ضمن نشاطه الأسبوعي أربعاء الأفكار والقراءات والمقاربات نظم مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية " الساراس " ندوة فكرية يوم الأربعاء 8 جانفي الجاري خصصها لتقديم الدراسة العلمية التي أنجزتها الأستاذة سعاد عبد الواحد السالمي عن التعليم في القرن الواحد والعشرين والتي تناولت فيها مسألة الرؤية التربوية المطلوبة وقضية مراجعة مناهج التعليم المطبقة وتقييم الرؤية التربوية في إطار مبادرة الدولة إدماج المناهج الحياتية في العملية التربوية وموضوع التشخيص الذي أفضى إلى نتائج خطيرة أبرزها أنه لدينا اليوم مجتمع معرفي ضعيف نتيجة انخفاض المستوى الدراسي ونتيجة تراجع جودة التعليم وتدني مخرجاته ومحدودية السياسة الادماجية للعملية التربوية في علاقة بسوق الشغل وقدرة التعليم على توفير ما يحتاجه الاقتصاد و ارتفاع نسبة الرسوب المدرسي وارتفاع ظاهرة الانقطاع عن التعليم في سن مبكرة فالإحصائيات الرسمية للسنة الدراسية 2017 و 2018 تبرز أن نسبة الالتحاق بالمدرسة قد قاربت 100% غير أن نسبة الرسوب قد بلغت حدود 8.8% في المرحلة الابتدائية و18.7 في المرحلة الاعدادية وهذه النسب تفضي إلى أنه عن كل 100 طفل يلتحق سنويا بالمدرسة فإن قرابة 12 طفل كمعدل سنوي يغادرون مقاعد الدراسة وهي نسبة غير مريحة ومقلقة فيما يخص مستقبل تعليمنا في علاقة بنسبة الرسوب وظاهرة الانقطاع على الدراسة والسؤال المطروح أي مدرسة نريد حتى نضمن أعلى نسبة من النجاح وأقل نسبة من الرسوب ؟ وأي تعليم نرجو للقرن الحالي لتحقيق التفوق والريادة ؟ إن الحصيلة اليوم بعد سنوات عديدة من تطبيق منوال تعليم يقوم على المقاربة بالكفايات وعلى المقاربة الكلية في التعليم هي أنه لدينا مليونين من أفراد الشعب التونسي يعيشون وضع الأمية التقليدية أي لدينا حوالي خمس الشعب لا يعرفون لا القراءة ولا الكاتبة و الحساب وهذه الأمية تصل إلى حدود 50% في الجهات الداخلية المهمشة وتزيد الأمية ارتفاعا في صفوف النساء ولدينا بطالة مرتفعة تصل إلى حدود 650 ألف عاطل عن العمل منهم 350 ألف عاطل من أصحاب الشهادات العليا والبقية من المنقطعين عن الدراسة في سن مبكرة من تلامذة الابتدائي والثانوي وهذه الفئة من الشباب العاطل عن العمل هي فئة في غالبها أمية ولا تتوفر على القدرات والكفاءات التي تخول لها الحصول على شغل وهي فئة منتشرة في المجتمع وغير محاطة من طرف الدولة التي لم تضع السياسات لمرافقتها والأخذ بيدها حتى لا تتحول إلى مشاريع تهديد للمجتمع ومشاريع إجرام متعدد ومشاريع إرهاب ومشاريع حرقة. . واليوم لدينا 120 ألف تلميذ يغادرون سنويا مقاعد الدراسة وينقطعون عن التعليم بصفة مبكرة والكثير منهم لا يعودون إلى المدرسة ولا يستأنفون مسارهم التعليمي وهي نسبة في تزايد بعد أن كانت في السنوات الماضية في حدود 100 ألف منقطع وهذا الرسوب في الدراسة المفضي إلى المغادرة النهائية مسألة مقلقة ومحيرة وتتحمل المسؤولية فيها منظومتنا التربوية التي أثبت الواقع أن مخرجاتها أفرادا لا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة ولا الحساب وهي منظومة لا تمسح للتلميذ باكتساب مهارات لغوية عالية ومسألة اللغة مسألة جوهرية في المقاربة التعليمية الناجحة ومن دون اكتساب اللغة ومن دون أن يكون للتلميذ مكتسبات لغوية بالقدر الكافي فإنه لا يمكن لهذا الأخير أن يفهم النصوص المعروضة عليه ولا فهم العمليات الحسابية وبالتالي لا يمكن أن تكون له القدرة على التحليل وفك المعادلات الحسابية وهذا يعني أن اكتساب المهارات اللغوية هو حجر الزاوية في أي تعليم مثمر وجيد ونتيجة ضعف المكتسبات اللغوية لدى الكثير من التلاميذ في مختلف مراحل الدراسة وحتى لدى طلاب الجامعات فإن ظاهرة الأمية تنشر وتتسع رقعتها حيث أن مدرسة الحاضر قد أخرجت لنا جيلا لا