خلال نزوله ضيفا في برنامج " 24/7 " الذي تقدمه الاعلامية مريم بالقاضي مؤخرا على قناة الحوار التونسي كان المفكر يوسف الصديق وفيا كعادته للتهجم على حركة النهضة ووفيا كذلك بتوجه سهام نقده المعتادة إلى الإسلام السياسي معتبرا أن كل تياراته لا تؤمن بالانتماء إلى الوطن القطري وإنما كل انتمائها هو للأمة الإسلامية الوطن الكبير وقال بأن المسلم الماليزي هو في نظر الإسلاميين أقرب من المواطن التونسي الذي لا ينتمي للإسلام السياسي وزاد بأن نفي أن يوجد في منظومة الاسلام السياسي منطقة اعتدال واحدة وإنما كل الحركات الإسلامية هي على نهج واحد وخط واحد وإن اختلفت تسمياتها وتنوعت . وفي علاقة بقراءته للواقع السياسي الجديد بعد انتخاب الأستاذ قيس سعيد رئيسا للبلاد صرح يوسف الصديق بأنه لا يعرف جيدا الرئيس الجديد وبأنه قد التقى به مرتين فقط على وجه الصدفة أثناء اجراء محاضرة مشتركة معه في إحدى الندوات الفكرية التي أقيمت بعد الثورة وأعاد مرة أخرى ما كان قد صرح به منذ فترة في ندوة نظمتها جمعية النساء الديمقراطيات حول المساواة في الميراث بحضور الأخوين عياض وسناء بن عاشور بخصوص تصدر رجال القانون المشهد السياسي و وانفرادهم بهندسة الانتقال الديمقراطي ورسم معالم مرحلة ما بعد الاستبداد وتكريس الديمقراطية وقد خلف وقتها موقف يوسف الصديق استياء كبيرا من طرف منظمي الندوة حيث اعتبر يوسف الصديق أن الحقوقي ورجل القانون لا يمكن له أن يصنع مستقبلا سياسيا للبلاد و هو غير مؤهل لوضع تصورات للحكم الصالح المنشود فرجل القانون حسب الصديق همه البحث عما يحصل اليوم ويبحث في الإجابة عن أسئلة الحاضر بالعودة إلى القانون الموجود عنده وإذا لم يجد النص ليطبقه على الوضعية التي أمامه عندها يلجأ إلى فقه القضاء والفقه المقارن ليستأنس بهما وهذا يعني أن الحقوقي لا يمكن له أن يتخيل المستقبل ولا يمكن أن يبني المستقبل لأنه لا يملك الخيال والتصور وإنما هو مقيد بالنصوص وفقه القضاء المقارن في حين علينا أن ننتبه إلى أن الفيلسوف هو وحده من يصنع التاريخ والمستقبل وأن الفيلسوف هو من وضع الأساس لقانون المستقبل وانظروا في كتاب التاريخ فسوف تجدون أن كل من روسو ومونتسكيو وجون لوك وفلاسفة الاغريق واليونان وفلاسفة عصر الأنوار وغيرهم هم من وضعوا أسس المستقبل. ويوسف الصديق بهذه النظرة عن مكانة ودور رجال القانون ومساهمتهم في صياغة مشهد ديمقراطي لتونس ما بعد الاستبداد إنما يستعيد من جديد معركته القديمة مع آل عاشور الذين يتهمهم بأنهم هم سبب كل الفشل السياسي الذي عرفته البلاد بوضعهم جملة من الخيارات القانونية اتضح أنها كبلت الحياة السياسية وأرهقت الشعب و الدولة وعلى رأس هذه الخيارات السيئة القانون الانتخابي الذي وضعته هيئة عياض بن عاشور الذي يقوم على الانتخاب على القائمات مع اعتماد أكبر البقايا. ويواصل يوسف الصديق قراءته للمشهد السياسي الجديد بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية بأن اعتبر أنه بمجيء قيس سعيد إلى قصر قرطاج فإن مرحلة تاريخية كاملة بصدد الاختفاء وأن مرحلة جديدة بصدد التشكل فمع قيس سعيد رئيسا فإن البلاد قد انتقلت من سلطة الأب الأكبر إلى سلطة الأخ الأكبر في إشارة إلى أفول كل ما يذكر بعهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي كان يمثل في مخيال الكثير من التونسيين الأب الأكبر وبفوز قيس سعيد وما يرمز له من دعوة إلى التأسيس الجديد واستعادة السيادة الوطنية التي يقول عنها البعض بأن دولة الاستقلال قد فرطت فيها وأصبحت مع حكومات ما بعد الاستقلال مهدورة فإن مرحلة تاريخية كاملة عرفت بالبورقيبية والفكر البورقيبي قد طويت وأصبحت ضمن صفحات كتاب التاريخ الكبير لتونس وهذا ما يفسر حسب الصديق كل البرود الكبير الذي ظهر هذه المرة في عدم الاحتفاء بذكرى عيد الجلاء التي مرت بنا من دون اهتمام يذكر وتحولت مع غيرها من الأعياد الوطنية إلى أيام عطل لا غير . وأنهى يوسف الصديق حديثه بأن وجه لوما إلى مريم بلقاضي ونقدا مباشرا إلى قماة الحوار التونسي ناسبا اليهما افتعال ضوضاء لا طائل منها ومبالغ فيها في معاداة الرئيس قيس سعيد وأنهما بهذا التصرف قد ساهما في زيادة شعبية قيس سعيد فكلما تم الامعان في السخرية منه وتشويهه إلا وزادت شعبيته عند الناس وقد كان واضحا أن القناة كانت منحازة ومنتصرة لنبيل القروي وهذا ليس عيبا ولكنه تصرف قد ساهم في جعل قيس سعيد يفوز في الانتخابات لأن المعاداة المبالغ فيها لم تقنع الناس وقد ساهمت في الزيادة من الرصيد الشعبي للرئيس الجديد. والخطير في كلام يوسف الصديق هو قوله بأن الشرعية التي منحت لقيس سعيد في هذه الانتخابات يمكن أن تسحب منه متى فشل ولم يقدم أداء جيدا أو اتضح أنه لم يكن في مستوى ثقة من انتخبه وذلك من خلال النزول إلى الشارع والمطالبة برحيله كما حصل في اعتصام الرحيل لما خرج التونسيون مطالبين بتنحي حكومة الترويكا عن الحكم وإجبارها عن التخلي عن مهامها من دون الرجوع إلى صناديق الاقتراع و بهذا الكلام فإن يوسف الصديق يشرع إلى الخروج عن القواعد الدستورية التي التزم بها الشعب التونسي في دستور 2014 حينما اتفق التونسيون على أن لا يقع تجاوز الآليات الديمقراطية وأن الحكم والفيصل بين جميع الفرقاء السياسيين هو الدستور والصندوق الانتخابي وغير ذلك هو العودة إلى منطق الاستبداد والغلبة والاستقواء بشرعية الشارع.