهي صانِعَةُ فِتَن وَنَهّازَة فرَص فما أن يلوحَ خلافٌ بينَ قوّتين حتى تنحاز إلى واحِدَةٍ منهما ثمّ تخذلها بتركها وحيدةً أو بالانتقال إلى خندق خصمِها إن كانت تجد لها مصلحة في ذلك ، فلا يَعرف التاريخ أنَّ واشنطن لم تخذل حليفاً على مستوى الدّوَل فما بالكُ على مستوى الأحزاب أو الميليشيات. و"إسرائيل" كانت ولا تزال الاستثناء الوحيد لأنّها في الأصْل وليدة مشروعٍ غربيّ ولأنّ الصهاينة وخاصّة آل روتشيلد يمسكون بعصَب الاقتصاد العالمي ناهيكَ عن شركاتهم التي تحتكر الصناعات العسكريّة ومؤسسات الإعلام والاتّصال والبنوك في الولايات المتحدة، وفي هذا السّياق نَقَلَ الرئيس "دونالد ترامب" السفارة الأمريكيّة إلى القدس، وَدَفَعَ المزيد مِن العواصم العربيّة إلى التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ وأعلن عن ما يُسمّى "صفقة القَرْن" في حين يفرض الأتاوات الضّخمة بمئات مليارات الدولارات على حكّام الخليج مُقابل حمايةِ عروشهم مِن أعداءٍ مَزعومين بينما في حقيقة الأمر لا يُهدّدها أحد غير واشنطن وتل أبيب.
ولكنّ هذه السياسة الأمريكيّة الخارجيّة لإشاعة الفوضى لا تقتصر على منطقتنا بل هي تشمل كوكبَ الأرض مِن فنزويلا إلى هونغ كونغ. ذلكَ أنَّ صُمودَ الدولة الوطنيّة السوريّة راكَمَ حَولَهُ ،وبُسرعة نسبيّاً، تَحالُفاتٍ إقليميّةً وَدَوليّةً جديدة ، أعادَت الاعتِبارَ للشرعيّةِ والقانون الدّوليَّين وأخْرَجَتْهُما مِن ثلّاجَةِ الأمم المُتّحدة بعددٍ غير مَسْبُوق مِن "الفيتوات" الروسيّة والصينيّة المُتَراكِمَة في وَجْهِ الولايات المتّحدة وحُلفائها لصالح الدولة الوطنيّة السوريّة خاصّة. وكان ذلكَ بمثابةِ التّجَلّي الناصِع لمشهَدٍ سياسيٍّ دَوليٍّ جديد بعدّة أقطاب ، الأمْر الذي حَدا بالولايات المُتّحدة بَعْدَ سنوات من الحرب على وفي سوريا إلى اعتِمادِ سيناريوهاتٍ جديدة تَتَوَخّى الوصولَ إلى الهدَف ذاته: تَوسيع رُقعة "الفوضى الخلّاقة" في العالَم لتُجاوِز المنطقة العربيّة إلى شرْق آسيا خاصّةً بَعْدَ أنْ وَجدَتْ نَفْسَها اقتِصادِيّاً مَلجُومَةً بالتنّين الصّيني وعسكريّاً مَلجُومة بالدّبّ الرّوسي الذي أيقَظَهُ الرئيس فلاديمير بوتين مِن سُباتِهِ المُؤقَّت.
ولا يدَّخِرُ الأمريكانَ مَجالاً إلّا واسْتَعْرَضوا فيه إرثَهم في الخروجِ على القانون منذ فترة "رُعاة البَقَر " و"صيّاديّ الجوائز" مرورا بِحَرْبِ الفيتنام في القرن الماضي وغَزْوِ فاحتِلال العِراق في العقد الأوّل مِن القرن الحالي وصولا إلى غَزْوِ سوريا جزئيّاً في العقدِ الثاني في خُروج صفيق مُتَواصِل على القانون والشرعيّة الدّوليّين، بل جَرّوا فوضاهُم وخروجَهم على القانون إلى نشاطات إنسانيّة تُعَلَّقُ عليها الآمال للتقريب بين الشّعوب التي رَفَعَت بينها السياسةُ جدرانَها ، كالرياضة تمثيلاً لا حَصْراً، فبالتوازي مع تحريض واشنطن الانفصالِيِّين على استمرار الاضطرابات العنيفة التي تشهدها شوارع هونغ كونغ في سياق شنّ حملات عدائيّة ضدّ بكّين التي تساند الحكومة الحالية في هونغ كونغ ، تسعى الدوائر الأمريكيّة بمساندة حليفاتها في الغَرْب خاصّةً إلى التشويش على فوز العاصمة الصينيّة بتنظيم الألعاب الأولمبيّة الشتويّة2022 بَعْدَ أن سَبَقَ لها تنظيم أولمبياد 2008الصّيفي...مُتّهِمَةً لا عِبيّ الصّين وروسيا بتناوُل مٌنشّطات مزعومة مُسْتَأنِفَةً حَمْلَةً سابِقة على لاعِبيّ كُرَة القدم الرّوس الذين اتُّهِموا بتناوُل مُنشّطات في المباراة الافتتاحيّة لكأس العالم2018في روسيا أمام الفريق السعودي ،وواقِع الحال أن اللاعبين الرّوس استنشقوا عَلانية مادّة النشادر المسموح بها مِن قِبَلِ الاتحاد الدولي لكرة القدَم(الفيفا) الذي رَفَضَ في الإبّان مزاعمَ وتخرُّصات وسائلِ إعلامٍ ألمانيّة وبريطانية بشأن تعاطي بعض لاعبي منتخب روسيا للمنشطات قائلا إنه لا يوجد أي دليل على تعاطي المنشطات بين لاعبي الدولة المضيفة لكأس العالَم (روسيا) و"لا يوجد دليلٌ كافٍ على انتهاك أي لاعب كرة قدم لقواعد مكافحة المنشطات".والمفارَقَة أنّ الإدارة الأمريكيّة تحاول اتّهام الآخَرين اعتباطاً بينما تغضّ النّظر عن تَوَرُّطِ لاعبيها في تناوُل المُنَشّطات على الرّغم مِن أنّ الوكالة الأمريكيّة لمكافحة المُنشِّطات اعترفَت مراراً بذلك وكان آخِر هذه الاعترافات يَتعلَّق بالسبّاح الأمريكي "كونور دواير " بَطَل الأولمبياد مرَّتين الذي تمّ إيقافه20شَهراً بدأت في 21ديسمبر المنصَرِم بسبب اكتشاف مادّة مَحظورة في عيّناته، لكنّ الأمريكان بصفاقتهِم المَعهودة يقيسون العالَم على أنفُسِهِم وَيتّهمون الآخَرين بما فيهم هُم على المستوى الأخلاقي وَالاستهتار بالقانون في المجالات كافّة وفي كُلِّ مكانٍ وَزَمان.
