لقد ارتفعت بعض الأصوات القليلة الانتقادية من قريب ومن بعيد تعيب على رئيس الجمهورية قيس سعيد انه يخاطب الشعب بلغة عربية سليمة فيحاء لم يتعودوا عليها في خطابات من سبقوه من الرؤساء واقل ما يقال في الرد على هؤلاء المنتقدين ان يذكرهم المذكرون بما هو ثابت ومؤكد منذ قرون من ان لكل انسان في هذه الحياة طبعه واسلوبه الخاص الذي لا يستطيع ان يتخلى عنه فلا هروب له منه ولا مناص وهذا امر فطري رباني غالب قاهر لا ينكره الا من لا يحسن الغوص في تحليل وفهم الطبائع و الجواهر للوصول الى اعماق واغوار وخصائص النفوس والذوات والمعاني وقديما قال حكماء هذه البلاد(ان الله قد خلق العباد كما اشتهى وكما اراد)... وثاني ما يقال لهؤلاء المنتقدين لهذا الرجل الذي يذكرنا كلامه بلغة كتاب رب العاملن الذي انزله بلسان عربي مبين ان هذا الرجل منذ ظهوره ومنذ بروزه في وسائل الاعلام وقبل ترشحه لمنصب الرئاسة وهو يتكلم لغة عربية بكل طلاقة وبكل يسر وبكل سلاسة فهل من المعقول ان يغير اليوم اسلوبه ولغته في الخطاب بعد ان قضى ما يزيد عن ستين سنة من عمره وهو على هذا الحال يدرس بهذه اللغة وهو في راحة بال من كانوا يجلسون بين يديه من المتعلمين ومن الطلاب؟ وثالث ما يقال لهؤلاء المنتقدين اليس جميع التونسيين يعلمون ويعرفون لغة واسلوب هذا الرجل في الكلام وفي الخطاب فاذا كانت لغته لم تجد عندهم الاستحسان ولم تنل عندهم الرضا والقبول فلماذا انتخبوه باغلبية ساحقة حيرت الأبصار والبصائر وادهشت وابهرت العقول؟ اما رابع ما نرد به على هؤلاء السطحيين المتسرعين في نقدهم للغة خطاب هذا الرجل واسلوبه الشخصي المتميز بين جميع الرؤساء السابقين والذين نعتبرهم من المتحاملين ومن الحاقدين عليه منذ فوزه الساحق الماحق في الانتخابات الرئاسية لاسباب عديدة لا نريد ذكرها في هذا الحين فاننا نقول لهم ونسالهم ان كانوا حقا من المتعلمين ومن المثقفين الحقيقيين وليسوا من ذوي الثقافة التي قال فيها جحا وهو من المستهزئين ومن الساخرين (صبعين والحق الطين)هل هناك عربي واحد بين كل العرب المتعلمين والمثقفين السابقين منهم واللاحقين انتقد يوما طه حسين لاننا لم نسمعه ولو يوما واحدا من الأيام يتكلم باللهجة الدارجة والعامية المصرية وانما كل احاديثه كانت باللغة العربية الجميلة الندية؟ وهل هناك عربي واحد انتقد يوما واستهجن واحدة من اغاني كوكب الشرق ام كلثوم التي اختارت كلماتها من بين روائع القصائد العربية؟ الم نر والم نسمع كل المستمعين لها الى هذا اليوم المعلوم يصفقون ويهتفون لها بالاعجاب والانتشاء وهم خليط من كافة اصناف الشعب من الذين يفهمون العربية ومن الذين لا يعرفون حتى عدد ومخارج حروف الهجاء؟ اولم نسمع عامة العرب اجمعين في كل البلدان من اطفال ونساء ورجال يحفظون ويرددون رائعة حديث الروح ورائعة رباعيات الخيام ورائعة الأطلال؟ اولم نسمع عامة العرب يحفظون ويرددون منذ زمان وفي اجمل واطول الليالي الساهرة رائعة الجندول ورائعة كليوبترا ورائعة الكرنك لموسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب صاحب النهر الخالد و صاحب الهمسة الحائرة؟ فليت هؤلاء المنتقدين الناعقين والخابطين خبط عشواء للتقليل من شان هذا الرجل المتميز كل صباح وكل مساء يتركون ولا يزعجون اغلبية الشعب الاخرين المتمتعين والمنتشين بلغة وبصوت وباسلوب هذا الرجل المتميز بين الخطباء فنحن ولئن كنا لا نطمع كثيرا في نجاحه ولا في نجاح غيره في سعي سياستهم لصد افعال ومكائد من كثر في بلادنا من الغوغاء ومن المفسدين الا اننا لا ننكر اننا قد استمتعنا ولو قليلا من هذا الرجل بموهبة خطابية ربانية تشجي السامعين وتنظف اذاننا مما علق بها من اوساخ خطب المتطفلين الناعقين الذين لا يحسنون مجرد نطق الحروف العربية بل يجهلون حتى قواعدها النحوية والصرفية فيكسرون الفاعل ويرفعون المفعول وينصبون المجرور وغير ذلك من الأخطاء التي لوبعث سيبويه من قبره يوما وسمع بها لتساءل هل هؤلاء حقا من العرب ومن قراء ومن حفاظ ذلك الكتاب العظيم المبين المسطور؟ ام انهم من الجهلة الذين يحسن بالعقلاء ان ييأسوا من فهمهم وسلامة ذوقهم ومن حسن نواياهم كما يئس الكفار من اصحاب القبور؟