منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    السجن ضد هذه الإعلامية العربية بتهمة "التحريض على الفجور"    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    وفد "مولودية بوسالم" يعود إلى تونس .. ووزير الشباب والرياضة يكرم الفريق    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس...الإسلام الذّبيح!! ماذا وراء القرار المريب بتعطيل شعائر الحجّ والعمرة في تونس؟!


سم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين
تونس...الإسلام الذّبيح!!
الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس:
ماذا وراء القرار المريب بتعطيل شعائر الحجّ والعمرة في تونس؟!

في يوم الخامس من شهر فيفري 1960 وقف "بورقيبة" – حاكم تونس السّابق – ليأمر الشّعب التونسي بالتخلّي عن فريضة من فرائض الإسلام، وذلك بالامتناع من صيام رمضان! والإقبال على العمل للخروج من التخلّف؛ إذ قال صراحة في خطاب عامّ موجّه منه إلى عموم التونسيين: " إنّ الدّين يأمركم أن تقووا على أعدائكم كي لا تبقوا في مؤخّرة الأمم، وإذا اردتم أن يكتب الله لكم ثوابا في الدار الآخرة فما عليكم إلاّ أن تعملوا بضع ساعات إضافية خير لكم من صوم لا عمل فيه يدفعكم إلى زيادة التقهقر..إن الدين والحالة تلك لا يطالب بالاستمرار في الصوم ويراه غلوا ولا غلوّ في الدين. ولكنّه الجهل جعل الناس يعتقدون أمورا ما أنزل الله بها من سلطان عن حسن نيّة.."[1].
ولقد أحدث خطابُه يومها صدمةً عنيفة هزّت مشاعر عموم أهالي تونس!! لِما اشتمل عليه من تعطيل صريح لركن من أركان الإسلام الخمسة، ولكنّ أهالي تونس تشبّثوا بدينهم وأصرّوا على القيام بشعيرة الصّيام كأشدّ ما يكون الإصرار رغم أنف بورقيبة وحكومته!! وراح بورقيبة، وبقي صوم رمضان وسيظل راسخا في قلوب التونسيين رسوخ الجبال.
وها هو التاريخ في تونس يعيد نفسه، حيث عمد حكّام السابع من نوفمبر أخيرا إلى اقتراف جريمة مماثلة، تمثلت في إصدارهم قرارا يقضي بتعطيل شعائر الحجّ والعمرة لهذا العام 1430 هج - 2009م. وحرمان الشعب التونسي - من بين جميع شعوب الأمة الإسلامية وأقلياتها وجالياتها في كافّة أقطار العالم - من أداء شعائر دينهم! وهذا ما يدعونا في هذا المقال إلى البحث عن مرامي هذا القرار الحكومي المريب!!
- مسألة الحجّ والعمرة والمواقف الحكومية المتردّدة:
* لا تعطيل للشعائر: تقول صحيفة الشروق التونسية: " تردّدت في تونس إمكانية اتّخاذ قرار إلغاء العُمرة والحجّ.."الشروق" بحثت عن صحّة ما يتردّد في تونس وسألت الهياكل المعنية وحصلت على الإجابات التالية. كانت البداية بالاتّصال بسلطة الاشراف - وزارة الشؤون الدينية - التي نفت عَبْر مصدرها إمكانية إلغاء العُمرة والحجّ على خلفية أنّ التونسي يخضع إلى جميع الفحوصات اللازمة قبل السّفر كما يقوم بالتلاقيح ضدّ الأوبئة، وبالتّالي لا خوف عليه من أداء مناسك الحجّ أو العمرة. كما استبعد مصدرُنا إمكانية العدوى نظرا للاجراءات المشدّدة التي تتّخذها السّلطات السعودية بالمطارات للتثبّت من صحّة الحجيج. وأضاف أنّ وباء "انفلونزا الخنازير" لا يختلف في شيء عن "انفلونزا الطيور" الذي لم يعطّل عملية العُمرة ولا الحجّ عند ظهوره. واعتبر أن حرمان المواطن من الحج أقسى بالنسبة إليه من العدوى بأيّ مرض، وأكبر دليل على ذلك الألم والحسرة الكبيرة التي نراها في عيون الحجيج الذين تمنعهم الفحوصات الطبية من الترشح بسبب موانعهم الصحية "[2].
كان ذلك موقف الوزير في شهر مايو، ولكنّه في شهر جوان/ يونيو، قرر تعطيل العمرة في رمضان! ولمّح إلى احتمال تعطيل شعائر الحجّ في شهر نوفمبر!!
* قرار بتعطيل شعيرة العُمرة في رمضان!
نقلت وسائل الإعلام عن "أبوبكر الأخزوري" – وزير الشؤون الدّينية في تونس- قوله: إنه "تمّ تعليق العُمرة في انتظار النظر في مسألة تعليق الحجّ إذا ما تأكّدت خطورة ذلك على صحّة حجيجنا - حسب ما يفرضه الوضع العالمي- بما أنّ السّفر إلى البلد الموبوء غير جائز"[3].
هكذا حكم الأخزوري على بلاد الحرمين - بلا بيّنة ولا هدى ولا كتاب منير - بأنّها بلد موبوء! وقرّر تعطيل شعيرة العُمرة، بصفة اعتباطية! مرجئا النظر في قرار تعطيل الحجّ إلى ما تُسفر عنه تطوّارت الأوضاع الصحّية.
* تلميح بتعطيل الحجّ: وبعد ذلك عاد الوزير الأخزوري، وصرّح في شهر جوان / يونيو الماضي أمام لجنة في وزارة الصحّة قائلا " إنّ الأوضاع الصحّية في العالم تستلزم التفكير في منع رحلات الحجّ للعام 2009 - وأضاف قائلا - سيتقرّر ذلك على ضوء التطوّرات الصحيّة على المستويين الإقليمي والدولي"[4]. وفي بيان لها قالت وزارة الشئون الدينية بتونس: " نظرا لطبيعة هذه الظاهرة (إنفلونزا الخنازير) ولمدى انعكاساتها الصحية المتوقعة في موسم الحجّ القادم، وتأكيدا أنّ حفظ النفس من أسمى مقاصد الدّين الإسلامي الحنيف، تدعو اللجنة الوطنية للحجّ المواطنين الذين أدرجوا بقائمة حجّاج هذا العام بعد الفحص الطبي الثاني إلى التروي قبل البتّ في ذلك تجسيدا لروح المسئولية وتنصحهم بإرجاء القيام بالفريضة الخامسة إلى سنة قادمة "[5].
ويبدو أنّ هذا التّلميح، إنّما كان يهدف إلى ترويض النّاس وتهيئتهم، من جهة، وسبر مدى قوّة ردة الفعل الشعبي إزاء قرار التعطيل في حال اتّخاذه من جهة أخرى!
* قرار تعطيل شعائر الحجّ!
ثمّ فوجئنا بعد ذلك بقرار الحكومة التونسية تعطيلَ شعائر الحجّ لهذا العام! وصدر بذلك بلاغ عن وزارة الشئون الدينية هذا نصّه " تأكيدا على أنّ حفظ النّفس من أسمى مقاصد الإسلام الحنيف، واعتمادا على النتائج التي أفضى إليها عمل اللّجنة المكلّفة بوزارة الصّحة العموميّة برصد الوضع الوبائي النّاجم عن فيروس ( أي أتش 1 آن 1) الذي أضحى من أوكد مشاغل العالم اليوم، واعتبارا لما أبدته اللّجنة الوطنيّة للحجّ، ولواجب التّوقّي من أخطار هذا الفيروس الذي يخشى من سرعة انتشاره بسبب برودة الطّقس المتزامنة مع موسم الحجّ بما يُسقط شرط الاستطاعة، تعلم وزارة الشؤون الدّينيّة بأنّ الحرص على المصلحة بمعنييها الدّيني والوطني قد اقتضى دعوة الرّاغبين في أداء فريضة الحجّ هذا العام إلى إرجاء ذلك إلى سنة قادمة "[6]. وادّعى الوزير " أنّ شرط الاستطاعة لم يعد قائما"! متذرّعا بأنّ اللجنة الوطنية المكلّفة بمتابعة الوضع الوبائي، أفادت بأنّ اللقاح لن يتوفّر قبل أواخر شهر أكتوبر 2009 وأنّ عمليّة التلقيح بكلّ ما تستوجبه من توفير للضّمانات المتعلّقة بمسالك التّوريد والتوزيع والقيام به في أحسن الظروف لا يمكن إنجازها قبل أسبوعين من موعد الحصول على التأشيرة كما هو مشروط من قبل الدوائر السّعودية " - وأضاف – قائلا " إنّ القرار الخاصّ بموسم الحجّ يتعلّق بإرجاء أداء هذا المنسك الى السّنة القادمة على خلفية التوقي من الوضع الوبائي الناجم عن انتشار انفلونزا الخنازير؛ ولا يعتبر تعطيلا ولا إلغاء على اعتبار أنه لا يمكن أن نعطّل حكما شرعيا، سيما أن تونس حريصة على إقامة الشعائر وأكبر شاهد على ذلك هو الواقع المعيش..."[7]. وتعقيبا على سؤال حول موقف الوزارة من ظاهرة الحجّ الموازي التي تنتعش في مثل هذا الوضع وتنظّم خارج الأطر الرسمية؟! شدّد وزير الشؤون الدينية على أنّه " لا مجال للقبول أو السّماح بذلك بالنّسبة للمقيمين في تونس - وأضاف ردّا على سؤال لأحد الاعلاميّين - بأنّ الحجّ بَرًّا ممنوع وحتى في حال تمكّن البعض من الحجّ عبر هذا المنفذ فانهم سيُخضّعون عند العودة الى الاجراءات الصارمة للحجر الصحّي لوقاية المجموعة الوطنية من كلّ مخاطر العدوى وانتشار المرض "[8].
- مطاعن في قرار تعطيل شعائر الله
إنّ الهيئة العالمية لنصرة الإسلام، بعد اطّّلاعها على هذا البلاغ وحيثياته ودوافعه ومبرّراته ومراميه ومقاصده، الظّاهرة والخفية، تعلن ما يأتي:
- إنّ حفظ النّفس البشرية ووقايتها من الأوبئة والآفات والطّواعين والأمراض، والمهالك، أيّا كانت، مقصد شرعي من أعظم مقاصد الدّين الإسلامي المُجمَع عليها! ولكن حفظ النفس البشرية، إنما يأتي في المرتبة الثانية من مقاصد الشريعة بعد حفظ الدّين، وهو ما أثبتته نصوص الكتاب والسّنة، واتّفق عليه جميع علماء الأصول كالجويني والآمدي والغزالي[9] والعزّ بن عبد السلام والشاطبي[10] وغيرهم. وهذا ما أقرّ به الوزير نفسه بقوله " لا يمكن أن نعطّل حكما شرعيا، سيما أنّ تونس حريصة على إقامة الشعائر "[11].
