قضية استعجالية لوقف الانتاج ببعض وحدات المجمع الكيميائي التونسي بقابس..#خبر_عاجل    عاجل/ بشرى سارة بخصوص صابة زيت الزيتون لهذا العام..    عاجل/ قوات الاحتلال تداهم منازل أسرى مفرج عنهم..ماذا يحصل..؟    الصين تتخذ هذا الاجراء ضد السفن الأمريكية..#خبر_عاجل    عاجل/ اول رد رسمي من حماس على بند نزع السلاح..    الكاف: يوم تنشيطي بدار الثقافة بالقصور بمناسبة الاحتفال بالذكرى 62 لعيد الجلاء    هام/ 4 طرق لتعزيز قوة العقل والوقاية من الزهايمر..تعرف عليها..    تصفيات مونديال 2026 : هدف فولتماده الدولي الأول يقود ألمانيا للفوز على أيرلندا الشمالية    بطولة اولبيا الايطالية للتنس: معز الشرقي يودع المنافسات منذ الدور الاول    فاجعة صادمة: طفلة التسع سنوات تنتحر وتترك رسالة مؤثرة..!    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض الجهات والحرارة بين 24 و32 درجة    اقتصاد التقنية العالمي يدشّن «جيتكس أي آي صربيا» مع تسارع طموحات التقنية والذكاء الاصطناعي في جنوب شرق أوروبا    حركة "جيل زد" تدعو لاستئناف احتجاجاتها في المغرب    ريم الثابتي من قابس: "نطالب فقط بحقنا في هواء نقي.. واحتجاجاتنا سلمية ولن نسمح بالركوب عليها"    الرأس الأخضر تفوز على إسواتيني وتصعد لاول مرة في تاريخها الى كأس العالم 2026    عبدالله العبيدي: قمة شرم الشيخ كرّست ميزان القوّة الأمريكي... وغياب القرار العربي كان صارخًا    رئيس مدغشقر: تعرضت لمحاولة اغتيال وأتواجد حاليا في مكان آمن    صحبي بكار: رئيس سابق للنادي الافريقي يقود عصابة تتامر في أحد مقاهي لافيات للاطاحة بمحسن الطرابلسي    وزارة التربية تصدر روزنامة المراقبة المستمرة للسنة الدراسية 2025-2026    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار غزيرة بالشمال والوسط ورياح قوية    صحيفة ألمانية: قادة أوروبا اكتفوا بالمشاهدة في قمة شرم الشيخ بينما يدير ترامب وحلفاؤه المشهد    ترامب يروّج لكتاب ميلوني    سرقة "زهرة الجثة" النادرة من حديقة نباتات في ألمانيا    تحت ضغط المحتجين.. رئيس مدغشقر يفر من البلاد دون الكشف وِجْهَتِهِ    سوريا.. وفاة الملحن عثمان حناوي شقيق الفنانة القديرة ميادة    وزارة التربية : الكشف عن روزنامة المراقبة المستمرة بالإعداديات والمعاهد    عاجل/ قرضان من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار لفائدة بنوك تونسية (تفاصيل)    المهدية: منتدى العلاّمة الشيخ محمد المختار السلاّمي في نسخته الأولى ...الماليّة الإسلاميّة.. في عصر التكنولوجيا الرقميّة    بعد انتخاب هيئة جديدة والاستعداد لدورة جديدة .. هل يكون موسم الإقلاع لمهرجان الزيتونة بالقلعة الكبرى؟    ضمت مجموعته الكاميرون.. منتخب الرأس الأخضر يترشح للمونديال للمرة الأولى في تاريخه    تنصيب المديرة العامة الجديدة للصيدلية المركزية    عاجل: برنامج جديد يسهل التصدير للمؤسسات الصغرى والمتوسطة.. تعرفوا عليه    الصحة العالمية تحذّر من"بكتيريا قاتلة" تنتشر بشكل واسع.. #خبر_عاجل    عرض فني بعنوان "أحبك ياوطني" بالمعهد العمومي للموسيقى والرقص ببنزرت    مشاركة تونسية هامة ضمن فعاليات الدورة 46 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    40 استاذا وباحثا يشاركون في ندوة علمية حول الخصائص التاريخية والجغرافية والتراثية والاجتماعية لمدينة المكنين    مهرجان الرمان بتستور يعود في دورته التاسعة..