يحسن القراءة ولا يحسن الكتابة والمتسبب في ذلك هو منوال التعليم الذي اختارته البلاد واتبعته منذ التسعينات والذي جلب لنا مقاربة الكفايات التي تعتمد على التعليم من الأعلى نحو الأسفل أو ما يطلق عليه التعليم الكلي القائم على تعلم الجملة فالفقرة فالكلمة فالحرف عوضا عن تعلم الحرف فالكلمة فالجملة وانتهاء بالفقرة وهي الطريقة التي تم اتباعها منذ الاستقلال والمشكل اليوم هو أن الجميع متفق على أن اصلاح التعليم الذي ادخل منظومة الكفايات والذي روج إلى أن المنظومة القديمة غير مجدية لأنها كانت تقوم على الحفظ وتركز على التلقين وتغيب عنها التفكير والتحليل هو اصلاح فاشل وان مقاربة الكفايات هي بدورها مقاربة لم تنجح في بلدها الأصلي ولم تفلح عندنا بل أنها كانت كارثة على التعليم ودمرت المدرسة التونسية وهذا يعني أن اليوم هناك أسئلة كثيرة تطرح حول جدوى الابقاء على هذه المنظومة الفاشلة ودعوات متعددة للعودة إلى منوال التعليم القديم القائم على المزاوجة بين الحفظ والتفكير والمراوحة بين التلقين والتحليل حيث اتضح انه حينما تخلت المدرسة التونسية عن مادة الاملاء وأقصت من برامجها حفظ الشعر والقرآن وتخلت عن تحليل الخرائط في مادة التاريخ وتحليل الجداول البيانية في مادة الجغرافيا وتنكرت للمطالعة فإن النتيجة هي إنتاج تلاميذ غير قادرين على الكتابة بطريقة جيدة وغير قادرين على التواصل لأنهم لا يحسنون اللغة وغير قادرين على الفهم والتحليل لفقدانهم الزاد اللغوي والمنهجية في التحليل وتنقصهم القدرات والمهارات بمفردات اللغة وحينما يكون الفرد غير متمكن من اللغة ولا يمتلك المهارات اللغوية من حيث معرفة الكلمات والمفردات حينها يصعب عليه التواصل والتفكير لأنه من غير زاد لغوي لا يمكن له ان يفهم ويفكر ويحلل ومن ثم يتواصل مع الغير. إن الخلل اليوم الذي أفرز ظاهرة الأمية في صفوف الشعب التونسي و أفرز نسبة كبيرة من الرسوب والانقطاع عن التعليم ومغادرة المدرسة بصفة مبكرة والحال أننا كنا إلى وقت قريب نفتخر بكوننا بلد راهنت قيادته السياسية على التعليم والتفوق المدرسي هو خلل مركب ومتداخل تشترك فيه عدة عناصر هي بمثابة مدخلات المنظومة التربوية من هذه العناصر عنصر الفضاء المدرسي الذي لا يسمح اليوم بالتعلم فالمدرسة اليوم بالوضع الذي هي عليه لا يمكن أن تحقق التفوق والريادة وعنصر المقرر الدراسي والمحتوي الذي في حاجة إلى مراجعة كبرى لأنه لا يرغب التلميذ في التعلم وهو اليوم عبء ثقيل على المتعلم وعنصر الزمن المدرسي الذي يحتاج هو الآخر إلى أن يراجع في اتجاه التقليل من ساعات التدريس ومن أيام الدراسة وأخير عنصر المدرس والمعلم والأستاذ الذي تقوم عليه العلمية الاصلاحية ويتوقف عليه نجاح التعليم غير أن المشكل الكبير اليوم هو أن تعليمنا الحالي يقوده مدرسون البعض منهم غير مؤهل للتعليم ولا يمتلك القدرات للتواصل مع التلميذ ولا توصيل المعلومة بطريقة سليمة ومفيدة . إن القرن الذي نعيش فيه هو قرن العلم والعقل والتفكير والتحليل وهو قرن المعلومة والتعليم الذكي والتعليم المثمر فهل وفرنا تعليما يواكب هذا المسار التاريخي الذي يحكمنا ويفرض علينا قوانينه ؟ في الحقيقة والواقع فإن منظومتنا التربوية ومقاربتنا التعليمية لا يسمحان بإنتاج تلاميذ يستجيبون لتحديات العصر طالما وأن مدرسة اليوم لا تنتج في الغالب إلا الرسوب والانقطاع عن التعليم ولا تنتج إلا تلاميذ لا يحسنون القراءة والكتابة وتنقصهم المهارات لحل المسائل الحسابية ولا يتوفرون على المهارات اللغوية التي تسمح بالقراءة الجيدة والفهم الجيد ومن ثم التفكير والتحليل الجيد لننتهي إلى إكتساب القدرة على التواصل بسهولة واكتساب المهارات الحياتية التي تسمح للفرد بالولوج الى سوق الشغل بكل سهولة والتعامل مع مختلف الوضعيات الحياتية بكل يسر .