وإذا كانت تونس حريصة - كما زعم الوزير - على إقامة الشعائر، فكيف تعطّل شعيرة الحجّ - مع أنه ركن من أركان الإسلام الخمسة - بناء على علل واهية وظنون واهنة! وكيف يسمّي الوزير، منع النّاس من أداء ركن من أركان دينهم تأجيلا، لا تعطيلا؟! وهو يصدّهم عن المسجد الحرام قهرا، ويمنعهم من الوصول إليه قسرا، وذلك بتشديد الخناق على كلّ من يتمكّن منهم بصفة فردية من أداء مناسكه.
وما علمنا قطّ بأنّه يحقّ لأحد - كائنا من كان ملكا أم وزيرا أم رئيسا أم أميرا - أن يُلزم النّاس بتأجيل ركن من أركان الدّين أو فريضة من فرائضه أو شعيرة من شعائره، من وقت لآخر أو تأخيرها من عام لآخر! استنادا على ظنون وأوهام! وكأنّ آجال النّاس بيده، أو هو ضامن لهم أن يعيشوا ليؤدّوها في العام القادم! كما فعل حكّام تونس بتعطيلهم شعائر الحجّ والعمرة، تلاعبا منهم بدين الله!! فصدَق فيهم قول ابن القيّم رحمه الله:
يَا أُمَّةً لعبتْ بدينِ نبيِّها... كتَلاعُبِ الصِّبيانِ في الأَوْحَالِ
أشمتمُو أهلَ الكتاب بدينِكُم... واللهِ لنْ يَرْضوا بِِذي الأفعالِ
مَا شِئْتَ مِنْ مَكْرٍ وَمِنْ خدًعٍ... وَمِنْ حِيَلٍ وتَلْبيسٍ بِلاَ إِقْلالِ
فاحْتَلْ علَى إِسْقَاطِ كُلِّ فَرِيضَةٍ... وعلَى حَرَامِ اللهِ بالإِحْلالِ
ثمّ من أين لهذا الوزير أن يحكم بسقوط شرط الاستطاعة مع تحقّقها بثبوت صحّة باقي مجموع الأفراد المكتتبين للحجّ والبالغ عددهم 2751 - وسلامتهم إثر عملية الفرز أو الفحص الطبّي الثاني – المُصرّين على أداء فريضة الحجّ. كلّ هذا مع تأكيد الوزارة نفسها على " أنّ التونسي يخضع إلى جميع الفحوصات اللازمة قبل السّفر كما يقوم بالتلاقيح ضدّ الأوبئة، وبالتّالي لا خوف عليه من أداء مناسك الحجّ أو العمرة ". مع اعترف الوزير نفسه " بأنّ حرمان المواطن من الحجّ أقسى بالنّسبة إليه من العدوى بأيّ مرض"[12]؛ فإذن بأيّ وجه يُحرَم المواطن التونسي من تحقيق أمنية العُمر لديه في أداء مناسك الحجّ؟! فتذهب نفسه عليها حسرات، وربما تسبّب هذا القرار الجائر في موت كثير من الناس كمدا. خصوصا وأنّ مرض "انفلونزا الخنازير" الذي ظهرت أعراضه في العديد من أقطار العالم، لم يبلغ من الانتشار ببلاد الحرمين حدّا جعله يكتسي صفة الطّاعون أو الوباء العام، الذي عمّت بلواه، وانتشرت عدواه، فأودت بحياة المئين أو الالوف من الحجّاج أو العمّار، ممّا يسوّغ لحكّام تونس تعطيل شعائر العمرة والحجّ لهذا العام، وقاية - بزعمهم - للحجّاج والمعتمرين التونسيّين من مخاطر العدوى!
- إنّ قرار التّعطيل هذا، يكون وجيها - بل واجبا شرعيّا - لو أن بلاد الحرمين كانت – لا قدّر الله – موبوءة بهذا المرض؛ وذلك عملا بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم – " إذا كان الطّاعون بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا عنها وإذا كان بأرض ولستم بها فلا تقربوها "[13]. وقوله - عليه الصلاة والسلام - " لا يوردنّ مُمرضٌ على مُصِحّ "[14] .
ولكنّ بلاد الحرمين كانت - بحمد الله - سليمة من هذا المرض. وحتى الإصابات المُعلن عنها هناك، فهي طارئة على البلاد، كما أنّها معدودة في الكمّ ومحدودة في الانتشار بل محصورة! وفي انحصارها هذا ما يمنع انتشارها أو تحوّلها إلى طاعون أو وباء عامّ ، يبرّر لحكّام تونس تعطيل ركن من أركان الإسلام، وحرمان الشعب التونسي – من بين جميع الشعوب الإسلامية في العالم – من أداء فريضتهم الشرعية؟!
- لقد سبق للحكومة التونسية أن عطّلت - بهذه الذريعة - شعيرة العُمرة في شهر رمضان الماضي؛ حيث قال أحد المسئولين فيها " فعلى خلفية التطوّر السريع للوباء وسعيا من تونس لتأخير تفشيه محلّيّا أكثر ما يمكن، جاء القرار بتعليق العمرة أوّلا على اعتبارها ليست بالفَرض، ثانيا على اعتبار أنّ سرعة التفشّي تقول بأنّ تجمّعا مثلما سيقع في العمرة من شأنه أن يصيب ما يناهز نصفَ الحاضرين، هذا التوقّع جاء اعتمادا على أبحاث علمية واختبارات ميدانية.."[15].
ولكن واقع الحال، وعودة جميع المعتمرين إلى بلادهم - بفضل الله - سالمين، قد كذّب هذه التوقّعات! وسفّه نبوءات الأبحاث العلمية ونتائج الاختبارات الميدانية، المدّعى بها! وهو ما كان يستوجب من الحكومة التونسية مراجعة قرارها، وذلك بعدم تكرار خطئها بتعطيل شعائر الحجّ بتلك الذريعة نفسها. ولكنّ الحكومة التونسية، بدل مراجعة الحقَّ، تمادت في الباطل! فبدل التريّث والتّشاور مع مختلف الأطراف العربية والإسلامية والجهات الطبّية والصحّية الإقليمية والعالمية، المعنية بالأمر، سارعت مرّة أخرى بقرار تعطيل شعائر الحجّ، دونما سند شرعي، إلاّ الادّعاء بالحرص على سلامة الحجّاج التونسيين وصحّة المواطنين؛ وكأنّها هي أرحم بالعباد من ربّ العباد!!
- مصدر العدوى الحقيقي في تونس لا في بلاد الحرمين!
- إنّ تعليل قرار التّعطيل بدعوى حماية الحجّاج التونسيين من مخاطر العدوى، تعليل واهٍ وواهنٌ! لكونه غيرَ مستنِد إلى تقارير طبّية ولا على وقائع ميدانية تؤكّد استشراء المرض بصفة خطيرة، ولا على أدلّة شرعية! تسوّغ تعطيل الشعائر؛ ذلك أنّ عدد الإصابات المُعلنة في بلاد الحرمين كانت 26 إصابة في مقابل 73 إصابة مسجّلة في تونس! وهذا طبقا للإحصاءات التي قدّمتها منظّمة الصحّة العالمية! هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ المصابين في تونس - كما قال صحفي تونسي – فقد " لقط أغلبهم (40 حالة) الجرثومة من بلد أوروبي، وليس من بلد عربي أو إسلامي"[16] فهل حمل ذلك الحكومة التونسية على حظر السّفر إلى بلاد أوروبا أو منها إلى تونس!؟ كما أنّ إصابات أخرى وردت على تونس من الولايات المتّحدة الأمريكية وكندا، فلم لم توقف الحكومة التونسية الرحلات القائمة مع هذه البلدان، كما فعلت مع بلاد الحرمين الشريفين؟!
- وأمّا مرصد الأمراض الجديدة والمستجدّة التّابع لوزارة الصحّة العمومية التونسية، فقد أصدر نشرة إعلامية كشف فيها عن "بداية ظهورٍ محلّي لوباء أنفلونزا الخنازير" من المتوقّع أن ينتشر في الأيام المقبلة. وذكرت الوثيقة الصادرة بتاريخ 5 أكتوبر، أنّه سجّلت في 26 أيلول / سبتمبر الماضي، أُولى الحالات المحلّية للإصابة بأنفلونزا الخنازير في عدّة مؤسّسات تعليمية بضواحي العاصمة تونس، دون أن يكون لها علاقة بتسرّب العدوى من خارج البلاد. وأظهر المرصد حسبما جاء بوكالة "قدس برس" أنّه تمّ تسجيل 91 إصابة بأنفلونزا الخنازير في تونس منذ اكتشاف أولى الحالات في حزيران / جوان الماضي، بينهم 9 فرنسيين و16 مصابا من جنسيات أجنبية مختلفة. وأوضح كذلك أنّ 47 من الحالات ناجمة عن انتشار العدوى في تونس في حين وفدت البقية من الخارج. وسجّلت أكثر الإصابات بالعدوى في المعهد الفرنسي "منداس فرانس" (27 حالة بينها مدرّسان) و3 حالات بمعاهد في الضاحية الشمالية بالعاصمة وحالتان بمدرستين في أحياء "سيدي حسين" و"الحرايرية" ذوي الكثافة السكانية العالية غربَ العاصمة. ولم تعلن الوثيقة عن أيّة حالة وفاة لدى الإصابات المكتشفة "[17].
- فأين كان إذن مصدر الخطر الحقيقي من انتشار العدوى الذي يتهدّد حياة الحجّاج التونسيين! ويُخشى من انتقاله إلى تونس بواسطتهم، فهل هو في بلاد الحرمين أم هو في تونس؟! كما كشفه التقرير آنفا؟! حتى يعطّل حكّام تونس شعائر الحجّ والعمرة!!
لقد كان من واجب الحكومة التونسية، قبل اتّخاذها هذا القرارَ المتعجّلَ، أن تتشاور مع حكومة بلاد الحرمين في الموضوع، وتتّفق معها على إرسال وفد طبّي تونسي أو عربي أو إسلامي مشترك، لدراسة الحالة الصحّية في أرض الحرمين، إبّان موسم العمرة وكثافة أعداد العُمّار في شهر رمضان! للتّحقق من مدى سلامة الوضع الصحّي من عدمه، وما يُتوقّع من حاله ومآله إبّان حلول موسم الحجّ.
- قرار التعطيل مبنيّ على ظنون وأوهام!
