الصراع المستمر في ليبيا الجريحة منذ تسع سنوات أصبح مشهدا واضحا تدار أحداثه الدامية بين طرفين في الظاهر أما في الباطن بين محورين دوليين يتجاوزان حدود ليبيا و حدود إقليم المغرب العربي أما الطرفان المحليان المتواجهان مباشرة فهما كما يعلم الجميع من جهة حكومة الوفاق الحاصلة على الشرعية الدولية وهي مستقرة في العاصمة طرابلس و من جهة ثانية جنرال متقاعد من الجيش خليفة حفتر يقود منذ سنوات مجموعة من الليبيين المتمردين على الشرعية دون أي مشروع سوى الاستيلاء على الحكم بالقوة تسندها ميليشيات مختلفة الألوان و الأشكال لكنها مسلحة و مدربة في دول جارة أو بعيدة منها عربية وغنية و مكشوفة البرامج لأنها تعلن العداء لكل من ترى فيه الخروج من بيت الطاعة و منها دول أوروبية متخفية! ومنها مرتزقة من روسيا موظفون لدى (بلاك ووتر روسية اسمها فاجنر) وطبعا يتصرف حفتر في طائرات مقاتلة من دولتين عربيتين بل تقوم بعض الطائرات بشهادة السيد غسان سلامة بقصف أهداف مدنية أخرها مصرع ثلاثين طالبا ضابطا غير مسلحين في قاعات الدراسة بالكلية العسكرية بطرابلس! هذا هو المشهد المحلي المضيق أما الحقيقة الأبعد جفرافيا و ستراتيجيا فهي تتشكل من محورين كبيرين الأول محور يمكن أن نطلق عليه اسم محور صفقة القرن وهو يعلن أهدافه القريبة و البعيدة أما القريبة المحلية و المغاربية فهي القضاء أولا على أي انخراط لليبيا في المنهج الديمقراطي حين تصيبها عدوى الحريات التي حققتها جارتها تونس فتلغي الى الأبد مرحلة الحكم العسكري البوليسي القذافي الذي أناخ بكلكله الثقيل على الشعب الليبي مدة تقارب النصف قرن بلا دولة و بلا مؤسسات و طبعا بلا حريات فالاستعجالي بالنسبة لدولتين عربيتين إحداهما جارة مباشرة و الثانية بعيدة لكن ممولة و مستثمرة في إعادة تدوير ماكينة الإستبداد و إخضاع الشعوب العربية لحاكم عسكري على الانموذج السيسي الجاهز. ويمثل خليفة حفتر المثير للجدل رجل المرحلة بالنسبة لهذا المشروع العاجل لأنه سهل الانقياد وماضيه يؤهله لهذا الدور المرحلي المعد له فهو أسير الجيش التشادي حين قاد كتائب القذافي لغزو هذا البلد الإفريقي الجار ثم حرره أعوان المخابرات الأمريكية وأخذوه معهم الى أمريكا حيث حصل على الجنسية الأمريكية وتدرب على العمل السري المخابراتي ثم أعيد الى ليبيا بعد الثورة على العقيد التي لم يساهم فيها بأي جهد. وبدأ السيناريو الأوسع من رقعة المغرب العربي وربيعه المجهض باستثناء النجاح التونسي فكونوا له ما سماه هو جيش ليبيا الموازي للجيش الليبي الشرعي واستفحلت مطامعه الشخصية منذ 4/4/2019 حين أعلن ما سماه هو وحده ساعة الصفر (مع مهرجان النفير ضد الإرهاب...!) وفي جويلية 19 أعاد نفس ساعة الصفر وقصفت طائرات أجنبية أبرياء ليبيا ودكت اسواقا شعبية في المدن والقرى ثم في أكتوبر الماضي أعلن ساعة الصفر الثالثة وأعادها بنفس النفير العام لتحرير طرابلس وتطهيرها من...الارهابيين وكانت اخر (دقت ساعة الصفر!) منذ أسبوعين مرفقة بالنفير العام ولم يحصد حفتر ومرتزقته سوى الأصفار المتعاقبة لأن حقيقة الشعب الليبي البطل مختلفة عن الصورة التي رسمتها له جهات أجنبية مشبوهة وباء بالفشل الذريع أمام صمود الشعب. هذه هي الدائرة المحلية أما الدائرة الأوسع للمؤامرة الإقليمية فهي تستهدف تونس و الجزائر لجر الشعبين الجارين بعد أن عانيا الأمرين الى معسكر الشر و الطاغوت بالقوة و تأتي أخيرا الدائرة الدولية الأشمل للعبة القذرة التي أصلها في إسرائيل و بيد قوة عظمى لم تعد تستحي من فرض إرادة التوسع الصهيوني بما يسمى (صفقة القرن) والتي هي بكل صفاقة وجه إلغاء فلسطين من الخارطة و توزيع اللاجئين على دول أخرى تؤممهم لا تؤمنهم و تصهرهم في كيانات أخرى في القارات الخمسة بأموال تدفعها دولتان خليجيتان انخرطتا في صفقة القرن و كفى الإسرائيليين و الغرب شر القتال! هذه الصفقة التي ستشمل ليبيا برئاسة حفتر لم يقبلها رجال شرفاء أوفوا بما عاهدوا الله و أمتهم عليه وهم رجب طيب أردوغان الذي دعته حكومة ليبيا الشرعية لحماية الشعب الليبي و الشرعية من الإبادة فاستجاب ثم حضرة صاحب السمو أمير دولة قطر الذي قال منذ زمن: لا أقبل إلا ما يقبله الفلسطينيون وهو يقف مع فلسطين يعمر قطاعها و يبني مشافيها و يعبد طرقاتها و يعالج مرضاها و يساند قياداتها المنتخبة.