ميزانية 2026: وزير التشغيل يوضح خطط دعم الشركات الأهلية ودفع قطاعي التشغيل والتكوين المهني    حريق هونغ كونغ.. 44 قتيلا واكثر من 200 مفقود    دوري ابطال اوروبا.. نتائج مباريات اليوم    عاجل: إصابة عسكريين اثنين بإطلاق نار قرب البيت الأبيض    أرق    من قتل النقد الأدبي؟    ارتسامات تشكيليّة    انهزامك مستحيل    بين الرّموز والواجهات الافتراضية ..الحبّ تحت طبقات من الضجيج الرقمي    حريق كارثي في هونغ كونغ.. النيران تلتهم 8 أبراج مخلفةً 13 قتيلا ومئات المحاصرين    وزارة الصناعة تدعو المؤسسات الراغبة في تسوية وضعيتها القانونيّة إزاء التشريع المتعلق بالمؤسسات المرتّبة الى إيداع دراسة إزالة التلوث قبل موفى 2025    كأس العرب قطر 2025.. نتائج مباريات الملحق الأخير والتركيبة النهائية للمجموعات    البنك الدولي يرفع توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي الى 6ر2 بالمائة في 2025 مقابل 9ر1 بالمائة سابقا    زيادة في ميزانية التشغيل والتكوين    موزّعو قوارير الغاز يهدّدون بتعليق النشاط    عاجل/ وفاة مسترابة لمحامية داخل منزلها: تطورات جديدة في القضية..    غرفة مصعني المرطبات تنبه    منظمة الصحة العالمية تحذر من الاستعمال العشوائي للمضادات الحيوية دون وصفة طبية    انقلاب عسكري في غينيا بيساو واعتقال الرئيس    الشروع في عرض مشروع قانون المالية لسنة 2026 والتصويت عليه بداية من الجمعة 28 نوفمبر (مكتب مجلس نواب الشعب)    النادي الافريقي - بلال ايت مالك يركن للراحة لفترة تتراوح بين ستة وثمانية اسابيع    السجن لمغني "راب" إستأجر عصابة لاختطاف أحد منافسيه..#خبر_عاجل    الليلة: طقس بارد والحرارة تتراجع إلى 3 درجات    نجاح أول عملية استئصال لورم كبير في الرحم بهذا المستشفى الجهوي..#خبر_عاجل    العاصمة.. عمليات بيع التمور من المنتج الى المستهلك تتواصل الى 7 ديسمبر    الطقس برد والقطط تتخبّى في محرّك سيارتك...ردّ بالك!    عاجل: كانك تخدم في السعودية...قواعد جديدة في اللّبسة داخل مكان العمل    مفاجأة في مكان حفل زواج رونالدو وجورجينا    الكاف: يوم إعلامي حول الهندسة الطبية الحيوية    علاش بكات إلهام شاهين في مهرجان شرم الشيخ    الملعب التونسي: انهاء العلاقة التعاقدية مع المدرب شكري الخطوي    كأس أمم إفريقيا: الكاف يزف بشرى سارة للمنتخب الوطني    دراسة علمية : شوف شنوا يصيرلك كان تعدي جمعة بلاش فايسبوك و لا انستغرام ؟    ارتفاع عدد وفيات فيروس ماربورغ في إثيوبيا    الدورة الثانية لصالون الفلاحة والماء والري والطاقات المتجددة بالاقليم الخامس من 31 مارس الى 4 أفريل 2026 بولاية مدنين    قابس: الاعداد للانطلاق في استغلال القريتين الحرفيتين بقابس المدينة والمطوية    يوم تحسيسي حول " أهمية التغذية السليمة في الوقاية من مرض السكري " بوكالة التهذيب والتجديد العمراني بتونس العاصمة    العاصمة: إيداع شاب السجن بعد طعنه عون أمن ومواطناً داخل مركز أمني    نابل: انطلاق موسم الزراعات الكبرى وسط تشكيات من انعدام توفر البذور) فيديو)    "حظر الأسلحة الكيميائية" تجدد عضوية الجزائر في مجلسها التنفيذي ممثلة لإفريقيا    إرشاد المستهلك تقترح زيت الزيتون بين6 و 9 و10 دينارات للمستهلك التونسي    يتزعمها مصنف خطير معروف بكنية " dabadoo" : تفكيك امبراطورية ترويج المخدرات في سيدي حسين    للتوانسة : شنية الشروط الى لازم تتوفر فيك بش تجيب كرهبة مالخارج ؟    