إنّ اتّخاذ الحكومة التونسية لهذا القرار، بصفة منفردة، دون تشاور مع حكومة بلاد الحرمين، أو إرسال وفد طبيّ تونسي إلى هناك للتحقّق من مدى خطورة الوضع الصحّي على الحُجّاج والعُمّار عامّة، ودون صدور أيّ إجراء من حكومة بلاد الحرمين، يُنذر بمخاطر انتشار العدوى، ويوصي جميع الحكومات العربية والإسلامية بضرورة إرجاء الحجّ هذا العام إلى أن يزول هذا المانع، إنّ تفرّد حكّام تونس - من بين جميع حكّام العالم الإسلامي بل العالم أجمع – بالمسارعة إلى ارتكاب هذه الخطيئة باتّخاذ هذا القرار المنفرد! ينمّ عن إصرار حكّام تونس على تعطيل شعائر الله! إذ صدّوا التونسيّين في شهر رمضان عن أداء شعيرة العُمرة، وذلك بموجب قرار مبنيّ على ما زعموه من "أبحاث علمية واختبارات ميدانية"، تبيّن فيما بعد أنّها ما كانت إلاّ ضربا من الأوهام والظّنون! وهاهم أولاء يصدّونهم مرّة أخرى عن أداء مناسك الحجّ! بالاستناد على نفس تلك الظنون والأوهام! وما تعلّلهم بمسألة "انفلونزا الخنازير" إلاّ ذريعة واهية وحيلة كاذبة لتبرير قرار التعطيل المريب!!
- لقد سبق للحكومة التونسية أن اتّخذت إجراءات وقائية " وحسب مصدر رسمي فإنّ التّوصيات التونسية..قضت بإعفاء كلّ من جاوز سنّ ال 65 من أداء هذه المناسك وكذلك كلّ من هو مصاب بمرض مزمن كأمراض القلب والسكري والغُدد وقصور الكِلى ولو كانت هذه الأمراض تحت السيطرة وكلّ من يعاني من الرّبوِ وضيق التنفّس وكلّ من يشكو السمنة المرضية، هذا إضافة لإعفاء النساء الحوامل والأطفال...على خلفية أن هذه الفئة ستكون الأكثر تأثرا بفيروس أنفلونزا الخنازير[18].
وهي إجراءات وقائية ضرورية قد توخّتها كذلك حكومات البلدان الأخرى لحماية هذه الفئة من النّاس المعرّضين أكثر من غيرهم للإصابة. ولكن ما يدعو إلى الاستغراب هو تعمّد حكّام تونس، بعد ذلك، تعميم قرار المنع على جميع الأصحّاء الرّاغبين في أداء مناسك الحجّ، دون إجراء استشارة عامّة، أو دون ترك الخيار للنّاس في اتّخاذ القرار بالذهاب من عدمه بصفة فردية، مع إلزام الرّاغبين المصرّين - بعد الفرز الثاني - على الذهاب، بالخضوع لكافّة الاجراءات الوقائية من تلقيح وتطعيم وأخذٍ للأمصال اللازمة؟! ولقد كان بوسع الحكومة التونسية - لو كان لديها أدنى اعتبار للإسلام وشرعه وشعائره، واحترام لمشاعر التونسيين – أن تنسّق موقفها كذلك مع حكومات اتّحاد دول المغرب العربي؛ وذلك تفاديا لتبعات التفردّ بالقرار في أمر ديني يتعلق بشعائر المسلمين! حيث " اعتبر وزير الأوقاف والشؤون الدينية الجزائري أنه لا يمكنه إعلان تأجيل الحجّ أو إلغاؤه ما لم يُعْطَ الضوءَ الأخضرَ من وزير الصّحّة؛ في حين قال هذا الأخير إن قرار منع الحجّ لهذا العام يجب أن يكون قرارا جماعيّا تتّخذه الدّول الإسلامية مجتمعة، داعيا العلماء إلى حسم الأمر واتّخاذ قرار واضح في الغرض"[19]. و" في المغرب سارع وزير الأوقاف والشئون الإسلامية إلى طمأنة الحجّاج المغاربة بأنهم سيؤدون فريضتهم في وقتها"[20]. وأكّد " المجلس العلمي الأعلى" في المغرب، حول موضوع أداء مناسك الحجّ والعمرة، أنّه لا يجوز، في الوقت الرّاهن، أن تؤدّي الإشاعات حول فيروس "آش1 إن1 " إلى إفساد نيّة من يريد أداء العمرة، أو يعتزم الذّهاب إلى الحجّ"، مضيفا أنّه " إذا ما ظهر ما يوجب خِلافَ ذلك، فسيكون بقرار رسمي، يُعلَم به الجميع". وحثّ المجلس العلمي، كلّ من آنس في نفسه الاستطاعة الشرعية للعمرة أو الحجّ، أن يبقى على نيّته، موازاة مع تتبّعه لتطوّر هذا الوباء مع الجهات المختصّة "[21].
فما الذي يحمل حكامَ تونس يا ترى على تعمّد إلغاء الحجّ والعمرة، من دون استشارة العلماء المختصّين في مكافحة الأوبئة والأمراض المُعدية، ودون صدور فتوى شرعية جماعية من العلماء بمنع السفر من جميع أقطار العالم إلى أرض الحجاز لأداء مناسك الحجّ والعُمرة، بناء على توصيات طبّية تنذر بخطورة الوضع الصحّي! في بلاد الحرمين. وهكذا شذّ حكام تونس عن جميع حكام العالم باتّخاذهم هذا القرار الغريب والمريب والمخالف أصلا للإجماع!
- إجماع العلماء على عدم جواز تعطيل المناسك بناء على الظنون
وممّا يطعن في صحّة قرار حكّام تونس كذلك، ما ذهب إليه معظم العلماء من عدم جواز تعطيل مناسك الحجّ والعُمرة؛ فقد ذكر الشيخ "حسام عفانة" - في معرض جوابه عن مسألة انتشار إنفلونزا الخنازير وتأثيرها على الحجّ والعمرة - قائلا " من النوازل المعاصرة التي تحتاج إلى دراسة طبية فقهية معمّقة، وما صدر من فتاوى طالبت بإلغاء موسم الحجّ لهذا العام وتأجيل العمرة، ما هي إلاّ فتاوى متسرّعة ومتعجلة، لم تدرس النّازلة وفق القواعد والضّوابط الشرعية المقرّرة لدراسة القضايا المعاصرة، والفتاوى المطالبة بإلغاء موسم الحجّ لهذا العام مَشَتْ على منهج المبالغة في التّيسير والتّساهل بحجّة أنّ الدّين يُسر، وأن المصلحة تقضي بالمحافظة على صحّة الناس، وأن حفظ الصحّة أهمّ من الشعائر..وهذه المخاوف التي بنيت عليها هذه الفتاوى المتسرّعة ما هي إلا ظنون متوهّمة ولا يجوز شرعاً أن نلغي فريضة الحجّ بسبب هذه الأوهام. ويمكن تلخيص الردّ على هذه الفتاوى العرجاء بما يلي:
1- إنّ المبالغة في العمل بالمصلحة ولو عارضت النّصوص الشرعيّة أمر مرفوض شرعاً، لأن المصلحة دليل متأخّر الرُّتبة عند من يستدلّ به. ولا يجوز بحال من الأحوال تقديم المصلحة على نصوص الكتاب والسنّة، حيث إنّ الحجّ فريضة مُحْكمَة، يقول الله عزّ وجلّ: ( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) [آل عمران : 97].
2- هنالك تسرّع واضح في إصدار هذه الفتاوى قبل استشارة أهل الاختصاص من الأطباء وغيرهم، فإنّ رأي الجهات الطبيّة ورأي الأطبّاء الثقات أهل الاختصاص يجب أن يؤخذ أولاً وبعد دراسته يمكن إصدار الفتاوى المناسبة، ومن المعلوم حتى الآن أن الأطباء لا يقولون بأنّه يوجد داعٍ لإلغاء موسم الحجّ بسبب إنفلونزا الخنازير، فقد قال الدكتور "حمدي السيد" نقيب الأطباء المصريين: "إنه لا مانع من إنجاز موسم الحجّ والعمرة، مع ضرورة تقديم السّلطات السعودية ضماناتٍ صحّيةً بالحفاظ على الحجَّاج والمعتمرين، وأعرب عن استغرابه للدّعوات المطالبة بوقف موسمَي الحجّ والعمرة، مؤكّدًا أن العشرات يموتون في الأراضي المقدّسة كلَّ عام بالإنفلونزا وغيرها؛ نتيجة تقدُّم الأعمار، وإصابة عدد كبير منهم بأمراض مزمنة وضعف مناعة ". وأعلنت نقابة أطبّاء مصر في بيان لها أنّه لا ضرورة علمية أو صحيّة لإلغاء رحلات الحجّ والعمرة هذا العام بسبب فيروس إنفلونزا الخنازير‏، معتبرة أن الفيروس المسبّب للمرض (إتش‏1‏ إن‏1‏) هو من نوع الأنفلونزا الموسمية نفسها‏,‏ بل أخفّ منها ضرراً‏ وقالت النقابة‏:‏ إنّ الأطباء المتخصّصين في علم الميكروبيولوجيا الإكلينيكية الذين استُطْلِعَتْ آراؤهم أجمعوا على أن الاتّجاه إلى إلغاء الحجّ والعمرة للمصريين هذا العام يعتبر إجراءً علمياً غير صحيح‏,‏ واستشهدت النقابة بأن معظم المصابين المصريين الوافدين لمصر تماثلوا للشفاء.
3- إن فهم الواقعة المعاصرة فهماً صحيحاً، مطلوب قبل إصدار الفتوى.
4- إن هذه النّازلة المعاصرة العظيمة – انتشار إنفلونزا الخنازير وتأثيرها على الحجّ والعمرة – تحتاج إلى فتوى جماعية تصدر عن المجامع الفقهية المعتبرة، ولا يقبل فيها فتاوى فردية متسرّعة لا تقوم على قواعد الفتوى الصّحيحة. ولا شكّ أنّ الاجتهاد الجماعيّ الذي تمثله المجامع الفقهية اليوم، مقدمٌ على الاجتهاد الفردي الذي يصدر عن أفراد الفقهاء، فهو أكثر دقةً وإصابةً من الاجتهاد الفردي، كما أنّ فيه تحقيقاً لمبدأ الشورى في الاجتهاد، وهو مبدأ أصيل في تاريخ الفقه الإسلامي، قال العلامة ابن القيم: "ولهذا كان من سداد الرّأي وإصابته أن يكون شورى بين أهله ولا ينفرد به واحدٌ، وقد مدح الله سبحانه المؤمنين بكون أمرهم شورى بينهم، وكانت النازلة إذا نزلت بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليس عنده فيها نصٌ عن الله ولا عن رسوله، جمع لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جعلها شورى بينهم"[22]. وما يصدر عن المجامع الفقهية من قرارات، لا يعتبر في حكم الإجماع الأصولي، ولكن قرارات هذه المجامع مقدّمة على اجتهادات أفراد العلماء.
