مستويات غير مسبوقة.. فيضانات عارمة تضرب ولاية واشنطن وتجبر مدينة بأكملها على الإخلاء    مزيد تطوير التعاون العسكري بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية    توزر ...بمعرض للصناعات التقليدية ..اختتام حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة    نشر قانون المالية لسنة 2026 بالرائد الرسمي بعد ختمه من قبل رئيس الجمهورية    كأس العرب – الإمارات إلى الدور نصف النهائي    الإطاحة بشبكة دولية للقمار الإلكتروني واصدار بطاقات إيداع بالسجن..#خبر_عاجل    طينة: سوق الثلاثاء... بين أبواب أُغلقت وتطلّعات معلّقة على أمل الفتح    بعد إطلاق اسمه على دار الثقافة بالجريصة ...الكاف تحتفي بعيسى حرّاث    الليلة وصباح الغد: ضباب كثيف يتسبب في انخفاض مدى الرؤية الأفقية    الغريبة.. 8 اصابات في اصطدام بين سيارة ولواج وشاحنة    في ظل التغيّرات المناخية في العالم.. أي استراتيجية مستقبلية للمياه؟    النقابة تدق ناقوس الخطر: تأخير خلاص المخابر يضع صحة المرضى على المحك    في لقاء تكريمي بالمنستير.. محمد مومن يبكي ويرد على وصف الفاضل الجزيري ب "النوفمبري"    فيديو - وزير الاقتصاد : الدورة 39 لأيام المؤسسة تركّز على التحوّل التكنولوجي ودعم القطاع الخاص    الديفا أمينة فاخت تحيي سهرة رأس السنة بفندق Radisson Blu    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    رئيس وزراء هذه الدولة يحلّ البرلمان..#خبر_عاجل    حبس 9 سنين لمروج المخدرات في المدارس    مجموعة رائدة في صناعة مستحضرات التجميل تختار الاستثمار في بوسالم    تنبيه لكلّ حاجّ: التصوير ممنوع    وزارة البيئة تعلن عن فتح باب الترشحات لتقديم مبادرة فنية رياضية مسرحية ذات الصلة بالبيئة    وفاة جماعية: 9 قتلى في يوم واحد والسبب صادم    عاجل: جامعة كرة القدم توقع اتفاقية استشهار استراتيجية مع MG Motors    النوم مع ال Casque: عادة شائعة ومخاطر خفية    فريق كبير ينجح في إستخراج 58 حصوة من كلية مريض    صادم: أجهزة منزلية تهدد صحة الرئتين    جندوبة: تفقد مراكز توقير البذور والأسمدة وتوصيات لتوفير مستلزمات موسم البذر    كاس امم افريقيا (المغرب 2025): افضل هدافي المسابقة عبر التاريخ    31 ديسمبر 2025: انطلاق موسم تصدير البرتقال المالطي إلى فرنسا    الألعاب الأفريقية للشباب – لواندا 2025: تونس ترفع رصيدها إلى 5 ميداليات برونزية    حملة صحية مجانية للتقصي المبكر لسرطان القولون بجهة باردو..    جمعت تبرعات لبناء جامع...تفكيك عصابة تدليس وتحيل وحجز أختام وبطاقات تعريف    كأس القارات للأندية: فلامنغو البرازيلي يواجه بيراميدز المصري في نصف النهائي    عاجل: قبل الدربي بيوم..لاعب الترجي يغيب عن المُقابلة والسبب ''عُقوبة''    وزير الإقتصاد: سيتمّ حذف مجموعة من التراخيص    3 ميداليات برونزية لتونس في اليوم الثاني لدورة الألعاب الإفريقية للشباب بلوندا    قابس: تركيز الشباك الموحد لتوفير مختلف الخدمات لفائدة حجيج الولاية    الرابطة الأولى: مستقبل المرسى يتربص بالمنستير.. و3 وديات في البرنامج    عاجل: هذه حقيقة الوضع الصحي للفنانة ''عبلة كامل''    قضية عبير موسي..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    وزير الإقتصاد: حقّقنا نتائج إيجابية رغم الصعوبات والتقلّبات    حاجة في كوجينتك فيها 5 أضعاف الحديد الي يحتاجه بدنك.. تقوي دمك بسهولة    هجوم سيبراني يخترق ملفات ل "الداخلية الفرنسية"    عميد البياطرة يحسمها: "لاوجود لبديل عن قنص الكلاب في هذه الحالة"..    