رئيس الجمهورية: لا تراجع عن الدور الاجتماعي للدولة والحلول قادمة    أحدهما متورّط في قضية التآمر على أمن الدولة .. تأجيل محاكمة سفير ومستشار سابقين أمام دائرة الارهاب    اليوم انطلاق موسم جني الزيتون بصفاقس .. صابة قياسية ..وآمال في تسعيرة تراعي الفلاح والمستهلك    في البيان الختامي لمؤتمر الجبهة التقدمية العربية ..سلاح المقاومة هو الخيار الوحيد للتعامل مع العدو الصهيوني    في خرق جديد لاتفاق وقف إطلاق النار: طائرات الاحتلال تشن غارات على مدينة غزة    اليوم انطلاق مهرجان الرمان    عين دراهم: الدورة الثانية لخريف خمير الموسيقي    في اختتام مهرجان «نجع الفن» بدوز...مارسيل خليفة يشدو لألف متفرج ويكتب لطفلة    عاجل/ غرق مركب "حرقة" قبالة هذه السواحل..وهذه حصيلة الضحايا..    عاجل/ حماس تعلن عن هذا القرار..    القبض على "مروّع مستعملي الطريق" بجبل الجلود..وهذه التفاصيل..    جمعية احباء البلفدير تنظم لقاءً حول العسل والنحل يوم السبت غرة نوفمبر 2025    الضوء الأحمر، الانفلاق، والسير بدون رخصة.. تفاصيل صادمة عن حوادث 2025    عاجل-قرمبالية: مجهولون يقتحمون جامع الغفران ويسرقون التبرعات!    تنظيم الدورة الثالثة من تظاهرة "جامعة تونس المنار، منارة الثقافات" يوم 4 نوفمبر المقبل    عاجل : جامعة كرة القدم تُعلن شروط الترشح لانتخابات المكتب الجامعي    عاجل: هذا هو تصنيف الترجي في دور المجموعات    تونس تتجه نحو الاقتصاد في قيمة دعم المحروقات والكهرباء بنحو 726 مليون دينار سنة 2026    عاجل: ملعب رادس هو الوحيد المعتمد لتونس في دوري الأبطال!    راغب علامة لزوجته في عيد ميلادها: ''وجودك بحياتي نعمة''    تونس تتحرك ضد التبذير الغذائي: انطلاق إعداد استراتيجية وطنية لحماية قوت التوانسة!    مونديال تحت 17 سنة لكرة اليد: المنتخب الوطني ينهزم امام نظيره الإسباني    عاجل: تحطم طائرة في كينيا.. وفاة 11 شخص بينهم ألمان ومجريين!    عاجل : وفاة الإعلامي اللبناني بسام برّاك    دكتورة مختصّة تكشف طرق معالجة الإطفال من الإدمان    عاجل: وفاة مفاجئة لنجم التيك توك...شكون؟    تونس تشارك ب 10 جذافين في البطولة الافريقية للتجذيف الكلاسيكي والتجذيف الشاطئي    عاجل/ تحسّن صرف الدينار أمام الدولار والأورو    متوفّر في كل منزل: حبّة واحدة يوميا من هذه النبتة تعزّز صحة القلب وتُنظّم الكوليسترول    تعرفش سوم الدجاج والسكالوب بقداه اليوم في تونس؟    أحمد بالطيب : معدل رضا السائح وصل ل7/10 ...و المؤشرات إيجابية    بشرة خير: نشاط جوي بارد في هذه المنطقة    وزارة المالية: مداخيل ميزانية الدولة ستسجل زيادة على كامل سنة 2025 والسنة المقبلة    ماسك يطلق موسوعة إلكترونية منافسة ل"ويكيبيديا"    كيفاش تحمي رضيعك من التهاب القصيبات الهوائية ''Bronchiolite''؟    الترجي الرياضي: غيابات بالجملة في مواجهة النادي البنزرتي    الحماية المدنية: 422 تدخلا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    تحذير للنساء: انتفاخ البطن المفاجئ ما هوش مجرد مشكل هضم..حاجات أخطر!    رغم مخاوف العمر واللياقة: ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    شنوا يصير كان تونس ترفع المعاليم الديوانية على السلع الصينية ؟    