وهذا هو التاريخ    سيدي بوزيد: ارتفاع تقديرات صابة الزيتون إلى 500 ألف طن    أداء إيجابي لقطاع الجلود والأحذية في تونس سنة 2024    عاجل: مدرب لاعبي حاجب العيون خلاهم يمشيو 10 كلم بعد الهزيمة...و العقاب صادم    اطلاق حملة وطنية تحسيسية لتعزيز الوعي بمخاطر التبغ تحت شعار 'رياضة بلا تدخين'    عاجل/ قد يسبب الأمراض السرطانية: تحذير من هذا المنتوج الذي يأكله اغلب التونسيين..    العثور على جثة المرأة التي جرفتها السيول في بوسالم    عجز تونس التجاري يتعمّق إلى 16،728 مليار دينار موفى سبتمبر 2025    تبرئة الوزير الأسبق للبيئة رياض المؤخر    عاجل/ السجن 10 سنوات لفتاتين تخصصتا في ترويج المخدرات بالملاهي الليلية    عاجل: وزارة الفلاحة: منحة البحارة المتضرّرين من التّنّ الأحمر مستحيلة التطبيق حالياً    اليوم: أمطار ضعيفة ومتفرقة في البلايص هذه..شوف وين    سيدي بوزيد: وفاة 3 أشخاص في اصطدام بين سيارتين ودراجة نارية    عاجل: هدوء حذر في قابس بعد موجة الاحتجاجات...والأهالي ينتظرون تحرّك الدولة    اليوم نسور قرطاج في موعد جديد: تونس تواجه ناميبيا وهذه التشكيلة المحتملة    عاجل: عودة البطولة التونسية في هذا الموعد..ماتشوات قوية تستنا    مواعيد مباريات اليوم الاثنين 13 أكتوبر والقنوات الناقلة    أولا وأخيرا .. البحث عن مزرعة للحياة    الزواج بلاش ولي أمر.. باطل أو صحيح؟ فتوى من الأزهر تكشف السّر    وقت سورة الكهف المثالي يوم الجمعة.. تعرف عليه وتضاعف الأجر!    يوم الجمعة وبركة الدعاء: أفضل الأوقات للاستجابة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنجي الكعبي يكتب لكم : الثقافي اللامع والصحافي البارع الأستاذ محمد الصالح المهيدي..خمسون عاماً بعد وفاته
نشر في الصريح يوم 05 - 11 - 2019

من أعلامنا التونسيين المبرزين الثقافي اللامع والصحافي القدير الأستاذ محمد الصالح المهيدي، النفطي ولادة وأصالة، والزيتوني نشأة وتكويناً. فهو من رجالاتنا الأحرار في الستين عاماً الأولى من القرن الماضي، المعاصرين لأبي القاسم الشابي والطاهر الحداد وأمثالهما من أفذاذ الكتاب والشعراء، زعماء النضال الوطني والإصلاح الاجتماعي والتجديد في الأدب والفن والثقافة والصحافة.
خلف المرحوم المهيدي تراثاً مكتوباً منشوراً في الصحافة والمجلات يملأ عشرات الكتب، وتدين له مكتبتنا الوطنية بكتابين فقط نشرا له في أواخر حياته وهما:
- تاريخ الصحافة العربية وتطورها بالبلاد التونسية، المطبعة الرسمية، تونس 1965، 29 ص.
- تاريخ الطباعة والنشر بتونس، معهد علي باش حامبة، تونس 1965، 32 ص.
ونُشر له في أول شبابه:
-لائحة إصلاح التعليم بالجامع الأعظم، مطبعة الاتحاد، 62 ص، تونس 1929.
ومن أشهر ما نشر له في المجلات: خمس وأربعون سنة من الكفاح الثقافي: زين العابدين السنوسي. مجلة الإذاعة التونسية، عدد 148، سنة 1965.
وننوه الى دراسات وبحوث نشرها عنه كل من أصدقائنا الدكتور محمد حمدان والدكتور أحمد الطويلي والأستاذ أنس الشابي.