وخلاصة الأمر، أنّه لا يجوز شرعاً المناداة بإلغاء موسم الحجّ وتأجيل العمرة بسبب ظنون وأوهام وتخوّفات لا محلّ لها بسبب إنفلونزا الخنازير، ولا يجوز شرعاً تثبيط هِمم الحجّاج والمعتمرين بمثل هذه الظّنون، ومثل هذه القضايا المعاصرة الكبيرة، تحتاج إلى اجتهادات جماعيّة وأخذ رأي أهل الاختصاص، ومن الغريب أنّ هذه الفتاوى العرجاء طالبت بإلغاء موسم الحجّ وتأجيل العمرة فقط دون النّظر إلى تجمّعات النّاس الأخرى كالتي تحصل في مباريات كرة القدم، ودور السينما والملاهي، وغيرها، ولا نستبعد غداً أن تخرج فتاوى أخرى تنادي بإلغاء صلاة الجمعة وصلاة الجماعة بمثل هذه الظنون والأوهام!!"[23].
- لا يجوز تعطيل الحجّ حتى لو ظهر الفيروس بمكة:
من جانبه، أكّد العلامة الموريتاني وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ "محمد الحسن ولد الددو" على أنه "حتى لو ظهرت إنفلونزا الخنازير بمكّة المكرمة، ما كان لأحد أن يطالب بتعطيل ركن من أركان الإسلام " بحسب "الجزيرة نت". وأوضح الشيخ "ولد الددّو" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى فقط عن القدوم على أرض الطاعون أو الفرار منها. وأضاف أن " كلّ ذلك غير متحقّق في حالة إنفلونزا الخنازير اليوم، فهي لا توجد بمكّة ولا بالمنطقة عموما "[24].
- قرار المجلس الأوروبي للإفتاء
كما أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء (القرار 4 / 19) بشأن السّفر لأداء الحجّ أو العمرة في ظروف انتشار مرض انفلونزا الخنازير (N1H1) وممّا جاء فيه " وقد قام المجلس بالاتّصال بالمسئولين في منظّمة الصحّة العالمية فأفادوا أن هذه الدّرجات المشار إليها هي درجات للانتشار الجغرافي، ولا علاقة لها على الإطلاق بدرجة الخطورة، وقد أعلنت الدرجة السادسة لأن عدّة حالات من المرض قد ظهرت في جميع قارات العالم، وقد أوضحت المديرة العامة للمنظمة - وهي المفوَّضة الوحيدة من قِبل دول العالم بتطبيق وتفسير اللوائح الصحّية الدّولية – أنّ شدّة المرض معتدلة، ولا تزيد عن شدّة الأنفلونزا الموسمية المعهودة. ولم يحدث أبداً من قبل أنّ أوبئة الأنفلونزا الموسمية قد دفعت إلى منع أو تحديد الحجّ أو العمرة، علماً بأنّ حكومة المملكة العربية السعودية قد تعهّدت في بيانها الصادر عن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بتاريخ 22 من شهر جمادى الآخرة لهذا العام 1430هج، الموافق 15 من حزيران (يوليو) 2009م، بتنفيذ الخطّة المتكاملة لمكافحة الوباء، وباتّخاذ الاستعدادات لمنع وقوع المزيد من الحالات. وقد أصدرت وزارة الصحّة في المملكة، الاشتراطات الصحّية لأداء الحجّ والعمرة لهذا العام، واحتفظت بحقها باتخاذ أيّ إجراءات احترازية إضافية. وبناء على ما تقدّم، لا يرى المجلس مسوغاً لأيّة فتوى يكون مفادها تثبيط هِمم من يعقد العزم على أداء الحجّ أو العمرة هذا العام. على أنه من الضروري على كلّ حال اتّخاذ التدابير الواقية من هذا المرض ومن غيره من الأوبئة، وتتلخّص هذه التدابير بالدرجة الأولى في الامتناع عن العناق والقبلات والتّقليل من المصافحة ما أمكن، وغسل اليدين بعد كلّ ملامسة لمريض، أو عقب تلوثّهما، وستر الأنف والفم في حال العطاس والسعال بمنديل ورقي، والأفضل في أثناء التجمّعات استعمال الأقنعة والكمّامات، مع الانتباه إلى تبديل هذه الأقنعة أو الكمامات مراراً، والتخلّص منها بطريقة صحّية.
ومن وسائل الوقاية أيضاً، الالتزام بالتوصيات الصادرة عن السلطات الصحية في السعودية أو في البلدان التي ينتمي إليها الحجّاج والمعتمرون، حول أخذ اللقاحات أو اصطحاب الأدوية اللازمة، علماً بأنّ هذه التوصيات قد يتمّ تخفيفها أو تشديدها بما يلائم الوضع الصحّي السائد. كما يوصي المجلس بتأجيل القيام بأداء هذه المناسك للمسنّين والمصابين بأمراض موهنة، أو المتعاطين لأدوية تخفّف من المناعة، كما يوصي بذلك أولئك الذين حجّوا أو اعتمروا من قبل تخفيفاً للزحام "[25].
إن الفتاوى الصادرة سواء عن المجالس العلمية للإفتاء أو عن أفراد العلماء في مختلف الأقطار والبلدان الإسلامية وغيرها، قد أجمعت على عدم جواز تعطيل شعائر الحجّ والعُمرة، بناء على أوهام أو ظنون!!
- قرار التعطيل غير شرعي وخارق للإجماع الشرعي!
وهكذا فإنّه بناء على مختلف هذه المطاعن، يتبيّن لنا أنّ إصرار حكام تونس على منع الحجّاج التونسيين من أداء مناسك الحجّ والعمرة، هو من قبيل الشّذوذ! الذي حذّر منه النبي[26] - صلى الله عليه وسلم - بل هو خرق لإجماع العلماء على عدم جواز تعطيل هذه الشّعائر!
ومعلوم أنّ هذا التّعطيل إنّما جاء أوّل الأمر بموجب بلاغ صادر عن وزير الشئون الدينية التونسي المدعوّ "بوبكر الخزوري"، ولم يكن مبنيّا على فتوى شرعية صادرة عن مفتي الدّيار التونسية الشيخ "عثمان بطيخ". بل لقد قال الخزوري صراحة " إنّه ليست هناك حاجة إلى فتوى دينية في المسألة إذا ما تأكّد الضّرر من العمرة أو الحجّ، مستشهدا بحديث عمر ابن الخطاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله إنه " إذا جاء طاعون في أرض فلا يخرج من كان بها ولا ندخل عليها"[27].
وما علمنا أنّ وزير الشئون الدّينية المذكور قد تقلّد إلى جانب منصبه الوزاري منصب الإفتاء في الدّيار التونسية ليُصدر هذا القرار!!
وافتئات وزير الشؤون الدينية على اختصاص المفتي، يعتبر تجاوزا في السّلطة! كما أنّه قرار خال من كلّ صبغة شرعية بحكم صدوره عمّن ليس له الصّفة، ومن ليس له أهلية الاجتهاد أو الإفتاء في المسائل الشرعية!
ولقد أدرك القوم بَعد لأْيٍ جدّية هذا المطعن! فأوعزوا في وقت لاحق إلى المفتي بإصدار تصريح يدعّم به القرار الوزاري الخاطئ القاضي بإلغاء العمرة والحجّ، فما جاء تصريح المفتي[28] في وقت لاحق إلا لإضفاء الشرعية على قرار الوزير عديم الشرعية!!
- تعطيل لشعائر الدين لا لحظائر تربية الخنازير!
وممّا يطعن كذلك في نزاهة الحكومة التونسية بقرارها تعطيل شعائر الحجّ، أنّها تجرّأت على تعطيل شعائر الله، ولكنها لم تتجرأ على تعطيل حظيرة واحدة من حظائر تربية الخنازير! فلم تتّخذ أيّ إجراء احترازي بذبح الخنازير أو إعدامها، أسوة بقرار الحكومة المصرية، الأمر الذي أثار مخاوف السكّان التونسيين المجاورين لبعض المزارع المختصّة بتربية الخنازير؛ فقد "عبّرت مجموعة سكّان قاطنة بمنطقة فلاحية تابعة ل«مرناق» بضواحي العاصمة تونس عن تخوّفها من وجود ضيعة فلاحية قريبة منهم تحتوي على اسطبلات مخصّصة لتربية الخنازير البيضاء (Porcs) الموجّهة للاستهلاك السّياحي، ومردّّ هذه التخوّفات هو «حكاية» انفلونزا الخنزير التي كثر الحديث عنها في الأيام الأخيرة. وقال مواطنون من جهة «لبريّة» بمرناق في اتّصال ب"الشروق" إنهم لا يعلمون إن كان تواجد هذا الاسطبل بالقرب من مساكنهم من شأنه أن يشكّل خطرا على صحّتهم بسبب انفلونزا الخنازير، ويأملون في أن تطمئنهم الجهات المعنية أو تقدّم لهم النصائج الضرورية إن تطلّب الامر ذلك. ومن جهة أخرى فإن تونس من البلدان التي تسمح بتربية الخنازير نظرا لحاجة القطاع السّياحي لهذه النوعية من اللحوم حيث يطالب بها السيّاح بكثرة لدى تواجدهم في الفنادق والمطاعم التونسية وهو ما فرض الترخيص لبعض المختصّين بتعاطي هذا النشاط حفاظا على الإقبال السياحي على بلادنا، فانتشرت بذلك تربية الخنازير[29] البيضاء في بعض المناطق من البلاد مما أثار تخوّفات المواطنين القاطنين بهذه المناطق.
رقابة : لم يتسنّ ل "الشروق" الحصول على المعطيات الكاملة حول عدد ضيعات تربية الخنازير في تونس والمناطق الموجودة بها، وهو تكتم غريب من الجهات المعنية بهذا الشأن وكان من الأجدى إنارة الرأي العام حتى يكون على بيّنة من كلّ كبيرة وصغيرة لهذا الموضوع "[30].
- تعطيل الشعائر الدينية لا المهرجانات الغنائية والمقابلات الرياضية!
وممّا ينمّ عن سوء نيّة الحكومة التونسية تجاه الإسلام، أنّها اقتصرت، في معرض الاجرءات الوقائية المتّخذة لمواجهة "مرض انفلونزا الخنازير"، على تعطيل شعائر الحجّ والعمرة! متعامية في الآن نفسه عن التجمّعات الضّخمة في الملاعب والمسارح والملاهي، فلم تتّخذ أيّ إجراء مماثل بتعطيل حفلة واحدة من حفلات الرّقص والغناء والمجون والخناء! ولم تجرؤ على إلغاء مهرجان واحد من مهرجانات الفسق والعصيان والفجور، التي يحتشد فيها ألوف من المتفرّجين! كما لم تعطّل مقابلة واحدة من المقابلات الرّياضية الكبرى ذات الحضور الجماهيري الذي يعدّ بعشرات الآلاف! كما لم توقف هذه الحكومة الاجتماعات الجماهيرية التي عقدها حزب التجمّع الحاكم لما يقارب "اثنين مليون" من أتباعه في طول البلاد وعرضها، لحشد التأييد للامبراطور "بن علي"[31] في حملته الانتخابية إبّان شهر أكتوبر الماضي!!
