"فيروس كورونا " هذا الوباء الفتّاك و القاتل و العادل أيضا بين مخلوقات الله و الذي جعل من " العولمة " - التي ترتكز أسسها على حرية الملاحة و حرية تنقل الإنتاج وحرية تنقل البشر عبر القارات – جعلت منها نكتة ساخرة وأضحوكة العصر و مهزلة لا وراءها مهزلة؟ كيف لا و قد قوّض هذا الفيروس كل مرتكزات هذه العولمة و التي أضحت رهينة في " تركينه " و جمّد و شلّ كل حركتها فلا بواخر و لا طائرات و لا سفن و لا قطارات و سيارات و لا شاحنات بل أبقت جلّ البشر قسرا في بيوتهم متوعدا من يغادرها بالويل و الثبور؟ هنا تجتاحني عديد الأسئلة ولعلّني من خلالها أخلص إلى سؤال واحد كبير مفاده لماذا لا نتذكر أمورنا إلاّ ليلة صلّ الله كما يقال و بعد ما " تتخذّ " الدنيا؟ هل هو تقصير من حكامنا و سياسينا؟ هل تنقصهم الحكمة؟ هل ينقصهم بعد النّظر؟ هل ينقصهم الاستشراف؟ هل دائما يرونا السماء صافية و العصافير تزقزق و لا يتوقعون إلاّ الربيع و الصيف أ لا يوجد بين فصول السنة فصول معربدة مثل فصلي الخريف و الشتاء؟ أ لا يستلهمون و يستخلصون العبر من تاريخ الإنسانية بحلوه و مرّه؟ أ لم تمرّ على الانسانية أوبئة عبر التاريخ حصدت ما حصدت من الأرواح في تلك العصور؟ لماذا كلّ هذا النّوم العميق في العسل حتّى نتفاجأ بما لم نكن ننتظر؟ و بالتالي نسأل من المسؤول عن كلّ ما يجري الآن من أخطار محدقة بنا جميعا؟ لا تقولوا إنّه القضاء و القدر؟ فهل عملتم شيئا يدرئ عنّا مثل هذا الخطر؟ إنّها مسؤولية اختيارات حكامنا و أولي الأمر فينا؟ أ لم تقولوا و أن الحكم تكليف و ليس تشريفا؟ أرينونا كيف يتجسّد هذا التكليف بعد أن حصدتم ما حصدتم من مغانم الحكم و السلطة؟ اليوم جاء دور من يحكمنا ليشمروا عن ساعد الجدّ و يعملوا على إنقاذ ما يمكن انقاذه من حياة شعوبكم التي أمنتكم على قوتها و صحتها و تعليمها و أمنها؟ و هنا أيضا تستحضرني سياسة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة و الفكر البورقيبي عموما الذي راهن على الاستثمار في الإنسان عبر صحته و تعليمه و رقي مستواه الاجتماعي و لم يراهن كما فعل غيره يراهن على تكديس الأسلحة، و التي اتضح و أنّها لا تنفع و تجدي حين تكون صحة البشر في الميزان، و يكفي القاء نظرة عمّا تعانيه الآن بعض الدول العظمى من جرّاء استفحال هذا الوباء الكوروني و انتشاره في مساحات كبيرة في البشر و انظروا الموتى بالآلاف لديها؟ فهل نفعت هذه الدول - على عظمتها و غطرستها الأسلحة الفتاكة و تكديسها لديها ؟ و لعّلني أيضا استحضر بعض كلام الزعيم بورقيبة حين كان يقول و يعيد و يكرر على مسامعنا و مسامع العالم كلّه بأنّ بناء مستشفى أو مدرسة أهم من بناء مساجد و جوامع؟ و استحضر و قتها و أنا تلميذ في المرحلة الابتدائية كيف رماه البعض بالإلحاد و الخروج عن النّص ؟ و بالله عليكم من منّا اليوم لا يستحضر كلّ تلك حملات التلقيح ضد الأوبئة منذ الستينات و لعلّ في مقدمتها التلقيح ضدّ السل – عفانا و عفاكم الله - و بالتالي فليتأكد الجميع و خاصة ممن يرمي الزعيم بورقيبة اليوم من هؤلاء الثورجيين الجدد الذين لم يتعلموا من التاريخ إلاّ القذف و الشتم لرموز تونس و أنّه لو لا سياسة الزعيم بورقيبة التعليمية و الصحية و الاجتماعية لكان اليوم فيروس كورونا أكثر فتكا فينا؟ و أيضا لكانت نسبة الأمية لدينا مرتفعة؟ لأختم هذه الورقة بنداء إلى كلّ رجال تونس الأوفياء، مع التأكيد على صفة الأوفياء، أن ينهلوا من تاريخ بورقيبة و نظرته الاستشرافية و بعد نظره لقادم الأيام و يبنوا مخططاتهم على الاستشراف و الوعي خاصة على أنّ الصحة و التعليم و الرقي الاجتماعي هي من أساسيات النجاح في المستقبل بعيدا عن التناحر السياسي و التقوقع في الأطر الحزبية الضيقة التي لا تجدي نفعا حين يمرض المواطن أو يجوع المواطن أو يسود الجهل هذا المواطن أو لا يجد شغلا يحفظ كرامته؟