صرّح اليوم رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد أن نضع على سلّم أولوياتنا القضايا العاجلة وتنفيذ الإصلاحات الضروريّة وتحسين الأوضاع الاجتماعيّة مضيفا خلال انطلاق الفعلي لبرنامج دعم الاستثمار لفائدة المؤسّسات الصغرى والمتوسّطة أنّ تشكيل الحكومة يحتاج إلى مقاربات عقلانيّة وواقعيّة تستند إلى أرقام ومؤشّرات وتواصل مسار الإصلاح.... لو عرضنا هذه التوصيات الصادرة عن يوسف الشاهد على أي صحفي أجنبي لا يعرف مسؤوليّة يوسف الشاهد لقال هذا الرجل يستعدّ لترؤّس حكومة وما صرّح به هي الخطوط العريضة لبرنامج حكمه أمّا إذا عرف أنّ واضع هذا البرنامج هو رئيس حكومة متخلّي قد حكم مدّة ثلاث سنوات فسيقول هل طبّق هو هذه النصائح وخاصة المقاربة العقلانيّة لتشكيل الحكومة ؟ وهل وضع القضايا العاجلة على سلّم أولوياته؟وهل شرعتْ حكومته في الإصلاحات حتّى يطالب الحكومة المقبلة لمواصلتها؟ والجواب المتّفق عليه اليوم هو أنّ يوسف الشاهد كان بعيدا عن هذه الأهداف بل هو أوْغَل في المحاصصة بدون مقاربة واقعيّة وأنّ الشاهد لم يضع الخطوط العريضة للإصلاح ولم يبدأ فيه حتّى يطلب المواصلة ولم يضع القضايا العاجلة على سلّم أولوياته . فمن أين أتي بهذه الاستفاقة وهذا الوعي بمتطلّبات الحكم ولماذا تفتّق ذهنه على هذا البرنامج ولم ينتبه لأهمّيته طوال ثلاث سنوات من حكمه؟" هذه التوصيات الصادرة عن رئس حكومة هو في حكم الراحل رغم تحرّكاته الأخيرة والمتمثّلة خاصة في تقرّبه من الرئيس المنتخب طمعا في التوافق بينه وبين النهضة على إعادة الشاهد لرئاسة الحكومة وهذا يعتبر من مستحيل حتّى إن لم ترفضه النهضة لأنّ الأحزاب التي قد تتوافق مع النهضة لتكوين الحكومة ستضع خطوطا حمراء تحت اسم يوسف الشاهد ونحن نعرف أسباب رفض الشاهد إذ يعتبرونه المسؤول الأساسي على ما آلت إليه أوضاعنا الاقتصاديّة والماليّة ومدى تفاقمها في السنوات الثلاث التي كان فيه المسؤول الأوّل على سياسة الحكومة كما ينصّ على ذلك الدستور الذي أعطاه كلّ الصلاحيات . كما أنّ هنالك شقّ آخر يرفض أن يتولّى الشاهد هذه المهمّة باعتبار أنّه بالنسبة له فإنّ الشاهد الذي لم يكن يذكر وليس له وزن سياسي قد "خان" المرحوم الباجي الذي نصّبه في تلك المسؤوليّة ولا يمكن أن يؤتمن من جديد على مصير البلاد. ما صدر على رئيس الحكومة هذه الأيام من نصح و إبداء للرأي حول عمل الحكومة مستقبلا ذكّرني بطرفة من صميم واقعنا التونسي وهي أنّ أحد الآباء عندما شعر بدنوّ أجله استدعى أبناءه الثلاثة وقال لهم محمّد يَرِثُ وعلى يَرِثُ وأحمد لا يَرِثُ فقال له أحمد" وَدِّعْ أنْتَ" وسوف أتفاهم مع إخوتي. فما قام به الأبّ هو دليل على حرصه وتشبّثه بالدنيا وما كسب منها ولا يريد مغادرتها إلّا بعد أن يوزّعها بحرمان من لا يحبّه أو من له معه السوابق وحتّى قرب منيّته لم يجعله يتعفّف وينسى الماضي و يعدل بين أبنائه فهو يتدخّل في أمور لها قواعدها إذ تقسيم الميراث له أحكامه التي ستطبّق بعد وفاته. هذا ما على الشاهد معرفته فالوضع بعد مغادرته سيكون غير الوضع الذي كان عليه عند ترؤسه للحكومة فتركيبة مجلس النوّاب تغيّرت والتوجّهات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وخاصة السياسيّة لا علاقة لها بما كان بعد انتخابات 2014 التي أتت بالشاهد للحكم فعلى الشاهد أن يطمئنّ على الدولة وسير العمل بعده خاصة وأنّ تسيّره للحكومة كان مهزوزا و لم يكن في المستوى المطلوب والذي هو في تقدير الكثيرين- من المدعوين لتكوين الحكومة المقبلة- كارثيّا ويحمّلونه مسؤوليّة انهيار كلّ مقوّمات الاقتصاد التونسي.إنّ نصائح الشاهد في هذا الوقت بالذات لا تخلو من هدفيه إمّا أنّه ما زال يطمع في ترؤّس الحكومة فأراد أن يوجز برنامجه الإصلاحي في هذا التصريح لكي لا يتناساه المتفاوضين على تشكيل الحكومة بعد تقرّبه الواضح من الرئيس أو أنّه يجهل أو يتجاهل حصيلة حكمه التي أغرقت البلاد. ولعلّ الردّ المنطقي على نصائحك هذه هو لماذا -يا سي يوسف- فرطْتَ في ثلاث سنوات من الحكم ولم تنجز ما تنصح به الآن خَلَفَك ؟وهل تساءلتَ كيف لك أن تكون ناصحا وأنت لم تكن ناجحا في مهامك؟ ألا ترى حالتك ينطبق عليها مثلنا الشعبي البليغ":لو كان فَالِحْ رَاهُو جَا مِنْ البَارِحْ"