فلِمَ يا ترى تعامت الحكومة التونسية عن كلّ هذه التجمّعات الجماهيرية التي يكون منها مظنّة الإصابة والعدوى بهذا المرض!! وراحت تعطّل شعائر الحجّ والعمرة، دونما سند شرعي قائم على مبرّر واقعي ولا قرار طبيّ! ( إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ) [النجم : 23]، وكأنّ لسان حال الإسلام في تونس يقول:
أَحرامٌ على بَلابلِهِ الدَّوْحُ حَلالٌ على الطّير مِن كلِّ جِنْسِ؟!
وممّا يميط اللثام عن سوء نية الحكومة التونسية في اتّخاذ هذا القرار، كذلك منعُها الحجَّ الفرديَّ أو الموازيَ! وذلك بتشديدها الرّقابة على الطّرق والشوارع المؤدّية إلى مقرّ سفارة بلاد الحرمين بتونس؛ حيث بثّت عيونها من أعوان البوليس السرّي لترهيب الأفراد! ومنعهم من الوصول إلى مقرّ السفارة لاستخراج تأشيرات الحجّ، هذا إضافة إلى إلزام الحكومة المخالفين بالخضوع للحجر الصحّي عند العودة إلى تونس! كما توعّد بذلك وزير الشئون الدينية! دون أن يشمل هذا الإجراء السّيّاح الأجانب!!
- لحجّاج بيت الله الحرام الإهانة ولليهود حجّاج الكنيس الكرامة!
وممّا يكشف النّقاب عن نزعة التمييز الدّيني لدى حكّام تونس، ما يمارسون من إهانة للحجّاج التونسيين، مقابل ما يُظهرون من حفاوة باليهود حجّاج "كنيس الغريبة" بجزيرة جربة[32] الذي يؤمّه كلَّ عام آلاف اليهود من جميع أقطار العالم، بما فيها دولة الكيان الصهيوني!
" وعادة ما يُشرف على هذه المناسبة مسؤولون حكوميون كبار. وأكّدت مصادر خاصّة شروع السلطات الأمنية منذ أسابيع في إجراءات أمنية استثنائية على مدخل جزيرة "جِربة" حيث يتطلب دخولُها المرورَ بعدّة حواجز تفتيش كما مُنع كثير من المواطنين من العبور إليها لمجرّد الاشتباه!! وأقيمت عدّة حواجز في مداخل المدن القريبة. وتُعدّ زيارة "الغريبة" مناسبة سياسية تغتنمها الحكومة التونسية للإشادة بسياسة التسامح واحترام الثقافات والأديان التي تنتهجها تونس، وتقديم جزيرة جربة نموذجا للسلام والتعايش بين الطوائف. ويشارك اليهود الإسرائيليون في هذا الحجّ السنوي حيث يسمح لهم بالدّخول دون تأشيرات. وكان قد رفع إجراء تأشيرة الدخول على اليهود الإسرائيليين منذ العام 2005 بعد لقاء جمع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بكبير الحاخامات الفرنسي "جوزيف سيتروك" في قصر قرطاج[33].
" وزير السياحة التونسي "خليل العجيمي" أشرف على تلك الاحتفالات التي شارك فيها- وسط اجراءات أمنية مشددة - مسؤولون إسرائيليون بينهم أعضاء من "الكنيست" ووزراء سابقون وصحافيون من وسائل الإعلام الإسرائيلية المكتوبة والمرئية...وعلى الرغم من غضب المعارضات التونسية المختلفة واحتجاجات بعضها على زيارة إسرائيليين إلى "جربة"، إلا أنّ الخطاب الحكومي الرسمي في تونس يرى في تسهيل زيارة رعايا إسرائيليين وآلاف اليهود من أوروبا إلى "معبد الغريبة"، "تكريسا للتسامح والحوار بين الأديان وليس تطبيعا". وذكر وزير السياحة خليل العجيمي أنّ تونس "برصيدها الحضاري العريق هي وريثة مخزون ثقافي ثري ومتنوع تعكس بصماته عراقة الحضارات التي تعاقبت على أرضها...الثراء الحضاري الذي تم تثمينه بشكل ملحوظ منذ فجر التغيير ساهم في تعزيز صورة تونس كبلد منفتح ومتسامح ومتوجّه نحو الحداثة ومتمسك بتقاليده وبهويته وبقيم التضامن والتآزر والتفاهم بين الشعوب والثقافات والأديان". المسؤولون والإعلام الرّسمي حرصوا خلال زيارة اليهود الأخيرة إلى تكثيف الحديث والمقالات والفعاليات التي تتحدّث عن التسامح بين الثقافات والأديان وتغليب روح الحوار واحترام الآخر والتصدّي للعنصرية والتطرّف. ونُظّمت ندوة بالتوازي مع أداء اليهود لطقوسهم حملت عنوان "النموذج التونسي في التنمية والتسامح الثقافي والديني" أشرف عليها هيكل أسّس لهذا الغرض يحمل اسم "كرسي بن علي لحوار الحضارات والأديان"[34].
وفيما يتلقى حكّام تونس حجّاجَ الكنيس اليهودَ - بمن فيهم الصهاينة الإسرائيليون المعتدون المحتلّون للقدس الشريف مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام – ببالغ الاحتفاء والتّرحاب[35] وحسن الإكرام، باسم التفتّح والحوار والتّسامح بين الثقافات والأديان، يلقى هؤلاء الحكّام أنفسُهم مواطنيهم التونسيين بالهوان والإهانة والمطاردة من المساجد وحظر اللباس الشرعي واللحية، والحرمان من الحجّ إلى بيت الله الحرام، بدعوى التوقّي من العدوى بالانفلونزا!!
ألا يدلّ هذا على انتهاج حكّام تونس سياسة الكَيل بمكيالين، وبأيّ وجه يا ترى يقع التمييز بين الفريقين؟! وهل بنى حكّام تونس قرارهم بحرمان المسلمين من أداء شعائرهم، وتمكين اليهود من أداء شعائرهم، على ما أفادتهم به أبحاثهم العلمية واختباراتهم الميدانية من أنّ العدوى بمرض أنفلونزا متوقّعة فقط من المسلمين التونسيين حجّاجِ بيت الله الحرام، دون سواهم؟! وأنّ اليهود حجّاجَ كنيس "الغريبة"، وغيرَهم من السياح الأجانب الوافدين على تونس هم في مأمن من الإصابة أو نقل العدوى، فلذلك أعفى حكّام تونس هؤلاء جميعا من واجب التلقيح والتطعيم، وألزموا به أولئك التونسيين، لحدّ حرمانهم من الحجّ بسبب عدم توفر التلاقيح والأمصال!؟ وكأنّ مرض الانفلونزا هو الآخر قد أصابته عدوى التمييز الديني من حكّام تونس! فهو أيضا يميّز بين أتباع الأديان والملل، فلا يصيب بعدواه إلاّ المسلمين!!
فإذا لم تكن تلك الأبحاث العلمية والاختبارات الميدانية قد أفادت أصحابَها بذلك، فأيّ ضمان بالسّلامة من المرض يا ترى قدّمته وفود الحجّاج اليهود إلى حكّام تونس حتى أذنوا لهم بالورود على تونس دونما تلقيح أو تطعيم! علما بأنّ أخبار المرض قد أخذت في التواتر بين وسائط الإعلام العالمية منذ شهر مارس2009[36] وقد جرى حجّ اليهود إلى كنيس الغريبة في شهر مايو 2009؟!
وأمّا شعار التّسامح الدّيني والإحترام الثقافي؟! وما يسمّونه "النّموذج التونسي في التنمية والتّسامح الثقافي والديني" الذي يتبجّح به حكّام تونس فما رأيناه يصدُق إلاّ مع أهل الأديان والملل الأخرى! وأمّا أبناء الإسلام من أهالي تونس، فلا حظّ لهم في تسامح ولا احترام، ولا حتى الحرية بل الحقّ في أداء شعائرهم وعباداتهم إلاّ تحت الملاحقة البوليسية والمراقبة الإدارية والقوانين الزجرية كقانون المساجد وقانون الأحزاب، وقانون مكافحة الإرهاب! والمنشور 108 وسواه من المناشير، وتحديد سنّ الترشّح لأداء مناسك الحجّ، حيث يجري تخصيص ثلث البقاع لمن بلغوا سنّ الثمانين فما فوق[37]. وهكذا لكلّ شيء في تونس بواكي إلا الإسلام فلا بواكي له!!
- الخطر من بضعة آلاف من الحجّاج لا من ملايين السياح الأجانب!
وممّا يميط اللثام عن حقد الحكومة التونسية الظاهر والدفين على الإسلام وشرعه وشعائره ومظاهره، أنّ هذه الحكومة لم تتّخد أيّ إجراء يحدّ من حركة التدفق الهائل للسيّاح الأجانب على البلاد التونسية، مع ثبوت وقوع العدوى من وافدين أجانب على تونس، كما ذُكر آنفا. علما بأنّ عدد السياح الأجانب الوافدين على تونس قد " تجاوز لأوّل مرّة سبعة ملايين سائح، فيما بلغ عدد الليالى التي قضاها السيّاح أكثر من 38 مليون ليلة، وذلك حسبما ذكر تقرير حول نتائج الموسم السياحي لسنة 2008"[38]. فقد " أكّد وزير السياحة التونسي "خليل العجيمي" أنّ القطاع السياحي في تونس شهد نقلة نوعية وحيوية كبرى من ذلك تطوّر خدماته وعائداته, والفرق جليّ بين ما تشير له الأرقام سنة 1987 وسنة 2009. مشيراً إلى عدد الأسرّة تطوّر من 100 ألف سرير إلى حدود 230 ألف, أمّا عدد الوافدين فلقد كان سنة 1987، في حدود 3.5 مليون وافد، ليصبح اليوم 7 مليون وافدا "[39]. ومعنى هذا أنّ عدد السياح الذين يزورون تونس، قد بلغ نسبة ثلثيْ تعداد الشّعب التونسي! فكيف لا تتّخذ هذه الحكومة - الحريصة بزعمها على سلامة التونسيين - إجراءات صارمة بالحدّ من حركة السيّاح الأجانب، لو كانت بحقّ حريصة على سلامة هذا الشعب وحمايته من عدوى المرض؟! أليس في تدفّق هذه الأعداد الهائلة من السيّاح على تونس مظنّة وقوع الإصابة ونقل العدوى إلى عموم أهالي تونس؟!
