-الخوف..هو ذلك الشعور الحيواني،الذي لولاه لأنقرضنا جميعًا- مضت أشهر قليلة على انتشار فيروس «كورونا» عالمياً، وإن كان قد ولد هذا الفيروس قبل ذلك بقليل في الصين، لكنّ هذا الوباء، وهذا الفيروس ذو الشكل التاجي، نجح في تتويج نفسه كهمٍّ أولٍ للعالم حينما اخترق كل الحدود بين الدول، كما وصل أيضاً إلى العديد من السفن البحرية العسكرية والسياحية وجمّد حركة الطيران في السماء. التداعيات الدراماتيكية لهذا الوباء: ما زالت تفاعلات-هذا الوباء اللعين- تتواصل وتدفع نحو مستقبل غامض ومجهول في تفاصيله وفي تحديد الرابح والخاسر من تداعياته. ومما لا شك فيه أن أنّ الناس في معظم البلدان بدأت تتوزع إلى فئات ودرجات كمحصلة للإجراءات المرافقة لانتشار الوباء. الفئة الأكثر تضرراً طبعاً هي التي أصيبت بالوباء وعانت وتعاني من أعراضه المسببة للوفاة أحياناً. لكن مأساة زمن «كورونا» لا تنحصر في الإصابة بالوباء فقط، فهناك فئات عديدة من الناس تعيش الآن حالة الخوف من المرض ومن الجوع معاً. فئة أخرى من الناس تعيش الآن همّ «كورونا» في منازلها لكنّها تعجز حالياً ربما عن دفع إيجار المنزل أو الرهن العقاري أو عن توفير لقمة العيش والغذاء اللازم للعائلة يومياً بسبب توقف الكثير من الأعمال التي يتقاضى العمال فيها أجر يومي أو أسبوعي أو حتى من أوقفوا عن العمل في مؤسسات اضطرت للإغلاق فسرّحت العاملين فيها.حيث أضحوا بلا معاشات وبلا ضمانات صحية كانت تتصل بعملهم. فلنفكر بهؤلاء حينما نشعر بالضيق ممّا هو حاصل معنا وحولنا. ما أريد أن أقول؟ أردت القول أن كيفية إدارة الحاضر، لدى الأفراد والجماعات والحكومات،هي التي ستحدد مسار المستقبل وصورته. وحبذا لو يبدأ كل إنسان بكتابة خلاصات ودروس من تجربته في هذه الفترة، وأن تفعل ذلك أيضاً مؤسسات المجتمع المدني لجهة البرامج المطلوب تنفيذها في المجتمع بعد هذه الحالة الطارئة على حياة الناس والعالم كلّه. فمعيار محاسبة الحكومات في أي مجتمع سيكون في كيفية تعاملها مع حالة الوباء ونتائجه الصحية والاقتصادية. الخوف..ذلك الشعور الحيواني،الذي لولاه لانقرضنا جميعًا، تلك الحالة الطبيعية الفسيولوجية والنفسية التي ندين لها جميعًا إما بالبقاء أو حتى بالنجاة أحيانًا. قد يدفعنا الخوف لحماية أنفسنا من شر محقق. منذ نعومة أظافرنا نختبر الخوف بشقيه النفسي والفسيولوجي، نخاف عندما تتركنا أمهاتنا، نخاف بشكل فطري إذا رأينا شيئًا يوحي بالخطر، نكبر ويكبر معنا الخوف من الفقد، يدفعنا الخوف من الموت أو الغرامة لاتباع إشارات المرور، خوفنا من الفشل يوقظنا ليلًا لنحسم خطة مستقبلية، نقرر ألا نعود لأوطاننا خوفًا من السجن والتعذيب.