سيميوني وبايينا يهزان الشباك وأتليتيكو يعزز سجله الخالي من الهزائم    صدور الأمر المتعلق بدعوة الناخبين للتصويت على سحب الوكالة بمعتمدية شربان ولاية المهدية بالرائد الرسمي    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    تجاوزات في السكن والنقل والتأمين.. موسم العمرة يبدأ بالشكوى!    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    وزير التجهيز: ينتظر ان تصدر قريبا النصوص التطبيقية لقانون البنايات المتداعية للسقوط    إسرائيل تنشر فيديو جديد ليحيى السنوار.. وسط أنقاض الحرب    وزارة الصحة : اطلاق خطة وطنية لحماية الأطفال من التهاب الشُعيبات    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    الوسلاتية: ضبط شاحنة محمّلة ب21 رأس غنم مسروقة من ولاية منوبة    صدور مجلة GEO الفرنسية في عدد خاص بالتراث التونسي    الليلة.. انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    تنشط بين ليبيا وتونس.. تفكيك شبكة إجرامية دولية في مجال ترويج المخدرات    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم / أربعاء الباحث في " السيراس " يناقش كتاب "الأحزاب السياسية" للمفكر الفرنسي موريس ديفيرجيه
نشر في الصريح يوم 29 - 02 - 2020

ندوة أربعاء الباحث بمركز البحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية " السيراس " الذي تشرف عليه الدكتورة هدى البهلول كانت هذه المرة مع كتاب أستاذ القانون الدستوري وعالم الاجتماع الفرنسي موريس ديفيرجيه " الأحزاب السياسية " الذي ألفه في سنة 1951 وظهرت أول ترجمة عربية له في سنة 2014 في ندوة فكرية تولى تأثيثها الدكتور رياض الشعيبي وهو كتاب رغم كونه قد ألف في الخمسينات من القرن الماضي وفي سياق تاريخي يعرف مدا كبيرا للتنظم الحزبي وسطوة أكبر للأحزاب السياسية في ممارسة الحكم فروح العصر في تلك الفترة من التاريخ كانت تعرف هيمنة الأحزاب السياسية وانتشار نظرية الديمقراطية التمثيلية التي مثلت وقتها العمود الفقري للحياة السياسية في الكثير من دول العالم وخاصة في العالم الغربي والأساس في تأطير الجماهير واحتواء الرأي العام والوصول إلى السلطة بما يعني أن كتاب موريس ديفيرجيه جاء وقتها ضد رياح عصره وخارج الفكر والثقافة السائدتين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية تحرر الشعوب من الاستعمار حتى أنه اعترف صراحة بأن خصوم فكرة الأحزاب السياسية والديمقراطية القائمة على تمثيلية الأحزاب في البرلمان والحكم سيجدون في هذا الكتاب الكثير من الحجج.
في هذه الندوة تولى الدكتور رياض الشعبي إعطاء فكرة دقيقة عما جاء في كتاب الأحزاب السياسية من معطيات حول فكرة الأحزاب وفكرة التنظم السياسي وخيار الديمقراطية التمثيلية كما تعرض إلى البدايات الأولى للتنظم الحزبي وتاريخ نشأة الأحزاب السياسية وتطورها عبر الزمن من خلال الممارسة السياسية فذكر أن النشأة الأولى للأحزاب كانت في منصف القرن الثامن عشر أما قبل ذلك فكانت الممارسة السياسية تقع من خلال تجمعات لأشخاص تجمع بينهم أهداف سياسية كما أن الجذور الأولى للتشكل الحزب تعود إلى ظهور الكتل البرلمانية في مجالس الشعب من أجل ديمومة عمل المجلس واللجان التابعة له فكان أن تشكل النواب في أحزاب أطلق عليها إسم الاحزاب البرلمانية في مقابل نوع آخر من الأحزاب تشكلت من خارج البرلمان أطلق عليه اسم الأحزاب الايديولوجية ويعود الفضل في ظهور هذا النوع الأخير من الأحزاب إلى اليسار الذي دفع نحو تأسيس الأحزاب من خارج البرلمانات ومن خارج الحاضنة الاقطاعية.