وربما من غير المعروف أن المهيدي كان أول ثلاثة تداولوا على منبر الجمعية الخلدونية لألقاء محاضرات تركت أثراً كبيراً وصدى واسعاً في صحافة ذلك الوقت وجدلاً حاداً بين المحافظين والمجددين، تلاه أبو القاسم الشابي بمحاضرته المعروفة أكثر، وهي الخيال الشعري عند العرب، أما محاضرة المهيدي فكانت عن امرئ القيس الشاعر الجاهلي المعروف، الذي عدّه االمهيدي شخصية خيالية أكثر من كونه له وجود حقيقي. والمحاضرة الثالثة كانت للأب يوسف سلاّم (المسلم المصري الذي دخل المسيحية وترهب وأصبح من الآباء البيض في تونس) وكانت محاضرته عن طريقة ديكارت ومدى أخْذ طه حسين بها في كتابه "في الأدب الجاهلي". وجميع هذه المحاضرات كانت قريبة من سياق التجديد الذي كان سائداً في دراسة الأدب العربي تحت تأثير الرومانسية من ناحية وتحت تأثير الاستشراق من ناحية ثانية وبحوث رواده الأوائل الذين أثاروا الشك المطلق في الروايات العربية القديمة طعناً في القرآن الكريم وكل ما هو قريب من عصره في اللغة والأدب، وإن كانت منطلقات بعض الباحثين العرب تستثني نفسها من التأثر بالدراسات الاستشراقية المغرضة، ولا تكاد تنفي تأثرها بالأدب المقارن والثقافة المقارنة السائدة مع الاستعمار الغربي في بلدانهم.
وللأسف نفتقد محاضرة المهيدي هذه، للحديث بدقة عن تأثرها بما نشره طه حسين في كتابه في الشعر الجاهلي، الذي تردد صداه في تونس في تلك الفترة، مثله مثل كتاب علي عبد الرازق عن أصول الحكم في الإسلام، أو الإسلام وأصول الحكم كما عنونه.
وللمهيدي من ناحية أخرى ترجمات لكثير من الشخصيات الفكرية والأدبية ورواد الإصلاح في تونس، التي لولا اهتمامه بالترجمة لها بمناسبة أو أخرى كالوفاة لافتقدنا قدراً من التفاصيل الهامة في حياتها نراه هو قد أولاها عناية، لدلالتها العميقة على توجهات ومواقف أصحابها ومدى ما قدّموه من تضحيات أو دوّنوه من رسائل ومؤلفات، أو تركوه من أعمال مخطوطة لم تر النور في حياتهم لأسباب قاهرة أو نحوها.
ومما وقفنا عليه من ترجماته ما كتبه في جريدة الصباح في اليوم الموالي لوفاة صديقه الكاتب والناقد الشيخ عثمان بن منصور المربي التونسي الفاضل.
فهذه الشخصية قل منا من يعرف عنها حين ألمح اليها عرَضاً الشيخ محمد المختار السلامي، في ردّه على مقالنا الذي نقدنا فيه تفسيره الذي أصدره قبل أربعة أعوام الآن، حيث شبهَنا الشيخ السلامي في نقدنا إياه بمن وصفه دون أن يسميه بأحد الموثقين العدول، بين ظفرين لكلمة العدول، وسمى فقط كتابه، بل ألغز اليه بعنوان قريب هو نقد مقدمات تفسير الشيخ ابن عاشور، وبين أن هذا الشخص ذهب وذهب كتابه في الغابرين وبقي تفسير الشيخ ابن عاشور شامخاً يتحدى الزمن!
ففزعنا الى فهارس الكتب في تلك الفترة، وإذا بنا نعثر على نسخة يتيمة منه في مكتبة المرحوم حسن حسني عبد الوهاب، بإهداء بخط المؤلف اليه. وإذا اسمه عثمان بن منصور واسم كتابه بدقة "البشر بنقد المقدمات العشر أو قبسة نور في الرد على الأستاذ ابن عاشور".
وعجبنا أن نجد كل الدراسات عن تفسير الشيخ ابن عاشور تخلو من كل إشارة الى هذه الرسالة في نقد مقدمات الشيخ ابن عاشور. بل واكتشفنا أن علاّمة التحرير والتنوير نفسه لا يشير أدنى إشارة في تفسيره الذي نشره كاملاً فيما بعد عشرين عاماً تقريباً الى هذه الرسالة التي كتبتْ يومها في نقد مقدماته تلك، التي نشرها تلميذه نور الدين بوكراع في أوائل الخمسينيات لأول مرة، وتولاها بالنقد إثر صدورها الشيخ عثمان بن منصور، تلميذه أيضاً، رغم أننا بالمقابلة والمقارنة وجدنا أن الشيخ الأستاذ قد استفاد منها في مواضع كثيرة. ولذلك إنصافاً للرجل وإحياء لهذه الرسالة النقدية الهامة نشرناها مصحوبة بدراسة في كتاب بعنوان "مقدمات الشيخ الطاهر ابن عاشور بنقد الشيخ عثمان بن منصور"(تونس 2017) وبينا فيه بكل تفصيل ودقة ما أخذه الأستاذ من تلميذه لإدخال تنقيحات وتصحيحات تقدم له بها في هذا الكتاب، الذي يكاد يندثر كل ذكر له لولا تمثّل الشيخ السلامي به لقراءة مآل نقدي له.