وإذا أخذنا في الاعتبار تعداد الحجّاج التونسيين الذين يؤمّون بلادَ الحرمين للحجّ والعمرة، والذي لا يتجاوز في مجموعه الثلاثين ألف حاجّ، على أقصى تقدير، فأيّ نسبة لهذا العدد يا ترى بالقياس إلى سبعة ملايين سائح يؤمّون البلادَ التونسيةَ من مختلف الأمصار والأقطار دون أدنى فحص أو مراقبة! أو تلقيح أو تطعيم!؟ وما عسى أن يجرّه بضعة آلاف من الحجّاج والعمّار من خطر على صحّة التونسيين بالقياس إلى الخطر المحتمل من سبعة ملايين سائح يتهاطلون على بلادنا من كلّ حدب وصوْب على مدار العام؟!
- إعفاء السياح الأجانب من واجب الوقاية!!
وممّا يزيد من خطورة هذه الحركة السياحية الضّخمة، إعفاء "الديوان الوطني للسياحة التونسية" بباريس، جميعَ السيّاح الأوروبيين الوافدين على البلاد التونسية من تعاطي أيّ مصل أو تلقيح! حيث يقول في تعليماته الموجّهة للسياح الأوروبيين على صفحة موقعه بالشبكة العنكبوتية للمعلومات الدولية، صراحة: " لا لزوم لأيّ تلقيح للدّخول إلى تونس "[40] :Aucun vaccin n ́est exigé pour entrer en Tunisie) )
فهل يجد المرء من تفسير لهذا التناقض في مواقف الحكومة التونسية؛ بين التشدّد مع الحجّاج التونسيّين لحدّ حرمانهم من أداء مناسكهم، من جهة، والتّساهل مع السوّاح الأجانب لحدّ إعفائهم من واجب التلقح والتوقّي، من جهة أخرى. ومعلوم أنّ السياحة هي أكبر مصدر من مصادر وقوع الإصابة ونقل العدوى! ففي ألمانيا مثلا - وهي أكبر مصدر للسواح الوافدين على تونس – صرّح وزير الصحّة الفدرالي الألماني " بأنّ عدد الإصابات بمرض أنفلونزا الخنازير المسجّلة في ألمانيا قد تجاوز 190 ألف إصابة! كما سُجّلت بها 86 حالة وفاة "[41]، ورغم ذلك فلم تبادر الحكومة التونسية - الحريصة بزعمها على سلامة التونسيّين من العدوى – بإلزام السياح الألمان بتناول التلاقيح أو منعهم من القدوم إلى تونس، كما بادرت بتعطيل ركن من أركان الإسلام، لتحرم بذلك التونسيين من أداء فريضتهم الدينية، دونما مبرّر شرعي أو مسوغ طبّي جدّي! إلاّ التذرّع الكاذب بالتوقّي من انتشار عدوى مرض انفلونزا الخنازير؟! مع توعّدها التونسيّين الذين يذهبون إلى الحجّ بطُرقهم الخاصّة، بالخضوع للحجر الصحّي عند رجوعهم إلى البلاد!! فمن هم يا ترى الأحق بالحجر الصحّي، الحجّاج أم السيّاح؟!
- تعطيل شعائر الحج والعمرة قرار غير بريء!
إنّنا بعد كل هذا نقطع بعدم براءة قرار التعطيل! وكيف يُحمل قرار وزير الشؤون الدينية الخزوري، القاضي بتعطيل شعائر الحجّ والعمرة على البراءة؟! وهذا الوزير هو نفسه الذي حرّم صراحة لباس المرأة الشرعي، وعدّه دخيلا ونشازا وبشّر بانقراضه! حيث قال صراحة " فالحجاب دخيل ونسمّيه بالزيّ الطائفي باعتبار أنه يخرج من يرتديه عن الوتيرة، فهو نشاز وغير مألوف ولا نرضى بالطائفية عندنا، ثم إنّ تراجع هذه الظاهرة واضح لأن الفكر المستنير الذي نبث كفيل باجتثاثه تدريجيا بحول الله...إننا نرفض الحجاب الطائفي ولباس «الهٌركة البيضاء» واللحية غير العادية التي تنبئ بانتماء معين.."[42]. ثمّ عاد هذا الوزير وكرّر من جديد هذا الكلام أخيرا على منبر مجلس النّواب التونسي، واصفا اللباس الشرعي بأنّه من الظواهر المَرَضِيَةِ!! كما أوردته جريدة الصباح بنصّه: " وبخصوص اللباس الطائفي وبعض التقليعات الغريبة أجاب السيد الاخزوري " إنه لا يمكننا أن نقبل في مجتمعنا أشياء دخيلة مثل تلك التي ترتديها بعض النّساء - وقال - لا بدّ من أن نبيّن لأبنائنا كل ما يمكن أن يُفسد صورة الهوية والخصوصية التونسية. وليس من صالحنا وصالح أبنائنا أن نسمح بتلك الظواهر المَرَضية "[43].
فإذا كانت بعض مظاهر الإسلام، كلباس المرأة الشرعي، وسُنّة اللحية، قد ضاقت بها نفوس حكّام تونس، وعَدّوها من المظاهر المَرَضِيَةِ المُفسدة للهوية التونسية! لحدّ شنّهم الحرب عليها لاجتثاثها!! فماذا تراهم يقولون عن أركان الإسلام وشرعه وشعائره؟! فهل بعد هذا يُستغرَب من هؤلاء الحكّام أن يعطّلوا - بأيّ ذريعة - شعيرة من شعائر الإسلام كشعيرة الصيام والحجّ وغيرهما؟!
إنّ تعطيل حكّام تونس لشعائر الحجّ والعمرة على الصّفة المذكورة، لا يمكن بحال اعتباره قرارا بريئا، استوجبته الظروف أو الأحوال المَرَضِيَةُ الطارئة، واقتضته الأوضاع الصحّية والطبّية، حماية من الحكومة التونسية للأنفس البشرية! وإنّما جاء في سياق منهاج حكومي، قد امتدّ على مدى ستين عاما يستهدف الإسلام وشرعه وشعائره ومظاهره في القطر التونسي، بما يحملنا على الجزم بأنّ الإسلام قد غدا "الدينَ الذبيحَ"!! في الدّيار التونسية.
- قرار التعطيل لا صلة له بتأمين صحة التونسيين أو سلامتهم!
لقد سعى حكّام تونس جهدهم في إخفاء مقاصدهم الحقيقية من قرار التعطيل! وذلك بتركيز الاهتمام على المسألة الصحّية، والتأكيد على سلامة الحجّاج والعُمّار، وتعليل قرار التعطيل بعدم توفّر الكميات اللازمة من التلاقيح والأمصال في الوقت المحدّد، والخشية من استشراء العدوى عند العودة..الخ.
فمتى كانت صحّة المواطن يا ترى موضعَ اهتمام حكّام تونس، وهؤلاء الحكام هم من جعل حقّ التداوي اليوم في تونس امتيازا لا يناله إلا ذو حظّ عظيم!
وما علمنا أن حكّام تونس حرصوا يوما على صحّة التونسيين أو سلامتهم إلى هذا الحدّ، وهم قد كانوا أذنوا في إحدى السّنين السابقة باستيراد الدّم الملوّث من فرنسا إلى المستشفيات التونسية، فأودى ذلك الدّم بحياة العديد من التونسيين[44].
ولو أنّ بحكّام تونس حقّا حرصا على سلامة التونسيين، من الأمراض والأوبئة وانتقال العدوى، لعمّموا هذا القرار على جميع المسافرين من تونس وإليها دون استثناء! ولفرضوا رقابة صارمة على كافّة الحدود والموانئ التونسية لإلزام كلّ صادرٍ وواردٍ بها تونسيا كان أم أجنبيا بالتلقيح! والتطعيم، ولكنّ شيئا من ذلك لم يحدث، بل اقتصر الحظر على حجّاج بيت الله الحرام وعمّاره دون سواهم!
فهل ما ادّعاه الاخزوري من حرص وزارته على المصلحة بمعنييها الدّيني والوطني قد اقتضى حصر هذه المصلحة في تعطيل شعائر الحجّ والعمرة دون سواها من المناشط الأخرى التي ذكرناها آنفا!؟ فأين إذن ما ادّعاه الخزوري من حرص تونس على إقامة الشعائر مستشهدا بالواقع المعيش، وهذا الواقع المعيش يسفّه ادّعاءه ويكشف افتراءه!؟ إلاّ أن يكون مراده الحرصَ على إقامة شعائر اليهود في الحجّ إلى كنيس الغريبة!!
وكيف يدّعي حكّام تونس هؤلاء الحرص على سلامة التونسيين، وهؤلاء ضحاياهم من التونسيين من قتلى وأسرى ومصابين بعاهات مستديمة أضعاف أضعاف ضحايا مرض أنفلونزا الخنازير!
ولو أنّ بحكّام تونس أدنى حرص على حياة التونسيّين وسلامتهم، لأظهروا هذا الحرص في حماية حياة آلاف الشباب التونسيين من ركوب قوارب الموت! وذلك بتوفير ما يجب لهم من مواطن الشّغل وموارد العيش الكريم، بما يصرف همّتهم عن ركوب البحر - خلسة - طمعا في الوصول إلى بلاد أوروبا بحثا عن لقمة عيش! لم توفّرها لهم حكومة بلادهم! فراحوا طعاما للحيتان والأسماك!!
ولو أنّ بهؤلاء الحكّام حرصا على صحّة التونسيين وسلامتهم حقا لمنعوا حجّ اليهود إلى كنيس الغريبة بنفس العلّة التي عللوا بها حرمانهم للتونسيين من أداء مناسكهم! ولألزموهم وألزموا جميع السياح الوافدين على تونس بواجب التلقيح والتطعيم بدل إعفائهم من ذلك!!
إنّنا بعد التأمل في مواقف حكّام تونس وتصريحاتهم وتصرّفاتهم المتناقصة نجزم بأنّ قرار التعطيل ما كان له من صلة بمسألة الصحّة واحتمال انتقال العدوى، وضرورة حماية الأهالي من المرض! ولكنه قرار اتّخذ بدافع سياسي واقتصادي!
- قرار التعطيل تحقيقا لأهداف سياسية واقتصادية!
وإذا كانت الحكومة التونسية لم تتسامح مع مظاهر اللباس الشرعي واللحية، وهي مظاهر دينية محضة، معهودة في جميع أقطار العالم شرقا وغربا! فكيف تراها تتسامح مع الشعائر العظمى من شعائر الإسلام كالصّيام والصّلاة والحجّ، والحجاب ونحو ذلك!؟ فهي لا تني في تحقير شأنها والتهوين من أمرها والتذرّع بأيّة ذريعة لمنعها وتعطيلها!
وهكذا فإنّنا نرجّح بأنّ قرار تعطيل شعائر الحجّ، ما له أيّ صلة بمسألة "انفونزا الخنازير"، ولا سلامة التونسيين! وإنّما هو قرار اتّخذ بدافع سياسي يندرج في سياق سياسة حكومة ما يُسمّى عهد الاستقلال، القائمة على قواعد العلمانية المعادية جهارا نهارا للدين الإسلامي، والمُنكرة لشرعه والمتنكّرة لشعائره وأخلاقه وآدابه، كما أثبتناه آنفا بالأدلّة القاطعة والبراهين السّاطعة! كما أنّ وراء القرار دافعا اقتصاديا يهدف إلى حماية النشاط السياحي واستمراره.
