1 - إذا قَفَزْنا عن حقيقةِ تَشابُه نشأة كلّ من الولايات المتّحدة الأمريكية والكيان الصهيوني المُسَمّى "دولة إسرائيل" ذلكَ أنّه كما أقيمَت الأولى على أنقاض أمة "الهنود الحُمر" التي أبيدَت وانتُزِعَتْ منها أرضُها بأيدي جماعات رعاة البقر والكوبوي واليانكي الإرهابية العنصريّة التي قدمَت مِن دول أوربا ، فإنّ الكيان الصهيونيّ أقيم على أنقاض الشعب الفلسطيني الذي انتُزِعَتْ منه أرضه بَعْدَ مُحاوَلَة إبادته الفاشلة على الرغم مما ارتُكِبَ ويُرتَكَبُ في حقه من مجازر يندى لها جبين الإنسانيّة منذ سبعة عقود بأيْدٍي عصابات إرهابية عنصرية صهيونيّة قدمت من دول أوربا أيضا ، وبأموال وأسلحةٍ غربيّة وأمريكيّة خاصّة ، وتواطؤ عربيّ إسلاميّ. إذا قفَزنا على ذلك ، لابدّ مِن التذكير أيضا بحقيقةِ أنَّ الولاياتالمتحدةالأمريكية وإلى جانبها الكيان الصهيونيّ بأدواتهما الإرهابية كالبنتاغون ووحدات الجيش الصهيوني وكالسي آي إي والموساد لم تتوقَّف عن خوض الحروب والعمليات الإرهابية في شرق آسيا (الفيتنام وكمبوديا وغيرهما) وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بشنّ الحروب الغازية وارتكاب المجازر والإغتيالات وصولا إلى أفغانستانوالعراق وليبيا وسوريا وأوكرانيا. ولذلك فإنّ هذين الكيانين القائمين على اللَّقاطة الحضارية وسفك الدماء وإضرام الحرائق تديرهما دوائر رأسمالية عالمية متوحّشة بآليات تفكيروطرائق اتخاذ قرارات تصدر عن أيديولوجيا تُعادي بحقد وهَيجان انتِقاميّ القيمَ التي تُمَجِّد الإنسانَ على الأرض وخاصّة منظومة القيم الإنسانيّة التي تتمسّك بها أمم الحضارات العريقة (الصينية والروسية واليونانية والعراقية والسورية والمصرية...) وتَسْعى إلى مَسْخ هذه القيم بشعاراتٍ لاتزال واشنطن وتل أبيب والعواصم الحليفة لها أوّل مَن يتنكّر لهذه الشعارات عمليا ، أعني شعارات : الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، التي يُغَضّ الطَّرْف عن عدم وجود أثر لها في الدول العميلة للغرب كالسعودية وقطر وبقية الكيانات الخليجية ، ويُنْفَخ في بعض "الخروقات" التي تمسّ هذه الشعارات في دول خارج النفوذ الصهيو أمريكي ، وهي خروقات يوجد ما يُماثلها بل يضاهيها أحيانا في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة إياهما عينهما ناهيك عن فرنسا التي تحوّلت إلى دولة وظيفية تُباع قراراتها السيادية الخارجية والداخلية وتُشرى حتى مِن مَشيخة قطَر وكيان آل سعود بعد عراق صدّام وجماهيريّة القذّافي. 2 - وَقَد بَلَغَ ابْتِذالُ التلاعُب بمصائر البشريّة عند الحكومات الغربيّة وخاصّة الإدارة الأمريكيّة أنّه كلّما بَلَغَتْ شعبيّة رئيس أمريكيّ حضيضاً ما إلا وَحاوَلَ رَفْعَها عن هذا الحضيض بإضرامِ حريق في منطقة مُختارة مِن العالم وشَمَّرَ ذراعَيْه لإطفائه بل وأحياناً أبدى الكثيرَ مِن "التكرُّم" على بعض حكومات العالم بمشاركته في إطفاء هذا الحريق المُفتَعَل ولكن الذي يزهق غالباً أرواح مئات وآلاف وأحيانا مئات آلاف وملايين الأبرياء مِن الدوَل المُسْتَهْدَفَة . ولذلك فإنّ مِن