ورأينا في تعديد المهيدي لمؤلفات الشيخ ابن منصور لهذا الكتاب، في قوله:«وطبع من مؤلفاته كتاب "البشر في نقد المقدمات العشر" وهي رسالة علق بها على الرسالة التي نشرها العلامة الجليل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المتضمنة مقدمات تفسيره للقرآن الكريم»، وأضاف المهيدي: «أنفق على هذه الرسالة ما استرده من صندوق الإحالة على الراحة». وسبق للمهيدي أن ذَكر قبل ذلك عن الراحل أنه «لما أحيل على الراحة قبل الاستقلال انكب على المراجعة والتأليف».
ونستشف من هذا تقدير المهيدي لصديقه ابن منصور ووفاءه له، وخاصة إجلاله للعمل الذي علّق به على مقدمات أستاذه ابن عاشور، منعاً لتحريف بعض المفاهيم والمواقف الدينية والاجتماعية التي تصب في خانة خدمة الاستعمار، ولو عن غير قصد أو تفكير، أو تهدف الى تحريف بعض المبادئ بما يجعلها تتناقض مع الدين القويم والأعراف والقيم الاجتماعية التي تقوم عليها الحضارة العربية الاسلامية، وفي مقدمتها عدم الولاء لغير الله ورسوله.
فكأني بالشيخ المهيدي يناصر الشيخ عثمان بن منصور في مفاهيمه الاجتماعية والدينية والسياسية التي يعبر عنها في رسالته دفاعاً بوجه بعض الخصوم والأتباع المضللة أفكارهم بتأثير الاستعمار وأفكاره الغربية، حتى أن بعضهم كان يسترق الأخبار عن اعتزام الشيخ ابن منصور نقد الشيخ ابن عاشور، ويتطلع اليه سرّاً متى ينجز عمله ليثنيه عن إذاعته تحت طائلة منعه من النشر من طرف المشيخة.
ومما لا شك لدينا أن الأستاذ المهيدي كان بإمكانه أن يتجاهل كغيره من غير المتضامنين مع الشيخ ابن منصور ضد الأستاذ الشيخ ابن عاشور، أو يختصر في التقديم للكتاب بأقل لفظ يوحي الى اسم ابن عاشور أو ذكْر مقدماته، فيقول كتاب البِشر، ويمضي.
كما أنه يعلم ما قاساه الشيخ ابن منصور من رفض بعض المجلات نشر قصيدة له يعبر فيها عن تهنئته لأستاذه الشيخ ابن عاشور بالمنصب الجديد الذي تولاه هو، وتهنئة أربعة آخرين من كبار المشايخ نالهم مثل هذا التشريف والتكليف، وادعاء إدارة المجلة أنها حسب قوله: «لا تنشر لغير مدرسي الطبقة العليا وأنها تشتم منها رائحة الرجعية والنفور من التغيّر المعزوم عليه والإساءة الى نصير الفكر الجديد (…) ولو كان أمر المجلة بيد مديرها الظاهر المجازي لما بخل بالنشر ولكن أمرها بيد المديرين الحقيقيين المتواريين خلفه. وقد قبلنا العذر المفهوم رغماً عنا». ونشر نص القصيدة في آخر كتابه ملاحظاً أنها تُعرّض «بسخافة من تصدى للطعن في الجامع الأعظم وتعاليمه والمنتسبين اليه في الجرائد الإفرنجية قاصداً الشهرة والتحقير والتنفير».
ولأهمية ما كتبه الأستاذ محمد الصالح المهيدي في التعريف بصديقه الشيخ عثمان بن منصور في جريدة الصباح ننشر فيما يلي صورة من مقاله ونصه بالحروف المطبعية، كوثيقة تعكس جمال لفظه وأسلوبه وسلاسة تحريره وعمق تفكيره وإلمامه وتقديره.
تونس في 4 نوفمبر 2019

***
الشيخ عثمان بن منصور
في ذمة الله
لبى داعي ربه الفاضل العارف الشيخ عثمان بن منصور منفرداً بالمنزل الذي يقطن به من نحو ثلاثين عاماً، وقد اكتشف موته أجواره بعد 24 ساعة من حصوله فنقل الى المستشفى الصادقي، وشيعت جنازته ظهر أمس الى مقبرة الزلاج.