منخفض جوي جديد مع بداية ديسمبر... حضّر روحك للبرد والمطر    طقس اليوم: أمطار غزيرة والحرارة في انخفاض    وزارة الداخلية تفتح مُناظرة لانتداب حُفاظ أمن    Titre    وثيقة وقعها بوتين: سنجعل 95 % من سكان أوكرانيا روسًا    بطولة المنامة (2) للتنس للتحدي - عزيز واقع يخرج من الدور السادس عشر على يد الالماني ماكسيليان هومبيرغ    تعليمات رئاسية عاجلة: تطبيق القانون فورًا لرفع الفضلات بالشارع    عاجل: تونس في كاس العرب ...هذه القنوات المجانية للنقل التلفزي    اليونسكو تطلق مشروعا جديدا لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس بقيمة 1.5 مليون دولار    "سينيماد" تظاهرة جديدة في تونس تقدم لعشاق السينما أحدث الأفلام العالمية    بيونة في ذمة الله: الوداع الأخير للممثلة الجزائرية    عاجل: هذا موعد ميلاد هلال شهر رجب وأول أيامه فلكياً    جائزة عربية مرموقة للفاضل الجعايبي في 2025    في ندوة «الشروق الفكرية» «الفتوى في التاريخ الإسلامي بين الاجتهاد والتأويل»    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نوفل سلامة يكتب لكم : النموذج الأمريكي في مقاومة "فيروس كورونا "..الحجر الصحي أخطر من الوباء!
نشر في الصريح يوم 02 - 04 - 2020

العالم بأسره اليوم متفق على أن البشرية في لحظتها الراهنة تخوض حرب وجود ضد عدو خفي أظهر قدرة فائقة على التقدم والتمدد وعلى حصد المزيد من الأرواح وجميع العلماء والمختصين في مجال الأوبئة والجراثيم قد أجمعوا على أنهم عاجزون على هزم هذا الوباء في القريب العاجل وأنهم يصارعون فيروسا له قدرات كبيرة على الانتشار جعلت العقل البشري في مأزق والمعرفة الانسانية أمام تحد كبير ولكن ماذا تقترح الحكومات والدول ومن ورائهما العقل البشري والعلماء من حلول وصيغ للتخلص من هذه الأزمة الصحية التي وصفتها منظمة الصحة العالمية بالجائحة التي أدخلت العالم في منعرج خطير ؟
يقول العلماء في غياب توفر لقاح ودواء لهذا الوباء فإنه ليس هناك حل وحيد لمقاومة فيروس كوفيد 19 ولكن هناك اجتهادات وصيغ مختلفة لكل دولة تتبع وفق وضعيتها الخاصة فالصينيون مثلا يقولون بأنهم يتعرضون إلى مؤامرة كبرى من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لإضعافهم وهزمهم اقتصاديا بعد أن تجنبوا المواجهة العسكرية وأن الجنود الأمريكان هم من تعمدوا إدخال هذا الوباء إلى الصين لإضعاف القوة الاقتصادية الصينية التي يرشحها الجميع لقيادة العالم في قادم السنين ولمجابهة هذا الوباء فقد توخوا حلا واختاروا نموذجا خاصا بهم في التصدي لهذه الجائحة سمي النموذج الآسيوي الذي يغلب مصلحة المجموعة على حساب مصلحة الفرد و التعويل على نظام سياسي تسلطي يتوخى طرق عمل تسلطية لا تراعي أي حقوق ولا حريات فردية في محاربة هذا الوباء وهذه الملامح لهذا النموذج هي التي جعلت العلماء يصفونه بكونه عبارة على وضع كافة الشعب في قارورة ثم إحكام غلقها حتى يتضح المصابون من الوباء كما يصفى الماء النقي من الماء الراكد وحتى يقع تميزهم عن غيرهم من الأصحاء في علاقة بتطبيق الحجر الصحي الشامل الذي توخته كل من الصين وكوريا الشمالية بطريقة صارمة جدا .
