الشهداء والزعماء هم أعمدة هذا البلد و ونجومه التّي تضيء دربنا وهم وراء كلّ ما ننعم به اليوم من الحرية والسيادة على وطننا وتعليم ورخاء مقارنة مع عاناه أجدادنا و أباؤنا من أميّة وجهل وفقر وعراء واستعباد ولكن للأسف يركب البعض ممّن ينعم اليوم بهذه النعم على موجة التنكر لشهدائنا وزعمائنا وكأنّهم يريدون أن يكون بلدنا بلا ماضي و لا تاريخ وشعارهم " الله ينصر من صبح " بل الخطير في كلّ هذا محاولة التنكيل بتاريخ هؤلاء الشهداء والزعماء. ومن مفارقات هذا الدهر وأنّ كل الأوطان تفتخر برموزها وشهدائها وزعمائها وحتى تلك اللقيطة منها تحاول اختلاق تاريخ لها ولو على حساب حضارات أخرى فاسم "ديغول" مازال إلى اليوم حاضرا وبقوة في فرنسا و " غاندي " تجاوز وطنه ليصبح بطلا ورمزا كونيا و " نالسون مانديلا " أصبح أسطورة هذا العصر المقدسة والأكيد وأنّ اسمه سيشّع لقرون أخرى ولكن نحن ما فتئنا نحقّر ونقزّم كل من ساهم في بناء هذا الوطن من الشهداء والزعماء ونظهرهم على أنّهم مجرمون ودكتاتوريون ونلبسهم كل العباءات الرثّة والبالية. فقط أمام كل ما يجري في بلادنا من هذه الهجمة على رموزنا الوطنية أسأل عن قيمة الأوطان إن لم يكن لها تاريخ تفتخر به بحلوه ومرّه و ما أريد قوله من خلال هذه الورقة هو ما يتعرض له الزعيم الحبيب بورقيبة من هرسلة و هو في قبره وصلت إلى حدّ محاكمته من قبل جهابذة هذا العصر " الملعون " الذي فقد بوصلته و فقد كل القيم و المبادئ و حتّى الأخلاق . عملية محاكمة بورقيبة ليست بريئة بل اختيارها في هذا الوقت تحديدا يفضح نوايا أصحابها و لعلّ من أهمّها التشويه و التنكيل أولا بتاريخ هذا الوطن بحلوه و مرّه و من وراء ذلك تشويه الخصوم السياسيين المتبنين للفكر البورقيبي و أسأل هنا هل لهذا الحد تصل بنا الأحقاد الدفينة على رجل تبنّى منذ نعومة أظفاره قضية وطنه محاميا على استقلاله و كرّس حياته لبناء دولة الاستقلال بتعميم التعليم و تحرير المرأة و بناء الدولة الحديثة و القضاء على الفقر بل و مات فقيرا و لم يختلس المال العام كما يحدث الآن. ولكن للأسف نعيش في هذا الزمن الراهن، زمن التنكر و نكران الجميل و انحدار القيم وانحطاط الأخلاق، و إلاّ ما معنى أن نحاكم اليوم أحد رموز الوطن ألا وهو الزعيم بورقيبة، رجل يقرأ له ألف حساب في المحافل الدولية باعتبار ما كان يحظى به من كاريزما و نظرة استشراف و فكر ثاقب في القضايا الوطنية و الاقليمية و الدولية و لكن هكذا هي الحياة مزيج في أخلاق الأبناء نحو الآباء، منهم من هو بار بوالديه و منهم من هو عاق بهم و بالتالي لا غرو أن نجد اليوم من يحاكم هذا الرجل القائد و هذا الرجل الزعيم و هذا الرجل الملهم و إلاّ ما معنى أن نحاكم اليوم رجلا هو بين يد الله سبحانه و تعالى أ فلا يحيلنا مثل هذا العقوق و بامتياز على الفكر الداعشي الذي كل ما مرّ دعاته و منتسبوه على مكان و إلاّ دمروا و خربوا المكان بمعالمه التاريخية و بكل ما يحمل من حضارة و موروث ثقافي انساني و ما حصل من أفعال بالعراق و سوريا أكبر دليل على الفكر الهدام الذي يحمله هؤلاء الدواعش ؟ نعم أرى و أنّه لا فرق بين من يحاكم اليوم زعيما - سخّر حياته لنشل البلاد من براثن الاستعمار و عمل على ترسيخ سيادة الوطن و استقلال قراره و أفنى عمره من أجل انتشال شعبه من الجهل و الفقر - و هؤلاء الدواعش الذين يعملون على هدم كل شيء جميل في الحياة و بالتالي لماذا يغضون هؤلاء الثورجيون الجدد الطرف على إماطة اللثام على كلّ الجرائم التي ارتكبت زمن الثورة في حق أمننا و جيشنا و أبناء الوطن عموما و في مقدمتهم الشهيدين شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمي عوضا عن نبش الماضي الذي لا يزيد أبناء الشعب الواحد إلاّ فرقة و انقساما و تشرذما؟ فهل هي سخرية القدر؟