رحمه الله رحمة واسعة، وفيما يلي كلمة تعريف بالفقيد كتبها صديقه
الأستاذ محمد الصالح المهيدي:
تعرفت بالشيخ عثمان بن منصور في مجلس الشيخ محمد العربي الكبادي حيث كان يلازمه في أوقات فراغه من التعليم فعلمت أنه من أبناء تونس وأنه من مواليدها في حدود سنة 1890 تقريباً.
زاول الفقيد تعليمه بجامع الزيتونة فدرس العلوم اللسانية وبرز فيها وحفظ الكثير من أشعار العرب وكان من رفقائه أيام الدراسة جماعة من محبي الأدب أمثال الشيخ محمود موسى والشيخ البشير محفوظ رحم الله جميعهم.
بعد تخرجه من الزيتونة حاملاً لشهادة التطويع اختار التعليم مهنة له فباشره في المدارس الابتدائية الرسمية. وفي تلك الأثناء ألف كتابه - الاقناع في رسم اليراع - وهو كتاب يحتوي على قواعد الرسم العربي أوسع دائرة من كتاب - عنوان النجابة - وهذا ما حمل النظارة العلمية - بجامع الزيتونة - منذ أكثر من أربعين عاماً على الإذن بتدريس كتابه في جامع الزيتونة. لأنه أغزر مادة في - الرسم - وقواعد العربية.
يقول الفقيد إنه باشر التعليم في مدينة تونس أكثر من ثلاثين عاماً بين مدارس نهج الكنز ونهج سيدي علي عزوز وبطحاء الحلفاوين وبطحاء الغنم - معقل الزعيم - الآن.
وقد حفظ ذكريات عنه ويثني الثناء الأوفر على السيد محمد القرطبي مدير مدرسة نهج الكنز.
وقد كانت له عقدة نفسية تكونت له من عهد الشباب وهي أن معلمي الفرنسية من التونسيين بالمدارس الابتدائية كان جلهم إذ لم يكن كلهم لا يعترفون بزمالة معلم العربية وربما احتقره بعضهم لأن إدارة التعليم العمومي نفسها كانت تسمى هذا الصنف من المعلمين بالمؤدبين تحقيراً لمهنتهم.
وهو لا يستثني من هذا الصنف إلا المرحوم السيد عبد العزيز صاحب الطابع الذي اشتهر بالإخلاص والفضل والعفة ومكارم الأخلاق.
عاش الفقيد أمة برأسه دأبه القيام بعمله الرسمي لا يشغله عنه شاغل عائلي أو غيره لأنه لم يتزوج طيلة حياته.
فلما أحيل على الراحة قبل الاستقلال انكب على المراجعة والتأليف، وطبع من مؤلفاته كتاب «البشر في نقد المقدمات العشر» وهي رسالة علق بها على الرسالة التي نشرها العلامة الجليل الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المتضمنة مقدمات تفسيره للقرآن الكريم.
أنفق على هذه الرسالة ما استرده من صندوق الإحالة على الراحة، وكان عليه رحمة الله ينوي طبع بعض الكتب الأخرى في فنون الأدب.
كان الفقيد يقول الشعر في المناسبات كالمديح والرثاء ومن هذا الصنف الأخير المرثية التي قالها بمناسبة وفاة الممثلة والمطربة التونسية المعروفة حبيبة مسيكة في سنة 1930 ولم يتمكن من نشرها في ذلك التاريخ لأسباب قاهرة.
من هواياته لعب الشطرنج وكان لا يغيب عن مجالس لاعبيه من مقهى المرابط في سنة 1934 الى مقهى حشاد في سنة 1964.
ولاعبو الشطرنج يحنون الى لقائه والاجتماع به ولا يلحون عليه في المبارزة لأنه كان ضيق الصدر، وللصديق مصطفى خريف نوادر عن (أطراح) الشيخ عثمان بن منصور الشطرنجية.
لازمه مرض الأرق في السنوات الأخيرة، وفي يوم الجمعة السادس من نوفمبر الجاري كان على عادته جالساً مع قيدوم الصحفيين الشيخ البشير الخنقي في مقهى الأهرام بحي باب سويقة يتحدث كعادته في شؤون الأدب والثقافة، وفي يوم السبت الموالي وافاه الأجل المحتوم بمحل سكناه بنهج حمام الرميمي، عليه رحمة الله.
(جريدة الصباح، الثلاثاء 10/ 11 /1964)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.