خلال افتتاحه أشغال الندوة العلمية الدولية التي التأمت يومي 15 و 16 نوفمبر الجاري بالمجمع التونسي للعلوم والآداب - بيت الحكمة - تحت عنوان " الأنوار الغربية ومصادرها الخارجية " قال الأستاذ عبد المجيد الشرفي بأن ما هو متعارف عليه في الأدبيات الغربية أن الحضارة الحديثة منشأها غربي وإلى عهد قريب كانت هذه الحضارة تعرف نفسها على أنها ذات أصول يونانية رومانية ولكن التحول الذي حصل هو أنه منذ حوالي ربع قرن بات الغرب يعترف صراحة بأن أحد مصادر الحضارة الغربية منجز الحضارة الإسلامية رغم أن الرأي الغالب في الغرب ما زال غير مستعد للاعتراف بهذا المنشأ الخارج عن دائرة الحضارة الغربية وبقيت الأنوار وكأنها انتاج خاص بعصر النهضة الأوروبية والحال أنه لا شيء يحدث من فراغ لذلك يجدر البحث عن جذور هذه الحضارة غير المفكر فيها وغير المعلن عنها لأن حركة الأنوار جاءت بقيم و هذه القيم هي اليوم محل أخذ ورد حتى في موطن هذه الأنوار. اليوم هناك تيار كامل من الأدبيات الغربية يعتبر أن الكوارث التي عرفتها البشرية في العصور الحديثة إنما حصلت نتيجة هذه الأنوار وهي المسؤولة المباشرة عن الحرب العالمية الأولى واضطهاد اليهود والحرب العالمية الثانية والكثير من الأحداث الأخرى لكن هذا الرأي ليس هو الرأي السائد ولا هو موقف المجموعة العلمية التي لها أحكام متوازنة تأخذ بما هو إيجابي وبما هو سلبي في كل الظواهر البشرية والتاريخية ولا شك فإن القيم التي جاءت بها الأنوار الغربية لا يمكن أن تستمد من فراغ وإنما هي تبني بقيم مغرقة في البشرية و متأصلة في طموح الإنسان إلى السعادة والحرية والعدل والمساواة وغير ذلك من القيم حتى وإن كانت التجارب التاريخية للغرب والمسلمين وغيرهم قد انحازت قليلا أو كثيرا عن هذه القيم السامية فهذا طبيعي في عدم رضا الإنسان عن انجازات عصره. و يضيف عبد المجيد الشرفي فيقول : ما اعتبره شخصيا نوعا من الاسهام الأساسي في الحضارتين اللتين عرفتهما البشرية وهما الحضارة العربية الاسلامية والحضارة الغربية أنهما مدينتان لقيم إسلامية أسياسية وقد عبرت عن هذا الموقف في بعض كتاباتي واعتقد أن كرامة الانسان وحريته ومسؤوليته في هذا الكون هي قيم جاءت بها الرسالة المحمدية وإن انحرفت بحكم الممارسة التاريخية عن هذه المبادئ الأساسية وإن خضعت هذه الرسالة إلى الاكراهات التاريخية التي تجعل تطبيق هذه القيم نسبيا ولا يمكن أن يكون الأمر غير ذلك ومهما كان الأمر فإني اعتبر أن موضوع المصادر الخارجية التي أثرت بقوة في الحضارة الغربية وساهمت بقوة في إشعاها هو موضوع هام في الفكر الحديث وإن وضعه في نطاقه الطبيعي غير المتأثر لا بالإيديولوجيات ولا بالمصالح ولا بالظروف المتغيرة التي نعيشها هو عملية مهمة لفهم تقدم الحضارة الغربية وفهم ما تحقق في ظلها. في رأيي لا توجد نقطة صفر للأفكار فالحداثة الغربية لها نشأة عربية ولكونها لم تأت من عدم ولا هي منعزلة عن بقية الأفكار ولا خارج الحضارة والحداثة والقيم الكونية التي لم تبرز للعالم من دون بذر وهذا من العوامل الأساسية التي جعلت مكتسبات الحداثة والأنوار مرفوضة في المجتمعات التي تعتبر نفسها غريبة عنها . قيمة ما صدر من حديث للأستاذ عبد المجيد الشرفي في كونه من المواقف القليلة التي نسمعها وتنصف الإسهام العربي الإسلامي فيما تحقق للغرب من اشعاع حضاري وعلمي وفيما وصل إليه من نهضة وتقدم فهو بهذا الحديث قد أعاد السؤال حول الاستفادة التي حصلت للغرب من الحضارة الإسلامية بداية من فترة سقوط الاندلس وما حصل من نقل كل الثروة العلمية التي تركها علماء المسلمين والتي أفادت كثيرا العقل الأوروبي من دون أن تتم الإحالة على المصادر الإسلامية للمعرفة الغربية حيث غالبا ما نكتشف بعد شيء من التثبت والتمحيص أن الكثير من الآراء الفكرية والفلسفية والعلمية قد سرقت من مؤلفات علماء المسلمين إبان اتصالهم بالتراث الإسلامي سواء كان في المشرق الإسلامي أو في الاندلس من دون الاحالة على المنجز الإسلامي في عملية استيلاء وسرقة واضحة . قيمة ما قاله الشرفي في كونه نسّب المعرفة الغربية ووضع الحضارة الغربية في إطارها التاريخي الحقيقي كحضارة لم تأت من فراغ ولم تبن ذاتها من دون أن تتأثر بما سبقها من حضارات وخاصة الحضارة العربية الإسلامية وأبرز جسر الحضارة الاسلامية الذي تأثر به الغرب بداية من القرن الثالث عشر ميلادي بعد أن قطعه علماء الغرب عمدا واكتفوا بالجسر الروماني واليوناني حتى تظهر المعرفة الغربية متأصلة في جذورها القديمة لا غير ومنحدرة من المنبت الروماني واليوناني فقط وإظهارها أصيلة وتمثل امتدادا طبيعي للفكر الاغريقي واليوناني القديم. قيمة ما قيل في كلمة الافتتاح التي جاءت على لسان عبد المجيد الشرفي في هذا الملتقي الدولي حول جذور الحضارة المنسية أو المغيبة وتأثيرها في الفكر الغربي في كونه يعد شهادة بالغة الاهمية من رجل عرف عنه نقده الشديد للتراث الإسلامي والمنجز الفكري لعلماء الاسلام القدامي ليخرج اليوم ويصدع بحقيقة مهمة وهي أن الحضارة الغربية مدينة في اشعاعها العالمي بما تحقق في الحضارة الاسلامية وفيما نقلته من معرفة عربية إسلامية من دون ذكر هذا الرافد الخارجي عن الفضاء الأوروبي الذي بقى إلى عقود طويلة منسي ومغيب ومقصى.