عاجل: دولة أوروبية تقرّ حظر الحجاب للفتيات دون 14 عامًا    طقس اليوم: ضباب كثيف في الصباح والحرارة في استقرار    عاجل/ جريمة مدنين الشنيعة: مصطفى عبد الكبير يفجرها ويؤكد تصفية الشابين ويكشف..    القطاع يستعد لرمضان: إنتاج وفير وخطة لتخزين 20 مليون بيضة    وفاة 7 فلسطينيين بغزة جراء انهيارات بسبب المنخفض الجوي    زلزال بقوة 6.5 درجة قبالة شمال اليابان وتحذير من تسونامي    إثر ضغط أمريكي.. إسرائيل توافق على تحمل مسؤولية إزالة الأنقاض في قطاع غزة    رقمنة الخدمات الإدارية: نحو بلوغ نسبة 80 بالمائة في أفق سنة 2030    في اختتام المنتدى الاقتصادي التونسي الجزائري ..وزير التجارة يؤكد ضرورة إحداث نقلة نوعية ثنائية نحو السوق الإفريقية    خطبة الجمعة.. أعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك    قبل الصلاة: المسح على الجوارب في البرد الشديد...كل التفاصيل لي يلزمك تعرفها    خولة سليماني تكشف حقيقة طلاقها من عادل الشاذلي بهذه الرسالة المؤثرة    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    عاجل: تسجيل الكحل العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم / أربعاء الباحث في " السيراس " يناقش كتاب "الأحزاب السياسية" للمفكر الفرنسي موريس ديفيرجيه
نشر في الصريح يوم 29 - 02 - 2020

ندوة أربعاء الباحث بمركز البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية " السيراس " الذي تشرف عليه الدكتورة هدى البهلول كانت هذه المرة مع كتاب أستاذ القانون الدستوري وعالم الاجتماع الفرنسي موريس ديفيرجيه " الأحزاب السياسية " الذي ألفه في سنة 1951 وظهرت أول ترجمة عربية له في سنة 2014 في ندوة فكرية تولى تأثيثها الدكتور رياض الشعيبي وهو كتاب رغم كونه قد ألف في الخمسينات من القرن الماضي وفي سياق تاريخي يعرف مدا كبيرا للتنظم الحزبي وسطوة أكبر للأحزاب السياسية في ممارسة الحكم فروح العصر في تلك الفترة من التاريخ كانت تعرف هيمنة الأحزاب السياسية وانتشار نظرية الديمقراطية التمثيلية التي مثلت وقتها العمود الفقري للحياة السياسية في الكثير من دول العالم وخاصة في العالم الغربي والأساس في تأطير الجماهير واحتواء الرأي العام والوصول إلى السلطة بما يعني أن كتاب موريس ديفيرجيه جاء وقتها ضد رياح عصره وخارج الفكر والثقافة السائدتين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية تحرر الشعوب من الاستعمار حتى أنه اعترف صراحة بأن خصوم فكرة الأحزاب السياسية والديمقراطية القائمة على تمثيلية الأحزاب في البرلمان والحكم سيجدون في هذا الكتاب الكثير من الحجج.
في هذه الندوة تولى الدكتور رياض الشعبي إعطاء فكرة دقيقة عما جاء في كتاب الأحزاب السياسية من معطيات حول فكرة الأحزاب وفكرة التنظم السياسي وخيار الديمقراطية التمثيلية كما تعرض إلى البدايات الأولى للتنظم الحزبي وتاريخ نشأة الأحزاب السياسية وتطورها عبر الزمن من خلال الممارسة السياسية فذكر أن النشأة الأولى للأحزاب كانت في منصف القرن الثامن عشر أما قبل ذلك فكانت الممارسة السياسية تقع من خلال تجمعات لأشخاص تجمع بينهم أهداف سياسية كما أن الجذور الأولى للتشكل الحزب تعود إلى ظهور الكتل البرلمانية في مجالس الشعب من أجل ديمومة عمل المجلس واللجان التابعة له فكان أن تشكل النواب في أحزاب أطلق عليها إسم الاحزاب البرلمانية في مقابل نوع آخر من الأحزاب تشكلت من خارج البرلمان أطلق عليه اسم الأحزاب الايديولوجية ويعود الفضل في ظهور هذا النوع الأخير من الأحزاب إلى اليسار الذي دفع نحو تأسيس الأحزاب من خارج البرلمانات ومن خارج الحاضنة الاقطاعية.
