شهر رمضان كما هو معروف ومعلوم منذ زمان هو شهر القرآن لقوله تعالى بصريح اللفظ وواضح البيان(شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس و بينات من الهدى والفرقان) ولئن كان المسلمون قد تعودوا منذ زمان على قراءة هذا القران الا ان القليل منهم مع الأسف الشديد هم الذين يتدبرونه و يبحثون عن البيان ويسعون كما امرهم الله الى طريق الهدى والرشاد والدليل على ذلك انك لو استوقفت اغلب الذين يقرؤون هذا الكتاب العظيم ويرتلونه اناء الليل واطراف النهار وسالته عن معاني بعض الآيات وخاصة تلك التي تدعو الى التساؤل والحيرة لما اشتملت عليه من معاني تعتبر قبيل العجب العجاب لنظر اليك في استغراب وكانه لم يمر بقراءة تلك الايات وكانه يسمعها لاول مرة طوال ما عاشه من اعوام ومن سنوات ومن هذه الآيات التي تفرض على العقلاء تساؤلات لا بد لها من توقف ووقفات قوله تعالى(ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صاعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين) الأعراف 143/144 فلماذا سال موسى ربه ان يراه دون بقية رسل الله اجمعين؟ ولماذا جاء الاستدراك الالاهي (لكن) بعد جواب الله بالنفي المؤكد لعدم وقوع الرؤية؟ ولماذا قال الله تعالى بعد هذا النفي المؤكد (فسوف تراني) ؟ ولماذا قال موسى (وانا اول المؤمنين) رغم انه يعلم انه ليس اول المؤمنين؟ لا يمكن الاجابة عن هذه الاسئلة مجتمعة الا بالرجوع الى اقطاب التفسير ولسنا نرى اولى منهم جميعا بالجواب غيرشيخنا العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله صاحب التحرير والتنوير والذي قال فيه (وسؤال موسى رؤية الله تعالى تطلع الى زيادة المعرفة بالجلال الالاهي لانه لما كانت المواعدة تتضمن الملاقاة وكانت الملاقاة تعتمد رؤية الذات وسماع الحديث وحصل لموسى احد ركني الملاقاة وهو التكليم اطمعه ذلك في الركن الثاني وهو المشاهدة...والاستدراك المستفاد من (لكن) لرفع توهم المخاطب الاقتصار على نفي الرؤية بدون تعليل ولا اقناع او ان يتوهم ان هذا المنع لغضب على السائل ومنقصة فيه فلذلك يعلم من حرف الاستدراك ان بعض ما يتوهمه سيرفع وذلك انه امره بالنظر الى الجبل الذي هو فيه هل يثبت في مكانه؟ وهذا يعلم منه ان الجبل سيتوجه اليه شيء من شان الجلال الالاهي وان قوة الجبل لا تستقر عند ذلك التوجه العظيم فيعلم موسى انه احرى بتضاؤل قواه الفانية لو تجلى له شيء من سبحات الله تعالى.. وقوله( فسوف تراني)ليس بوعد بالرؤية على الفرض لانه قد سبق قوله (لن تراني) ازال طمع السائل في الرؤية ولكنه ايذان بان المقصود من نظره الى الجبل ان يرى راي اليقين عجز القوة البشرية عن رؤية الله تعالى بالأحرى من عدم ثبات قوة الجبل...وقوله (وانا اول المؤمنين)اطلاق الأول على المبادر وهذا مجاز شائع مساو للحقيقة والمراد به هنا وفي غيره كناية عن قوة ايمانه حتى انه يبادر اليه حين تردد غيره فيه فهو للمبالغة وقد تقدم نظيره في قوله تعالى (ولا تكونوا اول كافر به ) في سورة البقرة وقوله (وانا اول المسلمين) في سورة الأنعام( التحرير والتنوير من ص91الى ص94) الجزء التاسع من المجلد الرابع) الم تصبح هذه الآيات بعد هذا التحرير وهذا التنوير واضحة تزيد القارئ لها ما ينبغي وما يفيد من قوة ومن حلاوة الايمان في كل زمان وفي كل مكان بقدرة الله تعالى العلي القدير؟