هذا ما يفعله الخوف عندما يكون منطقيًا يساعدنا على النجاة، ثم نعود لحالتنا الطبيعية. أما أن يصاحب الشعور بالخوف البشر لفترة من الزمن فهنا تكمن المهلكة. حين يتحوّل الخوف إلى وحش كاسر: عندما يذهب شخص خائف ليقوم بشراء كميات من الطعام أو أي مستلزمات تزيد عن احتياجه في خلال الفترة المفترضة للعزل حال وقوعه ويقوم بعمل ذلك بشكل جنوني بحيث لا يترك شيئًا للآخرين، فهذا شخص جرده الخوف وبشكل جزئي من إنسانيته، فقد تحول الخوف إلى وحش كاسر يطارد الخائف ويخبره بأنه هو ومن بعده الطوفان، أرى التصرفات البشرية الأنانية المهلكة للآخرين بعيدة تمامًا عن كل مفاهيم التحضر والعيش المشترك راسمة بذلك لوحة لأبشع صورة استهلاكية تليق بالإنسان المابعد حداثي. وإذن؟ إذا، الناس خائفون ويتغلبون على خوفهم بمزيد من التصرفات غير الرشيدة التي أخرجتهم تقريبًا من فرضية أنهم كائنات اجتماعية يعيشون في مجتمعات حديثة متحضرة إلى يقين أن العالم بصدد نهايته، ويحضرني هنا مقولة ل برتراند راسل*جاء فيها: “الخوف هو المصدر الرئيسي للقسوة والخرافة، ويعد التغلب على الخوف هو رأس الحكمة”. لكن.. حبذا لو تدرك القوى الكبرى أنّ الأرض هي «بيت مشترك» لكل الناس عليها، وبأنّ الحريق أو الوباء في أي غرفة لن يرحم الغرف الأخرى. فالعالم كان يعاني قبل زمن «كورونا» من ويلات «الاحتباس الحراري» في الفضاء، ومن الصراعات بين الشرق والغرب، ومن استعمار الشمال للجنوب، ومن إرهاب متنوع الأسماء والأهداف، ومن عنصريات تنمو وتكبر في أماكن مختلفة، ومن احتلال استيطاني جاثم على أرض فلسطين كآخر مظاهر الاحتلال في العالم المعاصر. ختامًا،علينا الحذر لكن دون إفراط حتى لا نصل إلى مراحل مجنونة من الخوف، وأتمنى لكم-أيها القراء الكرام- ولي السلامة، وأتمنى على من يقومون بتخزين كميات هائلة من مطهر اليد أن يتركوا لي واحدة بأحد المتاجر،كي أنجو وأستطيع كتابة المزيد حول هذا الوباء اللعين.. وبإختصار أقول: الناس جميعهم على هذه الأرض هم على متن سفينة واحدة لكن المشكلة هي دائماً في ربان هذه السفينة، وللأسف، اختارت دول كبرى من هو غير مؤهل لقيادتها فكيف بقيادة العالم..؟! يبدو سيناريو فيروس كورونا مرعباً لمن تستهويه أفكار نهاية العالم، أما أصحاب المخيّلة الواسعة فهم الضحايا المحتملون لموسم جديد من الخوف من المجهول الذي قد يأخذنا إليه خط سير هذا الوباء المستفحل في القلوب أكثر من انتشاره على أرض الواقع. يظهر هذا جليّاً بمجرد تفحصنا لموقع “غوغل” على الإنترنت وكتابة أول حرفين من كلمة فيروس، إذ سرعان ما يتطوع محرك البحث لإتمام مهمتنا وتدوين الحروف الناقصة من كلمة “فيروس كورونا” وخلفه تظهر ملايين من العيون القلقة التي تبحث في الإنترنت عن أي بارقة أمل.. والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: ماذا ينقصنا لمواصلة رحلتنا المحتومة حتى نهايتها بعد كل الكوارث التي حلّت وتحل على سطح هذا الكوكب المنكوب..؟ هوامش *برتراند أرثر ويليام راسل (بالإنجليزية: Bertrand Russell) (18 مايو 1872 - 2 فبراير 1970) إيرل راسل الثالث، فيلسوف وعالم منطق ورياضي ومؤرخ وناقد اجتماعي بريطاني. في مراحل مختلفة من حياته، كان راسل ليبرالياً واشتراكياً وداعية سلام إلا أنه أقر أنه لم يكن أياً من هؤلاء بالمعنى العميق. وعلى الرغم من قضائه معظم حياته في إنجلترا، وُلد راسل في ويلز حيث توفي عن عمر يناهز سبعة وتسعين عاما.