كتبت في مقال سابق ان تونس قد غبنت بضياع جامع الزيتونة وبفقدان عظماء علمائه ذوي العلوم الغزيرة والبداهة الكبيرة والعقول الراجحة الموزونة واريد في هذا المقال ان اروي نادرة تاريخية رواها لي احد علماء تلك الفترة الزاهرة الزيتونية عن الشيخ سالم بوحاجب رحمه الله وهو من كبار علماء الزيتونة اشتهر بالعلم والذكاء وقوة الشخصية والصراحة والدهاء... قال لي شيخي رحمه الله وطيب بالمسك ثراه ان الشيخ سالم بوحاجب قد ارتحل الى اروبا وبقي فيها سنين في صحبة الجنرال حسين رحمهما الله اجمعين وفي فترة زيارته الى ايطاليا زار الكنيسة الكاثوليكية مع مجموعة من المسلمين فلما ارادوا الدخول استوقفهم الشيخ بوحاجب عند الباب وقال لهم احذروا ان فوق الباب علامة ورمز الصليب فقد تنحنون له وانتم غافلون فقالوا وما حيلتنا اذا في الولوج والدخول؟ فقال عليكم ان تدخلوا مستدبرين الباب (اي بقفاكم) ولا تدخلوه مستقبلين فلما دخلوا كما امرهم الشيخ بوحاجب غضب قسيس الكنيسة واسر ذلك في نفسه ولكن الشيخ بوحاجب شعر بغضبه واسفه فاراد الزيادة على ما الم به فسلم عليه قائلا السلام عليك و كيف حالك وكيف حال اهلك وحال ابنائك؟ عندئذ ازداد غضب القسيس واشتد لانه يعلم ان الشيخ يعلم جيدا انه لا ينبغي للقسيس ان تكون له صاحبة ولا اهل ولا ولد عندئذ قال للشيخ مبادرا بالهجوم اجبني ايها العالم المسلم الموسوم لماذا تلبسون في بلادكم الشاشية الحمراء المزينة بالكبيطة السوداء وتعتمون بالعمامة الطويلة البيضاء؟ فظن الحاضرون ان القسيس قد اربك الشيخ بهذه الأسئلة المحرجة وتمنوا لو انه لم يسبقه بتلك الكلمات التي ذكرها له في التحية السالفة المجلجلة لكن الشيخ بدا في الاجابة بسرعة مذهلة وكانه كان متحضرا ومستعدا لمثل هذه الاسئلة فقال بفصاحة وهدوء ان الشاشية عندنا ترمز الى دم الشهداء وان الكبيطة السوداء ترمز الى المسالة الخلافية العميقة القديمة النكراء بيننا وبين النصارى الذين يقولون ان الله ثالث ثلاثة ولا يقبلون في ذلك جدالا ولا تشكيكا ولا مراء اما العمامة البيضاء فهي كفن المسلم الطاهر النظيف يصاحبه حيثما ارتحل وحل في الشتاء او في الصيف ...فعجب الحاضرون من علم ومن بداهة ومن ذكاء ومن فصاحة الشيخ سالم بوحاجب اما عن القسيس فلاشك انه قد ادرك انه اصبح في وضعية المطلوب بعد ان كان يظن انه طالب ومنتصر وغالب غير مغلوب...فهل تاكدتم ايها القراء من غبينة تونس لما خسرت جامع الزيتونة وخسرت دوره في تخريج مثل هؤلاء العلماء فمن يجد لنا واحدا مثله اليوم فليشر اليه وليحدثنا عنه وسنجازيه بشكر جزيل يملا الأرض ويملا السماء والى اللقاء.