الهدف السياسي: ويتجلّى المنحى السياسي للقرار في تحقيقه أمنية من أماني العالمانيين التونسيين، وعلى رأسهم "بورقيبة" الذي طالما سعى في تعطيل مختلف شعائر الإسلام[45] - كما بيّناه بالدليل والبرهان في مستهل هذا المقال! وهي مسألة شهد بها أحد الباحثين التونسيّين قائلا " ولم يهاجم الخطاب السّياسي المؤسّسة الدّينيّة التقليديّة فقط بل شكّك وهو في ذروة حيويّته ونشاطه في جدوى الفروض الدّينيّة أيضا.. مثل الصلاة والحجّ للتّشكيك في قيمتها ناقدا الحُجّاج الّذين يتسبّبون كلّ سنة في نزيف من العُملة الصّعبة لا تقدر البلاد على تحمّله "[46].
- الهدف الإقتصادي:
إنّه بناء على هذه المواقف الحكومية المتضاربة، يتضّح جليا لكلّ متابع منصف أنّ قرار تعطيل الحجّ والعمرة، ما له أي صلة بصحة التونسيين وسلامتهم! وإنما اتّخذ هذا القرار بهدف حماية النّشاط السياحي وتأمين استمرار تدفّق السيّاح الأجانب على تونس، وهذا عين ما أشار إليه مصدر إعلامي مقرّب من دوائر القرار " ان تفشي هذا الفيروس في تونس قد يضرّ كثيرا بالسّياحة التي يعتمد عليها كثيرا الاقتصاد وهو ما من شأنه أن يوقع البلاد في مأزق اجتماعي واقتصادي"[47]. كما أنّ " بعض المتتبعين في تونس أوضحوا أن القرار يعود أساسا إلى الضرورة الاقتصادية. ذلك أنّ تونس تعتمد في اقتصادياتها على العائدات من السياحة. فقد زار أكثر من 7 ملايين سائح تونس خلال العام الماضي. وعليه فإنّ السلطات تخشى من أن ينقل الحجّاج العدوى إلى تونس، ممّا سيؤثر سلبا على قِطاع السياحة "[48].
ألا يشعر حكّام تونس بالخوف من الله سبحانه بتعمّدهم تعطيل ما أمر الله بتعظيمه من شعائر دينه، حيث قال ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) [الحج : 32] . فحرموا بذلك آلاف التونسيين من حقّهم، بل من واجبهم في أداء فرض من فرائض الإسلام، الذي يعدّونه أعظم أمنية لهم في الحياة على الإطلاق، وإنّ منهم لفريقا يمنّون أنفسهم بأن تأتيهم منيّتهم في رحاب الحرمين! فهل يظنّ حكّام تونس أنفسهم أحرص على حياة النّاس منهم عليها؟! أم هو الحقد الظاهر والدّفين على الإسلام، والتلهّف على الكسب الحرام، قد أعمى قلوب هؤلاء الحكّام، فدعاهم إلى تعطيل شعيرة الحجّ والعمرة بذريعة التوقي من مرض انفلوزا الخنازير، وهو ما لم تجرؤ على فعله أيّة حكومة في العالم مسلمة كانت أو كافرة، على سواء؟!
إنّنا لا نجد لهذا القرار الحكومي الآثم من تفسير، سوى الحقد على الإسلام، والسعي المنكور في طمس معالمه وتعطيل شعائره وإطفاء أنواره وهدم مناره! وسُيكتب في سجلّ التاريخ أنّ حكومة دولة مسلمة قد عطلت شعائر دينها، حرصا منها على دنياها! فإذا هي كما قيل:
نُرقِّعُ دُنيانا بتمزيقِ دينِنا فلا دينُنا يَبْقى ولا ما نُرَقِّعُ
- النبوءة الكاذبة!!
والآن، وبعد أن أدّى ما يزيد عن اثنين مليون من المسلمين، مناسك الحجّ والعُمرة، وعادوا بفضل الله إلى بلادهم سالمين، فلم تُسجّل خلال الموسم أيّة إصابة أو حالة وفاة بهذا المرض، فماذا يقول حكّام تونس لآلاف التونسيين الذين حرموهم من حقّهم أو واجبهم في أداء مناسكهم؟! وأين ما توقّعوه من سرعة تفشّي المرض وما جزموا به - بناء على ما زعموه من أبحاثهم العلمية واختباراتهم الميدانية - التي تقول بأنّ " تجمّعا مثلما سيقع في العُمرة، من شأنه أن يصيب ما يناهز نصف الحاضرين "[49]. ومع تضاعف أعداد الحجّاج والعمّار في موسم الحجّ، فقد حمى الله سبحانه عباده من هذا المرض! فلم تُسجّل فيهم بحمد الله – فيما علمنا - إصابة واحدة!! وفي الوقت الذي فرغ فيه حجّاج بيت الله الحرام من أداء مناسكهم، وانطلقوا عائدين إلى أوطانهم في صحّة وعافية، سالمين من هذا المرض، " فقد " ارتفع عدد الوفيات في تونس بسبب فيروس'إتش 1 إن 1' المعروف بإنفلونزا الخنازير، إلى عشر حالات[50]. وأما عدد الإصابات بها فقد بلغ - حسب منظمة الصحّة العاليمة - 3128 حالة[51]. "وأغلقت تونس خلال الأيّام الماضية عددا من المدارس خشية تسارع انتقال العدوى بين طلبة المدارس "[52].
ونحن نسائل حكّام تونس: ترى من أين جاءت هذه الإصابات؟! وكيف وقعت هذه الوفيات؟! وما كان هؤلاء المصابون ولا الموتى – رحمهم الله - في تونس من حجّاج بيت الله الحرام ولا من عمّاره!! ومن أين جاءت العدوى إلى المدارس التونسية، وهي بعيدة عن بلاد الحرمين بآلاف الأميال!؟
أم ظنّ حكّام تونس بتعطيلهم شعائر الحجّ والعُمرة أنّهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، حتى أشيع في وسائط الإعلام العالمية خبرُ إصابة الامبراطور "بن علي" نفسه بالمرض! الأمر الذي حمل حكومته على تكذيب هذا الخبر[53].
ولقد أثار قرار تعطيل شعائر الحجّ والعمرة في تونس، استياء عامّا وسخطا عارما على امبراطور تونس وحكومته في نفوس المسلمين داخل تونس وخارجها، وهو ما حملهم على الجؤار إلى الله تعالى بالانتقام لدينه الذّبيح في الدّيار التونسية! وأن يشفي صدورهم من هذا الامبراطور وحكومته، كما غمر قلوبَ جميع المسلمين شعورٌ بالشماتة والتشفّي في الامبراطور لِما أصابه من مرض، تمنّوا معه لو انتهى به إلى الموت الزّؤام!! ولكن لكلّ أجل كتاب، وإنّنا على يقين بأنّ عذاب الله تعالى واقع لا محالة - عاجلا أم آجلا - بمن عطّل شعائر دينه ( وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) [الأنفال : 34] فإنّه سبحانه يُمهل ولا يُهمل، وصدق الله العظيم إذ يقول (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) [الأعراف :182 - 183] (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ) [إبراهيم : 42 - 43] .
ولعلّ حكّام تونس كانوا يتمنّون من قرارة نفوسهم لو أنّ المرض انتشر بين الحجّاج، وأنّ أعدادا من أولئك الحجّاج لقوا حتفهم في موسم الحجّ، لتتحقّق بذلك نبوءتهم بما أنذروا به من استشراء الدّاء واستفحال الوباء! وعندها يزدهون على حكومات العالم بأنّهم هم وحدهم الحكماء والعقلاء في أخذ الاحياطات واتّخاذ ما يلزم من الاجراءات بمبادرتهم بتعطيل شعائر الحجّ والعمرة، بزعمهم الاستعداد للبلاء قبل وقوعه!!
ولكنّ الله سبحانه كذّب نبوءتهم! وخيّب فألهم، وسفّه أبحاثهم العلمية ونسف اختباراتهم الميدانية، وأخرج أضغانهم وفضح دخائلهم، وكشف خبيئتهم في الكيد للإسلام لهدم شعائره وطمس معالمه ومحو آثاره بكلّ سبيل! فردّهم سبحانه بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله حجّاجَ بيته الحرام، شرّ هذا الدّاء وحماهم من ذلك الوباء!! فللّه الفضل والمنّة!! فما أصدق قول القائل:
وإذا العناية لحظَتْك عيونُها نَمْ فالمخاوف كلّهنّ أمانُ
وأمّا حكّام تونس، فسيبوءون بإثمهم وإثم جميع التونسيين الذين صدّوهم – ظلما وعدوانا – عن المسجد الحرام!! وحرموهم من أداء نُسُكِهم زورا وبهتانا! ألا ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) [النحل : 25]. ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [التوبة : 32] .
عن الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس
محمد الهادي بن مصطفى الزمزمي
[email protected]

------------------------------------------------------------------------
[1] - خطاب بورقيبة بتاريخ يوم 5 . 02 . 1960. خطب، الوزارة الأولى، نشريات كتابة الدولة للإعلام، تونس 1960- 1961.
[2] - جريدة الشروق التونسية بعددها الصادر يوم 16. 05. 2009.
[3] - وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 27. 06. 2009.
[4] - جريدة الموقف التونسية العدد 517 بتاريخ 16 اكتوبر 2009 .
[5] - بيان وزارة الشئون الدينية بتاريخ السبت 5. 9 . 2009: http://www.affaires-religieuses.tn/ .
[6] - راجع نص البلاغ بموقع وزارة الشئون الدينية http://www.affaires-religieuses.tn/ .
[7] - موقع وزارة الشئون الدينية http://www.affaires-religieuses.tn/
[8] - صحيفة الصباح بتاريخ يوم الثلاثاء 6. 10 . 2009 .
[9] - يقول الإمام الغزالي " ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم ، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة ، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة" المستصفى ج 1 ص 438. وبمثل هذا الترتيب قال الإمام الشاطبي في كتاب الموافقات.
[10] - يقول الشاطبي " ومجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وقد قالوا انها مراعاة في كل ملّة " الموافقات ج: 2. ص 17- 18)..
[11] - موقع وزارة الشئون الدينية http://www.affaires-religieuses.tn/
[12] - جريدة الشروق التونسية بعددها الصادر يوم 16. 05. 2009.
[13] - أخرجه أحمد في المسند من رواية عكرمة بن خالد المخزومي.
[14] - أخرجه كل من البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية أبي هريرة.