أوروبا لم تتحرك بنفس الشاكلة وبقيت أغلب دولها وخاصة دول الاتحاد الأوروبي تراقب الوضع ولم تتخذ إجراءات إستباقية صحية للتوقي من هذا الوباء وبقيت تنتظر تطور الحالة الوبائية في العالم حتى تتعامل معها وحتى تقر ما يصلح لها من اجراءات بحيث وثقت أوروبا كثيرا في منظومتها الصحية وفي كونها في مأمن من وصول هذا الوباء إليها وانتشاره بنفس السرعة التي تفشى بها في الصين وفي بعض البلدان الآسيوية لذلك فإنها لم تقر الحجر الصحي الشامل إلا في وقت متأخر وبعد أن انتشر وظهرت خطورته على الناس وهو نموذج يصفه العلماء بأنه يقوم على الملاحظة والترقب ثم أخذ الاجراءات من دون اغلاق كامل للبلدان إلا في الحد الضروري .
وإلى جانب هاذين النموذجين للتعاطي مع جائحة فيروس كورونا نجد النموذج البريطاني والأمريكي وهما نموذجان متقاربان من حيث التصور ومن حيث الاستراتيجية التي تقوم على فكرة المناعة الجماعية التي دافع عنها بقوة رئيس الوزراء البريطاني " بوريس جونسن " الذي اعتبر أن هذه الفكرة تسمح للفيروس بالانتشار بين السكان المحليين من دون مرافقته بأي اجراءات صحية في محاولة لتطوير مناعة طبيعية لدى الناس فحسب هذه المقاربة الصحية فإنه حينما نصاب بالعدوى نصبح محصنين تجاهها وبعيدين عن الالتهابات الخطيرة وبالتالي فإن المرض يزول من تلقاء نفسه بما يعني أن الشعب يبرئ نفسه بنفسه وأن الوباء حينما ينتشر في كامل البلاد فإن كامل الشعب يكون قد انتقلت إليه العدوى مما يجعلنا لم نعد نخاف من انتشاره أو انتقاله لأنه لم يعد يجد من ينقل إليه العدوى وشيئا فشيئيا يزول الوباء من خلال مقاومة داخلية وجماعية بعد أن يبقى في الجسم بضعة أيام ثم يختفي. فالمقاربة البريطانية تراهن على التضحية بحياة مليون شخص على الأقل من أجل انقاذ غالبية الشعب بطريقة جماعية و عدم إغلاق كامل لكل شيء لفترة غير محددة و ذلك في غياب تطوير لقاح أو دواء قبل عام على الأقل وفي ظل عدم توفر أسرة للعناية المركزة بالقدر الكافي وهو إجراء - أي الحجر الصحي الشامل - لو اتخذناه فإنه سوف يزيد من حدة الضغط عند الناس وقد تتسبب في مشاكل نفسية كبيرة.
إن هذه الخطة التي كانت بريطانيا قد أعلنت عنها قبل أن تغير مقاربتها وتذهب إلى تطبيق تعليمات منظمة الصحة العالمية وتفرض الحجر الصحي الشامل على شعبها هي مقاربة خطيرة في مقاومة وباء كورونا ورهان محفوف بمخاطر كثيرة حسب الخبراء في الأوبئة وإمكانية نجاحها ضئيلة جدا ومساوئها أكثر من محاسنها خاصة وأنها تعول على التضحية بجزء من الشعب من أجل انقاذ الأكثرية مع مراعاة الحريات الفردية والحقوق على حساب المخاطر غير المرتقبة التي قد تحدث.