من الأفكار التي ركز عليها رياض الشعيبي في تقديمه لهذا الكتاب فكرة التعبئة السياسية التي تستعملها الأحزاب كآلية سياسية للوصول إلى السلطة وأن ظهور الأحزاب من خارج دائرة البرلمان كان مع نشأة الايديولوجيات الكبرى وأن نشأة الأحزاب لم تكن مرتبطة بمقاومة الفساد فهذه الفكرة في نظر موريس ديفيرجيه هي من الأفكار الخاطئة على اعتبار و أن الأحزاب لها أغراض أخرى غير محاربة الفساد وأن فكرة الأحزاب التي تقوم على برامج لم تظهر إلا في فترة لاحقة لظهورها وفكرة أن الحكم القائم على الحزب الواحد هي فكرة حتمتها المرحلة التاريخية والسياق التاريخي الذي أوجب وجود حزب وحيد يتولى عملية الإدماج الوطني بالنسبة للشعوب التي خرجت حديثا من الاستعمار ودخلت في مشروع بناء دولة وطنية وتحقيق التنمية و مواجهة المخاطر التي ظهرت بعد التحرر فأغلب الدول الإفريقية التي تحصلت على استقلالها حكمها إما حزب واحد شمولي إذا كان من وراء ايديولوجيا أو حزب وحيد تسلطي إذا جاء للحكم من خارج الايدولوجيا وفي كلتا الحالتين فإن تجربة الحزب الواحد في هذه الدول كانت تجربة مريرة على مستوي الحريات وتحقيق التنمية الحقيقة من الأفكار الأخرى فكرة الارتباط بين نظام الأحزاب ونظام التصويت حيث أن نظام التصويت المعتمد هو الذي يشكل الأحزاب وفكرة أن الأحزاب السياسية من وظائفها دعم الشرعية والتجنيد والتعبئة السياسية وتمثيل المصالح في المجتمع وأخيرا فإن موريس ديفيريجه يعتبر أن التطور الحزبي في الممارسة سوف ينتهي بالضرورة إلى الثنائية الحزبية وهو تطور طبيعي وأن نظام التصويت الأعلى في دور واحد هو الذي انشأ هذا التطور.
صحيح أن الكتاب قد انتقد من طرف الكثير من المفكرين في تاريخ نشره وتم رفضه من قبل الكثير من سياسيي عصره كما يمكن تفهم النقد الكبير الذي تلقاه صاحب كتاب الأحزاب السياسية في الخمسينات من القرن الماضي على اعتبار أنه كتاب جاء ينتقد نظرية الأحزاب ويهاجم البنية الحزبية وكذلك يركز على تهافت فكرة الديمقراطية التمثلية ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : ما قيمة هذا الكتاب الذي كتب منذ أكثر من نصف قرن في واقعنا الحاضر ؟ وهل هناك من راهنية للأفكار التي حواها اليوم ؟ وهل ما زال النقد الذي وجهه موريس ديفيرجيه لفكرة التمثيل الحزبي والديمقراطية التمثيلية مفيدا ؟
ما يمكن الخروج به من هذه المحاضرة التي خصصت لتقديم هذا الكتاب أن هذا المؤلف وإن كتب في سنوات الخمسين من القرن الماضي وفي سياق تاريخي مخالف لسياقنا الحالي إلا أن قيمته في استشراف مبكر لمكامن الخلل في نظرية التمثيلية الحزبية وتفطن مبكرا إلى الخلل الكامن في البنية الحزبية ورصد مآل الاحزاب بعد ممارستها الحكم.إن قيمة الكتاب تكمن في كون صاحبه قد وجه نقدا مبكرا لفكرة الأحزاب مما يجعل له راهنية اليوم في التقائه مع ما يروج من فكرة موت الأحزاب وفكرة أزمة التمثيلية الحزبية في العالم وفشل الديمقراطية التمثيلية في إسعاد الشعوب وتحقيق ما يصبون إليه من خلال الممارسة السياسية . راهنية الكتاب في تنبئه أن الديمقراطية القائمة على فكرة حكم الشعب نفسه بنفسه من خلال نوابه وعبر أحزابه سوف تولد من داخلها نقيضها وأزمتها حيث اتضح اليوم أن الديمقراطية التمثيلية قد وصلت الى مدارها وأن التمثيلية الحزبية قد استنفذت أغراضها ولم تعد مفيدة في الكثير من التجارب السياسية ومنها تجربتنا السياسية بعد أن توسعت دائرة عدم الثقة في السياسيين والأحزاب السياسية التي اتضح أنها في الغالب لا تعبر عن الشعب .