ولكن هَل الفوضى الخلّاقة أمريكيّاً الخنّاقة إنسانيّاً باتت قَدَرنا مثلها مثل كُلّ ما دأبَتْ إرادة الإدارات الأمريكيّة على فَرْضهِ عَبْرَ العالَم كأمْرٍ واقِع؟. بالطّبْع لا . فَتمثيلاً لا حَصْراً للإرادة الأمريكيّة المُتَغَطرسَة ذكرياتٌ مع الإرادة السوريّة يتمنّى البنتاغون لو يمسحها مِن تاريخ المارينز ، كما أنّ استسلامَ واشنطن إزاء إسقاط الطائرة الأمريكيّة في المجال الجويّ الإيراني مثال أقرَب على بُطلان عُلْويّة إرادة واشنطن. فالنّار الأمريكيّة ليس بِمَقْدُورِها إضرام كُلّ هذه الحَرائق في منطقتنا لَو أنَّ وَعْيَ الشُّعُوب والمُجتَمَعاتِ المُسْتهدَفَة تَخَفَّفَ مِن هذا القَشّ اليابِس الذي ينوءُ بِهِ ويئنّ تَحْتَه كي لا نَقولُ يُحْتضَر. ولا يَخفى على عاقِل أَنَّ انتِظامَ البَشَريّة في دُوَلٍ وَطَنيّة تضْمَنُ حُقُوقَ مُواطِنِيها كأفراد في الحياة والغذاء والماء والدواء والكساء والسكن والتعليم والعَمَل والفنون والآداب والرياضة ، وتَضمَن حقّهم في حريّة التعبير والتفكير والتنظُّم وفي حُريّة الضمير وتطوير مجالات ثقافة الحياة والعلوم التّقنيّة التي تقيهم من تداعيات الكوارث الطبيعيّة وحقّهم في التوزيع العادل للثروة الوطنيّة والاستثمار الناجع في الثروة البشريّة وحقّهم في جيش قويّ يُسَوّر ترابهم وأمن (مَرِن مع الدّاخِلِ الوَطَنيّ ، صارم صَلْد مع الخارج الأجنبيّ) يحمي ممتلكاتهم الفرديّة والجمعيّة، ناهيك عن حقّهم في بُنى تحتية سليمة وحديثة وبيئة نظيفة ..، وبالتالي فإنَّ دُوَلاً وطنيّة كهذه تَصُوغُ الوَعيَ الفَرْدي والجّمْعي في آفاق تقدّميّة إنسانيّة لن يجد الفسادُ له فيها مَرْتَعاً ولا العدوّ الخارجيّ إليها ثغرةً ، فهذا الانتظام الوطني المَدَنيّ سيلجمُ العَولَمَةَ الأمريكيّة ويُقَلِّمُ مَخالِبَها في الأقلّ.
إنَّنا باستعادةَ الوعي بِضرورةِ التّمَسُّكِ بالقانون والشرعيّة الدّوليّين اللذين يكفلان للشعوب حقوقها على مستوى العالم وبالدّولة الوطنيّة المدنيّة الحديثة التي تكفل للأفراد حقوقهم وترتكز إلى بناء المؤسّسات وسيادة القانون العادل وثقافة المُواطَنَة نستعيد درْع البشريّة في مُواجَهَةِ العَولَمَةِ الأمريكيّة التي تَقوم على الهَيْمَنَة وقانون الغاب وإشاعة الفوضى وخرافة صراع الحضارات ونهاية العالَم ، هذا الدرع الذي يساعدنا على أن نَضَع البشريّةَ مُجَدَّداً على سكّةِ السلام الشامِل، وعلى تجنيد الطّاقات الإنسانيّة عبْر الأجيال لإنقاذِ كَوكبِنا المُهْمَل مِن الكوارث المُحْدِقة بِهِ وبأجيال البشريّة المُتَعاقبة ، تلك الكوارث التي تَسَبَّبَتْ بها مَصانع أدوات القتْل الماديّ والرمزيّ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.