[15] - الصباح الأسبوعي" (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 27 جويلية 2009.
[16] - الصحافي رشيد خشانة: افتتاحية العدد 516 من "الموقف" بتاريخ الجمعة 7 أكتوبر 2009.
[17] - مرصد الأمراض الجديدة: ظهور محلّي لوباء "الخنازير" من المتوقع أن ينتشر في الأيام المقبلة. موقع محيط.
[18] - الصباح الأسبوعي" (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 27 جويلية 2009 .
[19] - نقلا عن مقال بقلم سمير ساسي بجريدة الموقف عدد517 بتاريخ 16 اكتوبر 2009 .
[20] - موقع إذاعة هولندة العالمية http://www.rnw.nl/ar/%
[21] - موقع ملتقى البهجة http://bahjaa.com/vb/aaethi-caeaie-cauca/1929-uacae-aecaeiniae-aeeaeaeo-aecaaune-eidhn-aae-cauane-eoee-aaeyaaeaeoc-caiaecoin.html
[22] - إعلام الموقعين لابن القيم. ج 2. ص: 156 .
[23] - http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1248187497972&pagename=IslamOnline-Arabic-Hajj_Umra%2FHajjA%2FHajjA
[24] - موقع مفكرة الإسلام http://www.islammemo.cc/akhbar/Oloom-we-seha/2009/07/08/84694.html
[25] - http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?cid=1246346120785&pagename=IslamOnline-Arabic-Hajj_Umra%2FHajjA%2FHajjA
[26] - حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام " إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار" رواه الترمذي في سننه والحاكم في مستدركه.
[27] - وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 27. 06. 2009.
[28] - قال مفتي تونس، الشيخ عثمان بطيخ، " إنّه يجب تجنّب السفر من بلد إلى بلد آخر "إذا وُجد مانع".. وأكّد المفتي في رأي له نشرته صحيفة الصباح "الأسبوعي" التونسية، أنّه "مهما كان هذا المانع من عدوّ أو مرض يصيب المسافر أو انقطاع للطرق أو وجود وباء ونحوه، سواء أنفلونزا الخنازير أو غيرها، فيجب شرعاً تجنّب السفر في هذه الحالات وما شابهها، مهما كان السفر سواء سفر طاعة للعبادة أو سفراً مباحاً للتجارة أو السياحة"، على حد تقديره. وأضاف المفتي أنّ "المسافر في هذه الحالة يصبح غير آمن على نفسه، وهذا المنع يسمى الإحصار، والإحصار يُطلَق على ما يعم المنع من عدو أو غيره، وهو الوارد في قوله تعالى (وأتِمّوا الحج والعمرة لله فإن أُحصِرتُم فما استيْسَر من الهَدْي) - صحيفة العرب اليوم الالكترونية http://www.news.arbtoday.com/News-872.html.
[29]- هذا وقد "وكشفت دراسة عن أن الخنازير تتسبب في 450 وباء فيروسيًا وديدانيًا وبكتيريًا، وخلاياها مستودع تاريخي لفيروسات وبائية، وإعدامها هو الحل الأمثل للقضاء على فرص دخول الأوبئة المختلفة [29].
[30] - جريدة الشروق التونسية يوم الجمعة 1 ماي 2009.
[31] - رادس 11 أكتوبر 2009 - افتتح الرئيس زين العابدين بن علي صباح الأحد الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال اجتماع شعبي بالقاعة الرياضية 7 نوفمبر برادس.. وبقاعة 7 نوفمبر الرياضية التي أكتست أبهى حلل الزينة ووشحت بالألوان الوطنية كان رئيس الدولة وحرمه كذلك محل حفاوة كبيرة خصهما بها الآف المواطنين والمناضلين الذين اكتظت بهم مدارج القاعة. وقد رحبوا طويلا بسيادته وهتفوا بحياته وحياة تونس ورددوا النشيد الوطني رافعين الأعلام وصور رئيس الجمهورية. (موقع رئاسة الجمهورية قرطاج:
http://www.carthage.tn/ar/index.php?option=com_events&task=view_detail&agid=17101&year=2009&month=10&day=11&Itemid=142 )
[32] - تقع جزيرة جربة بالجنوب التونس على بعد 500 كلم جنوب العاصمة تونس. إذ يوجد بهذه الجزيرة أقدم كنيس يهودي يعرف باسم "الغريبة".
[33] - (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 8 ماي 2009)
34- مقال لإسماعيل دبارة بعنوان احتفالات كنيس الغريبة تفتح جدلا واسعا بين التونسيين. الإسرائيليون في تونس...تطبيع أم تسامح؟ http://www.elaph.com/Web/Politics/2009/5/443363.htm
35 - إننا لا اعتراض لدينا على حق اليهود في الحجّ إلى كنيسهم بجربة، ولا اعتراض لدينا على أن ينعموا خلال حجهم ذاك بالأمن والأمان في بلادنا! ولكننا ضد زيارة اليهود الصهاينة القادمين من دولة الكيان الصهيوني! بوصفهم معتدين وحتلين لأرض الإسلام في فلسطين! كما أننا ضد سياسة التمييز الديني التي يمارسها حكام تونس بإهانتهم للمسلمين وحرمانهم من أداء شعائر دينهم!
36 - ففي مارس 2009 تم اكتشاف عدد جديد من الحالات البشرية مؤكدة معملياً ومصابين بفصيلة جديدة من فيروس H1N1 فى ولاية كاليفورنيا و تكساس و المكسيك. وفي 24 ابريل 2009 تم اكتشاف عدد جديد من انفلونزا الخنازير بين البشر من فصيلة A(H1N1). http://www.environment.gov.ps/upload_file/9858261249203935.ppt
37 - بلاغ وزارة الشئون الدينية: النشرة الإلكترونية لجريدة الشروق التونسية يوم الصادرة يوم الجمعة 22 ماي 2009 .
38 - http://www.arabic.xinhuanet.com/arabic/2009-01/11/content_796040.htm
39 - القطاع السياحي في تونس موقع محيط http://moheet.com/show_news.aspx?nid=307023
40 - " Aucun vaccin n ́est exigé pour entrer en Tunisie" : Santé
(http://www.bonjour-tunisie.com/bonjour_tunisie.cfm
41 - ندوة صحفية بتاريخ 07. 12. 2009.
42 - جريدة الصباح التونسية بتاريخ : 27-12– 2005.
43 - جريدة "الصباح" (يومية – تونس) الصادرة يوم 11 ديسمبر 2009.
44 - حيث قامت الصيدلية المركزية التونسية المزوّد الوحيد للمستشفيات التونسية وخاصة المستشفيات التي تتضمّن أقساما خاصة بمرضى "نافثي الدم" بإستيراد كميات هامة من الدم من مخابر "ميريي" الفرنسية ثم توزيعه على المستشفيات التونسية مما أدى لحصول عدة إصابات بأمراض مختلفة لنزلاء المستشفيات في تلك الفترة خاصة مرض "السيدا". راجع الناصر الرقيق مكتبة الأخبار http://www.alsaudeh.com/news.php?action=show&id=1816
45 - راجع الفصل الثاني من كتاب تونس..الإسلام الجريح بعنوان: "فترة الحكم البورقيبي".
46 كتاب الدين في المجتمع العربي تأليف جمع من الباحثين. إصدار مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الإجتماع. وبه بحث للأستاذ منصف ونّاس ومنه اقتبسنا هذه الفقرة.
47 - جريدة الموقف عدد517 بتاريخ 16 اكتوبر 2009.
48 - تقرير : محمد أمزيان موقع إذاعة هولندة العالمية http://www.rnw.nl/ar/%
49 - الصباح الأسبوعي" (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 27 جويلية 2009.
50 - صحيفة الأخبار التونسية الصادرة يوم الخميس 17. 12. 2009 .
51 - موقع أخبار انفلونزا الخنازير: http://sherynews-swine-flu.blogspot.com/2009/12/blog-post_101.html
52- وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 2 ديسمبر 2009 .
53 - في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر الماضي، أعلن الناطق باسم رئاسة الجمهوريّة التونسيّة في بلاغ بثته وكالة الأنباء الرسميّة، أنّه "على اثر التهاب في الحنجرة وبإشارة من طبيبه الخاصّ يلازم الرئيس زين العابدين بن علي فترة من الراحة ابتداء من يوم الاثنين 23 نوفمبر ولمدّة خمسة أيام". هذا البلاغ المقتضب الذي صدر كمُبرّر لإلغاء الزيارة الرسميّة التي كان يعتزم الملك الاسبانيّ خوان كارلوس وقرينته القيام بها إلى تونس، فتح الجدل واسعا أمام انتشار الإشاعات والتكهنات حول حقيقة الوضع الصحيّ للرئيس بن علي. وأكّدت المصادر الرسمية في تونس حينئذ أنّ الوعكة الصحيّة التي ألمّت بالرئيس بن علي هي التي أدت إلى إلغاء الزيارة، في اليوم الموالي لإعلان الحكومة التونسية رسميا إصابة الرئيس بن علي بالتهاب في حنجرته، صدر مقال "مُدوّي" في صحيفة "الباييس"' الإسبانية تحدّث عن "إصابة الرئيس بن علي بمرض الأنفلونزا المكسيكية ". "الباييس" الاسبانيّة ذكرت أن الزيارة الرسمية التي كان مقررا أن يقوم بها ملك إسبانيا إلى تونس ألغيت بسبب إصابة زين العابدين بن علي بالأنفلونزا المكسيكية، مشيرة إلى أن الفيروس انتقل إليه عن طريق حفيدته التي أصيبت بالمرض في إحدى دور الحضانة". وعلى الفور، انتشر الخبر بين المواطنين وتناقلته وسائل إعلام دوليّة وفضائيات معروفة مما جعل التونسيين يتابعون الموضوع عبر الانترنت التي لم تبخل عليهم بالإشاعات. إذ ذكرت عدة مواقع الكترونية تونسيّة وأجنبيّة أنّ "بن علي مصاب فعلا بوباء الأنفلونزا المكسيكية وأن حالته الصحية حرجة جدّا". إلا أنّ رئاسة الجمهوريّة نفت بعد 3 أيام من رواج الإشاعات في بلاغ مُوجه لوسائل الإعلام الأجنبيّة إصابة زين العابدين بن على بالأنفلونزالمكسيكية. وذكر بلاغ رئاسة الجمهورية:"لا صحة لتلك الشائعات الخاصة بالرئيس التونسي إطلاقا، فصحة أي مسئول تونسي يتمّ الإعلان عنها بكل شفافية، بن على يخضع للراحة بناء على تعليمات الطبيب، وهو أمر بثته وكالة الأنباء التونسية الرسمية وكان الأجدر بوسائل الإعلام الرجوع إليها والتحقق من الأمر قبل إثارة الشائعات". راجع موقع إذاعة هولندا العالمية بتاريخ 02 ديسمبر 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.