إن المفيد الذي نخرج به من هذا العرض لكتاب الأحزاب السياسية هو راهنية فكر موريس ديفيرحيه الذي انتقد الأحزاب السياسية وانتقد نظرية الديمقراطية التمثيلية في وقت مبكر وفي زمن عرفت فيه الأحزاب السياسية أوج ازدهارها ونفوذها مع ظهور الأفكار الكبرى والأيديولوجيات التي أثرت في مسار التاريخ وراهنية الكتاب في كونه يعد مرجعا علميا في نقد الأحزاب السياسية وفكرة الحياة السياسية التي تقوم على الأحزاب وفكرة الديمقراطية التمثيلية بما يفتح آفاقا أخرى للبحث عن صيغ جديدة للعمل السياسي ولتأطير الرأي العام وتمثيل الشعب والكتاب من زاوية أخرى هو مرجع للإجابة عن أزمة التجربة السياسية الحالية التي نعيشها وعن أزمة التمثيل الحزبي ومرجع للإجابة عن سؤال الحاضر بخصوص فشل الأحزاب السياسية في تحقيق أحلام مناضليها وفشل الديمقراطية التمثيلية في إسعاد الشعوب.
يقول موريس ديفرجيه نحن نعيش على مفهوم خاطئ تماما للديمقراطية لأنه مصاغ من قبل المشرعين بناء على فلسفات القرن 18 عشر فحكومة الشعب التي تحكم بالشعب وحكومة الأمة التي تحكم من قبل ممثليها هي كلها تعابير جميلة وقد يتحمس لها الناس لكنها لا تعني شيئا إذ لم ير أبدا شعب قد حكم ذاته فكل حكومة هي أوليغارشية - حكم الأقلية - لأنها تستلزم بالضرورة سيطرة العدد قليل على الكثرة وبالتالي لم توجد أو لم يكن هناك ديمقراطية حقة أبدا ولن تكون هناك مطلقا لأن حكم الشعب نفسه بنفسه مناف للنظام الطبيعي أي أن يحكم العدد الكبير فإن الحكم دوما كان للعدد القليل. إن الشعب لا يحكم بنفسه وإنما يحكم من قبل غيره وخلاف ذلك ما هو إلا لعب بالكلمات ومجرد أفكار خيالية ويقترح استبدال مقولة " الحكم الشعب من قبل الشعب " بعبارة " حكم الشعب من قبل نخبة منبثقة منه "
ويضيف بأنه لا معنى للأحزاب وكذلك لا معنى للديمقراطية اذا لم يتوفر للشعب قدر من العدالة الاجتماعية وقدر من الحرية ومن الثقافة العامة وقدر من العيش الكريم وتوازن سياسي وفي غياب هذه العناصر فإنه لا يمكن أن نتحدث عن ممارسة حزبية وعن حياة ديمقراطية حقة ففي البلدان التي لا تتوفر على قدر من التعليم الجيد وعلى مستوى من العيش المحترم فإن الأحزاب تكون فيها شكلية وحينها يحدث الخصام والتزاحم على السلطة باستعمال الأصوات وحسب الطلب فيكثر الفساد وتستغل الطبقات المحظوظة النظام لتمكين سيطرتها فوجود مناخ ملائم يتوفر على هذه العناصر هو الذي يجعل الممارسة الحزبية ممارسة ايجابية ويجعل من الديمقراطية التمثيلية خارج دائرة الفساد والفشل.
وبعد كل هذا النقد الكبير الذي وجهه موريس ديفرحيه إلى نظام الأحزاب وإلى الديمقراطية التمثلية تساءل عن إمكانية أن نقبل ونرضى بنظام سياسي من دون أحزاب وهل يمكن أن يكون تمثيل الرأي العام أفضل من دون أحزاب ؟ و هل يمكن للحرية أن تكون مصانة أكثر إذا تفرق الأفراد وكانوا خارج التنظم الحزبي وخارج التشكيلات الحزبية ؟
يجيب الكاتب عن كل هذه الأسئلة التي طرحها في خاتمة كتابه بقوله " إن حياة سياسية وإن نظاما من دون أحزاب هو ما يؤمن استمرار النخب الحاكمة المنبثقة من الولادة والمال والوظيفة في الحكم ."
ما يمكن قوله في نهاية هذا العرض لكتاب الأحزاب السياسية أن الكثير من أفكار موريس ديفيرجيه نجد لها رجع الصدى في ما يروجه رئيس الدولة قيس سعيد من أفكار حول فشل الأحزاب السياسية بصيغتها المعاصرة المطبقة عن تمثيل الشعب وعن نهاية عصر الديمقراطية التمثيلية وفيما يروج له عن فكرة الشعب يريد و نظرية الديمقراطية المباشرة والديمقراطية القاعدية القائمة على فكرة تصعيد المطالب والتمثيلية من القاعدة نحو القمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.