دوافع خطاب باراك أوباما الداعي إلى حملة دولية ضدّ إرهاب "داعش" ابنة "القاعدة" وحفيدة المخابرات الأمريكيّة هو هبوط شعبيّة أوباما إلى أدنى من الحضيض الذي وصلته شعبيّة جورج بوش الإبن ، وبالتالي يراهن أوباما على أنّ هذه الحملة الأمريكية ضدّ الإرهاب الذي صنعته أمريكا أصلا قد يرفع من شعبيّته المتدنّية. وَمِن الدَّوافِع أيضاً خشية الدوائر الإمبريالية الصهيونية الإحتكاريّة صاحبة قرار الحرب والسلم في الولاياتالمتحدة وبالتالي في الغرب عموماً مِن انقلاب السحر على الساحر في العراقوسوريا والمنطقة المحيطة بهما إذا ما أفضت حرب "داعش" المفتوحة إلى اندحار "داعش" وسقوط الحقول النفطية كافة في المنطقة بقبضة إيران وحلفائها الإقليميين والدوليين. ولذا فإنَّ الحربَ المَزعومة على الإرهاب التي تدعو إليها واشنطن ضدّ صنيعتها "داعش" تقتصر على أطراف معروفة سابقا ولاحقا وحتى هذه اللحظة بتورّطها في ممارسة الإرهاب ودعمه كدول الخليج وتركيا وفرنسا ضدّ دول مستقلّة ذات سيادة كسوريا ولبنان وكالعراق وليبيا سابقا وغيرها ، وفي الوقت نفسه استبعاد الدول المعروفة تاريخيا أيضا بمقاومة الإرهاب الذي كان ولازال يستهدفها كسوريا وروسيا وإيران . وَمِن المُفارَقات هُنا أنّ واشنطن تُنسِّق مع الحكومة العراقية في التصدّي ل"داعش" لكون هذه الحكومة ترثُ حكومات نجَمتْ عن الاحتلال الأمريكيّ للعراق (بعد أن عاقبت نوري المالكي بسبب مواقفه المساندة علنا للقيادة السورية)، لكنّها ترفض التنسيق مع الحكومة السورية في التصدّي ل"داعش" ذاتها لأنّ حكومة دمشق تقاوم الاحتلال الصهيوأمريكي للمنطقة الذي ليست "داعش" وما يُسمّى "المعارضة السورية المسلّحة المعتدلة" إلا الأدوات البديلة لهذا الاحتلال بَعْدَ أن دحرته المقاومة الوطنية في العراق ولبنان بدعم مباشر من سوريا رئيسا وقيادة وجيشا وشعبا. 3 - كلا ، لا تخوضُ الولاياتالمتحدة وأتباعها حَرباً على الإرهاب ، بَلْ هي جَعلتْ مِن "داعش" حصان طروادَة الذي مِن خلالِهِ تُسَوِّغُ لِنَفْسِها تَدَخُّلاً في سوريا وعدواناً على سيادتها ، وفي الوقتِ نفسه تسليح عملائها الذين تسمّيهم "معارضة مسلّحة معتدلة !" بأحدث الأسلحة وأشدّها فتكاً وتمكينهم مِن مَسْك المواقع التي سيتمّ إخلاؤها من قوات "داعش" كي لا نبالغ ونقول "طرْد" تلك القوات واستبدالها بجماعات إرهابية لا تقلّ في معتقداتها التكفيرية وسلوكها تَوَحُّشاً شَرساً عن "داعش"، وذلك كلّه في سياق وَهْمٍ صهيو أمريكي تركي خليجي بإمكانيّة إسقاط الرئيس بشار الأسد وفْقَ هذا السيناريو الذي كان يراهن على تحييد طهران وبالتالي توجيه "ضربة قاضية" إلى الرئيس بوتين في الحلبة السورية بعد أن انتصر عليهم الرئيس الروسي بالنقاط في الحلبة الأوكرانية . 4 - هذا بَعْضُ مكْر واشنطن وأتباعها ، إلا أنّ لِدمشق عاصمة البشريّة الأعْرَق وحليفاتها العريقات حضارة ونزوعا إلى تحقيق العدالة الإنسانية تدبيرا مُختَلِفا ، بغضّ النّظر عن مواقف الدول التي تُسَمّى عربيّة وإسلاميّة لكنّ حكوماتها تأتمِر بأوامر الأرواح السوداء التي تسكن البيت الأبيض.