من الأفكار التي ركز عليها رياض الشعيبي في تقديمه لهذا الكتاب فكرة التعبئة السياسية التي تستعملها الأحزاب كآلية سياسية للوصول إلى السلطة وأن ظهور الأحزاب من خارج دائرة البرلمان كان مع نشأة الايديولوجيات الكبرى وأن نشأة الأحزاب لم تكن مرتبطة بمقاومة الفساد فهذه الفكرة في نظر موريس ديفيرجيه هي من الأفكار الخاطئة على اعتبار و أن الأحزاب لها أغراض أخرى غير محاربة الفساد وأن فكرة الأحزاب التي تقوم على برامج لم تظهر إلا في فترة لاحقة لظهورها وفكرة أن الحكم القائم على الحزب الواحد هي فكرة حتمتها المرحلة التاريخية والسياق التاريخي الذي أوجب وجود حزب وحيد يتولى عملية الإدماج الوطني بالنسبة للشعوب التي خرجت حديثا من الاستعمار ودخلت في مشروع بناء دولة وطنية وتحقيق التنمية و مواجهة المخاطر التي ظهرت بعد التحرر فأغلب الدول الإفريقية التي تحصلت على استقلالها حكمها إما حزب واحد شمولي إذا كان من وراء ايديولوجيا أو حزب وحيد تسلطي إذا جاء للحكم من خارج الايدولوجيا وفي كلتا الحالتين فإن تجربة الحزب الواحد في هذه الدول كانت تجربة مريرة على مستوي الحريات وتحقيق التنمية الحقيقة من الأفكار الأخرى فكرة الارتباط بين نظام الأحزاب ونظام التصويت حيث أن نظام التصويت المعتمد هو الذي يشكل الأحزاب وفكرة أن الأحزاب السياسية من وظائفها دعم الشرعية والتجنيد والتعبئة السياسية وتمثيل المصالح في المجتمع وأخيرا فإن موريس ديفيريجه يعتبر أن التطور الحزبي في الممارسة سوف ينتهي بالضرورة إلى الثنائية الحزبية وهو تطور طبيعي وأن نظام التصويت الأعلى في دور واحد هو الذي انشأ هذا التطور.
صحيح أن الكتاب قد انتقد من طرف الكثير من المفكرين في تاريخ نشره وتم رفضه من قبل الكثير من سياسيي عصره كما يمكن تفهم النقد الكبير الذي تلقاه صاحب كتاب الأحزاب السياسية في الخمسينات من القرن الماضي على اعتبار أنه كتاب جاء ينتقد نظرية الأحزاب ويهاجم البنية الحزبية وكذلك يركز على تهافت فكرة الديمقراطية التمثلية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : ما قيمة هذا الكتاب الذي كتب منذ أكثر من نصف قرن في واقعنا الحاضر ؟ وهل هناك من راهنية للأفكار التي حواها اليوم ؟ وهل ما زال النقد الذي وجهه موريس ديفيرجيه لفكرة التمثيل الحزبي والديمقراطية التمثيلية مفيدا ؟
ما يمكن الخروج به من هذه المحاضرة التي خصصت لتقديم هذا الكتاب أن هذا المؤلف وإن كتب في سنوات الخمسين من القرن الماضي وفي سياق تاريخي مخالف لسياقنا الحالي إلا أن قيمته في استشراف مبكر لمكامن الخلل في نظرية التمثيلية الحزبية وتفطن مبكرا إلى الخلل الكامن في البنية الحزبية ورصد مآل الاحزاب بعد ممارستها الحكم.إن قيمة الكتاب تكمن في كون صاحبه قد وجه نقدا مبكرا لفكرة الأحزاب مما يجعل له راهنية اليوم في التقائه مع ما يروج من فكرة موت الأحزاب وفكرة أزمة التمثيلية الحزبية في العالم وفشل الديمقراطية التمثيلية في إسعاد الشعوب وتحقيق ما يصبون إليه من خلال الممارسة السياسية . راهنية الكتاب في تنبئه أن الديمقراطية القائمة على فكرة حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال نوابه وعبر أحزابه سوف تولد من داخلها نقيضها وأزمتها حيث اتضح اليوم أن الديمقراطية التمثيلية قد وصلت الى مدارها وأن التمثيلية الحزبية قد استنفذت أغراضها ولم تعد مفيدة في الكثير من التجارب السياسية ومنها تجربتنا السياسية بعد أن توسعت دائرة عدم الثقة في السياسيين والأحزاب السياسية التي اتضح أنها في الغالب لا تعبر عن الشعب .