ونأتي الآن إلى المقاربة الأمريكية التي توخاها الرئيس " دونالد ترامب " وهي مقاربة وجدت منذ أن أعلن عنها معارضة وانتقادات حادة فرغم الأصوات الكثيرة التي حذرته من اتباعها ونبهته من عواقبها الوخيمة على الشعب الأمريكي إلا أنه دافع عنها بعد أن لعب على ورقة الصراع الأمريكي الصيني وعلى أن الصين هي من تعمدت نشر هذا الوباء لإضعاف اقتصاديات العالم ومنها الاقتصاد الأمريكي لتتصدر الريادة العالمية لذلك لم يأخذ أية إجراءات أو تدابير وقائية استباقية واعتبر أن تطبيق الحجر الصحي الشامل على الشعب الأمريكي سيكون أسوأ من الوباء نفسه وقال إن أمريكا لن تنحني - في إشارة إلى التهديد الصيني حسب زعمه - وهي بلد قوي وتمارس التجارة مع الجميع ولكن من غير ارتباط مع أحد وأن الأولوية الملحة والعاجلة اليوم هي مقاومة هذا الوباء حماية لاقتصاد البلاد و لحياة الناس من خلال مقاربة ليبرالية مجحفة تعتبر أن الفرد في الأنظمة الرأسمالية له مكانة متقدمة ولكن الذي له الأولوية الأولى هو الاقتصاد والمصالح الاقتصادية لذلك فإن الخطة الأمريكية تقوم على فكرة تشبه الفكرة البريطانية تقول بأنه حتما سوف نخسر الكثير من الأشخاص بسبب هذا الوباء ولكن سوف نخسر أشخاصا أكثر لو أدخلنا البلاد في حالة من الاضطراب والتوتر من وراء فرض الحجر الصحي الشامل وسوف نخسر أرواحا كثيرة وسوف تكون هناك انتحارات وسوف تعم الفوضى . فهو يعتقد أن أمريكا بلد الحريات الأولى وهو بلد قوي ويملك الكثير من عناصر القوة التي تجعله يتفوق على الكثير من التحديات والأزمات .
هذه هي المقاربة الأمريكية في التعاطي مع وباء كورونا تقوم على استحضار فكرة العمق الأمريكي وعلى قدرة الإنسان الأمريكي على التحدي والمقاومة من دون تقييد لحريته أو وضعه تحت إجراء الحجر شامل على اعتبار وأن الأشخاص هم قادرون على التحرك والإنتاج وعلى مقاومة المرض وهي مقاربة رأسمالية صرفة تحتكم إلى الحسابات الاقتصادية والرهانات الانتخابية وعلى فكرة أن الأهم هو المال والاقتصاد والربح المادي وعلى فكرة أن الاقتصاد الأمريكي قوي وهو يمتلك عافيته من الشركات العملاقة في مجال النفط وتجارة الأسلحة والمنتجات الفلاحية وصناعة السيارات وغير ذلك من الصناعات الثقيلة التي مثلت قوة أمريكا الاقتصادية في العالم.
إن المأزق الكبير الذي يطرحه النموذج الأمريكي بتقديمه مصلحة الاقتصاد على حساب مصلحة الفرد والمصلحة الاقتصادية على حساب المصلحة الصحية يراهان على القوة الاقتصادية وعلى الصناعة الامريكية لتجاوز هذه الجائحة من دون اتخاذ اجراءات وقائية تقلل من تداعيات الفيروس يكمن في الأعداد الكبيرة من الافراد المصابين بمرض السمنة وبمرض القلب وضيق التنفس وهي وضعيات صحية تجعل من الصعب تخطي الوباء بأقل أضرار في الأرواح من دون اتخاذ اجراءات طبية ووضع خطة صحية خاصة إذا علمنا أن النموذج الأمريكي في مجال التغطية الصحية هو من بين أسوأ النماذج في العالم بوجود حوالي 28 مليون أمريكي خارج التغطية الصحية.
إن السؤال الاقتصادي مطروح في ضوء هذه الأزمة الصحية وإن تأثير هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي كبير وإن فيروس كورونا يحارب المنظومات الصحية في العالم فضلا على اقتصاديات الدول ولكن الخطر الأكبر أنه إذا توقفت الدول المنتجة للثروة عن العمل فإن الأمر سيزداد سوءا مما ينذر بالخطر الحقيقي والتحدي اليوم يكمن في الإجابة على سؤال ما هي الأولوية الآن إنقاذ البشرية أم إنقاذ الاقتصاد ؟ وهل يمكن أن نضحي بإحداهما إذا تعذر انقاذهما معا ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.