إن المفيد الذي نخرج به من هذا العرض لكتاب الأحزاب السياسية هو راهنية فكر موريس ديفيرحيه الذي انتقد الأحزاب السياسية وانتقد نظرية الديمقراطية التمثيلية في وقت مبكر وفي زمن عرفت فيه الأحزاب السياسية أوج ازدهارها ونفوذها مع ظهور الأفكار الكبرى والأيديولوجيات التي أثرت في مسار التاريخ وراهنية الكتاب في كونه يعد مرجعا علميا في نقد الأحزاب السياسية وفكرة الحياة السياسية التي تقوم على الأحزاب وفكرة الديمقراطية التمثيلية بما يفتح آفاقا أخرى للبحث عن صيغ جديدة للعمل السياسي ولتأطير الرأي العام وتمثيل الشعب والكتاب من زاوية أخرى هو مرجع للإجابة عن أزمة التجربة السياسية الحالية التي نعيشها وعن أزمة التمثيل الحزبي ومرجع للإجابة عن سؤال الحاضر بخصوص فشل الأحزاب السياسية في تحقيق أحلام مناضليها وفشل الديمقراطية التمثيلية في إسعاد الشعوب.
يقول موريس ديفرجيه نحن نعيش على مفهوم خاطئ تماما للديمقراطية لأنه مصاغ من قبل المشرعين بناء على فلسفات القرن 18 عشر فحكومة الشعب التي تحكم بالشعب وحكومة الأمة التي تحكم من قبل ممثليها هي كلها تعابير جميلة وقد يتحمس لها الناس لكنها لا تعني شيئا إذ لم ير أبدا شعب قد حكم ذاته فكل حكومة هي أوليغارشية - حكم الأقلية - لأنها تستلزم بالضرورة سيطرة العدد قليل على الكثرة وبالتالي لم توجد أو لم يكن هناك ديمقراطية حقة أبدا ولن تكون هناك مطلقا لأن حكم الشعب نفسه بنفسه مناف للنظام الطبيعي أي أن يحكم العدد الكبير فإن الحكم دوما كان للعدد القليل. إن الشعب لا يحكم بنفسه وإنما يحكم من قبل غيره وخلاف ذلك ما هو إلا لعب بالكلمات ومجرد أفكار خيالية ويقترح استبدال مقولة " الحكم الشعب من قبل الشعب " بعبارة " حكم الشعب من قبل نخبة منبثقة منه "
ويضيف بأنه لا معنى للأحزاب وكذلك لا معنى للديمقراطية اذا لم يتوفر للشعب قدر من العدالة الاجتماعية وقدر من الحرية ومن الثقافة العامة وقدر من العيش الكريم وتوازن سياسي وفي غياب هذه العناصر فإنه لا يمكن أن نتحدث عن ممارسة حزبية وعن حياة ديمقراطية حقة ففي البلدان التي لا تتوفر على قدر من التعليم الجيد وعلى مستوى من العيش المحترم فإن الأحزاب تكون فيها شكلية وحينها يحدث الخصام والتزاحم على السلطة باستعمال الأصوات وحسب الطلب فيكثر الفساد وتستغل الطبقات المحظوظة النظام لتمكين سيطرتها فوجود مناخ ملائم يتوفر على هذه العناصر هو الذي يجعل الممارسة الحزبية ممارسة ايجابية ويجعل من الديمقراطية التمثيلية خارج دائرة الفساد والفشل.
وبعد كل هذا النقد الكبير الذي وجهه موريس ديفرحيه إلى نظام الأحزاب وإلى الديمقراطية التمثلية تساءل عن إمكانية أن نقبل ونرضى بنظام سياسي من دون أحزاب وهل يمكن أن يكون تمثيل الرأي العام أفضل من دون أحزاب ؟ و هل يمكن للحرية أن تكون مصانة أكثر إذا تفرق الأفراد وكانوا خارج التنظم الحزبي وخارج التشكيلات الحزبية ؟
يجيب الكاتب عن كل هذه الأسئلة التي طرحها في خاتمة كتابه بقوله " إن حياة سياسية وإن نظاما من دون أحزاب هو ما يؤمن استمرار النخب الحاكمة المنبثقة من الولادة والمال والوظيفة في الحكم ."
ما يمكن قوله في نهاية هذا العرض لكتاب الأحزاب السياسية أن الكثير من أفكار موريس ديفيرجيه نجد لها رجع الصدى في ما يروجه رئيس الدولة قيس سعيد من أفكار حول فشل الأحزاب السياسية بصيغتها المعاصرة المطبقة عن تمثيل الشعب وعن نهاية عصر الديمقراطية التمثيلية وفيما يروج له عن فكرة الشعب يريد و نظرية الديمقراطية المباشرة والديمقراطية القاعدية القائمة على فكرة تصعيد المطالب والتمثيلية من القاعدة نحو القمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.